منير أديب
لا تعرف جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بالسودان أي معنى للممارسة السياسية سوى التنظير والتخطيط ثم الانقلاب على السلطة بقوة السلاح.
فالكيزان لا يعرفون سلاحًا للأفكار التي حملوها أو المشروع الفكري الذي دافعوا عنه سوى القوة العسكرية التي أتت بهم إلى السلطة في العام 1989.
فرض الكيزان المشروع الفكري الذي خطه حسن الترابي بقوة السلاح على الشعب السوداني. ورغم نجاح الانقلاب العسكري الذي قاده عمر البشير قبل ثلاثة عقود، إلا أن السودانيين نجحوا في إسقاطه بالثورة الشعبية السلميّة في العام 2019، ما يعني هشاشة ما يحملون من أفكار، مع نضج الشعب السوداني الذي لفظ مشروع الحركة رغم مرور عقود على محاولات ترسيخه داخل المجتمع.
ويستخدم الإخوان العنف، بل يُفرطون في ذلك، وإذا كانت ثمة اختلاف بين التنظيمات المتطرفة، فهم الأكثر تطرفًا، لأنهم يعملون على تأصيل الأفكار المتطرفة داخل المجتمعات، ويدفعون إلى تحويلها إلى سلوك، وبالتالي ينقلون العنف من صفحات الكتب إلى صفائح الأرض بين البشر.
في الحقيقة، أشعل الكيزان الحرب الأهلية في السودان، في المرة الأولى عندما كانوا في السلطة، من خلال إشعال فتيلها بولاية دارفور في العام 2003، وها هم يخططون لحرب أهلية أخرى وهم خارج السلطة حتى تأكل الأخضر واليابس لكن في كل ولايات السودان.
والحرب الأهلية في إقليم دارفور، تلك التي صنعها الرئيس المعزول عمر البشير مستخدمًا اللعب على وتر الهوية والعرق، إلا أنها لم تقتصر على هذا الإقليم، بل امتدت لكل الأقاليم وعاشها كل السودانيين في كل الولايات ولكن بصور مختلفة، فلم يترك المخالفين له، ولم يسمح بأي تداول للسلطة، فعاش السودانيين في مستنقع الفقر والجهل والاستبداد في هذه المرحلة.
وها هي الحرب الأهلية تطل برأسها على خلفية الاشتباكات الدائرة في السودان حاليًا والتي ينفخ فيها بقايا الإخوان في مؤسسة الجيش والمدنيين من أعضاء التنظيم الذين اشتركوا فيها ومازالوا يُحرضون على اشتعالها، قهم لا يعرفون إلا لغة العنف والانقلابات العسكرية.
ولأن السودان كان الأقرب للإخوان في مصر، فقد أنشأ التنظيم له بالبلد الأفريقي، إلا أن الكيزان كانوا الأكثر دهاء من التنظيم الأم بمصر؛ فقد نجحوا في الوصول إلى السلطة بعد أقل من أربعين عامًا من النشأة، واحتفظوا بها قرابة ثلاثين عامًا أخرى، وهو ما لم يستطع التنظيم الأم في مصر أن يفعله.
ولعل التشابه بين سلوك الكيزان في السودان والإخوان في مصر، أن كلا منهما يسعى للحرب الأهلية، بل ويخطط لها؛ فميادين القاهرة امتلأت بالإخوان ومؤيديهم في العام 2013 استعدادًا لمخطط الحرب الأهلية، إلا أن تدخل القوات المسلحة حال دون تلك الحرب، التي كان الرابح الوحيد فيها هم الإخوان وشركاؤهم من التنظيمات الدينية المتطرفة.
وشارك الكيزان في عدد من الانقلابات؛ آخرهم انقلاب عام 1989 وكانوا مؤيدين للانقلابات السابقة عليه ولم يتأخروا عن دعمها، وها هم الآن يسعون للانقلاب على الفترة الانتقالية، لكن من خلال سياسة الأرض المحروقة وتهيئة الأجواء لذلك، بهدف الإطلالة على المشهد السياسي، ثم استغلال هذه الفوضى للعودة إلى السلطة من جديد.
انقلاب الكيزان الأول كان من خلال الدبابة التي حملت الحركة الإسلامية والتنظيم إلى قصر الرئاسة، أما الثاني، فهو من خلال تهيئة الأجواء وتعبئة البيئة السودانية حتى يقع الصدام بين القوتين العسكريتين داخل البلاد، بعد أن أطلقوا الرصاصة الأولى في هذه الحرب.
ورغم أن التنظيم ظل موجودًا بقوة داخل تيار الحركة الإسلامية، محافظًا على هويته، إلا أن الكيزان حاولوا أن يظهروا في بداية النشأة في خمسينات القرن الماضي وكأنهم تيار فكري، ضموا تحت لوائه كل التنظيمات الإسلاموية الأخرى.
كما أنهم أنشؤوا حركة إسلامية ضمت تحت لوائها كل التيارات الإسلاموية من سلفيين وصوفيين وباقي التنظيمات الدينية، للاستعانة بهم في مشروع الكيزان للوصول للسلطة، وبالفعل حمل هؤلاء السلاح لحماية انقلابهم، كما ظلوا داعمين لسلطة "البشير" بالحديد والنار على مدار فترة حكمه للبلاد.
ونجح الإخوان في الانقلاب على السلطة في نهاية الثمانينات فهجروا التنظيم إلى حيث وزارات الدولة ومؤسساتها، كما تركوا التنظير والأفكار إلى حيث إدارة السلطة التي وقعت في قبضتهم، فانهار ما اعتقدوا يومًا أنه مشروع فكري، كما انهار وجودهم السياسي وخسروا السلطة أيضًا، ما يدل على أنهم طلاب سلطة وليسوا كما يروجون أنهم لا يسعون لها.
ويهدف الكيزان إلى الانقلاب على السلطة الحالية في السودان، لذلك سعوا إلى تعبئة الأجواء التي تسمح بوجود جماعات العنف والتطرف في ظل فوضى الحرب والاشتباكات الدائرة حاليًا؛ فكما جمعت التنظيمات الدينية الأخرى تحت لافتة الحركة الإسلامية في بدايات نشأتها تسعى لاستنهاض ذات التنظيمات، لكن الأكثر تطرفًا من خلال خلق مناخ الفوضى.
إلا أنه على المجتمع الإقليمي والاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي المشاركة في وضع حلول من شأنها أن تؤدي إلى انتهاء الحرب، وفي نفس الوقت مواجهة دعاتها الحقيقيين الذين يمثلون تهديدُا لأمن السودان والإقليم.
فإذا توقفت آلة الحرب حاليًا، فليس بالتبعية أن تتوقف حملات تحريض الكيزان ولا محاولة الانقلاب على السلطة الناشئة هناك، كما درجوا على ذلك قبل عقود مضت، لذلك لابد ألا تقتصر الجهود الإقليمية على وقف الحرب فقط، لكن مسبباتها والوقوف أمام خطط الإخوان.
عن "العين" الإخبارية