هل أثّرت الحرب في أوكرانيا على العلاقات السعودية الأمريكية؟

هل أثّرت الحرب في أوكرانيا على العلاقات السعودية الأمريكية؟


25/04/2022

ينطبق المثل الشعبي القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد" على تطورات العلاقات السعودية الأمريكية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا؛ إذ مثّلت تبعات الحرب الاقتصادية، ومنها ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، ورقةً رابحةً بيد الرياض في إدارة العلاقات الشائكة مع واشنطن، منذ تولي الرئيس بايدن السلطة، العام الماضي.

هناك عدّة قضايا خلافية بين البلدين، وهي؛ ملف الحكم في المملكة، وما يتبعه من تفريعات تستغلّها واشنطن في هذا الملف، ومنها قضية حقوق الإنسان، وعلى رأسها قضية الصحفي الراحل جمال خاشقجي، وقضية عدم الالتزام الأمريكي تجاه أمن الخليج والمملكة، بسبب الاتفاق النووي مع إيران، وتجاهل الخطر الحوثي على المملكة.

وأضافت الحرب في أوكرانيا خلافاً حول إدارة ملف الطاقة العالمي، فبينما تريد واشنطن من الرياض تعويض نقص واردات النفط الروسية بسبب العقوبات الاقتصادية، ترفض الرياض الإملاءات الأمريكية، وترى في الحرب وتبعاتها فرصةً لضبط علاقاتها الدولية في ظلّ حالة السيولة التي يشهدها العالم.

خلافات البلدين

وحتى وقت قريب حظيت الرياض وواشنطن بعلاقات قوية، منذ تدشين العلاقات الثنائية عام 1945، خلال اللقاء التاريخي بين الرئيس الأمريكي، فرانكلين روزفلت، ومؤسس الدولة السعودية الحديثة، الملك عبد العزيز بن سعود.

اجتماع الملك عبد العزيز والرئيس الأمريكي روزفلت

وفي قلب هذه العلاقة كان النفط؛ حيث كانت الولايات المتحدة أكبر مستورد من المملكة حتى وقت قريب، قبل أن يزيد إنتاجها، وتحلّ محلّها الصين كأكبر مستورد للنفط في العالم، وأكبر مستورد من المملكة. وحتى العقد السابق كانت علاقات البلدين في أوج قوتها، قبيل التحوّلات الإقليمية والدولية الكبيرة منذ العام 2010؛ حيث الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة فيما عُرف باسم "الربيع العربي"، والاتفاق النووي مع إيران، عام 2015، والتغيرات الكبيرة التي شهدها هيكل الحكم في المملكة.

يقول الأكاديمي والباحث السعودي، محمد صفر: "منذ الحملة الانتخابية لبايدن وهو يرسل إشارات سلبية تجاه المملكة، ومنها توظيف قضية خاشقجي وحقوق الإنسان كورقة انتخابية، وانتقاد حرب اليمن، والتعهّد بتقليص التعاون العسكري مع المملكة".

وأضاف: "مع تولّيه السلطة، ترجم توجهه المعادي للمملكة، عبر الترحيب بإيران كقوة في الإقليم من بوابة اليمن، وذلك برفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، كحسن نوايا تجاه إيران، واستفزاز للمملكة التي تتعرض أراضيها لهجمات من الحوثيين".

وإلى جانب النفط، يعدّ أمن الخليج على رأس القضايا الثنائية بين واشنطن والخليج، ولهذا كان التخلي الأمريكي عن أمن الحلفاء التقليديين في الخليج لصالح التفاوض مع إيران على الملف النووي فقط، دون مراعاة المطالب الأمنية للحلفاء، وكذلك انتقاد حرب اليمن، وما سبق ذلك من انسحاب عسكري من العراق، بعد تسليمه للنفوذ الإيراني، بمثابة الشرخ الذي لا يمكن علاجه بين الطرفين.

تسبّبت أزمة الطاقة، عقب الحرب الروسية في أوكرانيا، في ارتفاع التضخم في العالم، وأمام ذلك هاجم الرئيس الأمريكي ونواب في الكونغرس السعودية، وحمّلوها سبب أزمة التضخم والطاقة

وعلاوةً على ما سبق، يعدّ الخلاف حول ملف الحكم الداخلي في المملكة هو العقبة التي تهدّد العلاقات الثنائية، ويقول الأكاديمي محمد صفر: يبدو أنّ "موقف الديمقراطيين من النظام الجديد في المملكة، مع تولي الملك سلمان وولي العهد، والتغيرات التي طرأت في شكل الدولة وهيكلها، لم يكن مثار ترحيب باعتبار أّنهم كانوا على صلة قوية بالمجموعات الأخرى التي خرجت من السلطة". وشدّد على أنّ ما لم ينتبه له الأمريكيون "أنّه لم يحدث تغيير في الدولة كدولة، ولهذا كانت رسائلهم السلبية تجاه العهد الجديد".

المعادلة الأمريكية السعودية

وبالنسبة إلى واشنطن وأوروبا، فالحرب في أوكرانيا ليست قضية صراع أوروبي - أوروبي، بل هي صراع على الهيمنة على العالم؛ فمن بوابة الحرب تريد واشنطن إعادة هيمنتها بكسر روسيا، وتطويع أوروبا ودول الشرق الأوسط، تمهيداً للصدام الأشد خطورةً مع الصين؛ لهذا حصرت واشنطن دول الخليج في مهمة واحدة، وهي تأمين واردات الطاقة بسعر مناسب لاقتصادها وحلفائها، بينما ينظر الخليج إلى الحرب كلحظة تاريخية يُعاد فيها رسم السياسة الدولية، في عالم متعدد الأقطاب، بعد عقود من الهيمنة الأمريكية.

د. خالد باطرفي: ترامب كان أعقل من سابقه ولاحقه

وفي سياق متصل، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي، خالد محمد باطرفي، أنّ العلاقات بين الرياض وواشنطن عندما تأسّست في عهد الملك عبد العزيز - الرئيس روزفلت قامت على أساس "إتاحة الأمن لمناطق إنتاج النفط والغاز في الخليج العربي، لضمان إمدادات الطاقة للولايات المتحدة وحلفائها. وعليه، باعت واشنطن لنا السلاح المتقدم، والتدريب، والخدمات اللوجستية، وتبادلت معنا التعاون السياسي والاستخباري والأمني لمواجهة التحديات والمهددات لهذه الشراكة، كان، وما يزال، تعاوناً مثمراً للطرفين، وإن واجهته بعض الخلافات، بسبب الدعم الأعمى لإسرائيل".

وتابع لـ "حفريات": "تغيرت السياسة الأمريكية، فالحزب الديمقراطي عموماً، وفي عهد أوباما خاصةً، قرر التخلي عن الشركاء العرب واستبدالهم بالشركاء العجم، والتباعد عن الإسلام المتسامح الذي تمثله دول الاعتدال العربي، والتخادم مع الإسلام السياسي الثوري الذي تمثّله إيران وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين".

وأضاف: "ترامب كان أعقل من سابقه، ولاحقه، فأدرك أنّ مصالح أمريكا تتحقق أكثر مع الشركاء التقليديين، لكنّه أغفل أنّ اتفاق روزفلت ومبدأ أيزنهاور يعني أن تقوم بواجبك في حماية المنطقة عندما تتعرض للتهديد، بلا تردّد ولا مساومة. وتصرّف كرجل أعمال كلّ ما يعنيه أن يبيع أكثر ويطلب مقابلاً لكلّ واجب، حتى إن كان ضمن مسؤولياته في اتفاق الشراكة".

الحرب في أوكرانيا

وعندما اندلعت الحرب الروسية على أوكرانيا، في شباط (فبراير) الماضي، ضغطت الولايات المتحدة على السعودية والإمارات من أجل رفع سقف إنتاج النفط، بالمخالفة لاتفاق "أوبك بلس"، وذلك بعد فرض واشنطن وأوروبا وحلفائهم عقوبات اقتصادية قاسية على قطاعات المال والاقتصاد والطاقة الروسية، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النفط حتى سعر 140 دولار للبرميل، قبل أن يعاود الانخفاض بفعل ضخّ واشنطن وحلفائها ملايين البراميل من الاحتياطي الإستراتيجي، ومن المتوقع أن يعاود الخام الارتفاع.

الأكاديمي والباحث السعودي، محمد صفر، لـ "حفريات": منذ الحملة الانتخابية لبايدن وهو يرسل إشارات سلبية تجاه المملكة، ومنها توظيف قضية خاشقجي وحقوق الإنسان كورقة انتخابية، وانتقاد حرب اليمن

وتسبّبت أزمة الطاقة في ارتفاع التضخم في العالم، وأمام ذلك هاجم الرئيس الأمريكي ونواب في الكونغرس المملكة، وحمّلوها سبب أزمة التضخم والطاقة. ونشرت كبريات الصحف الأمريكية تقارير عن رفض ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد، تلقي اتصالات من الرئيس الأمريكي بايدن. بينما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"؛ أنّ الإدارة الأمريكية حاولت ترتيب اتصال هاتفي بين بايدن والملك سلمان بحضور الأمير محمد، إلا أنّ الأخير رفض، وهناك في المقابل تشكيك كبير في هذه الروايات.

وكذلك استقبلت المملكة زيارات من كبار المسؤولين الأمريكيين، بهدف بحث ملف الطاقة، ولم تصدر بيانات رسمية عن المملكة والولايات المتحدة حول فحوى هذه الزيارات، التي أخذت حيزاً واسعاً في الصحف الأمريكية، والتي ذكرت أنّها لم تسفر عن شيء. ومقابل ذلك، شهد نيسان (أبريل) الجاري، اتصالين هاتفيين بين الأمير محمد وكلّ من الرئيسين الروسي والصيني. وقبل ذلك، منذ بداية العام، استخدمت المملكة سياسة رفض استقبال مسؤولين أمريكيين من جانب، واستقبال مسؤولين كبار من روسيا.

د. محمد صفر: المملكة تنظر لروسيا على أنّها دولة مهمة في الحفاظ على توازن الطاقة بعيداً عن الصراعات

ويعلق الأكاديمي محمد صفر: "المملكة واحدة من كبار المنتجين للنفط في العالم، ومن الدول المؤثرة في "أوبك" بشكل كبير؛ لذلك لا يوجد أمام واشنطن خيار آخر لتعديل حصص الإنتاج لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، وتحجيم دور روسيا، التي تعدّ ضمن "أوبك بلس"، إلا الاتفاق مع المملكة". لكن أشار إلى أنّ المملكة "تنظر لروسيا على أنّها دولة مهمة في الحفاظ على توازن الطاقة بعيداً عن الصراعات، ولا تريد استخدام سلاح النفط ضدّ أحد، فالأزمة الأوكرانية لا تخصّها".

تصحيح البوصلة

وتريد واشنطن إلحاق هزيمة تاريخية بموسكو في أوكرانيا، ولهذا حوّلت الحرب إلى حرب وجودية بين معسكر الغرب الصالح ومعسكر الروس الاستبدادي، بحسب زعمهم. وباتت المعايير الدولية تُقاس وفق مبدأ الاصطفاف، لكن نتيجة لذلك، وما تلاه من عقوبات اقتصادية ومالية شاملة على روسيا، وما تبعها من أزمة في الطاقة والموارد والتي انعكست على جميع الدول، تواجه أوروبا والولايات المتحدة أزمات اقتصادية كبيرة، وما لم تتعدّل أسعار الطاقة ستزداد موجات الغضب الشعبي، بل قد تفقد الشعوب الاهتمام بالعداء لروسيا وأزمة أوكرانيا من الأساس.

ولهذا فالولايات المتحدة وحلفاؤها يسعون بكلّ قوة لدفع السعودية والإمارات وأوبك لزيادة الإنتاج، ومهما تكن الرؤية السعودية حيال ذلك؛ فهي بالنسبة لها ورقة رابحة لإعادة التفاوض من منطق قوة مع واشنطن، بعد عام من التعنت والصلف الأمريكي.

وأوضح الأكاديمي والباحث محمد صفر؛ أنّ المملكة "تستخدم ورقة ضبط أسعار النفط في إدارة علاقتها مع واشنطن، لتأسيس علاقات قائمة على الاحترام وتبادل المصالح مع احترام الرؤية الجديدة للمملكة ونظام الحكم". وعلاوةً على ما سبق، هناك ملفات الاتفاق النووي مع إيران، والحوثيين، والتعاون العسكري والأمني.

ومن جانب آخر، تستفيد السعودية والإمارات على وجه الخصوص من صعود قوى اقتصادية من خارج الكتلة الغربية التقليدية، وهو أمر لا ترغب فيه واشنطن، رغم أنّها لا تملك بديلاً، فالتغيرات لا تقف عند حدود التسليح، بل مستقبل عالم متعدد القوى، ولديه طموحات اقتصادية وتنموية لم يعد الغرب هو الأساس فيها.

ومن جانبه، أفاد المحلل السياسي، خالد محمد باطرفي؛ بأنّ ما تريده المملكة من واشنطن هو: "وضوح الرؤية والموقف". وتابع: "هل ما نزال على اتفاق روزفلت ومبدأ أيزنهاور، أم إنّنا انتقلنا إلى مرحلة منفتحة على كلّ الاحتمالات؟ فإن كانوا ملتزمين، فعليهم الوقوف معنا في مواجهة مهددات أمننا ووجودنا، التي تمثلها إيران وميليشياتها الإرهابية وسياساتها  المزعزعة للسلام. وإن لا، فعليهم أن يتفهموا قرارنا بالبحث عن شركاء جدد أكثر التزاماً وتوافقاً مع متطلبات أمننا ومصالحنا".

ويذكر أنّ الصين تعدّ أكبر شريك تجاري للسعودية، من حيث الواردات والصادرات، بينما تراجعت الولايات المتحدة إلى المرتبة الثانية من حيث الواردات، والثالثة من حيث الصادرات.

مواضيع ذات صلة:

متى تدرك واشنطن مغزى هجمات الحوثيين على السعودية؟

أزمة أوكرانيا وعلاقتها بالسعودية وأوبك+

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية