"تحلَّ بالأدب": لماذا يُتهم أردوغان بأنه "مضطرب"؟

"تحلَّ بالأدب": لماذا يُتهم أردوغان بأنه "مضطرب"؟


09/06/2022

بعد وصفه المحتجين بـ "العاهرين"، فضلاً عن أوصاف أخرى مسيئة؛ يكون الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أضاف خرقاً جديداً للدستور والأعراف السياسية في تركيا، لهذا توالت ردود الفعل المنددة بالعبارات "النابية" التي صدرت عن الرئيس الذي يمثل حزباً ذات توجهات إسلامية تحض على التسامح واحترام الآخر وتوقيره.

قصد أردوغان الإساءة، بشكل مباشر، إلى المشاركين في إحياء الذكرى التاسعة لتظاهرات حديقة غيزي، عام 2013، المعارضة للحكومة، وذلك على خلفية التغييرات العمرانية التي كانت تهدف، وقتذاك، إلى تغيير ملامح مدينة اسطنبول، وبناء ثكنات على الطراز العثماني في المساحة الخضراء المتبقية بالمدينة، وجاءت تصريحات أردوغان في اجتماع للكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية.

ليست "زلة لسان"

الموقف المتشنج لأردوغان، والذي حاول مقربون من الحكومة تبريره بأنّه مجرد "زلة لسان"، يراه مراقبون تصريحات انفعالية ومتفلتة متعمَّدة، خاصة أنّ الرئيس التركي يعطي أهمية قصوى لخطاباته أمام الكتلة البرلمانية، ما يعكس الوضع السياسي المأزوم والمستقبل الغامض، أو بالأحرى الصعب، الذي يواجه حزب العدالة والتنمية في ظلّ المنافسة المحتدمة والاستقطاب الحاد مع قوى المعارضة، بالتزامن مع اقتراب الانتخابات المزمع إجراؤها منتصف العام المقبل.

واللافت أنّ الرئيس التركي، الذي شهد حزبه الحاكم عدة انشقاقات عنيفة على مستوى القيادات، وقد شكّلوا أحزاباً معارضة لمواجهته ضمن آخرين في الانتخابات القادمة، تسجل مراكز قياس اتجاهات الرأي العام في تركيا تراجع شعبية أردوغان، وذلك بالتزامن مع ارتفاع نسبة التضخم لدرجة غير مسبوقة، منذ عقدين، إضافة إلى الانهيارات المتتالية لليرة التركية في مقابل الدولار، مع الوضع في الاعتبار أنّ نسبة التضخم وصلت نحو 70%، خلال عام واحد، في نيسان (أبريل) الماضي، وقال جيسون توفي من مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس"، ومقرّها لندن؛ إنّ التضخم سيستمر بالارتفاع في الأشهر المقبلة، بينما "لا يوجد مؤشر على أنّ البنك المركزي التركي على وشك رفع أسعار الفائدة".

جوان سوز: الرئيس التركي عادة ما يستخدم وصف "الإرهاب" بحقّ كلّ من ينتقده

إساءات أردوغان جاءت خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، ضد المشاركين في إحياء تظاهرات غيزي، وقال: "قطّاع الطرق والإرهابيون هؤلاء كانوا يدنّسون مسجد (دولما بهشه) بزجاجات الخمرة وصناديق البيرة، هكذا هم، إنّهم فاسدون وعاهرات".

ونقلت صحيفة "زمان" التركية، عن برلماني بحزب العدالة والتنمية الحاكم، قوله إنّ "أردوغان يولي أهمية كبيرة لخطاباته التي يلقيها أمام كتلة الحزب بالبرلمان"، نافياً احتمالية أن يكون وصف الرئيس التركي للمحتجين عملية غير متعمدة، موضحاً أنّه "يتم إعداد الكلمة قبل أيام من الاجتماع، ويتطرّق خلالها (أردوغان) لكلّ القضايا". ويتابع: "وبقدر علمي؛ فإنّ أردوغان لم يحِد، خلال تلك الكلمة، عن النصّ المعدّ مسبقاً. أرى أنّ تسليط الضوء على هذا الموضوع أمر خاطئ، الخطاب كان في أغلبه بياناً رسمياً للغرب، وفي الواقع علينا تناول تلك الأجزاء".

تحرك قضائي ضدّ أردوغان

إلى ذلك، هاجم رئيس حزب المستقبل التركي، أحمد داود أوغلو، الرئيس التركي، وقال في تغريدة على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "تحلَّ بالأدب! كيف يمكنك إهانة مواطني دولة أنت رئيسها؟ لنقل إنّك تعاني من نقص في العلم والعرفان لكن أليس الأدب أساس إيماننا؟".

وغرّد البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري في مدينة مرسين، علي ماهر بشارير، قائلاً: "نائبات حزب العدالة والتنمية اللاتي كنّ يقلن إنّه كان لا يوجد كلمة امرأة قبل حزب العدالة والتنمية، بماذا يصفون تصريحات أردوغان القبيحة المخزية؟".

تصريحات أردوغان سوف تفاقم الأوضاع بالشارع التركي، والذي يشهد حراكاً شعبياً، خاصة مع ازدياد نسبة التضخم في السوق التركية وانهيار الليرة أمام العملات الأجنبية

وفي حديثه لـ "حفريات"، يوضح الصحفي المختص بالشؤون التركية والأقليات في الشرق الأوسط، جوان سوز؛ أنّ الرئيس التركي عادة ما يستخدم وصف "الإرهاب" بحقّ كلّ من ينتقده، وكذا ضدّ كلّ خصومه السياسيين، لافتاً إلى أنّ أردوغان "يرى في كلّ من يعارض سياساته إرهابياً، لكنّ المثير والجديد، في الآونة الأخيرة، وصف محتجين شاركوا في احتجاجات غيزي للبيئة، عام 2013، بالعاهرات، وهذا يدلّ على حجم كراهية أردوغان لتلك الاحتجاجات بوجه خاص".

وقد استخدم أردوغان، في السابق، وصف "الجنون" على المحتجين في تظاهرات غيزي، وفق سوز، كما وجه اتهاماته ضدّ رجل الأعمال المعروف، عثمان كافالا، المسجون منذ سنوات، والذي حكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة، في نيسان (أبريل) الماضي، رغم الانتقادات الحقوقية لمسار المحاكمة "المسيسة"؛ حيث اتهمه أردوغان بالتجسس السياسي والعسكري لصالح جهات خارجية بعد تأييد كافالا لتلك الاحتجاجات.

انفلات الخطاب السياسي

بالتالي؛ فإنّ وصف المشاركين بتلك الاحتجاجات بهذه العبارات المشينة من قبل الرئيس التركي، يؤكّد "حجم كراهية أردوغان لتظاهرات غيزي، والتي كانت أولى التظاهرات التي تعارض حكم الرئيس التركي، منذ عام 2013، بينما لم يكفّ عن كيل الاتهامات والشتائم لها؛ لأنّه يرى فيها انقلاباً على حكمه"؛ يقول سوز.

المحلل السياسي المختص محمد صالح العبيدي لـ"حفريات": تصريح أردوغان يعكس حالة من "الانفلات" في الخطاب السياسي وكذلك حالة من الاضطراب في سلوكه السياسي

وبسؤال الصحفي المختص بالشؤون التركية والأقليات في الشرق الأوسط عن المسار القانوني والقضائي تجاه تصريحات أردوغان، لا سيما مع تحرّك عدد من أحزاب المعارضة بشكوى قانونية للقضاء التركي، يجيب: "لا يوجد من يحاسب أردوغان، حتى القضاء التركي نفسه، ورغم أنّ معارضين رفعوا دعاوى قضائية بحقّه بعد استخدامه ذلك الوصف المهين، إلا أنّه لم يسبق للقضاء التركي أن حاول محاسبة أردوغان، أو مساءلته على تجاوزاته؛ إذ لا توجد سابقة من هذا النوع، ولهذا تبدو مسألة الدعاوى القضائية بحق أردوغان، مسألة معنوية، لا أكثر، فالمعارضون يدركون أنّ القضاء المحلي لن ينصفهم، لكنّهم مع ذلك لجأوا للقضاء".

العبيدي: هذه التصريحات سوف تفاقم الأوضاع بالشارع التركي

يتفق والرأي ذاته، المحلل السياسي المختص بالشأن التركي، محمد صالح العبيدي، والذي يرى أنّ تصريح أردوغان يعكس حالة من "الانفلات" في الخطاب السياسي لدى الرئيس التركي، والذي يعكس كذلك حالة من الاضطراب في سلوكه السياسي، بعد أن وصلت بلاده لـ "الغرق الاقتصادي"، ويردف لـ "حفريات": "هذه التصريحات التي تحمل دلالات أخلاقوية وتمييزية ليست بالجديدة على رئيس دولة نسف كلّ خصومه بعد الانقلاب المزعوم والفاشل، في تموز (يوليو) عام 2016".

وفي تقدير العبيدي؛ فإنّ هذه التصريحات سوف تفاقم الأوضاع بالشارع التركي، والذي يشهد حراكاً شعبياً، خاصة مع ازدياد نسبة التضخم في السوق التركية وانهيار الليرة أمام العملات الأجنبية. ويتابع: "عملية تسييس القضاء مسألة عضوية مرتبطة بطبيعة السلطة المركزية بتركيا والقائمة على الشخص الأوحد (أي أردوغان)، وقد وضع الرئيس التركي، منذ عام 2016، قرابة ثلاثة آلاف قاضٍ في السجن في عملية سميت بعملية تجفيف الينابيع، وهي في الحقيقة عملية تدجين مؤسسة العدالة لصالح حزب العدالة والتنمية".

مواضيع ذات صلة:

هل تطيح الأزمة الاقتصادية بأردوغان وحزبه؟

أردوغان يفعلها مجدداً: حسابات الربح والخسارة من الحرب في أوكرانيا

كيف أثرت خطابات أردوغان وسياسته على صناعة الدفاع التركية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية