أردوغان يفعلها مجدداً: حسابات الربح والخسارة من الحرب في أوكرانيا

أردوغان يفعلها مجدداً: حسابات الربح والخسارة من الحرب في أوكرانيا


05/05/2022

تتّخذ تركيا موقعاً لافتاً، في ظلّ الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث ما يزال مسار إسطنبول الدبلوماسي يتقدم سائر الجهود لإنهاء الصراع، وكذا إيجاد صيغة سياسية للتسوية والتفاوض، وقد بحث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مؤخراً، آخر تطورات الحرب، كما قدّم الأول جملة نتائج المحادثات الأخيرة بين كييف وموسكو.

خطّ التفاوض

ووفق الأمين العام للأمم المتحدة؛ فإنّ أنقرة ستواصل تحريض كييف وموسكو على تخفيض الصراع وحلّ النزاع القائم، مشدّداً على أنّ بلاده "ستواصل بكلّ حزم وصدق جهودها الرامية إلى تجاوز الأزمة القائمة وإرساء السلام".

وبدوره، أوضح الناطق بلسان الرئاسة التركية، إبراهيم قالن؛ أنّ استمرار مسار إسطنبول يمكن أن يؤدي دوراً محورياً في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، كما أنّ تركيا تواصل جهودها بشكل مكثف في هذا الشأن. وتابع: "هدفنا الأول هو إنهاء الحرب عن طريق المباحثات والحوار، والحرب كلّما طال أمدها فإنّ الظروف تتعقد".

تركيا أغلقت الأجواء الجوية أمام الطائرات الروسية، في النصف الثاني من الشهر الماضي

وأكّد قالن، الذي التقى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ورئيس مكتب الرئيس الأوكراني، أندريه يرماك؛ أنّ الهجمات التي يتعرّض لها المدنيون تفرض ضرورة التصدي العاجل لحسم الصراع، مضيفاً:" أجرينا لقاءات تشمل هذه القضايا، وفتح ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين، وفي مقدّمتها مدينة ماريبول". وأردف: "الحرب في أوكرانيا دخلت يومها الـ 66، كما أنّ المعارك محتدمة في مدن ماريبول وخيريسون وخاركيف ودونباس شرقي أوكرانيا".

ضغط تركيا على موسكو

واللافت أنّ تركيا، التي تتخذ موقفاً حيادياً منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، قد أغلقت الأجواء الجوية أمام الطائرات الروسية، في النصف الثاني من الشهر الماضي، الأمر الذي رآه مراقبون عملية تصعيد (ضدّ موسكو)، بينما شدّدت أنقرة على أنّه تم بناء على "تفاهم"، حسبما قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو.

تقديرات: السبب وراء القرار التركي بشأن غلق المجال الجوي هو زيادة الضغط على روسيا، لأخذ المفاوضات مع أوكرانيا بجدية أكبر، ولزيادة النفوذ التركي ضدّ روسيا في سوريا

وبحسب عمر أوزكيزيلجيك، محلل السياسة الخارجية والأمن في أنقرة؛ فإنّ السبب وراء القرار التركي بشأن غلق المجال الجوي هو "زيادة الضغط على روسيا، لأخذ المفاوضات مع أوكرانيا بجدية أكبر، ولزيادة النفوذ التركي ضدّ روسيا في سوريا"، موضحاً، في حديثه لموقع "الحرة" الأمريكي؛ أنّ حرب أوكرانيا "تتيح فرصاً جديدة لتركيا والحكومة السورية المؤقتة في مواجهة ميزان القوى في سوريا. فالقدرة على إمداد وحدة ضخمة مثل الوحدة الروسية في سوريا عن طريق الجو محدودة. من خلال إغلاق مجالها الجوي، تجبر تركيا روسيا على استخدام طريق إمداد جوي أطول، والمرور عبر المجال الجوي للعراق وشرق سوريا، حيث تتمتع الولايات المتحدة بتفوق جوي هناك".

السجال الحالي بين الرئيس التركي والرئيس الأمريكي هو سجال طبيعي ودوري

السجال الحالي بين الرئيس التركي والرئيس الأمريكي هو سجال طبيعي ودوري، بحسب الباحث المصري في قضايا الأمن الإقليمي، محمد فوزي؛ إذ إنّه يأتي بالتزامن مع الذكرى 107 للمذابح الأرمنية، واعتراف الرئيس جو بايدن، في 24 نيسان (أبريل) 2021، بالمذابح التي ارتكبت ضدّ الأرمن من قبل الدولة العثمانية، في أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث رأى بايدن في قراره أنّ هذه المجازر، التي طالت ما يقارب الـ 1.5 مليون أرمني "إبادة جماعية". وكانت الولايات المتحدة بهذا القرار الدولي (رقم 30) تعترف بالمذابح ضدّ الأرمن، وعليه، تخوف تركيا الأكبر والدائم من أن تكون هذه الخطوة الإجرائية الأخيرة بمثابة "ضوء أخضر" أمريكي للعديد من الدول الأخرى للاعتراف بالمذابح ضدّ الأرمن، وهو الأمر الذي تعتقد القيادة التركية أنّه سيفتح الباب أمام ابتزازها من العديد من الدول.

ما الجديد في السجال التركي الأمريكي حول الأرمن؟

لكنّ ما أكسب السجالات الأمريكية – التركية، هذه المرة، بعض الخصوصية، هو تزامنها مع الحرب الروسية – الأوكرانية، وفق فوزي في حديثه لـ "حفريات"، والمقاربة المتفاوتة لكلّ منهما في التعاطي مع الصراع الدولي، وهو التعاطي الذي فرض على الدولتين تحقيق اختراق وحلحلة لبعض الملفات الخلافية، وهو ما تجسّد في إعلان أردوغان، في 24 آذار (مارس) الماضي، تقدّم محادثات بلاده مع واشنطن بشأن بحث إمكانية بيع الإدارة الأمريكية إلى تركيا طائرات "إف 16" الحربية، مقابل الأموال التي دفعتها تركيا في إطار برنامج طائرات "إف 35"، وهو تقدم طبيعي في ضوء المقاربة التركية إزاء الأزمة الأوكرانية، وهي المقاربة التي تماهت إلى حدّ كبير مع الموقف الغربي، خصوصاً على مستوى منع أنقرة السفن الحربية الروسية من عبور مضيقي البوسفور والدردنيل، وإدانة أنقرة الهجوم الروسي على أوكرانيا ووصفه بـ "حالة الحرب"، ومعارضتها اعتراف الرئيس بوتين باستقلال منطقتَي دونيتسك ولوجانسك، ناهيك عن الاستمرار في الالتزام بتوريد المسيّرات التركية للحكومة الأوكرانية.

الباحث المصري محمد فوزي، لـ "حفريات": ما أكسب السجالات الأمريكية التركية، بعض الخصوصية، تزامنها مع الحرب الروسية – الأوكرانية، والمقاربة المتفاوتة لكل منهما في التعاطي مع الصراع الدولي

وبالتالي؛ يمكن قراءة الاتصال الهاتفي لأردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقب هجوم الأول على بايدن، في ضوء اعتبارَين؛ الأول سعي أنقرة الضغط على الإدارة الأمريكية، وممارسة الابتزاز بحقها، بحسب الباحث المصري في الأمن الإقليمي، بالإضافة إلى إرسال إشارات بأنّ أحد الخيارات المتاحة أمام أنقرة يتمثل في زيادة التنسيق مع موسكو، على حساب المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والثاني أنّ هذه المكالمة جاءت كاستمرار لجهود أنقرة في الوساطة بين كييف وموسكو، من أجل الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتسوية الملفات الخلافية، بما يضمن لأنقرة الحفاظ على مصالحها المشتركة مع الطرفين، والعودة لممارسة دور فاعل على المستوى الدولي.

باز علي بكاري: تركيا تتخوّف طوال الوقت من ذلك التاريخ الدموي، وتعمد إلى إنكاره، رغم وجود الأدلة

ومن جهته، يشير الصحفي السوري المتخصص في الشأن التركي، باز علي بكاري، إلى أنّه لم تكن العلاقة بين بايدن وأردوغان منذ تسلم الأول الرئاسة وحتى قبل انتخابه كرئيس، في أحسن أحوالها، وهذا على الصعيد الشخصي بين الرئيسَين، بينما على صعيد العلاقة بين البلدين، كان غزو تركيا للمدن الكردية شمال شرق سوريا، سبباً في تأزم العلاقة بين واشنطن وأنقرة على خلفية التعنت التركي، وذلك في وقت كان الوضع يتجه نحو التأزم، نتيجة شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسي "إس-400"، وما ترتب على ذلك من عقوبات فرضتها واشنطن على أنقرة.

ويردف علي بكاري لـ "حفريات": "هناك دلائل عديدة على وجود تململ في العلاقة بين واشنطن وأنقرة، وذلك بسبب الانتقادات التي وجهها بايدن لأردوغان أثناء حملته الانتخابية، إضافة لتصريحات مسؤولين أتراك عن تخوفهم من وصول بايدن للرئاسة".

أما فيما يخصّ موضوع الأرمن؛ فإنّ "تركيا تتخوّف طوال الوقت من ذلك التاريخ الدموي، وتعمد إلى إنكاره، رغم وجود الأدلة والوثائق التاريخية التي تؤكد أحداثه وتفاصيله"، وفق بكاري.

ويلفت الصحفي السوري المتخصص في الشأن التركي إلى أنّ أردوغان يحاول أن يمسك العصا من المنتصف، كما يحاول أن يكسب رضا واشنطن والغرب باتخاذ مواقف تشي بأنّه يصطف معهم في الحرب الأوكرانية، وفي المقابل لا يقطع علاقاته مع موسكو.

ويختتم: "تصرف أردوغان، على ما يبدو، محاولة لتقليل العقوبات عليه، وإنهاء عزلته الخارجية أو تخفيضها، إضافة إلى مغازلة الناخب المحلي، وتبديد حالة السخط وعدم الرضا الشعبي نتيجة الأوضاع السلبية، مجتمعياً واقتصادياً".

مواضيع ذات صلة:

كيف تستغل واشنطن الحرب في أوكرانيا لمواجهة الصين؟

مسارات المرحلة الثانية في الحرب الروسية ـ الأوكرانية وسيناريوهاتها المتوقعة

هل أثّرت الحرب في أوكرانيا على العلاقات السعودية الأمريكية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية