لماذا تنفرد "صابرين نيوز" بشدة إخلاصها للسردية الروسية؟

لماذا تنفرد "صابرين نيوز" بشدة إخلاصها للسردية الروسية؟


31/03/2022

من بين المنصات الإعلامية التي أثارت اهتمام المراقبين الدوليين ومراكز الأبحاث في العالم، وبخاصة التابعة لأمريكا، تأتي منصة "صابرين نيوز" المثيرة للجدل، حيث تقدمت المنصة خطوات فلكية في الأيام الأخيرة، وتحديداً بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.

وتتخطى حماسة شبكة "صابرين نيوز" في تغطيتها لأحداث أوكرانيا معظم منافذ "المقاومة" الإعلامية الموالية لروسيا، وحصلت في الوقت نفسه على ترقية تقنية، فهل هذه محض صدفة؟ يتساءل باحثون في موقع "معهد واشنطن".

اقرأ أيضاً: إعلام الميليشيات وقوائم الملالي للتصفية!

ويمضي الباحثون كريسبين سميث وحمدي مالك ومايكل نايتس في تساؤلاتهم، في تقرير مشترك نشره المعهد في الرابع والعشرين من الشهر الجاري: هل استخدمت روسيا انتشار شبكة "صابرين نيوز" ونفوذها لتضخيم حملات التضليل العالمية التي تقوم بها حول حربها على أوكرانيا؟ أم أنّ "صابرين نيوز" (و"المقاومة" العراقية الأوسع نطاقاً) تتماشى بشكل كافٍ مع النظرة العالمية لروسيا وسرديتها بحيث كان الارتفاع الهائل مؤخراً في عدد المنشورات التي تتمحور حول نقاط الحوار الروسية، وتعبيرات التقارب لفلاديمير بوتين، واستخدام محتوى بلغة روسية هو محض الصدفة؟

التقرير المشترك الذي نشره المعهد في الرابع والعشرين من الشهر الجاري

ويلاحظ الباحثون دعم "صابرين نيوز" المبكر لروسيا، فمنذ الأيام الأولى لاندلاع الأزمة الأوكرانية بدأت الحسابات المؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للميليشيات المدعومة من إيران في العراق بنشر الدعاية الروسية، وصياغة سردية تشرّع غزو أوكرانيا (الذي كان يقترب آنذاك من أن يصبح واقعاً فعلياً) أمام المتابعين العراقيين بشكل خاص ومن سائر أنحاء الشرق الأوسط بشكل عام. وأولت "صابرين نيوز" الأزمة اهتماماً خاصاً منذ بدايتها، حيث غطت التطورات في الدراما المتكشفة المحيطة بالاستعدادات الروسية للحرب قبل أشهر من أخذ القنوات الميليشياوية الأخرى علماً بها. وتحدثت "صابرين" عن "الاستفزازات" الأوكرانية لروسيا، زاعمةً أنّ "الغرب يريد على  ما يبدو الحرب أكثر من روسيا"، ومستخدمةً مصطلحات ترمي إلى إلقاء اللوم على أوكرانيا والغرب وسط تصويرهما على أنهما الجهة المعتدية.

ماذا نعرف عن "صابرين نيوز"؟

انتشرت معلومات مسرّبة عن المنصّات الإعلامية ومنصّات التواصل الاجتماعي التي تُديرها الميليشيات الموالية لإيران في العراق، وعلى رأسها "صابرين نيوز"، واسم صابرين مأخوذ من لواء إيراني تأسّس في عام 2000 بإشراف الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي قتل بضربة أمريكية قرب مطار بغداد الدولي في 3 كانون الثاني (يناير) 2020

"صابرين نيوز" أصبحت الناطقة بلسان الدعاية الروسية، حيث كثفت عمليتها الإعلامية الموالية لروسيا وخصصت الجزء الأكبر من تغطيتها للحرب في أوكرانيا. ونشرت القناة مئات المنشورات المتعلقة بروسيا.

كما أكّدت المعلومات التي تداولتها غروبات الصحفيين والناشطين في الواتساب أنّ "قناة (صابرين نيوز) عبر تيلغرام هي القناة الأم لباقي قنوات الميليشياتمُضيفة أنّ "مقر (صابرين نيوز) يقع في منطقة عرصات الهندية بحي الكرادة بجوار قناة (الاتجاه) الفضائية التابعة لميليشيا كتائب حزب الله".

وأوضحَت المعلومات التي تعود إلى 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 أنّ "رواتب العاملين في (صابرين نيوز) وبقية القنوات تتراوح بين (500 – 2000) دولار أمريكي شهرياً للفرد الواحد، وصُرفَ على هذه القنوات 20 مليون دولار"، قبل الطفرة التي شهدتها عشية الحرب في أوكرانيا.

أما فيما يخص تمويل "(صابرين نيوز" فيأتي "من أموال الحشد الشعبي بوساطة مدير إعلام الحشد مهند العقابي، ويُشرف على القناة القيادي بميليشيا الكتائب علي المطيري".

يلاحظ الباحثون دعم "صابرين نيوز" المبكر لروسيا

كذلك يُشرف على القناة "مدير قناة الاتجاه سابقاً، ومدير الدائرة المالية لميليشيا العصائب، باسم محمّد الماجدي، وهو معتقل سابق لدى الأمريكان في 2009 بتهمة التجسس للحرس الثوري".

وتُدار "صابرين نيوز" من قبل "الأكاديمي والمحلّل السياسي الموالي للميليشيات عبدالأميرالعبودي، والباحث بتاريخ الأديان عباس شمس الدين".

اقرأ أيضاً: الإعلام الأجنبي الناطق بالعربية: لماذا كل هذا الاهتمام بالعرب؟

أما النشر والتحليل في القناة "فيتم من قبل أحمد عبدالسادة ومازن الزيدي وحيدر البرزنجي، ويُعرَفون بأنهم صحفيون ومحلّلون سياسيون موالون للميليشيات".

كما أوضحَت المعلومات أنّ "إدارة حسابات صابرين وغيرها تتم بوساطة تقني يُدعى أحمد موسى جبار، أما المونتاج والتصوير فيتم عبر المصوّر والمونتير عدنان الرماحي".

كيف بدأت قصة "صابرين نيوز"؟

قصّة قناة "صابرين نيوز" وبقية الحسابات بدأت بمجموعة عبر الواتساب تضم مجموعة من الإعلاميين العاملين بقنوات "اتحاد الإذاعات والتلفزيون الإسلامي" الذي تُديره إيران.

هذه المجموعة انقسمَت فيما بعد إلى "جيوش إلكترونية، وحسابات مجهولة في تويتر، وقنوات عبر التليغرام، منها (صابرين نيوز)، و(ربع الله)، و(فاطميون) وغيرها"، وكلها موالية لإيران.

اقرأ أيضاً: حرب عالمية ثالثة.. إعلام أوروبا في كوكب آخر!

وتمتلك إيران عشرات القنوات الفضائية في العراق التي تروّج لسياستها وتدافع عنها، وتهاجم أمريكا والغرب، مثل قنوات العهد، الاتجاه، آفاق، الغدير، والمسار، وجميعها تدار من الميليشيات.

أما قنوات التليغرام والحسابات الإلكترونية، فجميعها ظهرت بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني. وتُحرّض هذه القنوات والحسابات على قتل الناشطين والمتظاهرين في العراق، وتروّج معلومات بأنّ الناشطين عُملاء عند السفارة الأمريكية في بغداد.

تمويل "صابرين نيوز" يأتي من أموال الحشد الشعبي بوساطة مدير إعلام الحشد مهند العقابي

كذلك تُرَوّج لاستهداف البعثات الدبلوماسية الغربية في العراق بصواريخ الكاتيوشا، ومنها استهداف السفارة الأمريكية ببغداد والشركات الأمنية الأمريكية، والأرتال العسكرية الأمريكية.

لكنّ النقلة التي شهدتها "صابرين نيوز" في الآونة تثير الريبة، فبشكل غير مفاجئ، كما يقول "معهد واشنطن"، دعمت "صابرين نيوز" كل خطوة روسية مع تفاقم حدة الصراع، من بينها اعتراف الرئيس فلاديمير بوتين باستقلال دونيتسك ولوغانسك. وبالفعل، تبرز التغطية المتملقة لـ "صابرين" على أنها أكثر إثارة للجدل من تعليقات إيران والحوثيين وكتائب حزب الله على الغزو، والتي غالباً ما شملت آراء بشأن طبيعة مناورة بوتين المليئة بالمخاطر أو ذات النتائج العكسية.

الناطقة بلسان الدعاية الروسية

ويرى الباحثون كريسبين سميث وحمدي مالك ومايكل نايتس أنّ "صابرين نيوز" أصبحت الناطقة بلسان الدعاية الروسية، حيث كثفت عمليتها الإعلامية الموالية لروسيا وخصصت الجزء الأكبر من تغطيتها للحرب في أوكرانيا. ونشرت القناة مئات المنشورات المتعلقة بروسيا منذ ذلك التاريخ مع تركيز خاص على النجاحات التي حققتها موسكو في ساحة المعركة (على عكس الكثير من تغطية وسائل التواصل الاجتماعي الغربية للصراع باللغة الانكليزية). فعلى سبيل المثال، في 26 شباط (فبراير) في الساعة 21.44 (بتوقيت بغداد)، نشرت "صابرين" مقطع فيديو ضمن فئة "أبرز الأحداث" يُظهر مقاطع مصورة للقصف الروسي على أوكرانيا، تخللته مقاطع لشابات روسيات يرسلن التحيات إلى القناة (باللغة الروسية). وورد في التعليق المرافق للفيديو عبارة "الكل يتابع صابرين نيوز" باللغات العربية والروسية والإنكليزية والفارسية.

قد تشير قدرة "صابرين نيوز" على إرسال "مراسل" إلى شبه جزيرة القرم على وجود علاقة فعالة وناشطة مع السلطات الروسية، حيث يتطلب السفر إلى شبه الجزيرة تأشيرة روسية

وواصلت القناة الإعلامية نشر سيل من المنشورات والصور ومقاطع الفيديو بشكل يومي عن القتال الدائر؛ نذكر منها بشكل خاص بث "صابرين" في 22 آذار(مارس) مقطع فيديو باللغة الإنكليزية يُظهر مراسلها في مقطع مصور مدته 1.24 دقيقة من شبه جزيرة القرم. ووصف المراسل شبه الجزيرة بأنها "أرض روسية" قائلاً "نحن هنا لنخبركم حقيقة ما يجري الآن في أوكرانيا". وأضاف "المكان هنا يعمه السلام لأنّ روسيا قَدِمت منذ أكثر من 8 سنوات وساعدت الشعب الروسي هنا". وورد في التعليق المرافق له جملة (باللغتين العربية والروسية) "بعيداً عن الحملة الدعائية لقناة (سي إن إن) وأكاذيب قناة (بي بي سي)".

ترقية تقنية لـ "صابرين نيوز"

ويعتقد الباحثون في معهد واشنطن أنّ ثمة ترقية تقنية لعمل "صابرين نيوز" في توقيت غريب. ففيما يتخطى واقع كَوْن الفيديو دليلاً إضافياً على أنّ "صابرين نيوز" تنقل جهود الدعاية الروسية، يُعتبر الفيديو الذي نُشر في 22 آذار (مارس) قفزة نوعية على صعيد قدرات القناة؛ ففي السابق كانت القناة تركز بشكل أساسي على منشورات قصيرة نسبياً على وسائل التواصل الاجتماعي وتحديثات عبر "تلغرام" و"تويتر". ومع ذلك، يشير الفيديو إلى توسع محتمل في قدرات وسائل الإعلام، والذي ربما تم تسهيله من خلال دعم مالي و/أو ترقية تقنية. بالإضافة إلى ذلك، قد تشير قدرة "صابرين" على إرسال "مراسل" إلى شبه جزيرة القرم على وجود علاقة فعالة وناشطة مع السلطات الروسية (حيث يتطلب السفر إلى شبه الجزيرة تأشيرة روسية) أو على الإعارة المخصصة لمراسل يعمل بتوجيهات روسية إليها.

وفضلاً عن ذلك، شهدت الأسابيع القليلة الماضية تطورات أخرى في المحتوى الذي تبثه "صابرين". فمنذ منتصف الشهر الجاري، زادت منشوراتها باللغتين الإنكليزية والروسية. وعلى الرغم من أنّ القناة كانت تنشر محتوى باللغة الإنكليزية من حين إلى آخر، إلا أنّ هذه الممارسة كانت نادرة نسبياً حتى الآن. ومن ناحية أخرى، قد يشير استخدام القناة بشكل متزايد لمنشورات ثنائية اللغة (العربية/الروسية) لتغطية الصراع في أوكرانيا على رغبتها في إظهار تضامنها مع روسيا، أو الوصول إلى الجمهور الروسي، أو الأمرين معاً. كما بدأ عدد قليل من القنوات الإعلامية الأخرى التابعة للميليشيات بنشر محتوى باللغة الروسية (بالإضافة إلى اللغة العربية المعتادة) في الأيام الأخيرة، لكن "صابرين نيوز" هي الأكبر والأكثر نفوذاً بينها.

ولا يعد موقف "صابرين نيوز" المؤيد لروسيا د فريداً بين المجتمع الإعلامي الخاص بـ "المقاومة"، كما يرى الباحثون الثلاثة، فالعديد من القنوات التابعة لهذه الأخيرة يسرها تعرُّض أوكرانيا - حليف العدو الأمريكي لـ "المقاومة" - لهجوم من قبل روسيا (الدولة التي سبق لها أن أيّدت مصالح "المقاومة" في دعمها لبشار الأسد في سوريا). ومع ذلك، تنفرد "صابرين نيوز" بشدة دعمها وإخلاصها. وهذا أمر مهم نظراً إلى نفوذ القناة في أوساط قنوات "المقاومة" الإعلامية، وعلى صعيد الإعلام العراقي الأوسع نطاقاً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية