توماس فريدمان: السعودية تعود إلى الاعتدال والتسامح

السعودية

توماس فريدمان: السعودية تعود إلى الاعتدال والتسامح


26/11/2017

في مقابلته مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والتي نشرت تفاصيلها صحيفة "نيويورك تايمز" في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، يرى الصحفي الأمريكي توماس فريدمان أنّه وعلى خلاف أي ربيعٍ عربي في مختلف البلدان الأخرى – التي ظهرت جميعُها من الطبقة الأدنى  إلى الأعلى وفشلت بشكلٍ فادح، ما عدا ذلك الذي حدث في تونس – يقود ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 32 عاماً، "حركة الربيع العربي [السعودي] هذه بدءًا بعلية القوم ونزولًا إلى من دونهم من الأعلى إلى الأدنى، وفي حال أتت ثمارها، فإنّها لن تقلب موازين السعودية فحسب، بل إنها ستغير أيضًا معنى ومفهوم الإسلام في جميع أرجاء العالم، والأحمق فقط هو من لا يقف في صف هذه الحركة"، كما يقول فريدمان.

في رأي توماس فريدمان "السعودية لن تكون لها معايير تُشبه المعايير الغربية لحرية التعبير وحقوق المرأة"

وفي إشارته إلى "الحملة على الفساد" التي يقودها الأمير ضد رموز وشخصيات كبيرة من المسؤولين والوزراء والأمراء في بلاده يقول فريدمان إنّ "حملة مكافحة الفساد هذه ليست سوى ثاني أكثر المُبادرات غير الاعتيادية والمُهمة التي شنها الأمير محمد بن سلمان. فقد كانت المُبادرة الأولى ترمي إلى إعادة الإسلام السعودي إلى أصوله الأكثر انفتاحًا واعتدالًا  والذي تم تحريفهُ في عام 1979. وهذا هو، ما وصفه الأمير محمد بن سلمان في المؤتمر العالمي للاستثمار والذي عُقد مؤخرًا هُنا في الرياض على أنهُ "إسلام معتدل ومتوازن، ينفتح بدوره العالم والديانات الأُخرى وجميع التقاليد والشُعوب".
 

أحداث كبرى في العام 1979
يقول توماس فريدمان:"أعرف ذلك العام جيدًا. فلقد بدأت مسيرتي بالعمل كمُراسلٍ في الشرق الأوسط في العاصمة اللبنانية (بيروت) في العام 1979، وكانت معظم المنطقة التي غطيتُها منذ ذلك الوقت قد تشكلت على يد الأحداث الكُبرى الثلاثة التي وقعت في ذلك العام: استيلاء المُتطرفين السعوديين ذوي الأفكار المُتزمتة على المسجد الحرام في مكة المكرمة – الذين اتهموا العائلة الحاكمة في السعودية على أنها فاسدة، وأنهم كفرةً مُنصاعين للقيم الغربية؛ والثورة الإسلامية الإيرانية؛ وأخيرًا الغزو السوفيتي لأفغانستان".

ويتابع الصحفي الأمريكي البارز: "لقد اصابت هذه الأحداث الثلاثة جميعًا العائلة الحاكمة في السعودية بالقلق الشديد في ذلك الحين، ودفعتها إلى غض النظر عن مجموعة من رجال الدين المتطرفين الذين دُفعوا لفرض إسلامٍ متزمت على المجتمع السعودي، ومن خلال شن مُنافسةٍ عالمية ضد آيات الله الإيرانيين. ولم يُساعد قيام الولايات المتحدة بمحاولة استغلال هذا الاتجاه من خلال استخدام مصطلح المُقاتلين [المجاهدين] الإسلاميين ضد روسيا في أفغانستان.  وباختصار، أدت [تلك الأحداث وتداعياتها] إلى تطرف الإسلام عالميًا، وساعدت في وقوع أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)".
في هذا الإطار ينقل فريدمان في مقاله عن مصرفي سعودي في منتصف عمره صرّح له قائلاً: "لقد أُحتجز جيلي رهينةً لعام 1979. إلا أنني أعلم الآن أن أطفالي لن يكونوا رهائن". كما ينقل كاتب العمود الشهير في "نيويورك تايمز" عن رائدة أعمال اجتماعية سعودية تبلغ من العمر 28 عامًا قائلةً: "قبل عشر سنوات، عندما نتحدث عن الموسيقى في الرياض، فإن ذلك يعني شراء الأقراص المضغوطة [سي دي] – أما الآن فذلك يعني الحفلة الموسيقية التي ستُعقد الشهر المقبل، ونوع التذكرة التي ستشتريها، ومَن مِن صديقاتك سُترافقك [الحفل]".

إعادة الإسلام السعودي إلى الاعتدال
في تقدير توماس فريدمان فإنّ "محمد بن سلمان في مهمةٍ لإعادة الإسلام السعودي إلى الاعتدال؛ إذ إنه لم يكتفِ بكبح تجاوزات سلطة الشرطة الدينية السعودية [هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] فحسب – التي كانت  تبث الرعب في النفوس سابقًا – وعرفت بتمكنها وقدرتها على توبيخ النساء، بل إنه سمح للنساء بقيادة السيارات".
ويؤكد فريدمان أنه (على النقيض من أي زعيمٍ سعودي قد سبقه، فإنّ الأمير محمد واجه المتشددين أيديولوجيًا. إذ أخبرتني امرأة سعودية شابة قد تلقت تعليمها في الولايات المتحدة: محمد بن سلمان "يستخدم لغة مختلفة، حيث إنه يقول ‘سوف ندمر التطرف’. ولا يستخدم عبارات لطيفة. ويبعث هذا الأمر الطمأنينة في صدري بأن التغيير حقيقي"). ويعلّق فريدمان في مقالته في "نيويورك تايمز" على قول الشابة السعودية قائلاً:(إن هذا حقًا لصحيح، إذ طلب مني محمد بن سلمان قائلاً: "لا نقول أننا نعمل على "إعادة تفسير" الإسلام – بل نحن نعمل على "إعادة"الإسلام إلى أصوله، وأن سنة النبي [الكريم محمد] هي أهم أدواتنا، فضلاً عن [الحياة اليومية] في السعودية قبل عام 1979").

هناك خطة لتغيير وتحويل الكتب المدرسية إلى كتب رقمية، وإرسال 1700 معلم سنوياً إلى المدراس العالمية

وذكر الأمير بن سلمان، وفق ما ينقل عنه فريدمان، (أنه في زمن النبي محمد[عليه الصلاة والسلام]، كان هناك الرجال والنساء يتواجدون معاً، وكان هناك احترام للمسيحيين واليهود في الجزيرة العربية. كما أوضح قائلاً: "لقد كان قاضي التجارة في سوق المدينة المنورة امرأة!". وتساءل الأمير قائلًا: إذا كان خليفة النبي [عمربن الخطاب] قد رحب بكل ذلك، "فهل يقصدون أنه لم يكن مسلمًا!").
في رأي توماس فريدمان "السعودية لن تكون لها معايير تُشبه المعايير الغربية لحرية التعبير وحقوق المرأة"، ويشرح ذلك بالقول: "بصفتي رجلاً يزور السعودية بشكل متكرر لأكثر من 30 عامًا، فإنني دُهِشتُ عندما سمعت بأنه يُمكن للمرء الآن حضور حفلات موسيقية غربية كلاسيكية في العاصمة الرياض، وأن المغني الشعبي توبي كيث قد أحيا حفلاً في الرياض للرجال فقط في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، حيث شهد هذا الحفل تعاونه مع فنان سعودي. وقد دُهشت أيضاً عندما سمعتُ بأن مغنية السوبرانو، اللبنانية هبة طوخي، ستكون من بين أولى المغنيات لإحياء حفلٍ في الرياض للنساء فقط في السادس من شهر ديسمبر المقبل. كما أخبرني محمد بن سلمان أنه تقُرِرَ مؤخرًا السماح للنساء بدخول الملاعب الرياضية وحضور مباريات كرة القدم. واستسلم المتطرفون السعوديون تمامًا لذلك".

السعودية زمن الخمسينات

يلفت توماس فريدمان النظر في مقاله إلى أنّه في أثناء مقابلته الأمير السعودي "قام أحد وزرائه بإخراج هاتفه النقّال، فأطلعني على صورٍ ومشاهد فيديو للسعودية في الخمسينيات الميلادية من موقع يوتيوب – فيها صور  لنساء أجانب بلباسهن المعتاد ويرتدين الفساتين الضافية، ويمشين مع الرجال في الأماكن العامة، ناهيك عن الحفلات الغنائية ودور السينما. لقد كانت [السعودية] مكانًا تقليديًا ومعتدلًا، ولم تكن مكانًا يُمنع فيه الترفيه؛ غير أنّ هذا تغير بعد عام 1979". ويستطرد الصحفي الأمريكي:"إذا تمكنت السعودية من معالجة فيروس التطرف الإسلامي الذي يُعادي تعدد الآراء ويكنّ الكره للنساء – والذي تفشى بعد عام 1979 – فإنها ستتمكن من نشر الاعتدال في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ومن المؤكد أن ذلك سيكون موضع ترحيب في السعودية، التي يُشكل الشباب فيها  تحت سن 30 عامًا ما نسبته 65% من السكان".

إصلاحات تعليمية
وإذا كانت بوابة أي إصلاح شامل تبدأ من التعليم وتحديثه، فإنّ هذا لا يغيب عن مقالة فريدمان الذي ينقل عن وزير التعليم السعودي تأكيده في هذا السياق "أنه يعمل على مجموعة واسعة من الإصلاحات التعليمية، والتي تشمل تغيير وتحويل جميع الكتب المدرسية إلى كتب رقمية، وإرسال 1700 معلم سعودي سنويًا إلى المدراس العالمية في أماكن مثل فنلندا بغية تطوير مهاراتهم، والإعلان عن أنّ الفتيات السعوديات سوف يحظين بحصصِ التربية البدنية للمرة الأولى في المدراس الحكومية، وإدخال ساعة إضافية في اليوم الدراسي في المدراس السعودية للأطفال بغية تمكينهم من اكتشاف شغفهم في العلوم والقضايا الاجتماعية من خلال عملهم على مشاريعهم الخاصة، والتي ستكون تحت إشراف المعلمين".

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية