توترات في سماء سوريا بين موسكو وواشنطن... ما الدلالات والرسائل؟

توترات في سماء سوريا بين موسكو وواشنطن... ما الدلالات والرسائل؟

توترات في سماء سوريا بين موسكو وواشنطن... ما الدلالات والرسائل؟


17/07/2023

خلال الأيام الماضية كانت ثمّة توترات في سماء شمال شرقي سوريا، بين مسيّرات أمريكية ومقاتلات روسية، نجم عنها تبادل للاتهامات بين واشنطن وموسكو، ومن تلك الاتهامات خرق مذكرة التفاهم حول سلامة الطيران في المنطقة. لكنّ القوات الأمريكية في المنطقة صرّحت بأنّ مسيّراتها كانت بصدد تنفيذ عملية ضد تنظيم (داعش) الإرهابي، وبالفعل أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) مقتل قيادي في تنظيم (داعش)، ولقبه "أسامة المهاجر"، في غارة نفذتها مسيّرات أمريكية، مطلع الشهر الجاري.

على طرف مواز، شهدت المنطقة في شمال شرقي سوريا، وتحديداً مناطق "نهر الفرات" شرقاً وغرباً، خلال الأيام القليلة الماضية، تحركات عسكرية من جهات مختلفة، منها قوات جيش النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). ويبدو أنّ التوترات القائمة بين القوات الدولية أدّت إلى تحرك القوات المحلية بالتبعية، لا سيّما تلك التي ترتبط بولاءات للأطراف الخارجية.

ومن ثم، فإنّ الاعتراضات الروسية للمسيّرات الأمريكية، لها دلالات عدة، فضلاً عن رسائل يريد كل طرف تمريرها، وهو ما قد يحمل تداعيات على المنطقة في شمال شرقي سوريا، منها انبعاث توترات أمنية جديدة، بين الحكومة في دمشق، والقوات التابعة لـ (الإدارة الذاتية) في الفترة المقبلة، تحديداً في ظل وجود تمركزات لعناصر الأولى بمناطق الإدارة الذاتية، في مربعات أمنية، فضلاً عن سيطرتها على مطار القامشلي.

توترات روسية أمريكية

نحو ذلك، صرّح مسؤول دفاعي أمريكي كبير أنّ الولايات المتحدة تبحث عدداً من الخيارات العسكرية للتعامل مع التحركات "العدائية الروسية المتزايدة" في سماء سوريا منذ آذار (مارس) الماضي، حسبما قالت وكالة (أسوشيتد برس).

الاعتراضات الروسية للمسيّرات الأمريكية

ورفض المسؤول الدفاعي، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، منح أيّ تفاصيل بشأن هذه الخيارات، ولكنّه شدّد على أنّ واشنطن لن تتنازل عن الأراضي التي تعمل فيها، وستواصل التحليق في الجزء الغربي من سوريا للقيام بمهمات ضد تنظيم داعش.

تزامنت التحركات العسكرية لقوات النظام السوري بالتنسيق مع قوات روسيا، مع وصول تعزيزات أمريكية عسكرية ولوجستية إلى قواعدها في شمال شرقي سوريا

وقال مسؤول دفاعي أمريكي كبير: إنّ طائرة استطلاع روسية حلقت صباح الجمعة الماضية فوق قاعدة أمريكية في سوريا لفترة طويلة، واعتبر المسؤولون الأمريكيون أنّ الهدف من ذلك جمع معلومات استخبارية. ونقلت شبكة (سي إن إن) عن المسؤول قوله: إنّ طائرة من طراز "أنتونوف إن ـ 30" حلقت ذهاباً وإياباً" عدة مرات فوق قاعدة (التنف) بدير الزور، والمنطقة المحيطة بها، وتابع: "الروس يواصلون القيام بأنشطة تثير قلقنا للغاية".

هذا، وأعلنت الولايات المتحدة منذ آذار (مارس) الماضي عن سلسلة من الحوادث، مؤكدة قيام طيارين روس بممارسة "سلوكيات خطرة وغير مهنية"، أمام مقاتلات ومسيّرات أمريكية.

وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية قبل أيام قليلة أنّها قتلت قيادياً في تنظيم داعش شرق سوريا، بضربة في 7 تموز (يوليو) الجاري، لافتة إلى أنّ الضربة نفذتها الطائرات المسيّرة "MQ-9" نفسها التي تعرضت في وقت سابق من اليوم ذاته،  لمضايقات من مقاتلات روسية، في مواجهة استمرت ساعتين تقريباً في سماء سوريا.

نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا أوليغ غورينوف

ووفق القيادة الأمريكية، فإنّ مقاتلات روسية اعترضت في السادس من الشهر الجاري مسيّرات أمريكية تعمل فوق سوريا للمرة الثانية خلال (24) ساعة، متهمة الطيارين الروس بممارسة سلوكيات خطرة.

قائد القوات الجوية في القيادة المركزية الجنرال أليكس غرينكيويتش قال في بيان مقتضب: إنّ المواجهة استمرت ساعتين، اقتربت خلالها المقاتلة الروسية (18) مرة بشكل غير احترافي من المسيّرات، الأمر الذي استدعى الاستجابة منها؛ لتجنب الأوضاع غير الآمنة.

وتُعدّ هذه الحادثة هي الثالثة من نوعها في غضون فترة وجيزة، وأوضح قادة القوات الأمريكية أنّ هذه الاعتراضات الروسية تؤثر على مسار عمل واشنطن واستراتيجيتها في مجال مكافحة تنظيم (داعش)، بينما ترى روسيا أنّ طائرات التحالف تنتهك مذكرة تفاهم سلامة الطيران في الأجواء السورية، وتحلق فوق نقاطها بالمنطقة.

زارا صالح: إحدى نقاط وشروط التطبيع بين أنقرة ودمشق هي التنسيق على محاربة الكُرد بشمال شرقي سوريا

مطلع الشهر الجاري، قال نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا أوليغ غورينوف: إنّ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في سوريا انتهك مذكرة سلامة الطيران في سوريا (315) مرة، خلال حزيران (يونيو) الماضي، وجرى تسجيل (10) حالات انتهاك تتعلق بتحليق طائرات من دون طيار تابعة للتحالف.

واتهمت واشنطن الطائرات العسكرية الروسية بالانخراط في ممارسة سلوك غير آمن وغير مهني، إثر مضايقاتها للمسيّرات الأمريكية أثناء تنفيذها مهمة ضد (داعش) في سوريا، وأوضحت أنّ المقاتلة الروسية ألقت قنابل مضيئة، وحلقت بالقرب من المسيّرات بشكل خطير، ممّا هدّد سلامة جميع المقاتلات المعنية.

 الدكتور زارا صالح

وأشارت واشنطن إلى أنّ هذه الحوادث المتكررة، مثال آخر على "السلوكيات غير المهنية وغير الآمنة" من قبل القوات الجوية الروسية في سوريا، واعتبرت أنّ هذه الأحداث تمثل دليلاً آخر على الإجراءات غير المهنية وغير الآمنة، التي تقوم بها القوات الجوية الروسية العاملة في سوريا، والتي تهدد سلامة القوات الأمريكية والروسية، مطالبة موسكو بوقف هذا السلوك، والعودة لمعايير وقواعد سلاح الجو؛ حتى يتمكن الجميع من الاستمرار في مواجهة تنظيم (داعش) الإرهابي.

ما الدلالات والرسائل؟

تعقيباً على هذه التوترات، يرى الدكتور زارا صالح، الباحث السياسي في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية في جامعة (كوفنتري) ببريطانيا، وفق حديثه لـ "حفريات"، أنّه على الرغم من الاتفاق الأمريكي-الروسي منذ أعوام على التنسيق وقواعد "منع الاشتباك " في مناطق سيطرة الطرفين في سوريا، وتحديداً على ضفتي نهر الفرات شرقه وغربه، إلّا أنّ تداخل عمليات الصراع في ملفات أخرى، ما عدا الملف السوري، كان أحد أسباب نقل التوتر والتصعيد إلى الميدان السوري كإحدى أدوات الصراع بينهما.

ولعل التطورات الأخيرة، خاصّة في الملف الأوكراني-الروسي واجتماع "حلف شمال الأطلسي" (الناتو) الأخير، وقرب انضمام السويد للحصول على العضوية في الحلف، وكذلك الحديث عن الموافقة على انضمام أوكرانيا للحلف أيضاً، قد شكلت تحدياً مباشراً للجانب الروسي، الذي يحاول من جانبه نقل الصراع واستخدام أوراق الضغط التي يمتلكها في سوريا، على حدّ تعبير صالح.

من جهة أخرى، كانت ثمّة تحركات عسكرية خلال الأيام الماضية في شرق سوريا، وقالت مصادر ميدانية محلية: إنّ قوات جيش النظام السوري، بالتعاون مع قوات روسية، نفذت مناورات بالذخيرة الحية شاركت فيها الطائرات الروسية المنطلقة من قاعدة "حميميم"، في محافظة اللاذقية بالساحل السوري.

موسكو مدينة لإيران لدعمها في الحرب في أوكرانيا، وإيران من جانبها تريد إخراج الولايات المتحدة من سوريا، لكي تتمكن من نقل الأسلحة إلى حزب الله عبر سوريا

وفق تقارير صحفية، أعلن رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا الأدميرال أوليغ غورينوف الثلاثاء الماضي بدء إجراء مناورات عسكرية مشتركة للقوات الجوية الروسية والسورية. وقال غورينوف إنّ الإجراءات التدريبية تستمر (6) أيام، لافتاً إلى أنّها ستشمل سلاح الجو وقوات ووسائل الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية لصد الهجمات الجوية، وسط أنباء عن وصول تعزيزات لقوات الحكومة السورية إلى مناطق محاذية لنهر الفرات بريف دير الزور. هذا فضلاً عن وصول وفدين عسكريين رفيعي المستوى، لضباط روس وإيرانيين قادمين من دمشق العاصمة عبر مطار المدينة، وتوجيههما إلى مقارهم الرئيسية، وفق العديد من المصادر المحلية في المدينة.

بالعودة إلى الباحث السياسي السوري زارا صالح، فإنّ ترجمة ذلك كان متناغماً مع التنسيق الروسي مع الجانب الإيراني، وتحريك ميليشياته مع فصائل أخرى تابعة للنظام السوري للقيام بعمليات ضد القواعد الأمريكية، خاصّة في منطقة دير الزور، وقاعدة (التنف) العسكرية التابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة مؤخراً.

وخرق اتفاق "فك الاشتباك" الأخير يعكس نتائج ذلك الصراع الذي بدأ به الجانب الروسي، علماً أنّه في السابق كانت القوات الأمريكية تقوم بعمليات طيران وإنزالات جوية في مناطق غرب الفرات تحت بند "محاربة داعش" بتنسيق غير مباشر مع الطرف الروسي، لكن مع تغيير موازين القوى وأدوات الصراع والتموضع تبدو موسكو غير آبهة بتلك القواعد، أي "منع الاشتباك"، بحسب تحليل صالح.

...

ولعل اختيار روسيا لهذا التوقيت جاء كردٍّ وانعكاس مباشر لتطور الأحداث السابقة، ومنها الملف الأوكراني، والمواقف الجديدة بخصوص عضوية السويد وأوكرانيا للانضمام إلى حلف (الناتو)، وتغير مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضا بهذا الصدد، كما يقول صالح.

لا مواجهات عسكرية

تزامنت التحركات العسكرية لقوات النظام السوري بالتنسيق مع قوات روسيا، مع وصول تعزيزات أمريكية عسكرية ولوجستية إلى قواعدها في شمال شرقي سوريا، تضم معدات لوجستية ومدرعات وأرتال، تدفقت من معبر "الوليد" من العراق. هذا فضلاً عن وصول تعزيزات لـ (قسد) وقوى الأمن الداخلي (الآسايش) التابعة لـ "الإدارة الذاتية"، إلى بلدات بريف دير الزور الشرقي. كما قالت مصادر محلية خاصّة إنّ ثمّة تدريبات عسكرية لـ (قسد) في عدد من قواعدها بإشراف أمريكي، وباستخدام أسلحة حية مختلفة.

ويعدّ هذا التصعيد العسكري من قبل موسكو، والذي قابله تحشيد آخر من الجانب الأمريكي، بمثابة رسائل مباشرة إلى الأمريكيين، بأنّها تستطيع استخدام أوراق الضغط في الملف السوري ومناطق الصراع المختلفة، وزيادة التنسيق وتوسيع "الحلف" المعارض للوجود الأمريكي في سوريا، مثل: التنسيق مع الميليشيات الإيرانية، ومنها حزب الله اللبناني الموالي لطهران، والمتمركز في غرب الفرات بكثافة؛ لضرب القواعد الأمريكية، حسبما يوضح الباحث السياسي في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية في جامعة (كوفنتري) ببريطانيا.

وتعتبر هذه الآلية واستخدام أوراق الضغط والصراع إحدى وسائل التكتيك واستراتيجيات الصراعات الدولية، وتدرك واشنطن من جانبها حقيقة ذلك. ويستبعد صالح حصول مواجهات عسكرية مباشرة بين القوات الروسية والأمريكية، في الوقت الحالي، لا سيّما أنّ التجارب السابقة من حصول توترات واختراق لقواعد التنسيق، تؤكد صحة واستبعاد إمكانية تطور الأحداث الأخيرة إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين.

صالح استدرك ذلك بالقول: قد يكون هناك استخدام لأدوات الضغط، وهو ما يحصل دوماً، وزادت روسيا من حدتها مؤخراً باستهداف القواعد الأمريكية بأدوات فصائل إيرانية ومرتزقة سوريين، وخرق للطيران، ولهذا فإنّ نقل الصراع أمر كان موجوداً دوماً في مناطق النفوذ الأمريكي، وسيطرة (قسد) و"الإدارة الذاتية" لشمال شرقي سوريا، والتي تحاول روسيا استعادتها وتسليمها لنظام دمشق عبر الضغط على الجانب الكُردي، في محاولة لابتزازه عبر التهديد بالعدوان التركي. وليس مستبعداً أن تشهد المناطق الكُردية، ومناطق "الإدارة الذاتية" تحديداً، توترات ميدانية بين قوات أو فصائل وعشائر تابعة للنظام السوري، والقيام بتحريضها ضد القوات الكُردية بالمنطقة، خاصّة أنّ موسكو هي راعية التطبيع بين بشار الأسد وأردوغان، بينما تحاول أيضاً استغلال الانفتاح العربي على نظام الأسد.

واختتم صالح حديثه بالقول: "ولا ننسى أيضاً أنّ إحدى نقاط وشروط التطبيع بين أنقرة ودمشق هي التنسيق على محاربة الكُرد بشمال شرقي سوريا".

أدوار وظيفية بين موسكو وطهران

بالعودة إلى حديث المسؤول الدفاعي الأمريكي للصحفيين، فإنّ زيادة وتيرة التحركات الروسية العسكرية لمضايقة الطائرات الأمريكية، تنبع من زيادة التعاون بين موسكو وطهران والنظام السوري لمحاولة الضغط على الولايات المتحدة لمغادرة سوريا.

ولا يختلف الرأي السابق عمّا ذكره المسؤول الأمريكي الذي عقب لـ (أسوشيتد برس) قائلاً: إنّ موسكو "مدينة لإيران لدعمها في الحرب في أوكرانيا"، وإنّ إيران من جانبها تريد إخراج الولايات المتحدة من سوريا، لكي تتمكن من نقل الأسلحة إلى حزب الله عبر سوريا، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة "رصدت تعاوناً وتنسيقاً وتخطيطاً ومشاركة للمعلومات الاستخباراتية بين قادة روس متوسطي الدرجة، وفيلق القدس في سوريا؛ للضغط على الولايات المتحدة لإخراج قواتها من سوريا". ويتواجد نحو (900) عنصر من القوات الأمريكية في سوريا، ويتحركون داخل وخارج سوريا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية