جزيرة قبرص المقسّمة تضاعف خيبات أردوغان وتمزق حلفاءه

جزيرة قبرص المقسّمة تضاعف خيبات أردوغان وتمزق حلفاءه


22/11/2020

خلال زيارته المثيرة للجدل إلى شمال جزيرة قبرص المقسّمة، التي احتلّها الأتراك منذ أكثر من خمسين عاماً، دعا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأحد الماضي، إلى البدء في محادثات تستهدف إقامة دولتين منفصلتين في قبرص.

ويبدو أنّ الأمل عاد إلى الخليفة مجدداً، بعد آخر محادثات سلام أجريت برعاية الأمم المتحدّة، لكنّها باءت بالفشل، عام 2017، وحالت دون الوصول لاتفاق يضمن إعادة توحيد الجزيرة، بين القبارصة اليونانيّين والقبارصة الأتراك.

سلوك أردوغان تجاه قبرص ورّطه في أزمة عنيفة في شرق المتوسط، لذا يقف وحيداً بينما تقف ضده مصر واليونان وقبرص وفرنسا 

ورغم أنّ نيران حرب إقليم ناغورني قره باغ، لم تهدأ بعد، يبدو أنّ الرئيس التركي، يبحث عن غزوة جديدة، تدعم مشروعه التوسّعي، وتوهّم الأتراك أنّ البلاد تسير قدماً للأفضل، بعد الفشل الاقتصادي الذريع الذي باءت به السياسات الحكومية، وفي مقدّمتها صهر أردوغان "بيرات ألبيراق" المستقيل. 

الأذرع التركيّة المتمدّدة 

كان انتخاب القوميّ اليمينيّ، إرسين تتار، رئيساً لشمال قبرص، في 18 تشرين الأول (أكتوبر)، بمثابة تغيير لقواعد اللعبة، الذي كان على عكس سلفه، مصطفى أكينجي، الذي لطالما دعا إلى إعادة توحيد الجزيرة، لكنّ تتار، المدعوم من تركيا، أصبح منادياً بالتقسيم، امتثالاً لرغبات حليفه في أنقرة. 

وفور وصوله إلى الجزء الشمالي من الجزيرة، قال أردوغان في كلمته: "هناك شعبان ودولتان منفصلتان في قبرص، ويجب أن تكون هناك محادثات تهدف إلى حلّ يقوم على دولتين منفصلتين"، موضحاً أنّ مشروع إعادة التوحيد ضرب من الماضي، لا يجوز الحديث عنه الآن. 

تأتي زيارة أردوغان في وقت تتنازع فيه تركيا كقوة إقليمية علناً، مع جيرانها في اليونان وقبرص بشأن مناطق بحرية في البحر الأبيض المتوسط، يُعتقد أنّها تتضمّن احتياطيات كبيرة من الغاز، يحتاج إليها أردوغان لدعم مشروعه التوسّعي، كما فعل في تدخّلاته السافرة في ليبيا، والتي ما تزال تعرقل عمليّة السلام بين الفرقاء الليبين حتّى الآن. 

ووصف الرئيس القبرصي، نيكوس أناستاسيادس، زيارة أردوغان بأنّها "استفزازية، متّهماً الرئيس التركي بإظهار عدم احترامه للقانون الدولي وإعلانه خرق المعاهدات الدوليّة، وانتهاك قرارات الأمم المتحدة، التي صدرت سابقاً بحقّ تقسيم الجزيرة"، وأوضح بيان أصدرته الرئاسة القبرصيّة، أنّ الإجراءات التي تتبعها تركيا ورئيسها تجهض كلّ الحلول الممكنة للأزمة القبرصيّة التي طال أمدها، كما أوضح بيان الرئاسة اليونانية، أنّ زيارة أردوغان يمكن وصفها بالانتهاك المباشر لقرارات الأمم المتحدّة، وتأتي في الوقت الذي من المفترض أن تعقد الأمم المتّحدة اجتماعاً قريباً، بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك، إلى جانب اليونان وتركيا والقوة الاستعمارية السابقة للجزيرة "المملكة المتحدة".

جدير بالذكر؛ أنّ الجزيرة القبرصية مقسّمة، منذ أن غزت تركيا الجزء الشمالي، عام 1974، ردّاً على الانقلاب العسكريّ في اليونان، الذي كان يسعى لضمّ الجزيرة، كما أنّ جمهورية قبرص هي الدولة الوحيدة المعترف بها دولياً، وهي أحد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتشمل سلطتها ثلثي الجزيرة، في الجنوب من المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة، أمّا جمهورية شمال قبرص التركيّة، والتي تمّ الاعتراف بها دولياً من جانب تركيا فقط، تسيطر على الثلث الشمالي من الجزيرة، وتضمّ أكثر من 30 ألف جندي تركي. 

اقرأ أيضاً: هل تنهي خريطة عقيدة "الوطن الأزرق" الصراع بين تركيا واليونان؟

 السّاحة الجديدة للتوسعيّة التركية 

 كانت زيارة أردوغان في هذا الوقت تحديداً، بمثابة سكب الزّيت على النّار؛ إذ تمّ استقبال الرئيس التركي بحشود غفيرة من المتظاهرين الرافضين لهذه الزيارة، والذين أعربوا عن غضبهم من تواجد أردوغان، خلال الذكرى السابعة والثلاثين من إعلان الاستقلال من جانب واحد، كما تضمّنت زيارته نزهة في منتجع فاروشا، الذي أعيد افتتاحه مؤخراً، وهو ما ضاعف من غضب المحتجّين، ودفعهم رفع لافتات كتب عليها "لا نزهة على الألم"، بينما ندّدت وسائل إعلام عالمية كثيرة بسلوك أردوغان، واصفة إياه بالانتهاك الصارخ لقرارات الأمم المتّحدة، التي تستهدف إعادة التوحيد لجزيرة مزّقتها نيران الحرب، فيما ما تزال شمال قبرص، التي لا تعترف بها سوى تركيا، دولة معزولة دولياً، وصيداً ثميناً لأنقرة، التي تعدّ الداعم الأساسي لها مادياً.

 وفي مقال نشرته جريدة "التايم" البريطانية، عشيّة زيارة أردوغان لقبرص، يوضح أنّ معظم الذين شاركوا في الانتخابات، صوّتوا لصالح أكينجي، الذي كان مؤيداً للاتّحاد، ومن المتحمّسين لتسوية النزاع، والذي لطالما دعا لتقاسم غالبية القبارصة اليونانيين السلطة في اتّحاد يضمّ منطقتَين وطائفتَين، لكنّ لعبة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، غيّرت المقادير التي كانت شبه محسومة، وعن طريق انتقالهم من قرية لأخرى في قبرص، نجحوا في شراء الأصوات لصالح حليفهم تتار، بعد أن هدّدوا السكان بالترحيل من منازلهم، وهو ما سبّب خسارة اليساريّ المخضرم بفارق طفيف للغاية، عمل الحزب الحاكم في أنقرة على صناعته تحت وطأة التّهديد والتّرهيب. 

المحلل السياسي التركي بركات كار لـ "حفريات": الكشف عن كميات هائلة من الغاز على السواحل القبرصيّة، أعاد لأردوغان أوهام الاستعمار القديم

وفي تصريح له عبر جريدة "واشنطن بوست"، قال الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في جامعة قبرص الدولية البروفيسور سيرتاك سونان، الذي عمل مستشاراً لـمصطفى أكينجي إنّ "التّقاعس عن حلّ الأزمة أكثر من ذلك سيسبّب مزيداً من التدخّل التّركي في قبرص"، واصفاً الانتخابات بأنّها لم تكن نزيهة، وهناك أيضاً مخاوف من سياسات أردوغان الإقليمية المتزايدة، مثل المواجهة مع قبرص بشأن احتياطيات الطاقة، شرق البحر المتوسط، واستمرار تحدّيها لليونان ودول الاتحاد الأوروبي، بينما يخشى معارضو الرئيس الجديد أنّ ضمّ قبرص إلى تركيا قد يكون تمّ على الورق فعلياً. 

دعوات التقسيم المسمومة 

خلال الذكرى الـ 45 لتقسيم الجزيرة بين قبرص التركية وقبرص اليونانية، هدّد الرئيس التركي، بما أسماه "الحلّ العسكريّ" في قبرص،  ويتبع أردوغان في هذا الصدد، سياسة الأمر الواقع، ضارباً بقرارات الأمم المتحدة، وجهود المجتمع الدولي عرض الحائط.

 ويرى المحلّل السياسيّ التركيّ، بركات كار، أنّ سلوك أردوغان تجاه قبرص، استكمالاً لنهجه الاستعماري الذي بدأه من سوريا، والآن هو متورّط في أزمة عنيفة بشرق المتوسط، يقف وحيداً بينما تقف كلّ من مصر واليونان وقبرص وفرنسا معاً ضدّ تعدّياته، فكان لا بدّ له من البحث عن صيد ثمين، يقتات عليه حتى يخرج من أزمته. 

ويردف كار، في تصريح لـ "حفريات": "في الأعوام الأخيرة؛ تمّ الكشف عن كميات هائلة من الغاز على السواحل القبرصيّة، وهو ما أعاد لأردوغان أوهام الاستعمار القديم؛ إذ يحاول الآن الانقضاض على قبرص، مقابل اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية التي وقّعتها مصر واليونان وقبرص، والتي تقضّ مضاجع أردوغان، الذي كان بالأمس منشغلاً بأزمة حرب ناغورني قره باغ، التي أدلى فيها بمرتزقته، ولم تمضِ على الحرب سوى أسابيع قليلة، حتى بدأ يُشغل الرأي العام العالميّ والتركيّ بأزمة تقسيم قبرص".

ويرى كار في محاولات أردوغان الإلهائية تشتيتاً لأزمته الداخلية؛ "فأردوغان، حتى الآن، لم يجنِ ثماره المتوقّعة من حرب ليبيا أو قرة باغ، بينما تتفاقم  أزمته السياسية والاقتصادية التي أزاحت الستار عنها استقالة صهره المفاجئة، بعد أن ظنّ الجميع أنّه الرئيس القادم، نقطة أخرى لافتة في تصريحات أردوغان، التي تتزامن مع توترات في البيت الأبيض، وترامب، الذي ما يزال منشغلاً في أزمة الانتخابات؛ إذ يدرك أردوغان جيداً أنّ علاقته بالرئيس الجديد، بايدن، ستكبح جماحه، حتى ولو قليلاً؛ لذا فإنّه يستغلّ فسحة الوقت المتاحة لديه".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية