عدنان أبو عودة أحد أبرز صنّاع السياسة ودهاتها في الأردن

عدنان أبو عودة أحد أبرز صنّاع السياسة ودهاتها في الأردن


03/02/2022

برحيله أمس الأربعاء، تسدل الستارة على حياة واحد من أبرز السياسيين في الأردن وأكثرهم إثارة للجدل، فقد ودّعت الأردن وفلسطين عدنان أبو عودة الذي شهد على أكثر المحطات سخونة في تاريخ المملكة، بالنظر إلى المواقع الكثيرة والحساسة التي شغلها وفي أوقات حرجة.

وتجلّت أكثر المراحل إثارة في حياة أبو عودة (89 عاماً) بعد انتقاله من الكويت، حيث كان يعمل في مجال التدريس، إلى الأردن؛ ليصبح ملازماً في المخابرات الأردنية بسبب علاقته القديمة مع مدير المخابرات محمد رسول الكيلاني، وعمل كمحلل سياسي فيها. وبعد أحداث أيلول (سبتمبر) سنة 1970 بين الجيش الأردني وفصائل من منظمة التحرير الفلسطينية، أصبح أبو عودة المولود في مدينة نابلس الفلسطينية عام 1933، وزيراً للإعلام في الحكومة العسكرية الأردنية التي تشكلت آنذاك، وكان وقتها برتبة رائد.

مروان المعشر اتهم عدنان أبو عودة بأنه تنظيري ورُمي بالإقليمية، لكنه ترفّع عن الصغائر وثرثرات الصالونات وتفاهات المؤامرات والاصطفافات، ولم يحمل في صدره ضغينة، ولا شك في نظافة يده

ورغم ترقيه في العمل السياسي، وشغله منصب رئيس الديوان الملكي في عهد الراحل الملك الحسين بن طلال، إلا أنّ مواقف عدنان أبو عودة السياسية التي ضمّنها كتبه ومذكراته جلبت عليه الكثير من النقد والمعارضة؛ ما أدى إلى استقالته من منصبه كمستشار سياسي للملك عبد الله الثاني، عام 2017، واشتملت المذكرات على مسيرة أبو عودة السياسية خلال الفترة التي كان فيها وزيراً.

هل كان من المطالبين بالحقوق المنقوصة؟ 

وأثار الكتاب، كما يقول الصحفي نصر المجالي في موقع "إيلاف"، هجوماً شرساً ضده، باعتباره من المطالبين بما وصفه بالحقوق المنقوصة. ويرى أبو عودة أنّ كتابه جاء في إطار ما أسماه الدبلوماسية الوقائية، "قرأوني غلط.. وكان مفترضاً أن يعطوني جائزة على الكتاب".

وفي يومياته يؤكد أبوعودة، أنّ قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، في 31 تموز (يوليو) 1988، كان إستراتيجياً دفاعياً من قبل الأردن، موضحاً أنّ القيادة الأردنية كانت أكثر وعياً بالخطر الإسرائيلي من أية دولة أخرى.

مواقف عدنان أبو عودة السياسية التي ضمّنها كتبه ومذكراته جلبت عليه الكثير من النقد والمعارضة

وأضاف: "كان على الأردن أن يواجه النشاط الإسرائيلي التوسعي الذي قد يصل إلى الأردن إذا استمر الحال، الأمر الذي اضطر الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، في حينه، أن يأخذ قراراً إستراتيجياً دفاعياً، وهو فك العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة الغربية، وذلك لتثبيت الفلسطينيين في أرضهم، وسد طريق الهجرة إلى الأردن، ومنع تحويل المملكة إلى وطن بديل".

وفي كتابه "المستدرَك في يوميات عدنان أبو عودة، فلسطين: الأرض، الزمن ومساعي السلام"، يعبر عن الارتباط الوثيق بين الأردن وفلسطين، وتطورات نكبته، وفيه يرصد محطات مفصلية في العلاقات الأردنية- الفلسطينية، بتفاصيلها الموثقة في محاضر ووثائق واجتماعات رسمية، كان عدنان أبو عودة مشاركاً فيها، فرسمت صورة لمسار هذه العلاقة التي هدفت إلى تأهيل منظمة التحرير الفلسطينية للمشاركة في مباحثات السلام ضمن وفد أردني فلسطيني مشترك.

اقرأ أيضاً: فجّره المجاهدون الفلسطينيون والجيش الأردني: ما قصة "كنيس فخر إسرائيل"؟

ويرى أستاذ التاريخ، الدكتور مصطفى الحمارنة أنّ "الكاتب لم يكتب كتابه للمستقبل لغايات إعطاء نفسه دوراً ما، وإنما كان يسجل ملاحظاته في لحظتها، وطريقة التوثيق والتسجيل تعكس ذلك"، مضيفاً أنّ "قيادة هذا البلد هي قيادة عربية مستنيرة وشفافة دحضت قبل غيرها بعمق فهمها غايات الحركة الصهيونية، لأنّ الأردن يحمل رسالة تاريخية يسعى إلى إنجازها، بحسب وكالة الأنباء الأردنية (بترا).

إنقاذ من الفوات التاريخي

ويرى أستاذ التاريخ، الدكتور مهند مبيضين، أنّ الكتاب يعد قطعة فريدة في تاريخ الأردن في عقد الثمانينيات، وهي إنقاذ من الفوات التاريخي الموجود في المدونات التاريخية الرسمية الأردنية، على مستوى البحوث الجامعية والمذكرات الشخصية.

يوميات عدنان أبو عودة

وأضاف أنّ "الكاتب أبو عودة قدم لنا وثائق مكتوبة ومحاضر لقاءات وتقدير موقف شخصي لعدد من المسائل والأحداث"، مشيراً إلى أنّ عمل المؤرخين هنا هو تحويل هذه الوثائق والمحاضر والآراء إلى شهادات تغطي الجزء الأكثر إثارة من تاريخ عقد الثمانينيات التي غيّرت المنطقة لكونه عقد الحروب والسلام.

ومن بين أبرز الانتقادات التي طاولت يوميات أبو عودة وآراءه السياسية، ما صدر عن مدير المخابرات الأردنية الأسبق نذير رشيد الذي اعتبر أبا عودة مثقفاً وذكياً ويخدم وظيفته باحتراف وكفاءة، دون أي اعتبار للمبدأ، لكنه "غيّر مبدأه حين استضافته قناة الجزيرة في برنامج زيارة خاصة"، وهي حلقات أثارت السخط عليه، وكان أقسى ما كتب ضده وصفُه من وزير إعلام أردني "كأنه طاووس يمشي على رؤوس أصابعه". ووصل الأمر، وفق "إيلاف" إلى القضاء عندما رفع أشخاص شكوى قضائية على أبو عودة بدعوى إطالة اللسان، ومثل أمام محكمة أمن الدولة.

ولد عدنان أبو عودة لأسرة بسيطة، كان والده يعمل صانع صابون ووالدته ربة منزل، أصرت على إكمال ابنها دراسته، ورفضت أن تجعله صبياً في محل لتصليح السيارات.

انتمى أبو عودة لحزب التحرير، بعد صداقةٍ مع ابن مؤسس الحزب تقي الدين النبهاني، لكنه تركه بعد أحداث حلف بغداد، ثم سافر إلى بريطانيا لإكمال دراسته والتحق بالحزب الشيوعي

وانتمى خلال فترة شبابه الأولى لحزب التحرير، وذلك بعد صداقةٍ مع ابن مؤسس الحزب تقي الدين النبهاني، لكنه تركه سنة 1955 بعد أحداث حلف بغداد، ثم سافر إلى بريطانيا لإكمال دراسته والتحق بالحزب الشيوعي وآمن بمبادئه، لكن سرعان ما ترك الحزب بسبب ثورة 14 تموز (يوليو) في العراق، وقرر أخيراً عدم الالتحاق بأي حزب لاحقاً.

طبقة آخذة في الانقراض

ورغم الاعتراضات التي واجهتها أفكار أبو عودة وأفكاره السياسية، إلا أنه يمثل "طبقة آخذة في الانقراض من شخوص فرادى جاءوا للحكم في حقبات متعددة وبأفكار مختلفة، جمعهم إطار واحد وكانت لديهم مشاريع فكرية لتطوير الأردن، فلم تكن السياسة لديهم مجرد منصب أو جاه، بل وسيلة لبناء دولة عصرية، ولو أنهم لم يشكلوا يوماً كتلة حرجة متماسكة في وجه من لا يريد التغيير"، وفق رئيس الديوان الملكي الأسبق ووزير الخارجية الأسبق الدكتور مروان المعشر، الذي قال في مقال نشره موقع "كارنيغي": "اتهم بأنه تنظيري ورُمي بالإقليمية، وقالوا فيه ما لا يعلمون، ولكنه نجح في كسب ثقة جلالة المغفور له الحسين رحمه الله حين فشل كثيرون، وكان يعتبره موسوعة فكرية مشدودة إلى التجديد والعصرنة".

وأردف المعشر، معدّداً سجايا أبو عودة ومزاياه: "ترفّع عدنان أبو عودة عن الصغائر وثرثرات الصالونات وتفاهات المؤامرات والاصطفافات، ولم يحمل في صدره ضغينة ولم تتجاوز رغبته إعطاء النصيحة الصادقة المخلصة. وبغض النظر عن اتفاق أو اختلاف الناس معه سياسياً، لا شك في نظافة يده. وكل من يزور أبا السعيد في منزله يدرك أنه ذات المنزل الذي يقطنه في صويلح منذ السبعينيات، ولا يفوته ملاحظة دفء المنزل وتواضعه في نفس الوقت، ولا يستطيع صادق أن ينكر أنّ أحداً من أبنائه لم يعمل يوماً واحداً في الدولة".

اقرأ أيضاً: وفاة الفنان الأردني جميل عواد بعد صراع مع المرض

رحيل عدنان أبو عودة استدرج شهوداً كثيرين لتقييم تجربة الرجل، حيث سجل الكاتب أحمد سلامة بعض المذكرات عن أبو عودة الذي زامله في الديوان الملكي، مؤكداً سلامة في مقال بموقع "عمون" بأنّ "عدنان أبو عودة نموذج ليس له مثيل في تاريخ الدولة الأردنية؛ فهو عدنان الذي ترك لنا مدرسة مفادها أنّ الدولة حين يتهلهل إعلامها فإنها تفقد روحها ورسالتها، والدولة تنتصر بسنابك الأقلام، ورجالاتها مثل القاصف من مدفع الدبابة".

وأضاف سلامة: "لو سألني أحد في ندوة عامة ما هو مفتاح شخصية عدنان أبو عودة لقلت بدون تفكير: الشجاعة. كان عدنان أشجع الرجال، ففي الوقت الذي أضحت فيه الشجاعة من دون ثمن، ظهرَ الكثيرُ من المجعجعين، وصارت الثرثرة والشجاعة متداخلتين، لكنّ عدنان تقدم للدور الذي كان يبحث عن بطل، وصنع إعلاماً وطنياً قادراً متحكماً، وذا رسالة خالدة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية