"خبز وماء وبن علي لا"... آخر شعارات الثورة التونسية التي أجهضها الإخوان

"خبز وماء وبن علي لا"... آخر شعارات الثورة التونسية التي أجهضها الإخوان

"خبز وماء وبن علي لا"... آخر شعارات الثورة التونسية التي أجهضها الإخوان


23/05/2023

"خبز وماء وبن علي لا" شعار رفعه التونسيون خلال أحداث الثورة التي بدأت شرارتها يوم 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010 إلى حدود 14 كانون الثاني (يناير) 2011 (تاريخ هروب زين العابدين بن علي)، وتردّد هذه الشعار كثيراً خلال الأعوام التي أعقبت ذلك، إذ أراد التونسيون أن يؤكدوا أنّهم مستعدون لأكل الخبز والماء، المهم أن يرحل عنهم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، الذي حكم البلاد مدة (23) عاماً، أحكم خلالها قبضته على كل مفاصل الدولة.

هذا الشعار استرجعه التونسيون خلال الأيام الأخيرة، للتعبير عن استيائهم ممّا آلت إليه الأوضاع بعد كل هذه الأعوام، بالتزامن مع أزمة فقدان الخبز المتفاقمة في البلاد، معبرين عن تخوفهم من سقوط هذا الشعار تماماً كما أسقط الإخوان باقي شعارات الثورة كـ "الشغل والحرية والكرامة الوطنية...".

سعيّد يُصعّد ويدعو لحل الأزمة خلال ساعات

حدّة الأزمة دفعت الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى تصعيد اللهجة ضد المسؤولين بالبلاد، داعياً إياهم إلى ضرورة حسم مشكلة نقص مادة الخبز خلال الساعات القادمة، مجدّداً موقفه بأنّ عدم توفر المواد الأساسية تقف وراءه جهات معروفة تعدّ لخلق أزمة تزويد قد تشمل المحروقات ومواد أخرى.

وشدّد سعيّد في كلمته على أنّ "خبز المواطن والمواد الأساسية يجب أن تتوفر، وهذا دور وزارة الفلاحة (الزراعة)، وديوان الحبوب (حكومي) وكل الإدارات المعنية في الدولة التي يجب أن تتصدى للمحتكرين والعابثين بقوت التونسيين".

هذه التصريحات أدلى بها سعيّد من وزارة الفلاحة، التي زارها والتقى وزيرها عبد المنعم بلعاتي وكادرها، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء التونسية (وات) عن مقطع فيديو نشرته مساء الإثنين رئاسة الجمهورية.

حدّة الأزمة دفعت الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى تصعيد اللهجة ضد المسؤولين بالبلاد

وتشهد بعض الولايات التونسية أزمة متصاعدة تهدد بإغلاق المزيد من المخابز، في ظل النقص الحاد بالمواد الأولية لصناعة الخبز غير المدعوم حكومياً.

وأضاف الرئيس التونسي: "الهدف من هذه الأزمات المتعاقبة تأجيج المجتمع لغايات سياسية واضحة، وعلى الشعب والمخلصين للوطن الانتباه إلى ذلك".

وأكد سعيّد على أنّ "المسؤولين في الإدارات التونسية يجب أن ينضبطوا لمبدأ الحياة ومبدأ المصلحة العامة، لا أن يخدموا جهات أخرى وأحزاباً لا تظهر في الصورة، لكنّها تقف وراء كل هذا، ونحن نعرفهم بالأسماء، ولن نسكت على تجويع الشعب التونسي".

الشعار استرجعه التونسيون خلال الأيام الأخيرة، للتعبير عن استيائهم ممّا آلت إليه الأوضاع بعد كل هذه الأعوام

وأشار إلى أنّ "مسارات التوزيع التي من المفترض أن تكون واضحة، لا تسير على النحو الصحيح، والنسبة الأكبر من مختلف السلع المؤثرة في السوق تُدار خارج المسالك الرسمية".

وغالباً ما يتهم سعيّد المحتكرين بالتورط في إحداث أزمة في تونس، ويربط بين نقص بعض المواد الأساسية وبين قضايا التآمر التي أدت إلى إيقاف عدد كبير من قيادات الإخوان.

هل تجهض أزمة الخبز آخر شعارات الثورة؟

هذا، وتتصاعد أزمة نقص المواد الغذائية الأساسية في تونس، وفقدان بعضها تماماً بين الحين والآخر من الأسواق، لتشمل هذه المرّة نقصاً حاداً في الخبز (الرغيف)، ممّا أدى إلى اضطراب في عمل المصانع وغياب منتجات عن رفوف المتاجر، في البلاد التي يرى خبراء أنّ "الصعوبات المالية" التي تعاني منها هي السبب الرئيسي للأزمة، وسط تحذيرات من بلوغ الأزمة الاجتماعية ذروتها هذا الصيف.

وتشمل المواد التي تشهد نقصاً في السوق التونسية منذ عدة أسابيع الخبز والطحين ومواد العجين وزيت الطبخ، وتشهد المخابز التونسية أزمة في ظل نقص في المواد الأولية اللازمة لصناعة الخبز غير المدعم، ممّا أدى إلى إغلاق نحو ثلثها البالغ عددها (1500).

وقال المجمع المهني للمخابز العصرية التابع لكنفدرالية المؤسسات التونسية المواطنة "كونكت": إنّ تونس ستشهد أزمة في مادة الخبز في حال عدم إيفاء سلطة الإشراف بالتزاماتها.

ما تزال وتائر السخط الشعبي ومشاعر العجز والإعياء العامة مرتفعة ومتنامية؛ بسبب فشل الطبقة السياسية التي استلمت الحكم بعد 2011 في تحقيق كل الشعارات والأهداف

وجدّد المجمع المهني للمخابز العصرية، في بلاغ له الأربعاء، مطلبه لوزارة التجارة وتنمية الصادرات بمزيد من الحرص على احترام التزاماتها تجاه أصحاب المهنة لتفادي المزيد من تدهور الوضع.

وأعرب المجمع عن قلقه إزاء تواصل مشكل النقص الفادح في التزود بمادتي "الفارينة" (الطحين) والسميد، منذ أكثر من (3) أشهر في كامل الجهات، والذي أدى إلى إغلاق العديد من المخابز، ودعا المجمع المهني للمخابز العصرية بالمناسبة إلى الترشيد في استهلاك الخبز.

ويحتلّ الخبز مكانة بارزة في المجتمع التونسي، وله دلالات سياسية واجتماعية، "فقد كان الخبز محرّكاً للفئات الثائرة على أنظمة الحكم"، لعلّ أبرزها "أحداث الخبز" التي جدّت في كانون الثاني (يناير) 1984، إثر رفع سعر الخبز من (80) مليماً إلى (170) مليماً في عهد حكومة الحبيب مزالي.

ويُعدّ "شعار الخبز" آخر شعارات الثورة التي ما يزال يعلّق عليها التونسيون آمالهم، خصوصاً بعد إسقاط حكم الإخوان، الذين أدخلوا البلاد في دوامة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، فضلاً عن إحداث فوضى في البلاد بين الإرهاب والفساد المالي ونشر أفكار غريبة عن المجتمع التونسي.

الإخوان يجهضون شعارات الثورة

ورغم الاتفاق على وصف تونس بأنّها قصة النجاح اليتيمة في "الربيع العربي"، لكن وبعد مرور أكثر من عقد على ثورة 2010-2011، ما تزال وتائر السخط الشعبي ومشاعر العجز والإعياء العامة مرتفعة ومتنامية، بسبب فشل الطبقة السياسية التي استلمت الحكم بعد 2011 في تحقيق كل الشعارات والأهداف التي رفعها التونسيون.

ومنذ العام 2011 غادر البلاد أكثر من (100) ألف من العمال والمتعلمين، وما يثير القلق أكثر أنّ تونس باتت واحدة من أكبر المساهمين في ظاهرة المقاتلين الأجانب في تنظيم داعش، كما أنّ معدلات الانتحار فيها تضاعفت، دون اعتبار تفاقم الأوضاع الاجتماعية في المدن الداخلية التي أشعلت فتيل الثورة، كالقصرين وسيدي بوزيد وقفصة، بالنظر إلى تواصل التحركات الاحتجاجية والاعتصامات فيها على مدى الأعوام الـ (10) التي حكمت خلالها حركة النهضة الإخوانية.

بات العديد من المؤشرات الاقتصادية أسوأ من ذي قبل، نتيجة للتغلغل الإخواني في كل مفاصل الدولة ونشر عناصرها في كل الإدارات

وشعر العديد من الشبان الثوريين ونشطاء المجتمع المدني بعد رحيل بن علي وكأنّ النخب السياسية سرقت منهم الثورة، خصوصاً أنّ غالبية أولئك الذين دشّنوا الانتفاضة كانوا من الشبان العاطلين كلياً أو جزئياً عن العمل.

وعلى الرغم من مرور كل هذه الأعوام على الثورة، لم يتم الوفاء بالمطالب الاقتصادية للمُحتجين، وبات العديد من المؤشرات الاقتصادية أسوأ من ذي قبل، نتيجة للتغلغل الإخواني في كل مفاصل الدولة، ونشر عناصرها في كل الإدارات، وتعويض شبابها والمتمتعين بالعفو التشريعي العام بوظائف حكومية، دون مراعاة شباب الثورة.

ويرجع مراقبون سوء الأوضاع الاجتماعية-الاقتصادية إلى تراجع السياحة غداة الهجمات الإرهابية، وسوء تصرّف حكومات ما بعد الثورة مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية، وأيضاً السياسية، إلى جانب فشل سياساتها الخارجية.

مواضيع ذات صلة:

جدل العلاقة بين حركة النهضة الإخوانية وجبهة الخلاص في تونس

هل تكون جبهة الخلاص بوابة تنازلات النهضة لاسترضاء قيس سعيد؟

تونس... هل ينجح البرلمان الجديد في ما فشل فيه برلمان الإخوان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية