ثلاثية الحرب وكورونا و"قيصر" تباعد بين السوريين والعيد

ثلاثية الحرب وكورونا و"قيصر" تباعد بين السوريين والعيد


30/07/2020

"في ظروف الحرب يأتي العيد خجولاً.. هو مجرد يوم عطلة، لا أكثر ولا أقل.. من زمان ما مرّ العيد على سوريا، وللأسف كورونا هي آخر همّ المواطن السوري خاصة، في ظلّ فقدان الأدوية أو القدرة على الذهاب إلى المستشفى".

اقرأ أيضاً: هل تفشى فيروس كورونا داخل سجون الميليشيات التركية في سوريا؟

 لا تبدو تلك الكلمات المقتضبة التي عبّرت عنها، السورية كارمن الدروبي، سوى حالة مريرة، لا تكشف عن كلّ وجوهها؛ إذ يعاني يومياتها وتفاصيلها المؤلمة الآلاف من السوريين الذين لاذوا بعواصم عربية وأوروبية، هرباً من القصف والتدمير وآلة الحرب الهمجية.

ذاكرة الحرب والعيد

لم تفارق المرارة الدروبي التي تقيم خارج دمشق بسبب الحرب القائمة، منذ تسعة أعوام، وتعيش من دون أهلها بعد أن فرقتهم هذه الظروف الصعبة والمدمرة. وتروي لـ "حفريات" شهادتها عن العيد في سوريا، وحالة الشتات التي جمعت السوريين وهم يتابعون مناطقهم المتهدمة، بعد أن تعرضت للتدمير والقصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة؛ حيث تضيف إلى أعبائهم معاناة أخرى، وتترك مشاعر مختلطة لديهم، تراوح بين الحنين والفقد، إضافة إلى الخوف والتهديد المستمرَّين، لا سيما من تركوا ذويهم داخل هذه الدائرة البعيدة المخيفة.

هناك انخفاض كبير في الليرة السورية أمام الدولار، خاصة بعد تطبيق قانون قيصر الأمريكي

وبينما حاولت الفتاة السورية أن تستعيد ذاكرتها القديمة، فقد بدت مثل من يقف بين عالمين منفصلين: "لم يعد ثمة عيد في سوريا، أصبحت مجرد أيام عادية، أتابعها من خلال الأهل حينما أطمئن عليهم، فالناس لم تعد لديهم القدرة على شراء احتياجاتهم الأساسية، لإعداد وتحضير المأكولات المرتبطة لديهم بالعيد؛ مثل الحلويات والسكاكر والمعمول، فضلاً عن شراء الملابس الجديدة للأطفال، وهو ما ينعكس بالتبعية على الأسواق التي تعاني من الكساد؛ فلم تعد الأسواق التجارية الشهيرة والمحال تفتح قبل أيام العيد على مدار اليوم، ومن بينها سوق الحميدية والحرير، وكذا شارع الحمراء، والصالحية، وباب توما، والتي كانت جميعها تشهد توافداً للزوار للنزهة أو الشراء".

ما الذي تغيّر في العيد بسوريا؟

تردف الدروبي، هناك انخفاض كبير في الليرة السورية أمام الدولار، خاصة بعد تطبيق قانون قيصر الأمريكي، والذي فرض عقوبات اقتصادية على النظام، أدّت إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية، وترتّب عليها ضعف القدرة الشرائية لغالبية المواطنين السوريين، ومن ثم، اختفت مظاهر الاحتفال بالعيد وتلاشت عاداته المميزة، كما أنّ المناطق الخاضعة للنظام أو الفصائل المسلحة أضحت لا تختلف كثيراً من ناحية تأثيراتها المباشرة والسلبية على السوريين؛ ففي كافة الأحوال، الشعب منهك، في ظلّ الغلاء، والانفلات السياسي والأمني، وصعوبة الأوضاع.

عندما تحولت القضية السورية في المشهد العام إلى حرب أهلية، طائفية وعرقية، ودمّر ذلك اقتصاد البلاد؛ فقد أثر في حياة الناس ونمط معيشتهم، وبالتالي، ممارسة طقوس العيد

يضيق المشهد السوري المأزوم في ظلّ الانسداد السياسي، ومواصلة النظام حربه بواسطة وكلائه الإقليميين، وحلفائه في الخارج، أمام هامش فرحة عابرة ومؤقتة يأتي بها العيد، فيتحول إلى غصّة بفعل غياب مظاهره، وتلاشي مصادر البهجة التي لا تتوافر إلا لفئات محدودة من الشرائح العليا للطبقة المتوسطة، ممن لم يفقدوا أعمالهم، بيد أنّ الغالبية يعيشون أكثر من معاناة.

تلاشي مصادر البهجة التي لا تتوافر إلا لفئات محدودة

ولئن توضح الشهادات السورية، من الناحية الإنسانية، وبلغة عفوية، حجم ما تكبّدوه من خسائر في ظلّ الحرب، وانعكاساتها على حياتهم، لا سيما في ظلّ الأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية، فإنّ الأرقام والإحصائيات التي خلص إليها المركز السوري لبحوث السياسات، في بيروت، قبل أيام قليلة، كشفت بلغة تقريرية، عن مقاربة أخرى لهذا الواقع؛ إذ وصل إجمالي الخسائر الاقتصادية بسوريا، خلال تسعة أعوام من الحرب، أكثر من 530 مليار دولار أمريكي، وذلك بزيادة تجاوزت 130 ملياراً عن أسوأ تقديرات لخبراء أممين وسوريين، قبل عامين.

فرحة العيد تغيب عن أطفال سوريا

كما تضرّر 40 في المئة من البنية التحتية، ما تسبّب في خسارة حوالي 65 ملياراً، وبلغ معدل الفقر 86 في المئة بين السوريين البالغ عددهم حوالي 22 مليوناً، حسبما يشير المركز السوري. ويضيف: "بشرياً، بلغ عدد الوفيات المرتبطة بالنزاع 690 ألف شخص، من بينهم 570 ألفاً قتلوا بشكل مباشر نتيجة النزاع الذي أدّى إلى خروج 13 مليوناً من بيوتهم نازحين ولاجئين، في وقت يعيش 2.4 ملايين طفل خارج المدارس داخل البلاد، التي تعلم ستة مناهج في "مناطق النفوذ" المختلفة؛ وهم حوالي 35 في المئة من الأطفال في سنّ الدراسة، يضاف إلى ذلك نسب عدم التحاق بالمدارس مشابهة في أماكن اللجوء خارج سوريا".

صحفي سوري لـ"حفريات": ارتفع  مؤخراً سعر الليرة السورية قليلاً ليتشكل بصيص أمل لدى الأهالي، بيد أنّ التجار لم يخفضوا أسعار البضائع بحجّة أنّهم اشتروها عندما كان الدولار مرتفعاً

يقول الصحفي السوري باز علي: يمكنني تقسيم التغيير الذي طرأ على طقس العيد، في سوريا، بعد الثورة إلى مرحلتين؛ ففي المرحلة الأولى، والتي أسميها مرحلة الثورة والانتفاضة الشعبية الحقيقية؛ تشكّلت طقوس عيد "ثورية"، إن صحّ التعبير، خاصة في المدن والمناطق التي أثرت فيها الأحداث على شريحة واسعة من المجتمع؛ فحينها كانت هناك مظاهرات سميت بمظاهرات "صباح العيد"، كما أنّ المصطلحات التي استخدمت للمباركة بالعيد تعرضت هي الأخرى للتغيير، فظهرت مصطلحات تعبّر عن الحالة الثورية الجديدة التي كانت تشهدها البلاد.

النزاع أدّى إلى خروج 13 مليوناً من بيوتهم نازحين ولاجئين

ويضيف لـ "حفريات": "أما المرحلة الثانية؛ فهي عندما تحولت القضية السورية في المشهد العام إلى حرب أهلية، طائفية وعرقية، ودمّر ذلك اقتصاد البلاد؛ فقد أثّر في حياة الناس ونمط معيشتهم، بالتالي، انعكس في ممارسة طقوس العيد؛ فلم تعد القدرة الشرائية للمواطنين كما كانت عليه في السابق، ما أدّى إلى تراجع كبير في كلّ ما يخص طقوس العيد، لنصل اليوم إلى حدّ يمكن فيه القول إنّ الناس باتوا يخافون من قرب العيد: كونهم لا يملكون رفاهية الاحتفال وإحياء طقوسه، وبالأخص زاوية أنّ العيد فرحة استثنائية للأطفال".

اقرأ أيضاً: أردوغان ومشروع الجيب الإخواني شمال سوريا

لا يكاد يختلف رأي، كاظم حسين، الصحفي السوري، الذي ما يزال يقيم في سوريا، عن رأي غيره ممن حصلت "حفريات" على شهاداتهم الخاصة بالعيد، في ظلّ جملة الأوضاع التي يعيش تحت وطأتها السوريون؛ إذ يقول: "أصبح العيد يثقل كاهل المواطنين في سوريا؛ فمن جهة، هناك هبوط حادّ في سعر الليرة السورية مقابل الدولار، ومن جهة أخرى، انتشار فيروس كورونا، وخصوصاً في الأيام الأخيرة، ناهيك عن قانون قيصر الذي ترتّب عليه ارتفاع جنوني في أسعار السلع، وكذا احتكار التجار للعديد من المنتجاب الغذائية وغيرها، وبالتالي، اجتمعت كلّ هذه الأحداث والنتائج مع بعضها لتفقِد الأهالي بهجة العيد وتزيد همّهم أكثر".

اقرأ أيضاً: تركيا تحتل من سوريا أضعاف ما تحتله إسرائيل

ويضيف حسين لـ "حفريات": "في الأيام الأخيرة، ارتفع سعر الليرة السورية قليلاً ليتشكل بصيص من الأمل لدى الأهالي، بيد أنّ التجار لم يخفضوا أسعار البضائع بحجّة أنّهم اشتروها عندما كان الدولار مرتفعاً، وعليه، تلمح في الأسواق وجوه المواطنيين، دون بهجة أو رضا، وذلك بعد أن فقدوا الكثير؛ إذ إنّ كلّ عائلة الآن تحتاج لأن يعمل فيها ثلاثة أو أربعة أفراد كي يستطيعوا مجابهة الأوضاع الاقتصادية المزرية التي تعيشها البلاد".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية