
في حين سارعت معظم دول العالم إلى إبداء موقفها مما يجري في سوريا وأرسلت تهانيها الرسمية، لم ترسل العديد من الدول العربية رسائل تهنئة لأحمد الشرع، بعد أن نصبته إدارة العمليات العسكرية رئيسا لسوريا في المرحلة الانتقالية، بينها تونس والجزائر، ما أثار تساؤلات حول دلالات هذا الصمت.
وبينما اعتبر محللون هذا الصمت موقفًا متريثًا من هذه الدول، يعتقد آخرون أن بعض هذه الدول قد تكون غير مرتاحة للتغيير المفاجئ في دمشق، خاصة في ظل العلاقات التاريخية التي جمعتها بالنظام السابق.
ومن بين الدول العربية الأخرى التي لم ترسل تهانيها الرسمية بعد لبنان، العراق، ليبيا، المغرب، والسودان، فيما أبدت كل من السعودية، قطر، الأردن، الإمارات، البحرين، مصر، الكويت، عُمان، مجلس القيادة الرئاسي اليمني، والسلطة الفلسطينية دعمها العلني لهذه الخطوة.
تونس مترددة
وإلى اليوم، لا تزال السلطات في تونس تراقب بحذر شديد التطورات في سورية، إذ لم تهنئ الدبلوماسية التونسية الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، كما لم تبد موقفاً مسانداً أو حتى مرحّباً بتطور الأحداث هناك.
وتميز الموقف التونسي بتردّد شديد حيال الأحداث المتسارعة في سورية، وسجل المراقبون حالة ارتباك واضحة، حيث نأت السلطات بنفسها عن اتخاذ مواقف جديدة إلى حين اتضاح المشهد، بسبب عوامل أرجعها خبراء وفقا لموقع "العربي الجديد"، إلى رصد الموقف الدولي من السلطات السورية الجديدة، والملف الأمني العالق بين تونس وسورية منذ سنوات بسبب وجود مقاتلين تونسيين في سورية، وعوامل أخرى مرتبطة بالوضع الداخلي في تونس.
وكانت تونس قد أصدرت بياناً، في أواخر تشرين الثاني / نوفمبر، أدانت فيه "بشدّة الهجمات الإرهابية التي استهدفت شمال سورية في المدّة الأخيرة"، وأعربت الخارجية التونسية عن "تضامنها التام مع الجمهورية العربية السورية"، داعية المجموعة الدولية إلى "مساندة هذا البلد الشقيق حتى يحافظ على سيادته وأمن شعبه واستقراره ووحدة أراضيه".
وفي 9 كانون الثاني / ديسمبر 2024، إثر سقوط نظام بشار الأسد، أصدرت بياناً قالت فيه إن "الجمهورية التونسية، وفي ضوء الأحداث المتسارعة التي تشهدها الجمهورية العربية السورية، تشدد على ضرورة تأمين سلامة الشعب السوري والحفاظ على الدولة السورية دولة موحّدة كاملة السيادة، بما يحميها من خطر الفوضى والتفتيت والاحتلال، وعلى رفض أيّ تدخل أجنبي في شؤونها".
وذكّرت تونس بـ"موقفها الثابت المتعلّق بضرورة التفريق بين الدولة، من جهة، والنظام السياسي القائم داخلها، من جهة أخرى. فالنظام السياسي هو شأن سوري خالص يختاره الشعب السوري صاحب السيادة، فهو وحده الذي له الحقّ في تقرير مصيره بنفسه بمنأى عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي".
وفي بيان ثالث صدر في 12 كانون الاثني / ديسمبر 2024، عبرت تونس عن إدانتها "للاعتداءات الصهيونية على الأراضي السورية، بعد سطو الكيان المحتلّ على جزء من الأراضي السورية في المنطقة العازلة في هضبة الجولان السورية المحتلة، في هذه المرحلة الاستثنائية التي تمرّ بها الجمهورية العربية السورية الشقيقة".
وكانت تونس سعت بعد تسلّم قيس سعيد سدة الحكم لدعم العلاقات مع النظام السوري السابق، وأعاد البلدان فتح السفارتين وتبادُل السفراء منذ 2023، وجاء في بيان مشترك بين النظام السوري وتونس وقتها أن دمشقَ قررت إعادة فتح سفارتها لدى تونس وتعيين سفير على رأسها، وذلك تجاوباً مع مبادرة الرئيس التونسي قيس سعيد بتعيين سفير لبلاده لدى النظام.
الواقع قد يدفع الجزائر إلى إعادة تقييم تحالفاتها الإقليمية والدولية والتريث قبل اتخاذ خطوات تقارب مع النظام الجديد
ومنذ اندلاع الثورة السورية في 2011 اتسمت العلاقة بين تونس وسوريا بالتذبذب وأحيانا الفتور حيث أعلن الرئيس السابق المنصف المرزوقي في فبراير 2012 قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري احتجاجا على قمع الاحتجاجات في البلد، قبل أن تعود العلاقات تدريجيا في 2014 بعد وصول الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي إلى الحكم.
وبزوال النظام السوري، عاد الجدل في الأوساط التونسية بشأن تأثير المواقف الحزبية في البلاد على أفق العلاقة بين تونس وسوريا.
الجزائر تتبنى موقفاً حذراً تجاه الحركات الإسلامية المسلحة
هذا وأثار تعاطي الجزائر مع الوضع السوري الجديد تساؤلات ونقاشات، لا سيما أن المشهد الدولي فرض الأمر الواقع الذي أصبح معه الشرع الرئيس الفعلي للبلاد، إذ تتحدث جهات، بحسب "أندبندنت عربية"، عن أن دمشق لم تعد أولوية بالنسبة إلى الجزائر في الوقت الحالي، بينما راحت فئة ثانية إلى اعتبار أن الجزائر لا تريد التشويش على الشعب السوري، الذي له الحق في اختيار ما يناسبه احتراماً لما يجمع الشعبين من روابط تاريخية واجتماعية قوية، كما ذهبت أطراف أخرى تقول إن طريقة وصول الإدارة السورية الحالية إلى الحكم أفرزت نوعاً من التوجس الذي يمنع الاندفاع وانتظار مواقف وقرارات الأمم المتحدة.
وأكدت الخارجية الجزائرية عقب اتصال بين مسؤولها الأول أحمد عطاف ونظيره السوري بسام الصباغ في الثالث من كانون الأول / ديسمبر 2024، أي قبل أيام من سقوط نظام الأسد، "موقف الجزائر الثابت وتضامنها المطلق مع سوريا دولة وشعباً في مواجهة التهديدات الإرهابية التي تتربص بسيادتها ووحدتها وحرمة أراضيها، وكذلك أمنها واستقرارها".
في السياق، رأى الحقوقي الجزائري آدم مقراني، لـ"اندبندنت عربية"، أن الجزائر من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقات دبلوماسية مع النظام السوري بقيادة الأسد خلال سنوات الحرب الأهلية، وهذا الموقف ينبع من رؤيتها لأهمية الحفاظ على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، "لكن بعد سقوط نظام الأسد وجدت الجزائر نفسها أمام تحدي إعادة تقييم علاقاتها مع القيادة السورية الجديدة".
وقال مقراني إن الجزائر "تتبنى موقفاً حذراً تجاه الحركات الإسلامية المسلحة، ومع سيطرة المعارضة المسلحة على الحكم في سوريا، قد تكون الجزائر مترددة في التقارب مع نظام جديد يتألف من فصائل ذات خلفيات إسلامية مسلحة، خشية تأثير ذلك في أمنها الداخلي واستقرارها، وهذا التخوف يعكس الهواجس الأمنية الجزائرية المرتبطة بتجربتها السابقة مع الجماعات المسلحة".
كما أضاف "قد تكون هناك اعتبارات جيوسياسية تؤثر في قرار الجزائر في التقارب مع النظام السوري الجديد، لكونها كانت تعد حليفاً استراتيجياً لنظام الأسد، وسقوطه قد يضعف موقفها الجيوسياسي في المنطقة". وشدد على أن هذا الواقع قد يدفع الجزائر إلى إعادة تقييم تحالفاتها الإقليمية والدولية والتريث قبل اتخاذ خطوات تقارب مع النظام الجديد لضمان تحقيق توازن في علاقاتها الخارجية.
دول عربية هنأت الشرع
يشار إلى أن الدول العربية التي هنأت الشرع بالرئاسة هي كل من السعودية وقطر والأردن والإمارات والبحرين ومصر والكويت وعمان ومجلس القيادة الرئاسي اليمني والسلطة الفلسطينية.
وبعد ذلك بأيام، هنأ كل من العاهل المغربي محمد السادس، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، الشرع على توليه منصب الرئاسة في المرحلة الانتقالية.
وكانت الإدارة السورية الجديدة أعلنت تعيين الشرع رئيسا للبلاد في المرحلة الانتقالية، ضمن سلسلة قرارات واسعة تضمنت حلّ كل الفصائل المسلحة، إضافة الى الجيش والأجهزة الأمنية القائمة في العهد السابق، وإلغاء العمل بالدستور وحلّ مجلس الشعب وحزب البعث الذي حكم البلاد على مدى عقود.
وأتت هذه القرارات خلال مؤتمر "إعلان انتصار الثورة السورية"، بحضور الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، والعديد من قادة الفصائل المسلحة.