كيف تستغل واشنطن الحرب في أوكرانيا لمواجهة الصين؟

كيف تستغل واشنطن الحرب في أوكرانيا لمواجهة الصين؟


01/05/2022

يبدو توصيف الحرب العالمية الثالثة مقبولاً لوصف الصراع الدولي على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، ورغم محدودية العمليات العسكرية مقارنةً بالحربَين السابقتَين، إلا أنّ حجم الانخراط الدولي، وتبعات الصراع على مستوى عالمي، سواء المباشرة وغير المباشرة، يجعل هذا التوصيف مكتسباً للمصداقية.

ولهذا ليست الصين بعيدة عن هذا الصراع، رغم أنّه في الأساس قضية أوروبية خالصة، لكن في جوهره تنافس على الهيمنة الدولية. 

توقعات بأن تستمر واشنطن في فتح الملفات الصينية الحساسة، التي تؤثر على الأمن القومي الصيني بطبيعة الحال، ومنها ملف حقوق الإنسان في شينجيانغ والتبت وهونغ كونغ

وبالعودة لأسباب الصراع يتّضح ذلك؛ فالولايات المتحدة منذ انتصارها على الاتحاد السوفييتي، وتسيّد الساحة الدولية، وبعد تصريف طائش لفائض القوة في حروب مع دول صغرى، مثل العراق وأفغانستان، وتدخلات في شؤون الدول الأخرى، استفاقت على تهديد هيمنتها من قبل قوى صاعدة مثل روسيا الاتحادية والصين.

لهذا لا يمكن فصل السياسة الأمريكية حيال التعامل مع أزمة الحرب في أوكرانيا عن الرؤية الأمريكية كقوة واحدة، تهيمن على العالم، تتخذ من الحرب صراعاً آخر بشكل غير مباشرٍ مع الصين، وهو ما تدركه بكين، وتعمل على مواجهته.

تحذيرات صينية - أمريكية

وقبل عشرين يوماً من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أو الغزو الروسي، حذرت واشنطن على لسان مسؤول كبير في البيت الأبيض، الصين من دعم موسكو حال ما أقدمت على الهجوم على أوكرانيا، وذلك بعد البيان الصيني - الروسي المشترك، خلال زيارة بوتين إلى بكين، لحضور افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية، في شباط (فبراير) الماضي، والتي قاطعتها الولايات المتحدة ودول غربية.

اجتماع الرئيسين الصيني والروسي في بكين

وخلال البيان المشترك للقاء الرئيس الروسي ونظيره الصيني، شي جينبينغ، أعلنا عن "شراكة بلا حدود"، ومعارضة "أيّ توسيع للحلف الأطلسي مستقبلاً"، وكذلك أعلن البلدان دعمها لبعضهما في قضية ضمان الأمن الروسي بشأن أوكرانيا، وقضية تايوان بالنسبة للصين. وتكرر التحذير الأمريكي، بعد أقل من شهر، من اندلاع العمليات العسكرية في أوكرانيا.

وتبادلت بكين وواشنطن التحذيرات بشأن تايوان عقب اندلاع الحرب؛ فواشنطن حذّرت بكين من استغلال الوضع لتنفيذ أيّ عمل عسكري تجاه تايوان، بينما حذرت بكين من دعم واشنطن لتايوان عسكرياً، بما يتعدى الخطوط الحمراء. 

ويربط الأكاديمي والباحث في الشؤون الأمريكية - الآسيوية، جلال بن الحاج رحيم، بين الحرب في أوكرانيا والصراع الأمريكي - الصيني، وقال: "بالعودة إلى الوراء عدّة أشهر، نرى توقيع الولايات المتحدة مع بريطانيا وأستراليا حلف "أوكوس" العسكري، الذي هو بمثابة ناتو جديد، لكنّه آسيوي. تريد واشنطن من خلاله أنّ تُظهر للصين أنّ الناتو ما يزال قوياً، وأنّها الممسكة بزمام الأمن في أوروبا وآسيا".

وأفاد الأكاديمي التونسي لـ "حفريات": "هذا يفسر مثلاً إصرار واشنطن على توريط بوتين في أوكرانيا، حتى تظهر عجز روسيا عن فرض أجندتها في أوروبا، وهذه رسالةٌ للصين؛ بأن تأخذ في الحسبان عزيمة وقوة أمريكا وحلفائها في الناتو الأوروبي، والناتو الجديد مع أستراليا، وألا تتجرأ في المستقبل على التفكير في استنساخ تجربة أوكرانيا في قضية تايوان".

د. جلال بن الحاج رحيم: حلف "أوكوس" العسكري، بمثابة ناتو جديد، لكنّه آسيوي

وترى الصين أنّ هناك ازدواجية أمريكية حيال قضيتي أوكرانيا وتايوان؛ ففي حين تدعو واشنطن للحفاظ على سيادة أوكرانيا، تنتهك سيادة الصين من خلال معارضة استعادة تايوان.

تايوان وأوكرانيا

ودانت زيارة وفد من الكونغرس الأمريكي إلى الجزيرة، التي تعدّها جزءاً لا يتجزأ من الصين، وتعترف واشنطن بسيادة بكين على تايوان بموجب "قانون العلاقات مع تايوان"، وهو تشريع سنّه الكونغرس الأمريكي، عام 1979، ويحكم العلاقة بين الولايات المتحدة وكل من الصين وتايوان.

ويقول الباحث في الشؤون الإستراتيجية والصينية، باهر مردان: "فيما يخصّ التشابه بين قضيتي تايوان وأوكرانيا فكلاهما تعدّان بطناً رخوة وأوراق ضغط تؤثر في الأمن القومي للمحور الصيني الروسي، وأما الاختلاف فيكمن في أنّ قضية تايوان لا يمكن مقارنتها بأوكرانيا؛ من حيث أنّ الأخيرة دولة مستقلة ولها سيادتها وعلاقاتها الدبلوماسية، بينما تمثل تايوان، وفق الرؤية الصينية، مقاطعة صينية لا تتجزأ عن الصين، اعتماداً على مبدأ دستوري ألا وهو (دولة واحدة ونظامان)".

الباحث أحمد دهشان لـ "حفريات": لم تكن أوروبا متحمسة للصدام الأمريكي مع الصين، ولهذا تريد واشنطن نزع أيّة استقلالية أوروبية لتطويع أوروبا في صراعها المقبل مع بكين

وتابع لـ "حفريات": "اعترفت واشنطن بهذا المبدأ، وعلى أساسه أُقيمت العلاقات الدبلوماسية الصينية الأمريكية بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي".

ولا يعتقد الأكاديمي المقيم في بكين، أنّ صانع القرار الصيني وفي ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية يسعى لاستعادة تايوان، وأشار إلى أنّ "الصين تتابع الأزمة بحذرٍ شديد؛ لأهميتها وتأثيرها الإقليمي والدولي، فضلاً عن الاستمرار بدعم التوجهات الروسية نسبياً بحكم مشروعيتها لحماية الأمن القومي الروسي، وبالتالي إن الانتصار الروسي يعني انتصار المحور الصيني – الروسي وصعوده في وجه الولايات المتحدة".

منع الاستقلالية الأوروبية

ويمكن تصوّر التدخّل الصيني والأمريكي في الأزمة الأوكرانية على أنّه صراع بين الهيمنة الأمريكية وعالم متعدد الأقطاب، دون أن يعني ذلك أنّ روسيا تخوض حرباً بالوكالة عن الصين، فهي ركن أساسي في الدعوة لعالم متعدد الأقطاب، ولها أسبقية تاريخية عن الصين في ذلك.

ولهذا يرى الباحث في العلاقات الدولية والتاريخ، أحمد دهشان، أنّ الولايات المتحدة استغلت أزمة أوكرانيا لإعادة ضبط علاقاتها الدولية، تمهيداً للصدام مع الصين، وفي قلب هذا الضبط تقع أوروبا، الشريك الثاني تجارياً للصين.

ويقول الباحث المقيم في موسكو لـ "حفريات": "هناك رغبة أمريكية في إيقاف أيّة محاولة استقلالية لأوروبا".

أحمد دهشان: هناك رغبة أمريكية في إيقاف أي محاولة استقلالية لأوروبا

ونبّه إلى أنّ واشنطن تستغل التحشيد الحالي؛ لإضعاف أوروبا وجعلها طيعة، لتقبل بالتحالف ضدّ الصين، "لم تكن أوروبا متحمسة للصدام الأمريكي مع الصين، ولهذا تريد واشنطن نزع أيّة استقلالية أوروبية لتطويع أوروبا في صراعها المقبل مع الصين".

وتسببت العقوبات الاقتصادية الغربية في ضغوط اقتصادية كبرى على البلدان الأوروبية، خصوصاً ألمانيا. ومقابل برلين حاولت باريس لعب دور أكثر استقلاليةً، عبر الحفاظ على قناة اتصال بين ماكرون وبوتين، وهو الأمر الذي بات يراود المستشار الألماني، بعد إدراكه أنّ السير على خطى واشنطن لا يمكن لبلاده وأوروبا تحمله.

إضعاف بكين

وإذا كانت الصين وروسيا هما أساس رؤية عالم متعدد الأقطاب، بديلاً عن الهيمنة الأمريكية، بالتالي، كلّ إضعاف لروسيا سينعكس سلباً على الصين، والعكس صحيح.

ومن جانبه، يقول الباحث في الشؤون الإستراتيجية والصينية، باهر مردان: "تعمل الولايات المتحدة على استعادة واسترجاع التفوق عالمياً، كما كان بعد انهيار المنظومة الشيوعية، من خلال تعزيز مكانة حلف الناتو، وعليه أثارت أزمة إستراتيجية تهدد الأمن القومي الأوروبي، لا سيما الأمن الطاقوي لأوروبا التي تعتمد على الغاز والنفط الروسيين، بالتالي، تعزيز فكرة استمرار أهمية دور حلف الناتو كونه الذراع العسكري الأمريكي الذي سيحمي الأمن الأوروبي بوجه روسيا البوتينية وطموحاته الهتلرية".

د. باهر مردان: الصين تتابع الأزمة بحذرٍ شديد

خلاصة الإستراتيجية الأمريكية الراهنة، بحسب الأكاديمي باهر مردان: "الخروج من الأزمة الروسية الأوكرانية، وقد أصاب الشلل الاقتصادي والمالي كلّ أرجاء روسيا، فضلاً عن استنزاف قدراتها العسكرية، بالتالي، إرجاء مشهد صعود المحور الصيني - الروسي، ومزاحمة التفوق الأمريكي الدائم". وعليه إذا ما نجحت واشنطن، فهي ترى أنّ "الصين ستتبنى موقفاً متراجعاً ضعيفاً، وتخضع نسبياً للقرار الأمريكي وطموحاته الإستراتيجية". 

لكن تدرك الصين ذلك، ولهذا لم تتبنَّ موقفاً رافضاً لسلوك روسيا في أوكرانيا، ودعمتها في المحافل الدولية، وكذا اقتصادياً. ويتابع الباحث مردان: "ترى بكين أنّ العقوبات الأمريكية على روسيا جاءت نتيجة عقلية الحرب الباردة التي تتبناها واشنطن، وعليه من الناحية الإستراتيجية، عملت على تقديم الدعم الكامل لروسيا بحكم العلاقات الإستراتيجية، وملء فراغ الأسواق الروسية بالشركات الصينية، وتعزيز حجم التبادلات التجارية لاسيما الغاز والنفط الروسي المدعوم، بهدف دعم الحليف الإستراتيجي والحيلولة دون انهياره، للوصول الى مرحلة تشكيل نظام دولي متعدد الأطراف". 

ورداً على ذلك، يرى الباحث باهر مردان، أنّ واشنطن: "ستستمر بفتح الملفات الصينية الحساسة، التي تؤثر على الأمن القومي الصيني بطبيعة الحال، ومنها ملف حقوق الإنسان في شينجيانغ والتبت وهونغ كونغ، إضافة الى استفزاز الصين من خلال تصعيد وطأة النزاع في بحر الصين الجنوبي والشرقي، فضلاً عن قضايا تشغل تفكير صانع القرار الصيني عن التنمية والصعود السلمي، وهي: النزاعات التجارية والملكية الفكرية والتحديث العسكري للجيش الصيني".

ولا يتوقع الباحث المقيم في بكين أن تذهب واشنطن أبعد من ذلك؛ لأنّه "لا توجد مبررات لفرض عقوبات على الصين سوى تضامنها مع روسيا، وكذلك القدرات المالية والاقتصادية الصينية، وقدرة اقتصادها على التكيف بفعل الاستقلالية نسبياً، إضافة إلى حجم الاستثمار الأجنبي والأمريكي الضخم في الأسواق الصينية، فضلاً عن حجم التبادلات التجارية بين الصين والولايات المتحدة التي سجلت أكثر من 700 مليار دولار لعام 2021".

وكانت الولايات المتحدة قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الصين، عام 1949، بعد قيام جمهورية الصين الشعبية، بنجاح ثورة ماو تسي تونغ، واعترفت بجمهورية الصين الوطنية التي أقامها النظام الديمقراطي في تايوان، بعد فراره من البر الصيني. وفي عام 1979 استأنفت الصين الشعبية والولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية، ضمن رؤية أمريكية لتقوية الصين لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتي.

مواضيع ذات صلة:

-لماذا تنفرد "صابرين نيوز" بشدة إخلاصها للسردية الروسية؟

-ارتدادات الحرب الأوكرانية: هل تتمرد أفريقيا على الغرب؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية