انفتاح العراق على شركائه الإقليميين: الخلاص من قبضة إيران

انفتاح العراق على شركائه الإقليميين: الخلاص من قبضة إيران

انفتاح العراق على شركائه الإقليميين: الخلاص من قبضة إيران


16/02/2023

يكاد يكون العراق واقعاً في دائرة تحركات إقليمية ودولية تسعى إلى تحجيم أزماته المتسببة في اضطرابات عديدة، اقتصادية وسياسية وأمنية، وذلك من خلال استعادة وجوده داخل محيطه الإقليمي الحيوي والعربي، الأمر الذي يساهم في توسيع شراكاته وتنويع مصادر علاقاته الخارجية التي ارتهنت، على مدار عقود، بالتبعية لإيران.

دلالات ومؤشرات 

وفي أعقاب الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى العاصمة العراقية بغداد، وهي الزيارة الأولى منذ عام 2019، قام رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بزيارة للإمارات العربية المتحدة، والتقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات. 

هذه التحركات تتزامن ومحاولة توسيع العراق لشراكاته الإقليمية والاستراتيجية، الأمر الذي كشف عنه السوداني في حوار مع جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية، قبل أيام، وذكر فيه أنّ "العراق والسعودية قادران على خلق هذا المحور ليكون نقطة ارتكاز في المنطقة والعالم، ونحن جادون في ذلك". وتابع: "كان لدي حديث مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ووجدته متجاوباً كالعادة ومتقدماً لتحقيق هذا الهدف بكل وضوح ورغبة جادة. وضعنا جدول أعمال بيننا، في أثناء مشاركتي في القمة العربية - الصينية، لزيارات متبادلة".

تسعى روسيا لزيادة نفوذها في الشرق الأوسط عبر العراق من خلال ضمان عدم وقوف بغداد ضدها في ما يتعلق بأزمة الحرب الروسية- الأوكرانية

وثمّن مجلس الوزراء السعودي، في اجتماعه الأسبوعي الأخير، برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الجهود التي تؤدي إلى "تميز العلاقات الثنائية مع جمهورية العراق، والتأكيد على دعم المملكة للجهود التي تبذلها الحكومة العراقية الرامية إلى تحقيق الاستدامة في النمو والازدهار في بلادها ولشعبها الشقيق". 

ولا تختلف هذه الاتجاهات السياسية عما جاء في سياق زيارة السوداني إلى الإمارات، حيث أوضحت وكالة أنباء الإمارات "وام" أنّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بحث مع السوداني العلاقات الأخوية، وفرص تنمية التعاون والعمل المشترك بين دولة الإمارات والعراق، وتنويع آفاقه في جميع المجالات لما فيه مصالحهما المتبادلة، بالإضافة إلى عدد من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

واستعرض الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الحكومة العراقية أوجه التعاون والعمل المشترك في الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتنموية، فضلاً عن الفرص المتوفرة لتطويرها إلى مستويات أرحب في جميع المجالات، التي تتسق مع أولويات البلدين في تحقيق التنمية والتقدم والازدهار لشعبيهما الشقيقين.

الحاضنة العربية للعراق

كما بحث الجانبان مجموعة من الملفات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك وتبادلا وجهات النظر بشأنها، مؤكدين في هذا السياق توافق رؤى البلدين بشأن العديد من القضايا محل الاهتمام المشترك، خاصة فيما يتعلق بإيجاد تسويات سلمية للنزاعات والأزمات التي تشهدها المنطقة ودفع المساعي الدبلوماسية التي تسهم في تحقيق تطلعات شعوبها إلى الاستقرار والازدهار.

وقال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إنّ "الإمارات تدعم وتساند كل خطواتكم من أجل وحدة العراق وسيادته وازدهاره وتقدمه". كما قال السوداني "نحن سعداء بين أهلنا، وهذه العلاقة التاريخية التي تجمع البلدين تحتم علينا أن نسهم في تعزيزها وتطويرها والمحافظة عليها على امتداد الأجيال المقبلة". وأردف: " العراق اليوم يفتح ذراعيه أمام أشقائه وخاصة الإمارات.. ورسالتنا رسالة محبة وأخوة وهذه الزيارة تأكيد لهذه الرسالة. بيننا مشتركات التاريخ الواحد والمصير الواحد، بالإضافة إلى الفرص العديدة والمتنوعة التي يمكن استثمارها بما ينعكس على الشعبين الشقيقين والمنطقة عامة".

الباحثة العراقية آية غانم: زيارة لافروف لبغداد متصلة بملف الطاقة

وفي حين تأتي قضية الطاقة، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من القضايا والملفات السياسية، على قمة اهتمامات زعماء العالم، لا سيما في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الصعبة، فمن اللافت أنّ هناك درجة من الانفتاح العراقي على "جميع شركائه"، على حد تعبير الناطق بلسان الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، الذي أكد في أعقاب زيارة لافروف لبغداد على "أهمية العلاقات الاستراتيجية مع الجانب الروسي في ظل تعزيز الجذب الاستثماري والاقتصادي، خاصة ما يتعلق بملفات الطاقة".

ووفق الصحاف فإنّ لافروف سيترأس وفداً "رفيع المستوى دبلوماسياً اقتصادياً استثمارياً، ويضم شركات متعددة عاملة في قطاع النفط والغاز، بالإضافة إلى شركات في مختلف القطاعات".

الباحثة العراقية آية غانم لـ"حفريات": روسيا تريد أن تستفز الولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها أو بالأحرى نفوذها، ففي كل أزمة تحدث بين العراق وأمريكا تتواجد موسكو

وبخصوص السياق السياسي الإقليمي والدولي لزيارة لافروف إلى العراق، تقول الباحثة في إدارة الصراعات وبناء السلم الدولي في جامعة بغداد، آية غانم، إنّ روسيا تسعى لعالم "متعدد القطبية"؛ فأخذت تتحرك في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بحثاً عن شراكات وتحالفات، موضحة لـ"حفريات" أنّه في حال لم تكسب موسكو من أي طرف فسوف تقوم "بتحييد هذا الطرف أو ذلك كي لا يكون خصماً لروسيا. وهذا ما تسعى إليه زيارة لافروف الرسمية للعراق، والتي تهدف لتعزيز العلاقات الثنائية والتعاون في مجال الطاقة". 

أهداف ومصالح موسكو

وبسؤال الباحثة العراقية في إدارة الصراعات وبناء السلم الدولي بجامعة بغداد عن علاقة هذه الزيارة بقضية الطاقة التي تتفاقم على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، قالت "العراق وقف على الحياد من الحرب الروسية الأوكرانيه. والعراق بلد نفطي وهو على وفاق مع سوريا الحليف الأول لموسكو، كما أنّ العراق على علاقه مماثلة وقوية مع إيران"، والأخيرة تصطف في تحالف متين مع الدولة ذاتها التي تخوض حرباً ضد كييف. 

وفضلاً عن ذلك، فروسيا تريد أن "تستفز الولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها أو بالأحرى نفوذها، فكل أزمة تحدث بين العراق وأمريكا تتواجد موسكو، وزيارات وزير الخارجية الروسي لا تخرج عن هذا السياق والمضمون"، وفق ما تقول غانم.

وإلى ذلك، توضح الباحثة المختصة في الشؤون الإقليمية والدولية بجامعة بغداد، الدكتورة تمارا كاظم الـأسدي، أنّ زيارة لافروف قد جاءت في سياق تعزيز العلاقات الاستراتيجية الروسية- العراقية والتأكيد على ضرورة الانفتاح في الجانب الاقتصادي بين البلدين في مجال الطاقة، لاسيمّا أنّ هذه الزيارة جاءت في توقيت يحمل الكثير من المؤشرات والتحديات؛ إذ إنّ كلا البلدين يعاني من أزمات كثيرة.

الباحثة تمارا كاظم الـأسدي: روسيا تحاول البحث عن بدائل استثمارية

فالعراق يمر بتحديات اقتصادية على إثر تذبذب العملة المحلية أمام الدولار، بينما روسيا تحاول البحث عن "بدائل استثمارية" تواجه بها العقوبات الدولية المفروضة عليها على خلفية حربها مع أوكرانيا، كما تقول كاظم الأسدي لـ"حفريات"

وتردف: "روسيا تسعى من خلال هذه الزيارة لتحقيق أهداف عدة سياسية واقتصادية؛ ففي الجانب السياسي، تسعى روسيا إلى الحصول على دعم القوى الإقليمية والدولية في إطار غزوها لأوكرانيا، وذلك في الوقت الذي تتنافس فيه هذه القوى على زج العراق واستقطابه نحو معسكرها ضد الآخر، وبالتالي، تسعى روسيا لزيادة نفوذها في الشرق الأوسط عبر العراق من خلال ضمان عدم وقوف بغداد ضدها في ما يتعلق بأزمة الحرب الروسية- الأوكرانية لاسيّما أنّ العراق يقع ضمن نطاق حلفائها في المنطقة (إيران وسوريا) التي تسعى للاستفادة منهم على حساب الولايات المتحدة الأمريكية".

أما في الجانب الاقتصادي، فإنّ هذهِ الزيارة تحمل الكثير من الرسائل، حيث تمثل "صفقة اقتصادية" بالنسبة لروسيا في مجال الطاقة، فالعراق نتيجة امتلاكه الثروات الطبيعية من النفط والغاز أصبح محط أنظار الكثير من الدول وروسيا في مقدمة هذهِ الدول، وفق الباحثة المختصة في الشؤون الإقليمية والدولية بجامعة بغداد، ولهذا تسعى روسيا إلى توسيع الاستثمارات الروسية في العراق والبحث عن الدولار وبيع الغاز لتجاوز العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب أزمة اوكرانيا، وذلك عبر التأكيد على استمرار عمل شركاتها العامة في قطاع النفط بالعراق بعد أن بلغ إجمالي الاستثمارات الروسية في قطاع الطاقة العراقي ما يقارب الـ(13) مليار دولار، فضلاً عن احتمالية دخول العراق سوق الطاقة العالمية لاسيّما أنّ العراق لن يتضرر من فرض العقوبات الأمريكية على الشركات الروسية من ناحية العمل داخل العراق، بل على العكس قد تساهم العقوبات في رفع سعر برميل النفط، ومن ثم، فالمسعى الروسي في العراق يتمثل في فك الحصار المفروض عليها عبر إيجاد بدائل على الرغم من أنّ هناك قيوداً دولية على روسيا.

مواضيع ذات صلة:

الإمارات والعراق.. علاقات أخوية يعززها التعاون في هذه المجالات

خطة بوتن لاختراق الثقب الأسود في الفضاء الأوروبي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية