كيف أثرت خطابات أردوغان وسياسته على صناعة الدفاع التركية؟

كيف أثرت خطابات أردوغان وسياسته على صناعة الدفاع التركية؟


27/04/2022

أتت الرياح، على ما يبدو، بما لا تشتهيه سفينة الاقتصاد التركية التي أوشكت على الغرق، بينما يتعلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقشة "الصناعات الدفاعية" التي قد تبدو مزدهرة وتتقدم، غير أنّها في الواقع تواجه مجموعة من التحديات التي يمكن أن تبطئ تطورها على المدى الطويل. فعلى مدار العقد الماضي حققت أنقرة نجاحات عدة، واستطاعت أن تحلّ في المرتبة الـ(14) ضمن الدول المصدرة للسلاح، بعدما تجاوزت صفقات السلاح التي أبرمتها (2.2) مليار دولار في 2018، إلّا أنّ الأزمة الاقتصادية الداخلية التي فاقمتها سياسات أردوغان الاقتصادية، والسياسة الخارجية المضطربة التي قوضت علاقات أنقرة بالعديد من الدول في المنطقة، قد تهدد استمرار هذه الصناعة.

 ويواجه الاقتصاد التركي هزة عنيفة، فقد ارتفع معدل التضخم بشكل كبير، وانخفضت قيمة العملة التركية، وسط تحذيرات من أنّ وضع الاقتصاد التركي قد يزداد سوءاً ما لم يغير أردوغان مساره واستراتيجيته النقدية المثيرة للجدل.

 وفي آذار (مارس) الماضي، حذّر كينيث روجوف، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد الأمريكية وكبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، من أنّ تركيا تواجه خطر الانزلاق إلى أزمة اقتصادية أعمق من عام 2001.

تعتيم على وضع داخلي متأزم

 تُعدّ صناعة الدفاع التركية حجر الزاوية في سياسة أردوغان الخارجية المستقلة لسببين أساسيين؛ فهي إحدى أدوات الرئيس التركي، لتشتيت الانتباه بعيداً عن أزمة العملة التركية والأزمة الاقتصادية الداخلية والسياسة الخارجية المضطربة، فقد قوضت تركيا علاقاتها الخارجية من خلال السعي وراء أطماع الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتوسيع نطاق نفوذها في ليبيا، وعملية نبع السلام التي دفعت أعضاء الناتو إلى فرض عقوبات على تركيا، ومن ثمّ، فإنّ صناعة الدفاع المتنامية تمنح تركيا قدرة أكبر على المناورة في سياستها الخارجية من خلال ضمان اعتماد أقل على واردات الأسلحة ومزيد من الاستقلالية.

يواجه الاقتصاد التركي هزة عنيفة

 وبالفعل، كانت الصناعة الدفاعية التركية قد ازدهرت في مطلع العقد الماضي، ففي 2010  كان لديها شركة واحدة في قائمة أفضل (100) شركة دفاعية عالمية. وفي الوقت الحاضر لديها (7) شركات، أكثر من إسرائيل وروسيا والسويد واليابان مجتمعة، لكنّ حصة تركيا السوقية من صادرات الأسلحة في الفترة من 2015 حتى 2019 انخفضت بنسبة 48%، بسبب تدخلات أردوغان في الشؤون الداخلية لبعض دول الشرق الأوسط على خلفية دعمه لجماعة الإخوان المسلمين. ونمت صناعة الأسلحة التركية من مليار دولار في عام 2002 إلى (11) مليار دولار في عام 2020، كان أكثر من (3) مليارات دولار منها صادرات، ممّا جعل تركيا رابع أكبر مصدر دفاعي عالمي، غير أنّ تلك الصناعة التي خصص لها أردوغان ميزانية خاصة تواجه العديد من التحديات حالياً في ضوء الأزمة الاقتصادية الطاحنة داخل تركيا، والحرب الروسية الأوكرانية، وخطابات أردوغان الذي تسببت في خسارة العديد من العملاء المحتملين.

 

تُعدّ صناعة الدفاع حجر الزاوية في سياسة أردوغان لتشتيت الانتباه عن أزمة العملة التركية والأزمة الاقتصادية والسياسة الخارجية المضطربة

 

 ووفقاً لمعهد "كارنيغي" الأمريكي، فإنّ تركيا استثمرت نحو (60) مليار دولار في مشاريع صناعات دفاعية، ونظراً للتوتر التركي اليوناني بسبب المناطق الاقتصادية في منطقة شرق المتوسط، ومساعي تركيا للتعدي على المناطق الاقتصادية الخاصة بقبرص واليونان، طورت أنقرة أسطولاً بحرياً يحاكي الأسطول اليوناني.

 سباق تسلّح في المنطقة

دفع البرنامج التركي للصناعات الدفاعية بعض دول الإقليم نحو سباق تسلح، بدءاً من اليونان حتى إيران، وفقاً لمركز الإمارات للسياسات، الذي أشار إلى أنّ اليونان، على سبيل المثال، وقعت العام الماضي اتفاقاً دفاعياً مع فرنسا، تشتري بموجبه اليونان (3) فرقاطات فرنسية الصنع، مع وجود خيار لشراء فرقاطة رابعة، ووقعت مع الولايات المتحدة اتفاقاً عسكرياً إضافياً في 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، يسمح بتوسيع مساحات التعاون الدفاعي الثنائية، ويمنح القوات الأمريكية استخداماً أوسع للقواعد العسكرية اليونانية، ويتيح للقوات الأمريكية التدرب والعمل "بقدرة موسعة" في (4) قواعد إضافية باليونان.

وفي ضوء مساعيها المستمرة للاستيلاء بالقوة على مكامن الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط الغنية بالغاز، تنظر تركيا إلى تطوير الدول الأخرى في المنطقة مثل مصر واليونان وقبرص وإيران لأنظمتها الدفاعية على أنّه "تهديد".

 

دفع البرنامج التركي للصناعات الدفاعية دول الإقليم نحو سباق تسلح بدءاً من اليونان حتى إيران، وفقاً لمركز الإمارات للسياسات

 

وبحسب المركز الإماراتي، اتجهت إيران، المنافس التاريخي لتركيا، نحو تطوير قدراتها الصاروخية، وبرامج الطائرات من دون طيار، كما ارتفعت واردات مصر من التسليح، التي تعتبرها أنقرة "عدوها اللدود"، لتحتل المرتبة الثالثة عالمياً في استيراد الأسلحة خلال الفترة 2015-2019 بنسبة 5.58% من السوق العالمية، ويعود ذلك في جانب منه إلى محاولات تركيا الاستيلاء على الموارد الهيدروكربونية في شرق البحر المتوسط.

استمرار أنقرة في زيادة إنفاقها على الصناعات العسكرية أثار مخاوف بعض شركائها في حلف الناتو

ويبدو أنّ تطوير البرامج الدفاعية التركية المحلية، واستمرار أنقرة في زيادة إنفاقها على الصناعات العسكرية، ساهما في إثارة مخاوف بعض شركائها في حلف الناتو، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أقرّ الكونجرس في نهاية العام 2021 في قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي لعام 2022، بنداً يدعو لمراقبة المسيّرات التركية، التي وصفها المشروع بأنّها "خطيرة، وتشكّل عامل عدم استقرار، وتهدد السلام وحقوق الإنسان".

 المسيّرات التركية

بعد تعرّض الأجيال السابقة من الطائرات التركية بدون طيار "بيرقدار" للكثير من الانتقادات التي وصلت في بعض الأوقات إلى السخرية من هشاشة الهيكل وضعف التكنولوجيا، أعلن سلجوق بيرقدار المدير الفني لشركة "بايكار" المصنعة للمُسيَّرات في 12 آذار (مارس) الماضي إنتاج جيل جديد من المسيّرات التركية تحت مُسمّى  .(Mius)

 

أعلن المدير الفني لشركة "بايكار" المصنعة للمُسيّرات في 12 آذار الماضي إنتاج جيل جديد من المسيرات التركية تحت مُسمّى (Mius)

 

ولم يكن التطوير الأخير على برامج الطائرات المسيّرة هو الأول من نوعه، فقد تمكنت الهيئة التركية للصناعات الجوية والفضائية من إنتاج مسيّرة جديدة مسلحة تعمل بمحركين من طراز "العنقاء"، ثم أخرى أكثر تطوراً من طراز "آق صونغور" القادرة على حمل قنابل بأوزان كبيرة جداً مقارنة بغيرها من المُسيّرات. وبالتوازي مع ذلك، تعمل أنقرة على برنامج لصناعة طائرة حربية تقليدية من خلال شركة "توساش"، فيما تعمل شركة "بايكار" على برنامج منفصل لصناعة طائرة حربية من دون طيار.

إحياء منصة تعاون ثلاثي

مع تصاعد الصراعات الإقليمية، ومنها الأزمة الأوكرانية، ومخاوف أنقرة من ارتداداتها السلبية، تسعى تركيا لإحياء وتفعيل منصة التعاون الثلاثي مع فرنسا وإيطاليا، حيث أعلن أردوغان، نهاية آذار (مارس) الماضي، أنّ بلاده ستتخذ في المرحلة المقبلة "خطوات إيجابية" بشأن منظومة الدفاع الصاروخي "سامب-تي"، التي جرى تطويرها بالشراكة بين فرنسا وإيطاليا، وتتميز بقدرتها على التنقل بسهولة في التضاريس الصعبة، وتحتوي على صواريخ أرض-جو لمواجهة التهديدات المختلفة، وأبرزها الطائرات بمختلف أنواعها الحربية والمروحية والمسيّرة والصواريخ الباليستية والصواريخ الموجهة وصواريخ كروز.

ونقل موقع "ديفنيس نيوز" (أخبار الدفاع) عن أردوغان قوله: "لقد قررنا مواصلة جهودنا لإحياء الخطوات الثلاثية التي اتخذناها مثل تركيا وفرنسا وإيطاليا. آمل أن نبدأ هذه العملية الجديدة بنشاط بعد الانتخابات (في فرنسا)".

 

تمكنت تركيا من إنتاج مسيّرة مسلحة تعمل بمحركين، ثم أخرى أكثر تطوراً قادرة على حمل قنابل كبيرة جداً

 

 ولجأت تركيا إلى إحياء "سامب تي" مع إيطاليا وفرنسا، التي عرقلت انضمام أنقرة أكثر من مرة للاتحاد الأوروبي، لتعزيز البرامج الدفاعية المشتركة مع القوى الغربية التي تُعدّ مصدراً مهماً تحصل منه تركيا على بعض المكونات الدقيقة والمحركات العسكرية التي تدخل في صناعاتها الدفاعية.

كما اتجهت تركيا نحو تعزيز برامج الشراكة الدفاعية مع عدد من القوى الإقليمية، ومنها باكستان، حيث وقعت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية "توساش"، في آب (أغسطس) 2021، اتفاق تعاون مع مجلس الهندسة والعلوم الوطني الباكستاني (نيسكوم) لتطوير الطائرة المسيّرة العنقاء. وفي 2019 وقعت أنقرة اتفاقية مع أوكرانيا، تساعد تركيا بموجبها الثانية على تطوير صناعاتها العسكرية مقابل الحصول على منتجات أوكرانيا الإلكترونية.

مواضيع ذات صلة:

هزة اقتصادية عنيفة في طريقها إلى تركيا: كيف سيتعامل معها أردوغان؟

مَن المسؤول عن ضرب الاقتصاد التركي؟

كيف ساء الاقتصاد التركي إلى هذا الحد؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية