"دافوس" انتهى كما ابتدأ: أوكرانيا ووعود تعافي الاقتصاد

"دافوس" انتهى كما ابتدأ: أوكرانيا ووعود تعافي الاقتصاد


29/05/2022

اختتم الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد حضورياً لأوّل مرة هذا العام في فصل الربيع أعماله يوم الخميس الماضي في منتجع دافوس شرق سويسرا بالطريقة التي بدأ بها، أي بالحديث عن الحرب في أوكرانيا.

وجاء المنتدى في وقت يشهد فيه العالم أزمة اقتصادية طاحنة، لم تنجُ بقعة على كوكب الأرض من تأثيراتها، خصوصاً فيما يتعلق بالغذاء والطاقة وانخفاض مستوى المعيشة.

كما يتعلّق الغريق بقشّة؛ راح العالم يترقب أن يساهم المنتدى ببعض الحلول في تهدئة الأزمة الاقتصادية، حتى لو على مستويات محدودة فيما يتعلق بحصول بعض الدول الناشئة على استثمارات في بعض القطاعات، وترتيب في أزمة الديون العالمية، والمساهمة في حلّ أزمة سلاسل التوريد والإمداد العالمية، وكبح جماح التضخم الذي يفتك بالعالم.

لكن إذا كان نادي الأثرياء العالمي في دافوس يستفيد من الأزمة كما في وقت الرخاء، بل وربما أكثر، وإذا كانت تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا باتت تتعلق بالهيمنة الدولية، التي يُضحَّى بمصير مئات الملايين من البشر في سبيلها، مع استمرار جائحة كورونا في موطن الصناعة الأكبر في الصين؛ فهل بالإمكان، أو هل توجد الرغبة، في مراعاة البشرية في دافوس؟

انعقاد دافوس

وبدأت جلسات المنتدى العالمي، الذي يجمع كبريات الشركات والمؤسسات الدولية ومسؤولي الدول والمؤثرين في صناعة القرارات في العالم، في 22 من الشهر الجاري.

وشهدت نسخة هذا العام اختلافات ملحوظة عن نظيرتها السابقة عام 2020؛ حيث غياب عدد من كبار النافذين في قطاع الأعمال في الدول الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة، إضافة إلى غياب معظم قادة الدول الصناعية الكبرى، مقارنةً بحضور الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نسخة عام 2020، إلى جانب هيمنة الحرب الروسية على أوكرانيا وتبعاتها على جدول الأعمال، وما ارتبط بها من غياب الحضور الروسي الرسمي والأثرياء الروس، وإعلان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ضيف شرف المنتدى.

جانب من لقاءات وزيرة التعاون الدولي المصرية في دافوس

وشهد المنتدى حضور أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كضيف شرف، والعديد من الوزراء والمسؤولين من الخليج العربي والدول العربية، من بينهم وزراء الخارجية والتعاون الدولي والبترول من مصر، ورئيسة وزراء تونس، ومسؤولون من دول العالم.

ويشمل جدول الأعمال التعافي من جائحة كورونا، والتصدي للتغيّر المناخي، وبناء مستقبل أفضل للعمل، وتسريع رأسمالية أصحاب المصلحة، وتسخير تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.

 وتعدّ قضايا تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وأزمة سلاسل الإمداد والتوريد العالمية، والتضخم وتباطؤ النمو العالمي، من أهم القضايا التي ناقشها المنتدى.

تسعى الدول الناشئة، مثل مصر وتونس، إلى تعريف كبار المؤسسات الدولية الاقتصادية والمالية بالبرامج الإصلاحية والفرص الاستثمارية، بحثاً عن تدفقات مالية لمواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية

وحول آليات عمل المنتدى، قال الخبير المالي والمحلل الاقتصادي المصري محمد أنيس: "شرط عضوية أيّة مؤسسة في المنتدى أن يتجاوز إجمالي دخلها السنوي مليار دولار، وتدفع 12.5 ألف دولار سنوياً كاشتراك، بالتالي، هو ليس منتدى لسماع أصوات العمال ولا الطبقات الكادحة، بل هو منتدى للكبار على مستوى العالم، بتواجد المسؤولين السياسيين السابقين والحاليين والمؤثرين في الدوائر السياسية في إطار غير رسمي يمتاز بالانفتاح".

وتابع في تصريح لـ "حفريات": "نظراً لطبيعة هذه العضوية؛ لا وجود لعضوية كبيرة للشركات الروسية، وترتبط الموجودة بقطاعات الطاقة في الغالب، وهذا العام ليس هناك وجود رسمي روسي".

وأضاف: "هدف النقاش حلّ الأزمات الاقتصادية وصناعة فرص للشركات والدول، ويتطلب ذلك تحقيق الاستقرار العالمي".

أزمات دولية

وشهد العالم أزمات مالية كبرى تفوق ما يشهده اليوم، لكن ربما تكون الأزمة الغذائية هي الأشدّ منذ عقود، حيث تضرّر الإنتاج الغذائي بفعل تضرر الواردات الروسية والأوكرانية من الحبوب والمواد الخام بسبب الحرب، وبسبب التغير المناخي في مناطق أخرى.

وشهد اليوم الأول من أعمال المنتدى تحذيراً صارماً من العواقب البشرية المدمرة لتفكك الاقتصاد العالمي، ودقّ مجتمع كبار الاقتصاديين ناقوس الخطر جراء انخفاض النشاط الاقتصادي وارتفاع التضخم وانخفاض الأجور وزيادة انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم في عام 2022.

د. سمر عادل: لا أتوقع تحولات كما يطمح المنظّرون حول العولمة والرأسمالية

ومن جانبها، قالت محاضِرة الاقتصاد بأكاديمية الأهرام الدولية، سمر عادل: "يأتي المنتدى هذا العام بعد توقف عامين، ويركز على أزمة الغذاء والتضخم وسلاسل الإمداد، والمُلاحظ غياب أغلب قادة الاقتصاديات الكبرى".

وأضافت لـ "حفريات": "لا أتوقع أن يساهم المنتدى في إحداث تهدئة؛ بل قد يكون اجتماعاً دورياً لا غير، لأنّ العالم يشهد انقساماً كبيراً على خلفية الحرب في أوكرانيا".

وقبيل انعقاد المنتدى، أُثيرت نقاشات في الصحف الدولية، من قبل الخبراء حول أزمة الرأسمالية ونموذج العولمة القائم، وضرورة البحث عن نمط بديل يعالج مركزية العولمة بين عدد من المراكز الدولية. وحول ذلك قالت الأكاديمية المصرية: "لا أتوقع تحولات كما يطمح المنظّرون حول العولمة والرأسمالية، بل هما في استمرار، مع ازدياد التوحش الرأسمالي، خصوصاً في ظلّ الصراع الدولي على الهيمنة، التي لن تتنازل الولايات المتحدة عنها، ولن تحققها الصين قريباً، بل سيتأثر العالم بتراجع النمو العالمي الناتج عن هذا الصراع بين الولايات المتحدة والصين، بفعل تراجع مساهمة الأخيرة في النمو العالمي".

الخبير المالي محمد أنيس لـ "حفريات": دافوس ليس لسماع أصوات العمال ولا الطبقات الكادحة، بل هو منتدى للكبار على مستوى العالم، بتواجد المسؤولين السياسيين السابقين والحاليين والمؤثرين

ولا يتوقع الخبير المالي، محمد أنيس، أن يساهم المنتدى في حلحلة الأزمة الروسية الأوكرانية: "هناك تحزب بين الكيانات السياسية والاقتصادية بين أوروبا وأمريكا في مواجهة الكيانات الشرقية، ولهذا من الصعب التراجع عن العقوبات السياسية والاقتصادية ضدّ روسيا ومصالح شرقية، لكن سيحدث إنصات لحديث الشركات الدولية عن التأثيرات جراء الحرب، وما أحدثته من مخاطر وفرص، خصوصاً التي تتوافر للشركات الأمريكية الكبرى التي تستفيد بفعل تأمين مصادر الطاقة لأوروبا من أمريكا ودول العالم".

الدول الناشئة

وتسعى الدول الناشئة، مثل مصر وتونس، إلى تعريف كبار المؤسسات الدولية الاقتصادية والمالية بالبرامج الإصلاحية والفرص الاستثمارية، بحثاً عن تدفقات مالية لمواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية والتي زادت وتيرتها بقرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع نسبة الفائدة، والذي أدّى إلى خروج مليارات الدولارات من الاستثمارات، وانخفاض قيمة العملات المحلية مقابل الدولار، وزيادة التضخم المحلي والمستورد.

وتؤثر أزمة سلاسل الإمداد والتوريد على دول العالم كافة، خصوصاً المناطق الجغرافية الكبرى لحركة التجارة الدولية، والتي تتأثر بفعل الإغلاقات الناتجة عن جائحة كورونا، وارتفاع أسعار الطاقة، وغير ذلك، ما يؤدي لارتفاع أسعار السلع، والتي يكون وقعها أشدّ على الدول الناشئة، التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاتها.

وتوقع الخبير المالي، محمد أنيس؛ أن "يتمّ الإنصات لمقترحات قادمة من دول جنوب شرق آسيا والهند، مرتبطة بسلاسل التوريد، والتي تشترك بين ثلاث مناطق جغرافية، هي؛ جنوب شرق آسيا، وأوروبا، وأمريكا الشمالية".

د. محمد أنيس: هناك تحزب بين الكيانات السياسية والاقتصادية

وأوضح أنّ "هناك مصلحة مشتركة بين هذه التكتلات لحل أزمة الإمداد والتوريد لكبح التضخم، ما لم تكن هناك حسابات سياسية لدول ما توظف التضخم لتحقيقها". وتوقّع أن "تشهد الشهور الستة المقبلة بعض التحسن إذا ما نجح المنتدى بالخروج بتوصيات لحلّ أزمة سلاسل التوريد العالمية".

وحول آمال الدول الناشئة، لا تتوقع د. سمر عادل، انفراجة بشأن ذلك: "ما نشهده من أزمات دولية، على سبيل المثال، في ملفَّي الطاقة والغذاء، لا يمكن حلّه باجتماعات تحت غطاء دولي، بل يرتبط بمصالح الدول ببعضها".

وبشأن التعويل على الدول الكبرى في تخفيف وطأة الأزمة العالمية على الدول الناشئة، سواء بتخفيف أزمة الديون والاستثمار، قالت: "الدول الناشئة حضورها مقتصر في مثل تلك المنتديات على الكلام فقط، وهي تعاني أكثر من الدول المتقدمة، وتدفع دوماً الثمن، والدول المتقدمة لا تبالي ولا تعنيها أزمات العالم النامي".

وشدّدت على أنّ الدول المتقدمة إذا كانت معنية بحقّ بمساعدة الناشئة لكانت "أوفت بالالتزامات التي طالما تعهّدت بها لهذه الدول، على سبيل المثال، التعهدات بدفع عشرات مليارات الدولارات لمواجهة تداعيات التغير المناخي الذي تسبّبب به. واليوم، مع وجود الأزمة العالمية، وما يرتبط بها من أزمة الأمن في أوروبا، فلا أظنّ أنّ الدول الكبرى مهتمة بالدول الناشئة، ولو لديها نية لكانت قدمت مساهمات تساعد على تحريك عجلة الاقتصاد".

ويذكر أنّ منتدى دافوس أسسه أستاذ الأعمال والاقتصادي الألماني، كلاوس شواب، عام 1971، وأطلق عليه مسمى منتدى الإدارة الأوروبي، قبل أن يتغير الاسم إلى المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس"، عام 1987، ومنذ انطلاقه لم يعقد خارج دافوس سوى مرة واحدة، عام 2002، إذ عقد في نيويورك، تضامناً مع الولايات المتحدة بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها عام 2001.

مواضيع ذات صلة:

كيف تستغل واشنطن الحرب في أوكرانيا لمواجهة الصين؟

هل أثّرت الحرب في أوكرانيا على العلاقات السعودية الأمريكية؟

"الإيكونوميست": تركيا تبيع السلاح لأوكرانيا وتغازل أثرياء روسيا... ما القصة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية