أردوغان الباحث عن النفط والغاز... عن أيّ خليفة يتحدّثون؟

أردوغان الباحث عن النفط والغاز... عن أيّ خليفة يتحدّثون؟


16/06/2020

ثمّة أحداث مفتاحيّة تحفل بها صفحات وسجلّات التاريخ، تبرز رؤى القوى الدوليّة على خريطة بعض الأحداث السياسيّة الساخنة والملتبسة، إذ تعكس تقاطعاتها المتباينة مصالح وأهداف تلك القوى، بحيث تضغط معها تلك التفاعلات على الواقع السياسي، وتعرّي التحوّلات المستمرّة التي تتهيّأ داخله وتتشكّل من خلالها ملامح جديدة، بفعل هيمنة الظروف والمتغيرات التي نشأت على أطراف الصراع، ومحاوره المحليّة والخارجيّة.

اقرأ أيضاً: محلل تركي: أردوغان أصبح زعيم الإخوان في العالم وحقق لعائلته ثروات

لذا، تمثل نشأة حزب العدالة والتنمية في تركيا استجابة لجملة ظروف وأحداث، محليّة وإقليميّة وعالميّة، فرضت معها بروز رؤية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تجاه واقع تجربة أحزاب الإسلام السياسي في تركيا، بكلّ إشكاليّاتها، وخاصّة أزمتها البنيويّة في العلاقة مع المؤسّسة العسكريّة، ومن ثمّ، سعى أردوغان في البداية إلى التماهي بانتهازيّة مطلقة مع الواقع السياسي للبلاد، وهو ما بدا واضحاً في تصريحاته الأولى بأنّ الحزب لن يكون إسلاميّاً، وأنّه يتوافق مع قيم المجتمع التركي، الذي يرتكز على العلمانيّة.

أردوغان رجل المتناقضات

ومنذ البدايات، اعتبر أردوغان حزبه وسياساته غير معادية للعلمانيّة، في صياغة براغماتيّة واضحة، تقدّم الصورة الأولى والأبرز في التكوين السياسي والشخصي لرئيس الحزب، وقتذاك، وتخطّ بالأحرف الأولى تصوّراته، ونهجه لسياسات أنقرة، التي يرى أنّها بالضرورة يجب أن تتوافق مع التحوّلات الكبرى التي شهدتها المنطقة، مع الوضع في الاعتبار الخبرة السياسيّة السابقة، قبل انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفييتي، الذي نجم عنه غياب الدور التركي، الذي انحصر في أداء دور وظيفي لصالح واشنطن، وخدمة مصالحها في محيط جغرافيتها السياسيّة، بهدف صدّ الخطر الشيوعي عن أوروبّا الغربيّة.

تمثل نشأة حزب العدالة والتنمية في تركيا استجابة لجملة ظروف وأحداث، محليّة وإقليميّة وعالميّة، فرضت معها بروز رؤية أردوغان

طغت مساحات الفراغ الكثيفة التي نتجت عن سقوط العراق بفعل الحرب الأمريكيّة، في العام 2003، على أزمات الشرق الأوسط، مع تحلحل الحكومات المركزيّة في عدد من العواصم العربيّة، ما ترتب عليه ضعفها، وعدم قدرتها على الاستجابة للمتغيرات التي بدت واضحة وطاغية على المشهدين الإقليمي والدولي. وتحت تأثير غياب التوازن بين الطموح والقدرة، من ناحية، والأهداف والترتيبات الدوليّة الجامحة والطامحة في صياغة شرق أوسط جديد، من ناحية أخرى، صعد الإسلام السياسي للعب أدوار محدّدة، صاغتها جماعة الإخوان، التي حاولت تحقيق أطماعها السياسيّة في الحكم، بالاتفاق مع الغرب والولايات المتّحدة الأمريكيّة، والإيهام بأنّها تمثل "الإسلام المعتدل"، الذي يمكنه كبح النسخ الأكثر راديكاليّة وتشدّداً، فضلاً عن قدرتها على تأمين مصالح الغرب ورؤيته السياسيّة بالإقليم، وهنا كشف أردوغان عن وجه آخر، ليرتدي مسوح الإسلامويّة، ويظهر كمتحدّث رسمي باسم الإخوان المسلمين في العالم العربي.

أنقرة وإحياء الموتى!

وفي هذا السياق، جاء تفعيل الدور التركي الغائب عن مهامّه الوظيفيّة، عبر تهيئة رجب طيب أردوغان، وتموضعه على الخريطة السياسيّة التي يجري تشكيلها، ليمثل نقطة الانطلاق في الشرق الأوسط، من خلال تجارب جماعات الإسلام السياسي التي قفزت إلى السلطة، بفعل الأحداث التي انطلقت في العام 2011.

يشير الغنوشي، عبر لقاءاته واتصالاته مع أردوغان، إلى المصالح المشتركة التي تجعل من ليبيا أولويّة لديه

على خلفيّة ذلك المشهد، انطلق الدور التركي بالدرجة التي تعكس طموح أردوغان في المنطقة، وكذلك حجم الأهداف المطلوبة، وطبيعة القوى المؤثرة والمتحالفة معه؛ إذ إنّ الفوضى التي ضربت العواصم العربيّة وتسبّبت في سيولة سياسيّة وأمنيّة، في أعقاب الربيع العربي، وتمثلت في صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم في تونس والقاهرة، كشفت عن سعيه الدؤوب لفرض الهيمنة وتشكيل التبعيّة السياسيّة، باعتباره يقود المنطقة من بوّابة المصالح والتحالفات الأيديولوجيّة، وارتباطاتها التنظيميّة بتلك الجماعة، وعليه، ظهر إحياء مفاهيم مثل: "العثمانيّة الجديدة" وتقاليد "الخلافة" المزعومة، والحديث عن ميراث قديم ممتد في بلدان عديدة يسعى إلى حمايته، كما هو الحال في ليبيا وسورية، التي تشهد رغبة في التوسّع الإقليمي، للحصول على الثروات والنفوذ، بغض النظر عمّا يرافقها من دعاية دينيّة وإيديولوجيّة.

السلاح والسياسة في تركيا

فرض المشهد السوري على الرئيس التركي التحوّل من سياسة التدخل غير المباشر، إلى الانخراط في الصراع الميداني المباشر على الأرض، وذلك استجابة لمعطيات الجغرافيا، لوجود حدود مباشرة بين دمشق وأنقرة، ووجود المكوّن الكردي باعتباره إحدى أوراق الضغط التي يجيد استخدامها.

اقرأ أيضاً: خطة حرق أطماع أردوغان بشعلة غاز المتوسط.. 3 محطات و7 دول

تحرّكات السياسة والسلاح لدى أنقرة في سورية تتطابق في ليبيا، حيث تتّصل الأهداف ذاتها؛ السياسيّة والاقتصاديّة، ناهيك عن أطماع التوسّع الإقليمي التي تبرزها جغرافيتهما السياسيّة، وتحديداً في شرق المتوسط؛ فوفقاً لدراسات مسحيّة، تُقدّر احتياطيّات شرق المتوسط من الغاز الطبيعي بحوالي 122 تريليون قدم مكعب، بينما تُقدّر احتياطيّات النفط فيها بحوالي 1.7 تريليون برميل، وتؤكّد روايات أخرى أنّ الاحتياطيّات من تلك الثروات إنّما تفوق كثيراً الأرقام المعلنة والمقدّرة.

وربّما يكون من اللافت للانتباه الإشارة إلى أنّ كميّات هائلة من الغاز والطاقة تستقرّ في نطاق الجغرافيا الساخنة، ما يتيح لنا قراءة واقعيّة لانتهازيّة الانخراط التركي، عبر محوري الصراع الممتد على الأراضي السوريّة مرّة، والأراضي الليبيّة مرّة أخرى.

اقرأ أيضاً: العثمانيون حاربوا عمر المختار .. وأردوغان يحارب أحفاده

وعلى وقع تلك المتغيرات السياسيّة والاقتصاديّة، يمكن قراءة الاشتباك والتفاعل التركي مع حركة النهضة في تونس، وزعيمها راشد الغنوشي، الذي يرفع راية المصلحة الأيديولوجيّة بوضوح على حساب المصلحة الوطنيّة والأمن القومي التونسي، واستقراره الداخلي، حين يشير الغنوشي عبر لقاءاته واتصالاته مع أردوغان، إلى المصالح المشتركة التي تجعل من ليبيا أولويّة لديه، بينما يهاجم كلّ من يسعى إلى فكّ التحالف والارتباط بينه وبين حكومة الوفاق وميليشياتها المدعومة من أنقرة، كما أنّ تونس في عقل أردوغان البراغماتي بوّابة ذهبيّة، ونقطة مهمّة للعبور والتمكّن من منطقة الشمال الأفريقي.

حيل التمدّد ومحاولات التطويق

أقامت أنقرة، في العام 2017، قاعدة عسكريّة في العاصمة الصوماليّة مقديشو، لتدريب الجنود الصوماليين، على أن تستوعب نحو 1500 جندي، وتبلغ مساحتها أربعة كيلومترات مربّعة، وهي قادرة على استقبال قطع بحريّة وطائرات عسكريّة، إلى جانب قوّات كوماندوس.

أصبحت مقديشو، برعاية تركيّة، ممرّاً آمناً لتهريب أموال الإخوان المسلمين وغسيلها

وفي ظلّ تزايد النفوذ العسكري التركي بالصومال، والذي يترافق ونشاط تركيا التنموي في مجالات حيويّة أخرى، كالتعليم والصحّة والثقافة، فإنّها تقدّم السلاح والعتاد للقوّات التي تقوم بتدريبها في الصومال، الأمر ذاته يمكن ملاحظته في سياق التعاون الاستراتيجي بين أنقرة والدوحة، حيث تقوم الأخيرة بتقديم مئات الملايين من الدولارات للحكومة الصوماليّة، بهدف تمويل بناء طريقين أساسيين في البلاد، بهدف تمرير الوجود العسكري التركي، واستشراف إمكانات تطويره مستقبلاً، جدير بالذكر أنّ تركيا أقامت قاعدة عسكريّة لها-قاعدة الريان- بالدوحة في العام 2014.

وكشفت منصّات صحفيّة، مطلع العام الجاري، أنّ أنقرة تعمد إلى استغلال ثروات الصومال النفطيّة، عبر تمرير اتفاقيّة تسمح لكلّ الشركات الخاصّة، والمملوكة للدولة، باستكشاف الطاقة وموادّ التعدين، خاصّة أنّ البلد يتمتّع بموقع استراتيجي متميز في القارة الإفريقيّة.

ولئن أشار أردوغان، في تصريحات صحافيّة، إلى أنّ مقديشو دعت بلاده إلى إجراء عمليّات الحفر والتنقيب في مياهها، فإنّه بذلك يمدّ الخيوط ذاتها مع الاتفاق البحري الذي أقامه مع حكومة فايز السراج، في طرابلس، بشكل صريح، وقد صرّح قائلاً: "الصومال لديها نفط في مياهها مثل ليبيا، ويمكننا إجراء العمليّات نفسها في الصومال".

اقرأ أيضاً: "الإيكونوميست": هكذا يتخبط أردوغان في إنقاذ الليرة التركية

جدير بالذكر أنّ مقديشو، وبرعاية تركيّة، أصبحت ممراً آمناً لتهريب أموال الإخوان المسلمين وغسيلها، وإعادة ضخّها في استثمارات متعدّدة داخل وخارج الصومال.

وهكذا، امتدّت أطماع أردوغان التوسعيّة لترسيخ وجوده العسكري بالقرن الأفريقي والبحر الأحمر، والأخير يُعدّ مرتبطاً بالتجارة العالميّة وإمدادات النفط، بالإضافة إلى قاعدته العسكريّة في الأراضي القطريّة، وحضوره العسكري في ليبيا، وكلّ هذا يبدو مرتهناً بعدّة نقاط على مستوى الترتيبات الدوليّة، ونطاق الصراع بين واشنطن وموسكو عبر مناطق الاحتدام في الشرق الأوسط، ومدى تقاطع المصالح فيما بينهما نحو تلك النقاط، مرّة، في سورية، وأخرى في ليبيا.

غير أنّ وجه الصراع الحقيقي والمباشر يبدو جليّاً فيما بين القاهرة وأنقرة، عبر التداخلات العنيفة التي يحرص أردوغان على أن تكون دوماً ضدّ مصر، ويبدو سعيه الدؤوب إلى رفع منسوب الاستفزاز ضدّ الدولة ومؤسّساتها، محاولة للوصول إلى صيغة توافقيّة تسمح لأطماعه أن تلامس الواقع وتقترب من حيّز الحقيقة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية