أعلنت الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة المشاركة بقواتها العسكرية لحماية حدود إقليم شرق السودان، بعد مشاورات فنية وعسكرية مع القوات المسلحة.
وقالت الجبهة في بيان نقلته (فرانس برس): إنّ "قواتكم الباسلة أبطال أورطة الدفاع الشرقية، بقيادة الجنرال الأمين داؤود محمود، مفجر ثورة الحقوق المدنية والسياسية بإقليم شرق السودان، تنتشر وتنفتح نحو الإقليم الشرقي، بعد عملية مشاورات فنية وعسكرية مع قوات الشعب المسلحة.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية (أف ب) في تقرير لها نشر أمس: إنّ الأورطة الشرقية واحدة من (4) ميليشيات تلقت تدريبات عسكرية في معسكرات في إريتريا، ممّا يثير مخاوف من دخول أطراف مسلّحة جديدة في النزاع الدامي مع غياب أيّ حل في الأفق.
وأضاف التقرير أنّ الميليشيات الجديدة نشرت قواتها في ولاية كسلا المتاخمة لولاية الجزيرة. وجنود الميليشيات هم من قبيلة بني عامر الحدودية مع إريتريا، ولم يردّ الجيش السوداني على أسئلة الوكالة حول الميليشيات الموالية له.
وفي شباط (فبراير) الماضي نشرت (فرانس برس) تقريراً نسبت فيه إلى شهود عيان قولهم إنّه يوجد على الأقل (5) معسكرات لتدريب مقاتلين سودانيين في إريتريا، من بينها (3) في منطقة مهيب بإقليم القاش بركا.
ويشرف على أحدها، بحسب شهود، إبراهيم دنيا أحد الشخصيات المعروفة في مدينة كسلا. وظهر اسمه في عامي 2021 و2022 على خلفية التوترات بين قبائل البجة وقبائل بني عامر التي تعيش في السودان وإريتريا.
بابكر: الخطوة تندرج في إطار الاستقطاب العسكري وإطالة أمد الحرب في السودان، وتجريب للمجرب الذي أوصل البلاد إلى الوضع الكارثي الراهن.
هذا، ويرى مراقبون أنّ استراتيجية الجيش في تسليح القبائل للقتال إلى جانبه ضد قوات الدعم السريع يعني عملياً وضع بذور الحرب المقبلة.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي أحمد الطاهر أنّ "هذه الخطوة تعتبر مرحلة من مراحل تطور الحرب عبر إنتاج ميليشيات ذات طابع عرقي أو مناطقي، تزداد قوتها مع الأيام في سيطرتها على مكان معين، ممّا يجعلها تفرض شروطها."
وأضاف الطاهر، في حديث صحفي لـ (العين الإخبارية)، أنّ "خطورة هذه القوة أنّها تنتمي إلى مكوّن اجتماعي محدد بمنطقة فيها أصلاً حالة من الاستقطاب العرقي وانتشار خطاب يكرس للقبلية."
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي أمير بابكر: إنّ "الخطوة ليست مفاجئة، فقد بدأت الميليشيات القبلية في الشرق مع انطلاقة الحرب العام الماضي، في إعداد قواتها بمباركة من القوات المسلحة".
وأضاف بابكر، في تصريح صحفي، أنّ "الخطوة تندرج في إطار الاستقطاب العسكري وإطالة أمد الحرب في السودان، وهي تجريب للمجرب الذي أوصل البلاد إلى الوضع الكارثي الراهن".
وأوضح أنّ "صناعة الميليشيات ودعمها من قبل الدولة لها تداعياتها السالبة على المدى القصير والطويل، وللسودان تجارب مريرة مع ظاهرة الميليشيات المعارضة للدولة أو تلك الموالية لها، ولعل التجربة الحالية تمثل قمة أزمة صناعة الميليشيات."
وتابع: "أعتقد أنّه كان الأجدر بالقوات المسلحة أن تفتح أبوابها لتجنيد المواطنين السودانيين وحثهم على الانخراط في صفوفها على أساس قومي، ممّا سيعزز ويدفع في اتجاه بناء جيش وطني قومي موحد، بدلاً عن دعم التكتلات القبلية المسلحة التي ستزيد من حالة التوتر السائدة، وستكون مثل قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أيّ لحظة، حتى في وجه من يرعاها."
وقد تأسست الأورطة الشرقية بقيادة الجنرال الأمين داؤود، بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف نيسان (أبريل) 2023، وأعلنت الأورطة الشرقية في وقت سابق تخريج (3) دفعات عسكرية خلال الفترة الماضية.
ويقول المتحدث الرسمي للقوى المدنية في شرق السودان صالح عمار: إنّ "مسألة الحركات المسلحة في شرق السودان التي فرضتها حالة الحرب، نتمنى أن يحدث تصحيح لوضعيتها بتحقيق سلام شامل وجيش مهني واحد".
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان حضّ على الحرب الأهلية الأسبوع الماضي، وذلك خلال زيارته لمنطقة البطانة وسط البلاد.
وأضاف عمار: "إلى حين ذلك الوقت نعتقد أنّ الأفضل والواجب للحركات المسلحة الاستمرار في التزام الحياد وعدم الانضمام لأيّ طرف من أطراف الحرب، لأنّ الانضمام لأيّ طرف نتيجته النهائية صبّ المزيد من الوقود على نيران الحرب المشتعلة أصلاً، وتعقيد للمعقد، وجرّ البلاد إلى الحروب الواسعة والحروب الأهلية، وجرّها أيضاً للتدخلات الخارجية، وهي خطوة من المؤكد أنّها غير إيجابية".
وفي سياق متصل، كانت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" قد حذرت من مخطط يقوده تنظيم الحركة الإسلامية التابع لجماعة الإخوان المسلمين، لتحويل الصراع الدائر في السودان إلى حرب قبلية وعرقية، ممّا قد يؤدي إلى تفتيت البلاد.
وقالت "تقدم" في بيان حصلت (حفريات) على نسخة منه: إنّ الحرب المستمرة في السودان أصبحت اليوم أسوأ كارثة إنسانية في العالم، بيد أنّ القادم قد يكون أشدّ سوءاً إذا استمرت التعبئة ذات الطابع المناطقي والجهوي من قبل أطراف النزاع في البلاد.
وانتقدت تنسيقية "تقدم" تصريح قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان بشأن تسليح السكان في ولاية الجزيرة لمواجهة قوات الدعم السريع، ووصفته بـ "التصريح الخطر"؛ لأنّه تخلى عن واجب احتكار الدولة للسلاح، وورط المدنيين في حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر، وفق البيان.
وأضاف البيان أنّ "تحويل الصراع إلى حرب قبلية وعرقية هو مخطط الحركة الإسلامية وعناصر النظام البائد، وهي السياسة التي اتبعوها طوال أعوام حكمهم الـ (30)، فقد سلّحوا القبائل ونشروا خطاب الكراهية والعنصرية، ممّا أدى إلى تقسيم البلاد وتمزيق نسيجها الاجتماعي".
وأردف: "ها هم اليوم يعيدون تكرار المخطط ذاته، مستغلين الغضب الشعبي جراء الحرب والفظائع التي ارتُكبت بحق المدنيين لتحقيق مشروعهم الهدام، وذلك عبر اختراق الأجهزة الأمنية والعسكرية، والتلاعب بالمكونات الأهلية والقبلية، واستخدام أذرعهم الإعلامية لزيادة نار الفتن القبلية والجهوية بصورة تهدد تماسك البلاد ووحدتها".
وقال البيان: إنّ "الحركة الإسلامية وعناصر النظام البائد يتبعون أساليبهم الإجرامية ذاتها التي استخدموها من قبل في جنوب السودان وفي دارفور وفي جبال النوبة وفي النيل الأزرق خلال أعوام حكمهم المباد، لينشروا الفتن الآن في أرجاء السودان كافة دون وازع أو ضمير".
وقد دعت تنسيقية "تقدم" السودانيين جميعهم إلى التصدي للفتن الجهوية والقبلية، والابتعاد عن خطاب العنصرية والكراهية، ومنع تحويل الحرب إلى صراع بين المكونات الاجتماعية، ودعت أيضاً إلى رفض نشر التسليح الذي سيؤدي إلى تدمير مستقبل السودان، وتحويله إلى أرض يسيطر عليها أمراء الحرب والعصابات.
وكان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قد حضّ على الحرب الأهلية الأسبوع الماضي، وذلك خلال زيارته لمنطقة البطانة وسط البلاد.
وتعهد البرهان للمواطنين بتسليح أيّ شخص قادر على حمل السلاح، مشيراً إلى أنّه سبق أن سلَّح من طلبوا السلاح.
واندلعت الأزمة بين الجيش وقوات الدعم السريع على خلفية خلاف بشأن دمج القوات شبه العسكرية في المؤسسة العسكرية الرسمية.
وتقول الأمم المتحدة: إنّ "السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد واحدة من أسوأ أزمات النزوح، وهو مرشح لأن يشهد قريباً أسوأ أزمة جوع في العالم".