كيف سيتعامل الأردن مع خلايا الإخوان النائمة؟

كيف سيتعامل الأردن مع خلايا الإخوان النائمة؟

كيف سيتعامل الأردن مع خلايا الإخوان النائمة؟


22/04/2025

في تطور أمني وسياسي لافت، أعلنت السلطات الأردنية مطلع نيسان (أبريل) 2025 إحباط خلية مرتبطة بحركة (حماس)، كانت تسعى لتنفيذ عمليات تمسّ بالأمن القومي الأردني. وكشفت التحقيقات الأولية عن ارتباطات إيديولوجية وتنظيمية بين المتورطين وبعض المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، ممّا أثار تساؤلات حول مستقبل الجماعة، وحزب جبهة العمل الإسلامي، ذراعها السياسية، داخل المملكة.

تفكيك الخلية: مشروع لإعادة التموضع الإقليمي

بحسب بيان رسمي للأجهزة الأمنية الأردنية، تم اعتقال (16) شخصاً خططوا لإنتاج صواريخ وطائرات مسيّرة، وتجنيد وتدريب أفراد داخل الأردن، ضمن خطة أشرفت عليها قيادة في (حماس) بدعم من أطراف إقليمية. وأوضحت مصادر أمنية أنّ المراقبة بدأت منذ عام 2021، وتم رصد تنقلات واتصالات مشبوهة، أفضت إلى ضبط المواد ومعدات تقنية في أكثر من محافظة.

ويرى مراقبون أنّ المخطط كان يهدف لتحويل الأردن إلى ساحة إسناد لوجستي وسياسي ضمن محور إقليمي عابر للحدود، تتصدره حركة حماس وجماعات الإسلام السياسي، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، ممّا يطرح تساؤلات جدية عن مستوى تغلغل هذا الفكر وأذرعه في الداخل الأردني.

مواقف رسمية وحزبية: الإخوان في موقف الدفاع

عقب الإعلان عن تفكيك الخلية تصاعدت الدعوات النيابية والسياسية لحظر حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يُعدّ الواجهة القانونية للإخوان في الأردن. النائبة فليحة الخضير طالبت الحكومة بموقف واضح من "الجماعة التي تلتزم الصمت أو تبدي مواقف باهتة تجاه الإرهاب"، معتبرة أنّ "التساهل معها يهدد الأمن القومي".

طالبت النائبة فليحة الخضير الحكومة بموقف واضح من "الجماعة التي تلتزم الصمت أو تبدي مواقف باهتة تجاه الإرهاب"، معتبرة أنّ "التساهل معها يهدد الأمن القومي"

من جانبها، أصدرت جماعة الإخوان بيانًا قالت فيه إنّه لا علاقة لها بالخلية، وإنّ التصرفات التي أُعلن عنها "تندرج في إطار مبادرات فردية تحت ذريعة دعم المقاومة الفلسطينية"، مؤكدة التزامها بالقانون الأردني.

لكنّ هذا النفي لم يقنع الكثيرين، خاصة في ظل تراكم دلائل سابقة على تورط بعض عناصر الجماعة في التنسيق مع حماس وتيارات إسلاموية ذات طابع عابر للحدود، تتناقض مع ثوابت الدولة الأردنية.

 الجماعة خارج السياق الوطني

في تصريح لـ (حفريات)، يقول الباحث في شؤون الإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان: إنّ جماعة الإخوان لا تتمتع بأيّ وجود قانوني في الأردن منذ قرار حلها عام 2015، وما تبقى من نفوذها يتمثل في حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يحظى بترخيص قانوني، إضافة إلى جمعية الإخوان المسلمين، وهي كيان قانوني تأسس على يد مجموعة انشقت عن الجماعة القديمة ولا ترتبط بها تنظيمياً".

ويضيف: "هناك اتجاه متصاعد داخل الدولة الأردنية يرى أنّ جماعة الإخوان تشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن الوطني، إذ إنّها تعمل ضمن استراتيجية لا تتقاطع مع أولويات الدولة، بل تتصادم معها، خاصة في اللحظات الحرجة".

ويوضح سلطان أنّ التجهيزات التي جرى ضبطها أخيرًا لم تبدأ من فراغ، بل تعود إلى عام 2021، وتم التخطيط لها من جانب حماس، بالتنسيق مع عناصر أردنية، وكان يفترض أن تتحول الساحة الأردنية إلى جبهة إسناد لصالح مشروع إقليمي واسع". موضحاً أنّ "الخطة فشلت لأسباب كثيرة، لكن ما جرى كشفه مؤخرًا أعاد طرح ملف الجماعة بقوة، وهناك تيار داخل أجهزة الدولة يطالب بحظرها نهائيًا ومنعها من العمل العام".

وبسؤاله عن السيناريوهات المستقبلية يقول الباحث المصري:  إنّه "حتى الآن لا توجد مؤشرات واضحة على أنّ الأردن سيتجه لحل حزب جبهة العمل الإسلامي، لكن من المؤكد أنّ الرقابة على الحزب ستشتد، وقد تفرض عليه تفاهمات جديدة تُقيّد نشاطه، خاصة أنّ بعض أفراده يتحركون ضمن أجندات عابرة للحدود تتنافى مع السيادة الأردنية".

أحمد سلطان: جماعة الإخوان لا تتمتع بأيّ وجود قانوني في الأردن منذ قرار حلها عام 2015، وما تبقى من نفوذها يتمثل في حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يحظى بترخيص قانوني، إضافة إلى جمعية الإخوان المسلمين، وهي كيان قانوني تأسس على يد مجموعة انشقت عن الجماعة القديمة ولا ترتبط بها تنظيمياً".

ويضيف: "كل ما حدث يدفع نحو تجديد القيود على الجماعة والحزب. وأظن أنّ التصعيد الحالي، حتى قبل الإعلان عن ضبط الخلية، لم يكن مفاجئًا. وإذا تصرفت جماعة الإخوان بغباء كعادتها، فقد تواجه حل التشكيلات المتبقية".

ويتابع: "لكن هناك أيضًا توجه داخل الدولة يرتبط بمسار التحديث السياسي، وقد يُبقي على الجماعة بشكل جزئي لأسباب تتعلق بالتوازنات الداخلية".

تحليل موازٍ: أبعاد أمنية وتنظيمية

بدوره، يرى الباحث حازم الضمور، المدير التنفيذي لمركز (إستراتيجيكس) الأردني، أنّ ضبط هذه الخلية "يكشف عن ازدواجية خطيرة في مقاربة جماعة الإخوان، إذ تستفيد من سياسة التسامح والاحتواء التي تنتهجها الدولة، وفي المقابل توظف قواعدها التنظيمية لخدمة أجندات تتقاطع مع أطراف إقليمية تناوئ الأردن".

ويضيف في دراسة نُشرت مطلع نيسان (أبريل) الجاري أنّ "الجماعة لم تقم بقطع حاسم مع حماس، بل ما تزال تنظر إليها كجزء من امتدادها الطبيعي، ممّا يجعل من الصعب فصل المسارات بين الجماعتين".

ويشير الضمور إلى أنّ "الإخوان في الأردن يواجهون أزمة مزدوجة: أوّلًا انحسار شعبيتهم داخل المجتمع الأردني، وثانيًا انكشاف تحالفاتهم الإقليمية التي تتعارض مع أولويات الأمن الأردني"، لافتًا إلى أنّ "المرحلة المقبلة ستشهد مراجعة شاملة لدور الجماعة في الحياة العامة".

المدير التنفيذي لمركز (إستراتيجيكس) الأردني: الباحث حازم الضمور

نظرة تاريخية: من الشرعية إلى العزلة

تاريخيًا، كانت جماعة الإخوان تحظى بشرعية واسعة في الأردن، بل شغلت مناصب برلمانية ومجتمعية منذ الخمسينيات. إلا أنّ التحولات الإقليمية، خصوصًا بعد ثورات 2011 وصعود حماس، ثم تصنيف الجماعة إرهابية في عدة دول عربية، دفعت الدولة الأردنية إلى اتخاذ خطوات لتقليص نفوذها تدريجيًا، بدءًا من سحب الترخيص القانوني في 2015، وتأسيس كيان بديل في 2016، وصولًا إلى تقليص نفوذها البلدي والنيابي.

لكن بقي حزب جبهة العمل الإسلامي يعمل كواجهة سياسية شبه مستقلة، رغم ما يثار من تقارير عن ارتباطات غير معلنة بينه وبين الجماعة الأم.

الاحتمالات المقبلة: تضييق أم حظر شامل؟

برغم الدعوات المتصاعدة لحظر الحزب، لا يبدو أنّ السلطات الأردنية بصدد اتخاذ قرار فوري، بحسب عدة مصادر. إلا أنّ استمرار التصعيد من جانب الإخوان أو أيّ تورط إضافي لعناصرهم في أنشطة تمسّ الأمن، قد يغيّر قواعد اللعبة، خاصة في ظل حساسية الوضع الإقليمي، والتقارب الأردني المصري الخليجي في ملف مكافحة التنظيمات العابرة للحدود.

ويبدو أنّ السيناريو المرجّح هو مزيج من التضييق الإداري والضغط السياسي، مقابل تفاهمات غير معلنة تهدف إلى تحجيم دور الحزب دون إلغائه، في انتظار تغيّر الظروف.

وتشكل التطورات الأخيرة لحظة اختبار حقيقية للدولة الأردنية في تعاملها مع الجماعة. فبينما تسعى السلطات للحفاظ على استقرار داخلي في محيط إقليمي مضطرب، تواجه إشكالية استمرار وجود تنظيم يثبت، المرة تلو الأخرى، أنّه يتحرك وفق أجندة لا تعترف بحدود الدولة ولا بخصوصياتها الأمنية.

والسؤال الآن: هل تستمر الدولة في إدارة العلاقة مع الإخوان بالحذر والاحتواء؟ أم أنّ ضبط خلية حماس كان القشة التي ستقصم ظهر الجماعة سياسيًا؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية