خطة بوتن لاختراق الثقب الأسود في الفضاء الأوروبي

خطة بوتن لاختراق الثقب الأسود في الفضاء الأوروبي

خطة بوتن لاختراق الثقب الأسود في الفضاء الأوروبي


07/02/2023

في أعقاب انفصال مولدوفا عن الاتحاد السوفياتي، في العام 1991، عملت موسكو على وضع قدم في الجمهورية الجديدة، عبر دعم وتسليح الانفصاليين الموالين لها في مولدوفا، وإنشاء كيان تابع في  ترانسنيستريا، قبل أن يتم تجميد الصراع لفترة طويلة من الزمن.

ومنطقة ترانسنيستريا الانفصالية الموالية لروسيا، هي شريط ضيق من الأرض يبلغ طوله حوالي 200 كيلومتر (120 ميلاً)، وعرضه 30 كيلومتراً، بين نهر دنيستر والحدود الشرقية لمولدوفا مع أوكرانيا. وعلى الرغم من انفصالها منذ العام 1992، لم يتم الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي.

ويتمركز في ترانسنيستريا قرابة الألفي جندي روسي، وعلى الرغم من أنّ روسيا أعلنت رسمياً في العام 1999 عن اعتزامها سحب كل من قواتها وأسلحتها من ترانسنيستريا في غضون بضع سنوات، إلّا أنّها لم تفعل ذلك أبداً. وتُعد قرية كوباسنا في الشمال؛ موطناً لأكبر مستودع عسكري في أوروبا، حيث يوجد بها حوالي 20 ألف طن من الذخيرة والمعدات، التي تعود إلى الحقبة السوفياتية.

الثقب الأسود

ولأكثر من ثلاثة عقود، باتت ترانسنيستريا ثقباً أسود في الفضاء الأوروبي؛ فوفقاً لتقرير البرلمان الأوروبي في العام 2002، أصبحت المنطقة، وبدعم من روسيا، مركزاً نشطاً لكل الأعمال الخارجة عن القانون، بما في ذلك غسيل الأموال والتهريب والاتجار بالبشر.

ولسنوات عديدة، لعبت أوكرانيا دوراً في تكريس تلك الوضعية، حيث أنشأت النخبة الحاكمة في أوكرانيا، والمسؤولون الاقتصاديون الروس، حلقة للتهريب تمركزت في ترانسنيستريا. وبمرور الوقت، تم جذب الأعضاء الفاسدين من النخبة في مولدوفا تجاه الانخراط ضمن هذه المعاملات غير المشروعة.

لأكثر من ثلاثة عقود، باتت ترانسنيستريا ثقباً أسود في الفضاء الأوروبي

وطيلة الوقت، يقوم اقتصاد ترانسنيستريا على تسيير عمليات النقل غير القانوني للبضائع، من وإلى أوديسا، وموانئ أخرى على البحر الأسود.

جدير بالذكر أنّه في تسعينيات القرن الماضي، قام رئيس أوكرانيا، آنذاك، ليونيد كوتشما، بتنظيم استقبال رسمي لإيجور سميرنوف، أول رئيس لجمهورية ترانسنيستريا، وعلى ما يبدو فإنّ السبب وراء هذا الاستقبال الحافل، هو أنّ صهر كوتشما كان مالكاً لإحدى أكبر شركات الصلب في ترانسنيستريا. كما تورط سياسيون آخرون في كييف، بممارسة أعمال تجارية مع الانفصاليين في ترانسنيستريا، من خلف ظهر مولدوفا.

حذّر ألكسندرو موستياتا، رئيس جهاز الاستخبارات والأمن في مولدوفا (SIS)، من أنّ روسيا قد تسعى إلى ربط المناطق التي تسيطر عليها في أوكرانيا عن طريق إنشاء ممر بري مع منطقة ترانسنيستريا الانفصالية

مع الوقت، وبفعل التغييرات السياسية في أوكرانيا، اعترفت كييف بسيادة مولدوفا على الثقب الأسود، وسط توقعات بأنّ هزيمة روسيا في الحرب الجارية الآن، سوف تؤدي بالضرورة إلى حل السلطة الانفصالية في ترانسنيستريا.

تهديدات روسية

منذ أيام، وفي تصعيد مفاجئ، اتهم وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، رئيسة مولدوفا مايا ساندو، بالسعي إلى الانضمام إلى حلف الناتو، حتى ولو تطلب ذلك الاتحاد مع رومانيا. وأضاف كبير الدبلوماسيين الروس، أنّ تصرفات الدول الغربية، قد تحوّل مولدوفا قريباً إلى "أوكرانيا التالية"، وفقاً لوكالة تاس الروسية للأنباء.

وتأتي تهديدات لافروف، في الوقت الذي حذر فيه مسؤولون غربيون، من أنّ روسيا ربما تستعد لشن هجوم جديد بعد نحو عام من الحرب في أوكرانيا.

وبدوره، حذّر ألكسندرو موستياتا، رئيس جهاز الاستخبارات والأمن في مولدوفا (SIS)، من أنّ روسيا قد تسعى إلى ربط المناطق التي تسيطر عليها في أوكرانيا؛ عن طريق إنشاء ممر بري مع منطقة ترانسنيستريا الانفصالية، لافتاً إلى احتمال إقدام روسيا على شن حملة عسكرية تستهدف بلاده المتاخمة لأوكرانيا. وسط توقعات بأن يحدث ذلك قبيل حملة الربيع المحتملة في أوكرانيا.

وزير الخارجية الروسي، نبّه الخميس الماضي، إلى أنّ موسكو تعتقد أنّ المسؤولين في مولدوفا، مستعدون لحل قضية ترانسنيستريا بالقوة. وكأنّما يسوق المبررات لغزو روسي محتمل. وسبق أن حذر لافروف مولدوفا من الانتقام، إذا شعرت روسيا أنّ قواتها في ترانسنيستريا مهددة.

اتهم وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، رئيسة مولدوفا مايا ساندو، بالسعي إلى الانضمام إلى حلف الناتو

بدوره، أكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية في مولدوفا، دانييل فودي، أنّ بلاده "ترفض التصريحات المتعلقة بمولدوفا من وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف".

من جهة أخرى، فإنّ هناك بعض الإشارات القادمة من ترانسنيستريا، تشير إلى وجود تحركات روسية مريبة؛ حيث توافد ما يقرب من 1000 شاب، في الأشهر الأخيرة، إلى ترانسنيستريا، الأمر الذي أثار شكوكاً حول ما إذا كانوا ينتظرون الأوامر، حسبما قالت القوات المسلحة الأوكرانية لشبكة (VOA News).

تحت رحمة موسكو

يمكن القول إنّ مولدوفا سقطت بالفعل في مرمى نيران الغزو الروسي لأوكرانيا. وسبق أن قالت سلطات مولدوفا، إنّ حطام الضربات الصاروخية الروسية على أوكرانيا، سقطت في مولدوفا ثلاث مرات على الأقل.

وفيما يتعلق بإمدادات الطاقة، فإنّ مولدوفا، وبحسب "دويتشه فيله"، واقعة بشكل كبير تحت رحمة موسكو؛ حيث إنّ 70% من إمدادات الكهرباء التي تعتمد عليها مولدوفا، تأتي من ترانسنيستريا التي تحتلها روسيا، ومعظمها يأتي من محطة كوسيورغان لتوليد الكهرباء، والتي تعمل بالغاز الروسي، وبقدر ما قد يبدو الوضع شديد التناقض، حيث يبدو الأمر كما لو أنّ مولدوفا تدعم الانفصاليين وتمولهم، إلّا أنّ الضرورة تحتم ذلك.

إذا نجحت مولدوفا في كسر اعتمادها على كهرباء ترانسنيستريا، وعلى الغاز الروسي، ومع استمرار الحصار الاقتصادي الأوكراني، فقد تفلس ترانسنيستريا وتسقط في حضن مولدوفا

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ما يقرب من 20% من الكهرباء التي تحتاجها مولدوفا تأتي من أوكرانيا، وعندما قصفت روسيا البنية التحتية للطاقة الأوكرانية خلال الحرب؛ انقطعت الكهرباء في عدة مناطق من العاصمة تشيسيناو. كما خفضت غازبروم إمدادات الغاز إلى مولدوفا بمقدار الثلث في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

وبحسب وكالة ( Daily beast ) الإخبارية، أكد وزير البنية التحتية في مولدوفا، ونائب رئيس الوزراء، أندريه سبينو لبوليتيكو، أنّ روسيا لا تريد لبلاده أن تواصل السير على طريق الاتحاد الأوروبي، وعليه فإنّها تمارس الضغط عن طريق وقف إمدادات الطاقة.

محاولات إغلاق الثقب الأسود

عندما غزت روسيا أوكرانيا في 24 شباط (فبراير) 2022، أصدرت السلطات الأوكرانية أوامرها بإغلاق الحدود مع ترانسنيستريا بالدبابات؛ ما أدّى هذا إلى توقف التهريب بشكل مفاجئ. وردّ النظام الانفصالي في عاصمة ترانسنيستريا، تيراسبول، بشكاوى بشأن التعرض لحصار اقتصادي، مطالباً موسكو بالتدخل، وإنقاذ المنطقة الانفصالية.

حطام الضربات الصاروخية الروسية على أوكرانيا، سقطت في مولدوفا ثلاث مرات على الأقل

كان النظام الانفصالي في تيراسبول، يأمل في أن تحتل روسيا أوكرانيا بسرعة؛ حتى تتوحد المنطقة الانفصالية مع روسيا، وهي الآمال التي تحطمت بسبب تعثر الجيش الروسي.

من جهتها، أعلنت الحكومة في تشيسيناو، عاصمة مولدوفا، تضامنها مع أوكرانيا، ودعم مساعيها الرامية إلى حصار ترانسنيستريا اقتصادياً، وإغلاق هذا المنفذ المشبوه، الذي يمثل نقطة ضعف في خاصرة أوروبا. لكن مولدوفا تتحفظ في الوقت ذاته على قبول تواجد قوات أوكرانية في أراضيها، رغبة في تجنب التورط في الحرب، وهو ما تتفهمه كييف.

وبحسب "دويتشه فيله"، فإنّ ميزانية الدفاع للحكومة المولدوفية لعام 2023، هي الأكبر على الإطلاق، وسوف يتم إنفاق الكثير من الأموال على تأمين المجال الجوي، ودعم القوات المسلحة بمركبات بيرانا المدرعة من ألمانيا.

وإذا نجحت مولدوفا في كسر اعتمادها على كهرباء ترانسنيستريا، وعلى الغاز الروسي، ومع استمرار الحصار الاقتصادي الأوكراني، فقد تفلس ترانسنيستريا وتسقط في حضن مولدوفا؛ لأنّه بدون طرق التهريب عبر أوكرانيا، وإمدادات الغاز من تشيسيناو، فلن يكون لدى ترانسنيستريا فرصة للبقاء على قيد الحياة، إلّا إذا قرر بوتن اختراق الثقب الأسود، والانقضاض على مولدوفا التي تسعى إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، وعندها ربما يتمكن الجيش الروسي من إحكام قبضته على المنطقة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية