كيف شنت إسرائيل حرباً ممنهجة على جامعات غزة؟

كيف شنت إسرائيل حرباً ممنهجة على جامعات غزة؟

كيف شنت إسرائيل حرباً ممنهجة على جامعات غزة؟


07/07/2025

في قلب قطاع غزة المحاصر وخلال الحرب الإسرائيلية، لم تعد الصواريخ تستهدف المباني السكنية وحدها، بل امتد الدمار إلى الجامعات والعقول والذاكرة الأكاديمية للأجيال. 

وقد شنت إسرائيل هجمات ممنهجة وغير مسبوقة على الجامعات الفلسطينية، فحوّلت قاعات المحاضرات إلى ركام، ودمرت مختبرات الأبحاث، وأحرقت آلاف الوثائق والشهادات.

ولم يكن القصف عشوائياً فحسب، بل بدا كأنّه فصل جديد من حرب معلنة على المعرفة والهوية الوطنية، حرب صامتة تستهدف ما تبقى من حلم التعليم في غزة، وتترك وراءها أسئلة كبرى عن مستقبل طلاب بلا مقاعد وأساتذة بلا جامعات.

لم يعد القصف في غزة يطال المباني فقط، بل أصبح يستهدف الجامعات والعقول، في حرب صامتة على المعرفة والهوية الوطنية.

 

ووفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإنّ (6) جامعات في قطاع غزة تم تدميرها بشكل كامل أو جزئي بفعل عمليات الاستهداف الإسرائيلي، منها (3) تم تدميرها بشكل كامل.

وقال المرصد الأورومتوسطي: إنّ الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة أدت إلى تعطيل كامل للعملية التعليمية في كافة الجامعات والكليات الجامعية والمجتمعية، كما أنّ (3) من رؤساء الجامعات قتلوا في غارات إسرائيلية، في وقت تمّ فيه حرمان (88) ألف طالبة وطالب من مواصلة تلقي تعليمهم الجامعي، وتعذّر على (555) طالباً وطالبة الالتحاق بالمنح الدراسية في الخارج.

وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ القائمة التي وثقها تضم (17) شخصية يحملون درجة البروفيسور، و(59) يحملون درجة الدكتوراه، و(18) يحملون درجة الماجستير، وأنّ هذه الحصيلة غير نهائية.

هدم البيئة الأكاديمية

ويرى الأكاديمي وأستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة القدس ماجد منصور أنّ "استهداف الاحتلال للجامعات بقطاع غزة يسهم بشكل متعمد في هدم البيئة الأكاديمية التي طالما كانت سبباً بارزاً للتحفيز والابتكار، وبالتالي التوقف التام للعملية التعليمية وحرمان الطلاب من حقهم في التعليم في الحاضر والمستقبل، وحرمان الهيئة التدريسية من حقهم في العمل".

تدمير إسرائيل للجامعات في غزة حرم أكثر من 88 ألف طالب من التعليم، وقتل رؤساء جامعات وأكاديميين، وأحال القاعات إلى ركام.

 

ويضيف منصور: "دمرت الحرب البنى التحتية للجامعات بغزة، فتمّ تدمير المختبرات العلمية والمكتبات والمباني، كما دمرت أيضاً التخصصات الحيوية المهمة، وخاصة العلمية منها  كالطب والزراعة والهندسة، وهذا بدوره يؤثر بشكل سلبي على قطاعات واسعة داخل المجتمع".

ويشير إلى أنّه "لا بدائل متاحة أمام طلبة الجامعات في غزة سوى التعلم عن بُعد، على الرغم من سلبيات هذا النوع من التعليم الذي لن يستطيع تحقيق التقدم في العملية التعليمية، لاعتبارات عدة من بينها البيئة غير المناسبة لهذا النوع من التعليم، لعدم توفر شبكة الإنترنت بشكل مستمر، وضعف الاتصالات، والانقطاع المستمر للكهرباء".

استهداف الجامعات الفلسطينية لم يكن مصادفة، بل جزء من محاولة ممنهجة لإبادة البيئة الأكاديمية وتحطيم حلم التعليم في غزة.

 

ويؤكد منصور أنّ "تعزيز صمود الجامعات في غزة والحفاظ على استمرارية التعليم لا بدّ له من تشجيع الطلبة على الالتحاق بالجامعات العربية والدولية لإكمال تعليمهم بعد انتهاء الحرب على غزة مباشرة"، مبيناً أنّ "الجامعات في غزة بحاجة إلى الكثير من الوقت لاستعادة أنشطتها بعد التدمير الهائل الذي أصابها".

ولفت الأكاديمي الفلسطيني إلى أنّه "يتوجب على الأكاديميين إيصال صوتهم ومعاناتهم إلى العالم، عبر التواصل مع المؤسسات والمنظمات الحقوقية والأكاديمية، وتوضيح الواقع المدمر لقطاع التعليم في غزة".

جريمة حرب

بدوره، يقول الحقوقي ورئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) صلاح عبد العاطي: إنّه "إلى جانب تعمد إسرائيل استهداف المدنيين العزّل، خطط الاحتلال أيضاً لإبادة التعليم، وتحديداً الجامعات والأكاديميين في قطاع غزة، فقد تم تدمير (16) فرعاً لـ (6) جامعات جرى قصفها وتدميرها بشكل كلي أو جزئي غير صالح لمواصلة المسيرة التعليمية من جديد".

الطالبة خلود الشنطي، تعيش في خيمة منذ شهور، دون كهرباء أو إنترنت، وتحلم باستكمال تعليمها رغم القصف والدمار المتواصل.

 

ويضيف عبد العاطي: "الحرب الإسرائيلية أدت إلى مقتل (164) أكاديمياً يحملون درجات علمية مختلفة، بالإضافة إلى استهداف (750) مُدرّساً، و(12) ألف طالب، وتدمير (350) مدرسة بشكل كلي أو جزئي، ويأتي ذلك لإبادة قطاع التعليم بشكل عام، مع التركيز على التعليم الجامعي بشكل خاص".

ويوضح أنّ "استهداف الجامعات والمدارس والأكاديميين مخالف للقانون الدولي الإنساني، وينتهك الحق في التعليم، الذي كفلته المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة (13) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".

ويؤكد عبد العاطي أنّه "على الرغم من تحويل بعض المؤسسات التعليمية إلى مراكز إيواء، إلا أنّ الاحتلال تعمّد استهداف النازحين بداخلها وتدميرها بشكل يجعل قطاع غزة غير قابل للحياة، مشيراً إلى أنّ "استهداف الجامعات يُعتبر جريمة حرب، وفق المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي وصفت الهجمات المتعمدة ضد الأعيان المدنية ضمن جرائم الحرب، وانتهاكاً لاتفاقيتي لاهاي وجنيف".

في غزة، لم يعد للطلاب وقت للحلم، بل للنجاة فقط، فكل دقيقة قد تكون الأخيرة تحت وقع القصف والطائرات دون طيار.

 

ويوضح: "يجب مساءلة إسرائيل وملاحقة الأفراد الذين أصدروا أو نفذوا أو شاركوا في مثل هذه الهجمات أمام محكمة الجنايات الدولية، وإصدار مذكرات اعتقال بحقهم، وفرض العقوبات على دولة الاحتلال، وكذلك مقاطعة الجامعات والأكاديميين حول العالم للجامعات الإسرائيلية، ومنع التعاون معها".

وطالب عبد العاطي "بضرورة إيجاد حلول عاجلة لاستكمال طلبة قطاع غزة لدراستهم الجامعية، وضرورة فتح معبر رفح مع مصر، لتسهيل سفر الطلبة المسجلين في جامعات خارج قطاع غزة، الذين علقوا داخل غزة بفعل الحرب وإغلاق المعبر".  

مستقبل غامض

وفي ركام الحرب التي اجتاحت غزة، تجد الطالبة خلود الشنطي (20 عاماً) نفسها وجهاً لوجه مع مستقبل غامض، بعدما دُمّرت جامعتها التي احتضنت حلمها التعليمي لعامين متتاليين تحت ضربات القصف العنيف.

وتوقفت الشنطي عن الدراسة منذ أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، حيث حرمتها الحرب من تحقيق حلمها، وأرجأت ذلك لأجل غير مسمى، وباتت العودة إلى الدراسة أمراً صعباً. 

تُعتبر الهجمات على الجامعات انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وخرقًا للمادتين 26 و13 من المواثيق الأممية.

 

وتدرس الشنطي تخصص اللغة العربية بجامعة الأزهر في غزة، وعلى الرغم من إعلان جامعتها استئناف الدراسة إلكترونياً، إلا أنّها لم تستطع الالتحاق بالتعليم الإلكتروني".

وتوضح: "منذ (18) شهراً أعيش وعائلتي في خيمة دون كهرباء أو إنترنت أو حاسوب للدراسة، كما أنّ المزاج العام سيّئ للغاية بسبب ظروف الحرب واستمرار الجرائم الإسرائيلية، فكيف سأدرس؟".

حلم تعليمي ينهار

وتصف الطالبة الشنطي كيف تحولت حياتها اليومية إلى صراع من أجل البقاء، بين طوابير المياه والبحث عن الحطب، بينما كانت متمسكة بكتبها الجامعية على أمل استكمال دراستها، لكنّ قصف منزلها في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 قضى على ما تبقى من هذا الأمل، لتعيش اليوم قلقاً شديداً على مستقبلها الأكاديمي الذي دمرته الحرب الإسرائيلية على غزة.

الطالب ياسر الشنتف فقد جامعته وكتبه وأصدقاءه، وتحول من حلم التخرج إلى العمل في مقهى لتأمين لقمة العيش لعائلته.

 

وتتابع: "لا أدري ماذا أفعل؟ فأنا قلقة على مستقبلي الذي يضيع أمام عيني، فالحرب الإسرائيلية دمرت مستقبلي، ومستقبل الآلاف من طلبة الجامعات، لقد دمر الاحتلال كل شيء في غزة".

الشنطي تؤكد أنّها "لن تيأس من مواصلة تحقيق حلمها ومواصلة تعليمها بعد انتهاء الحرب، حتى لو اضطرت إلى السفر لاستكمال دراستها خارج قطاع غزة، داعية العالم إلى محاسبة الاحتلال ووضع حدٍّ لاستهداف المؤسسات التعليمية، ودعم التعليم في غزة بأيّ وسيلة كانت".

التعليم وسط الدمار والنزوح

وكان الطالب بشير عطوة الذي يدرس في السنة الرابعة على موعد مع تخرجه في تخصص "الإعلام" من جامعة فلسطين في غزة، وهي واحدة من (6) جامعات تم تدميرها من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

الطالب بشير عطوة قطع 3 كيلومترات يوميًا للبحث عن إنترنت، لكنه اضطر للتوقف بسبب تكاليف باهظة وظروف لا تحتمل الدراسة.

 

عطوة (22 عاماً) نزح وأسرته من حي الشجاعية شرق مدينة غزة في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 إلى مواصي خان يونس جنوب القطاع هرباً من القصف، وبسبب التحذيرات الإسرائيلية التي أجبرت السكان على التوجه إلى جنوب وادي غزة.

يقول: "التحقت بالتعليم الإلكتروني بالجامعة، ولكنّني لم أستطع استكماله، وذلك نظراً للصعوبات الكبيرة التي واجهتني، وأبرزها عدم توفر الإنترنت، وانقطاع الكهرباء، والبيئة غير المناسبة للدراسة".

ويضيف عطوة: "كنت أضطر يومياً للسير مسافة (3) كيلو مترات للوصول إلى أحد المقاهي التي لديها شبكة إنترنت قوية، لتحميل المواد والملخصات الدراسية التي يُقرّها أساتذة الجامعة".

استُشهد 164 أكاديميًا، واستُهدف 750 مدرسًا، وتدمرت 350 مدرسة، ما يعكس استهدافًا ممنهجًا لمؤسسات التعليم كجزء من جرائم الحرب.

 

ويوضح: "توقفت عن الذهاب مجدداً لمتابعة دروسي الجامعية لظروفي المالية الصعبة، حيث تتطلب ساعة الإنترنت الواحدة مبلغ (3) دولارات أمريكية، وهو ما لا يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية السيئة التي أعانيها أنا وعائلتي".

مستقبل تعليمي ضبابي

ويتابع: "استسلمت أخيراً لفكرة "ضياع سنة من عمري"، "كان يُفترض أن نخوض هذه الأيام الامتحانات النهائية للفصل الدراسي الثاني". و"كل ذلك تأجل، لكن إلى متى؟ لا أحد يعلم، هذه الحرب تبدو بلا أفق وبلا سقف زمني، مستقبلنا التعليمي بات ضبابياً".

لا مقاعد، لا مختبرات، لا شهادات... فقط حلم تعليمي مدمّى، معلّق في الهواء كغيمة سوداء، ينتظر معجزة لينجو من تحت الأنقاض.

ويبين عطوة: "ما زلت محظوظاً حتى اللحظة لأنّني على قيد الحياة، فالكثير من زملائي بالجامعة قتلوا"، موضحاً: "في هذه الحرب المجنونة لا أرجو سوى النجاة لنفسي وأسرتي وأحبتي".

وتحدث عطوة عن الحالة النفسية الصعبة التي تؤثر بشكل كبير على الطلبة، وتُضعف تركيزهم، وتساءل: "كيف سيدرس الطالب وهو يعرف أنّه مُعرّض في أيّ لحظة للقتل وسقوط صاروخ على منزله أو خيمته أو على منازل وخيام جيرانه؟".

فقد حلمه بالتخرج

ويخشى الطالب ياسر الشنتف (29 عاماً) من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، الذي يدرس الماجستير في تخصص "الإحصاء" في الجامعة الإسلامية بغزة، يخشى على مستقبله التعليمي، بعد أن قصف الجيش الإسرائيلي الجامعة، ودمّر غالبية مبانيها.

ويضيف الشنتف: "كان يفترض أن أتخرّج في الجامعة العام الماضي 2024، وهو ما كنت أنتظره بفارغ الصبر، إلى أن انقلب مستقبلي رأساً على عقب، وتحولت أحلامي من أن أكون إنساناً متعلماً إلى عامل في أحد المقاهي لتوفير المستلزمات الضرورية لعائلتي".

دمّرت الحرب البنى التحتية للجامعات، وأوقفت التخصصات الحيوية كالطب والهندسة، ما يهدد المجتمع الفلسطيني بأسره في المدى البعيد.

 

ويوضح: "لقد ضاع العام الماضي، وخسرت كتبي الدراسية، وخسرت بعض أصدقائي وأساتذتي، ولا أدرى ماذا سيحل بنا العام الحالي 2025، لقد اجتهدت من أجل الوصول إلى حلمي، والآن كل شيء تبخر، ولا أحلم حالياً سوى بالنجاة من هذه الحرب البشعة".

ويؤكد الشنتف: "البيئة غير مناسبة أيضاً لمواصلة الدراسة، مع الانقطاع المستمر للإنترنت والاتصالات، كما أنّ أصوات القصف وطائرات الاستطلاع وإطلاق النار المتواصل على مدار اليوم تجعلني في خطر وتوتر مستمر".

حياة ألم وقهر ومعاناة

ويوضح: "لم تعد الجامعة صالحة للدراسة، كل شيء مدمر، المقاعد الدراسية، والمختبرات التعليمية، وكل مرافقها، وإن انتهت الحرب، فالعودة على هذه الحال صعبة جداً، وربما تحتاج غزة لأعوام من أجل إعادة العملية التعليمية".

"تحولت القاعات الجامعية في غزة من منابر للعلم إلى ركام صامت، تحمله الرياح كأشلاء لذاكرة تعليمية تُباد عن سابق قصد."

ويتساءل الشنتف: "كيف سأتدبر أمور دراستي بعد كل هذا؟ أنا قلق جداً على مستقبلي الجامعي، وأعيش مرارة القتل والقصف كبقية السكان في غزة، وباتت تفاصيل حياتي ألماً وقهراً ومعاناة".

ويؤكد الشنتف أنّ "جميع الطلبة في العالم حالياً مستمرون بمسيرتهم التعليمية، ولكن نحن لا نستطيع حتى ضمان حياتنا لدقيقة واحدة، بسبب هذه الحرب التي لم ترحم أحداً أبداً".

وقد شنت إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 حرباً واسعة على قطاع غزة، أدت إلى مقتل (57338) وإصابة (135957)، وهي (حصيلة غير نهائية).




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية