"Hard Choices" أو "خيارات صعبة" هو كتاب صدر في العام 2014 تحكي فيه هيلاري كلينتون وزير خارجية الولايات المتحدة السابع والستين سنواتها الدبلوماسية في الفترة من كانون الثاني (يناير) 2009 وحتى شباط (فبراير) 2013 ولقاءاتها مع زعماء العالم، وتعاملها مع الملفات الساخنة للقضايا الدولية، وقد نشرته مترجماً إلى العربية شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ببيروت العام 2015 في 583 صفحة.
الكتاب صدر في العام 2014 وتحكي فيه هيلاري كلينتون عن سنواتها الدبلوماسية كوزيرة للخارجية من 2009 وحتى 2013
القسم الأول من الكتاب يتناول لقاء هيلاري وأوباما بعد خسارتها التصويت الداخلي للحزب الديمقراطي على بطاقة الترشح للانتخابات الرئاسية، وشغلها منصب وزيرة الخارجية في فريق أوباما بعد فوزه بالانتخابات، وفي القسم الثاني تتحدث عن آسيا والقضايا التي واجهتها أمريكا في الصين وبورما، وأما الثالث فيركز على الحرب في أفغانستان وباكستان، والعمليات العسكرية ومحاولات إنهاء الوجود الأمريكي في بلد "طالبان"، والقسم الرابع يتناول علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع دول أوروبا وروسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، وأحداث أوكرانيا والقرم.
القسم الخامس من الكتاب خصصته هيلاري لأحداث "الربيع العربي" وأسرار السياسة الإيرانية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومسار عملية السلام
أما القسم الخامس فهو الأقرب إلى القارئ العربي؛ حيث خصصته هيلاري لأحداث "الربيع العربي" والثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن، وسياسة أمريكا تجاه الاقتتال في سورية، وأسرار السياسة الإيرانية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومسار عملية السلام.
في مقدمة الكتاب، تتحدث كلينتون عن اختيارها الاسم قائلة: "كلنا نواجه خيارات صعبة في حياتنا، والحياة هي حول عمل مثل هذه الخيارات.. إن خياراتنا وكيفية تعاملنا معها تشكلان ما سنكون في المستقبل".
ما لم تقله كلينتون!
أثار الكتاب جدلاً واسعاً، تحديداً في مصر؛ إذ إنّ الإعلامي محمد الغيطي نقل عن كلينتون قولها في الكتاب الذي قال إنّه يحمل اسم "كلمة السر 360"! إنّ "الأسطول الأمريكي تجهز للهجوم على مصر حال عدم إعلان فوز الإخوان بالانتخابات، وعندما تحركنا بعدد من القطع البحرية ناحية الإسكندرية، تم رصدنا بسرب غواصات حديثة جداً، يطلق عليها ذئاب البحر 21، وهي مجهزة بأحدث الأسلحة والرصد والتتبع".
وبهذا الكلام الذي لا يستقيم مع المنطق سار في ركب هذه النقولات المزيفة عدد من الكتّاب في كبرى الصحف المصرية، لعلّ أشهرها: "كل شيء انكسر أمام أعيننا، بدون سابق إنذار.. شيء مهول حدث.. فكرنا في استخدام القوة، لكن مصر ليست سورية أو ليبيا.. جيش مصر قوي للغاية، وشعب مصر لن يترك جيشه وحده أبداً.. لقد كنا على اتفاق مع إخوان مصر على إعلان الدولة الإسلامية في سيناء، وإعطائها لحماس، وجزء لـ"إسرائيل" لحمايتها، وانضمام حلايب وشلاتين إلى السودان، وفتح الحدود مع ليبيا من ناحية السلوم، وكنت قد زرت 112 دولة في العالم من أجل شرح الوضع الأمريكي مع مصر، وتم الاتفاق مع بعض الأصدقاء بالاعتراف بالدولة الإسلامية حال إعلانها فوراً، وفجأة تحطم كل شيء، إن شيئاً مهـــــولاً حــــــدث"!
تورط عدد من الكتّاب في كبرى الصحف المصرية في ركب النقولات المزيفة من الكتاب لا توجد مطلقاً بنسخته الأصلية الإنجليزية
الفقرات السابقة لا توجد مطلقاً في الكتاب بنسخته الأصلية الإنجليزية، وهي تعود إلى منشور على موقع "فيسبوك" ظهر أول مرة بتاريخ 2 تموز (يوليو) العام 2014 وتناقله الآلاف دون تمحيص، ومنهم الكاتب والروائي الكبير يوسف القعيد عندما بنى على هذا التلفيق مقاله الذي كتبه بتاريخ 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 في صحيفة عريقة مثل "أخبار اليوم"!
وقد أثار هذا الأمر غضب كلينتون التي لم تكن وزيرة خارجية في وقت الانتخابات المصرية أصلاً، وقالت في تصريح صحفي، إنها سئمت من حجم التفسير التآمري لدى بعض الكتّاب العرب.
الدكتورة منار الشوربجي، في مقال لها بموقع قناة "العربية" في 8 آب (أغسطس) 2014، نفت جملة وتفصيلاً أن تكون كلينتون كتبت هذا في كتابها، وقالت إن الكتاب يسهم، عبر تقديم وقائع بعينها، في هدم أسطورة صنعها البعض وصدقها في مصر، وهي أن "ثورة يناير مؤامرة أمريكية، فالكتاب قدم من الوقائع ما يوضح أن 25 يناير، فاجأت أمريكا وأربكتها".
كما نفى أيضاً الدكتور جابر عصفور ما ورد بالترجمة الخاطئة، إلا أن تصريحات الإعلامي الغيطي لاقت انتشاراً واسعاً بعد إصراره على صحتها، ويتم تناقلها حتى اليوم على أنها حقيقة.
عن مبارك والثورة
"الربيع العربي: الثورة" هو عنوان الفصل الخامس عشر الذي تتطرق فيه كلينتون لثورة 25 يناير في مصر، وذكرت كيف أنها كانت تفضل الانتقال المنظم للسلطة في هذا البلد، تخوفاً من تبعات الفراغ، الذي سيخلق من عزل مبارك، مشيرة إلى خوف إدارة أوباما من وصول الإخوان للحكم، وذلك في (ص332): "كانت جماعة الإخوان المسلمين –المنظمة الإسلامية التي تأسست قبل ثمانين عاماً- في موقع جيد يمكنّها من ملء الفراغ إذا سقط النظام"، وتتابع في (ص336-337): "وقد زرت القاهرة بعد حوالي شهر ومشيت في ميدان التحرير على الرغم من قلق فريقي الأمني الذي لم يعرف ما الذي يمكن أن يحدث إذ كانت الأوضاع مبهمة، وحين احتشد المصريون حولي، تلقينا رسالة كرم وحسن ضيافة "نشكركم لحضوركم"، قال البعض – فيما صاح آخرون: "أهلاً بكم في مصر الجديدة، وعندما سألتهم عن خططهم لاستثمار ثورتهم وتحويلها لكيان سياسي يعبّر عنهم، لم أجد منهم إلا نظرات صامتة وغياباً كاملاً في الرؤى، خرجت وقد ساورني القلق من تسليمهم البلاد إلى الإخوان المسلمين أو الجيش نتيجة تقصيرهم، وهو بالضبط ما حدث".
الإخوان والفشل
تقول كلنتون في موضع آخر من الكتاب إنّ مرسي، خلال الغارات الإسرائيلية على غزة العام 2013، كان يراجع بنفسه كل مسوّدات الاقتراحات التي يتفاوض عليها مع الجانب الأمريكي للتوصل لوقف لإطلاق النار. في إحدى المرات صاح أمام كلينتون: "لا، لا أوافق على هذه الصيغة"، فردّت عليه كلينتون "أنت الذي اقترحتها"، فعاد مرسي لينظر في الورقة ويقول "حقاً، أوكي"!.
وتتابع "مرسي أخذه التاريخ من الغرفة الخلفية للكرسى الكبير، كان يحاول أن يتعلم كيف يحكم من اللاشيء، وهو بالتأكيد عشق سلطة موقعه الجديد، وشارك في رقصة السياسة، حتى استهلكته فيما بعد".
خلال الغارات الإسرائيلية على غزة العام 2013 كان محمد مرسي يعترض أمام هيلاري كلينتون على مقترحات وضعها بنفسه!
تورد هيلارى كلينتون نصاً في كتابها أنّ "الإخوان المسلمين فشلوا في أن يحكموا بشكل شفاف وجامع، واصطدم مرسي مراراً بالقضاء، وسعى لتهميش معارضيه السياسيين بدلاً من أن يبني إجماعاً وطنياً واسعاً، ولم يفعل الكثير لتحسين الوضع الاقتصادي، وسمح باستمرار اضطهاد الأقليات بما في ذلك الأقباط".
وتضيف: "ومرة أخرى واجهت الولايات المتحدة معضلتنا الكلاسيكية: هل يجب أن نتعامل مع زعيم نختلف معه حول كثير من الأمور باسم دفع المصالح الأمنية الأساسية؟ نحن عدنا للسير على الحبل المعلق ونحن نؤدي حركات لحفظ التوازن دون إجابات سهلة أو خيارات حسنة".
ترى كلينتون أنّ محمد مرسي إبان حكمه سعى لتهميش معارضيه وسمح باستمرار اضطهاد الأقليات بما في ذلك الأقباط
وحول الثورة على الإخوان، قالت: "في تموز (يوليو) 2013 ومع تظاهر الملايين من المصريين من جديد في الشوارع، وهذه المرة ضد تجاوزات حكومة مرسي.. تدخل الجيش للمرة الثانية تحت قيادة من خلف طنطاوي وهو الجنرال عبد الفتاح السيسي، وقاموا بخلع مرسي".
بن لادن في المصيدة
عن كواليس مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، تقول كلينتون: "بعد فترة ليست بالقصيرة من الاستعداد للإجهاز على بن لادن، وصلت الأمور للحظة الحسم وتم تحديد الساعة الصفر، إحدى المروحيّات أصابها عطل، وقفزت للأذهان فوراً صورة العملية العسكرية الفاشلة لإنقاذ الرهائن الأمريكيين في إيران، ربما تكون تلك اللحظة التي وضعت فيها يدي على فمي كما ظهر في الصورة الشهيرة لي وأنا أترقب ما سيحدث، نظرت لباراك أوباما فوجدته هادئاً يتابع الأمور وهو متمالك لأعصابه، وحين جاء خبر مقتل بن لادن، كانت الفرحة عارمة. اتصل أوباما بالرؤساء الأمريكيين السابقين الأربعة ليبلغهم الخبر. قال لبيل كلينتون: أنت بالطبع تعرف ما سأقوله لك، فرد كلينتون: عن ماذا تتحدث؟ وضحك الرئيسان بعد أن تأكدا أنني خير من يكتم الأسرار".
سورية و"المعضلة الشريرة"
أطلقت هيلاري اسم "المعضلة الشريرة" على الحرب في سورية، بسبب النزاع الذي لا توجد فيه خيارات كثيرة، وفق قولها. تقول كلينتون: "المصالح تشابكت في سورية لدرجة أصابت السياسة بالشلل، لم تجد محاولاتي مع نظيري الروسي نفعاً. التفتّ إلى أحد القلائل الذين حققوا شيئاً إيجابياً في حرب العراق، القائد العسكري ديفيد بترايوس، طلبت منه أن يخبرني إن كان بالإمكان تدريب وتأهيل المعارضة السورية المعتدلة لتكون نداً لقوات الجيش الموالية لبشّار، وبعدها عكف بترايوس صاحب مشروع الصحوات الناجح ضد القاعدة في العراق على وضع خطة متكاملة.. كنت أرى أنّ هذا الخيار يمكنه أن ينجح في تغيير الوضع في سورية.. رفض الرئيس، ووضعت الخطة على الرف وتُرك الأمر لدبلوماسية مشلولة لم تجد نفعاً".
الكتاب تسرد فيه كلينتون تجربة الأعوام الأربعة التي أمضتها في منصب وزيرة الخارجية، وذكرت فيه الكثير من القضايا الداخلية والخارجية، ولكنها لم تكشف أسراراً أو تكتب آراءً قد تخلق عداوات مع سياسي أو دولة؛ لأنها نشرته في لحظات كانت تفكر في ترشيح نفسها للرئاسة، وهذا ما أشارت إليه بقولها الذي ختمت به كتابها "قريباً سيحين الوقت لخيار صعب جديد".