جدل العلاقة بين حركة النهضة الإخوانية وجبهة الخلاص في تونس

جدل العلاقة بين حركة النهضة الإخوانية وجبهة الخلاص في تونس

جدل العلاقة بين حركة النهضة الإخوانية وجبهة الخلاص في تونس


02/03/2023

تتحرك جبهة الخلاص الوطني، التي تتكون من قوى سياسية وشخصيات مستقلة معارضة للرئيس التونسي قيس سعيّد، ويقدرها سياسيون وخبراء تونسيون رديفاً لحركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمون في تونس، نحو إطلاق حملة مساندة للموقوفين، وبعض من قيادتها، على ذمة تحقيقات في شبهات تتعلق بالتآمر على أمن الدولة، تشمل إجراء اتصالات مع منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، في خطوة تكشف خبيئة النهضة نحو التستر داخل حركات سياسية؛ بغية الاستقواء بالخارج؛ من خلال الجماعات الحقوقية الدولية.

تسعى الجبهة إلى ممارسة ضغوط على الرئيس قيس سعيّد، بعد أن فشلت في السابق في تأليب الشارع على مسار 25 تمّوز (يوليو) 2021، الذي عُزلت بموجبه منظومة الحكم السابقة بقيادة حركة النهضة، وذلك عبر الحشد مجدداً لمظاهرات محلية، والاستعانة بمنظمات دولية، بينما يتعرض الرئيس التونسي لضغوط وتدخلات خارجية، سبق أن أعلن رفضه لها؛ بوصفها تدخلاً في شؤون بلاده.

علاقة وظيفية

وفي هذا السياق، يشير الأكاديمي التونسي مراد الحاج، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، إلى أنّ جبهة الخلاص، لا يمكن اعتبارها واجهة لحركة النهضة؛ لوجود أطياف سياسية مختلفة داخلها، ربما كان بعضها في تناقض مع النهضة، بيد أنّ موازين القوى داخل جبهة الخلاص، تجعل النهضة الطرف الأقوى داخلها، والأكثر حضوراً؛ لأنّ بقية مكونات الجبهة، وإن كان بعضها له وزن من زمن الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، إلّا أنّها من حيث الشعبية والثقل، لا تمثل وزناً كبيراً في الشارع التونسي.

ويلفت مراد الحاج، إلى أنّ جبهة الخلاص تذكرنا بجبهة   18تشرين الأول (أكتوبر) التي تشكلت في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي؛ لمقاومة تعديل الدستور والتمديد له، ومواجهة الاستبداد، غير أنّ طرفاً واحداً لا نجده في جبهة الخلاص، من مكونات 18 تشرين الأول (أكتوبر)، هو حزب العمال الشيوعي التونسي، الذي كان من أشد معارضي مسار 25 تمّوز (يوليو)، لكنّه نأى بنفسه عن التحالف مع النهضة. وخلاصة القول في هذه النقطة، بحسب الحاج، إنّ حركة النهضة تمثل في جبهة الخلاص الثقل الأكبر، وهو ما يجعلها فاعلة فيها أكثر من غيرها، ما يجعلها تعبر عن جملة مواقفها وأهدافها.

الرئيس التونسي قيس سعيّد

من جانبه، يذهب الكاتب التونسي ناصر التليلي، إلى التأكيد على أنّه من الواضح للعيان، كون حركة النهضة، أتمّت مهمتها في بث الفوضى  والخراب في تونس، وأنّه لا يخفى على أحد أنّها تحالفت مع بعض المتسلقين من الشخصيات الانتهازية، والذين تم تضخيمهم في وسائل الإعلام، الذي استطاعت النهضة تطويعه والسيطرة عليه، خلال عشر سنوات من حكمها، وهي تستغل أسماءهم تحت مسمى جبهة الخلاص؛ كمتاريس، في محاولة أخيرة للنجاة والمراوغة للبقاء في المشهد.

ناصر التليلي: من الواضح للعيان أنّ حركة النهضة أتمّت مهمتها في بث الفوضى والخراب في تونس، وأنّه لا يخفى على أحد أنّها تحالفت مع بعض المتسلقين من الشخصيات الانتهازية

وتأسيساً على ذلك، والحديث متصل للكاتب ناصر التليلي، علينا إدراك أنّ جبهة الخلاص هي ذاتها حركة النهضة، وتلك المناورة تشبه تغيير اسم اليافطة، مع الحفاظ على البنية الكاملة للتنظيم، حيث لا يتورع عن استعمال المراوحة، من أقصى التطرف الديني الى أقصى الانفتاح، وبالتالي، فإنّ جبهة الخلاص هي النهضة، والنهضة هي جبهة الخلاص.

وكان رئيس جبهة الخلاص، أحمد نجيب الشابي، أعلن يوم الإثنين الماضي، في مؤتمر صحفي، العمل على تكوين شبكة للدفاع عن جميع الموقوفين، واصفاً إياهم بـ"المعتقلين السياسيين"، معتبراً أنّ حملة الاعتقالات تهدف إلى إلهاء التونسيين عن مختلف المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، التي يعانون منها. بينما يؤكد الرئيس سعيّد "تورط" الموقوفين في التآمر على أمن الدولة، مذكراً بأنّه لا أحد فوق المحاسبة، ومتعهداً بتفكيك منظومة الفساد؛ التي أنهكت الدولة، وأثقلت كاهلها، رغم كل الضغوطات التي يواجهها، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

واجهة حركة النهضة

من جانبها تذهب المحامية والناشطة السياسية التونسية، نادية قيراط، في تصريحاتها لـ"حفريات"، إلى التأكيد على أنّ جبهة الخلاص هي واجهة لحركة النهضة، بل للمنظومة الكاملة التي حكمت طيلة العقد الماضي، والمنظومة كاملة بما فيها حركة النهضة؛ تخدم مصالحها الشخصية ومصالح تحالفات أجنبية معينة.

وتستطرد قيراط لتؤكد أنّ الجبهة في جميع توجهاتها، تتحرك بالتشاور مع حركة النهضة، التي هي جزء منها، وتعبر عنها بشكل كامل.

نادية قيراط: جبهة الخلاص هي واجهة لحركة النهضة، بل للمنظومة الكاملة التي حكمت طيلة العقد الماضي

وترى أنّه في إطار خارطة الطريق التي ينتهجها الرئيس التونسي قيس سعيّد، أنّ تشكيل المجلس النيابي الجديد، وانتظام جلساته، سيضحى آخر مسمار في نعش كامل المنظومة، وتمركز فعلي لأهم مؤسسة ديمقراطية في تونس.

وتتابع المحامية والناشطة السياسية التونسية تصريحاتها، لتؤكد أنّه يجب على جميع القوى الخارجية تطبيق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، خاصّة وأنّ الشعب قال كلمته، وأنّه يدعم جميع التحركات الإصلاحية، التي يقوم بها الرئيس قيس سعيّد، الذي يحظى بدعم شعبي كبير.

تصعيد جبهة الخلاص

قال أحمد نجيب الشابي، خلال مؤتمر صحفي لجبهة الخلاص، عُقد بالعاصمة التونسية حول ما وصفه بـ"حملة الاعتقالات السياسية، وتصاعد الأزمة في البلاد" أنّ شبكة الدفاع ستضطلع بدور اتصالي وتواصلي، وتدشين حملة إعلامية؛ لتحسيس الرأي العام في الداخل والخارج، حول حقيقة الإيقافات في تونس، ووضعية الموقوفين، إلى جانب الاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، حتى تدعم ما أطلق عليه "نضالات" هذه الشبكة؛ من أجل إطلاق سراح جميع الموقوفين.

 رئيس جبهة الخلاص، أحمد نجيب الشابي

وتابع قائلاً: "14 سياسياً صادرة في حقهم بطاقات إيداع بالسجن، و14 محامياً محالون على التحقيق، كما أنّ 16 نقابياً محل تتبعات قضائية". مضيفاً: "هذه الإيقافات متوقعة، بما أنّ الحكم الفردي لا يبسط نفوذه إلا بإسكات جميع المعارضين، وكل نفس حر".

وأشار الشابي إلى استنكار الاتحاد الأوروبي لمختلف الإيقافات، التي وصفها بـ"الظالمة". معتبراً أنّها "حملات قمعية، يقف وراءها رئيس الدولة". كما ذكّر بالمظاهرة السياسية التي سيتم تنظيمها يوم الأحد، الموافق الخامس من شهر  آذار (مارس) الجاري، بالعاصمة، للمطالبة بإطلاق سراح جميع المساجين السياسيين دون استثناء.

مراد الحاج: الحديث عن المآلات يبدو محفوفاً بالمجازفة في ظل تعقد الوضع السياسي في تونس

بالعودة إلى الأكاديمي التونسي، مراد الحاج، نجده يشرع في تفسير لجوء حركة النهضة إلى جبهات رديفة؛ كجبهة الخلاص؛ بالتزامن مع تهم الفساد التي تلاحق رموزها، ورموز المعارضة، ما زاد من تشويهها في الشارع؛ ولذلك فإنّ تحركات النهضة عبر ذلك،  تحاول كسب الرأي العام الخارجي، وهو ما يجل الأمور معقدة، ولن تُعرف المآلات سوى من خلال ما ستؤول إليه حملة الإيقافات، وما يثبت من التهم أو ينفيها، من خلال القضاء، غير أنّ الثابت أنّ الوضع السياسي ليس في صالح النهضة، التي اهترأت بفعل أخطاء الحكم، ثم جاء مسار 25 تمّوز (يوليو)؛ ليزيد من تعريتها وفضحها أمام الرأي العام، ما يجعل وضعها أكثر تأزماً، إلا أنّه في نفس الوقت، سيجد سعيّد، أيضاً، نفسه أمام امتحان مصداقية، فتهم الاستبداد والتفرد التي يطلقها عليه خصومه، هي اختبار حقيقي، فهو إن لم يفلح في تحسين الوضع الاقتصادي، فإنّه سيجد نفسه في مأزق يخدم خصومه، كما أنّ سياسة الإيقافات التي يتبعها سلاح ذو حدين.

مناورات حركة النهضة

يتابع الدكتور مراد الحاج تصريحاته، مؤكداً أنّ لجوء النهضة إلى الحركات الرديفة، هو نوع من الاحتماء بها؛ للإيحاء بكونها ليست الوحيدة في مواجهة مسار قيس سعيّد، والإيحاء للرأي العام العالمي، أنّ البلد يعيش استبداداً يقر به الكثيرون، وأنّها ليست الوحيدة التي تناضل ضدّه، فضلاً عن كون النهضة تلجأ إلى هذا التكتيك، حتى لا يقال إنّ خصومتها مع سعيّد تأتي على خلفية العداء، بداعي إسقاطه حكمها، وبذلك تتجنب مزيداً من الكراهية في الشارع، وتوحي بأنّها جزء من حراك واسع مناهض للرئيس.

وحول مآلات لجوء النهضة للجبهات الرديفة، يذهب الكاتب التونسي ناصر التليلي، إلى أنّها تبدو قاتمة، فلقد عاثت النهضة فساداً وتخريباً في المشهد التونسي، بحسب وصفه، ما ألحق أضراراً جسيمة، من الصعب التغاضي عنها، فلن تنفعها جميع أنواع الأقنعة والمكياج؛ للنجاة من الاندثار والخروج من المشهد السياسي برمّته.

بينما يرى دكتور مراد الحاج، أنّ الحديث عن المآلات يبدو محفوفاً بالمجازفة؛ في ظل تعقد الوضع السياسي في تونس؛ فالملاحقات القضائية طالت قيادات مهمة في النهضة بتهم الفساد، كما أنّ العديد من مكونات جبهة الخلاص المتحالفة مع النهضة، تمّ إيقاف بعض المنتمين إليها، وهو أمر يضعف حركة النهضة ويشوهها، بعد أن فقدت الكثير من مصداقيتها، زمن حكمها للبلاد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية