الفوضى تعصف بالمشهد التونسي.. ماذا بعد حركة النهضة؟

الفوضى تعصف بالمشهد التونسي.. ماذا بعد حركة النهضة؟


13/06/2021

تتزامن كافة إشكاليات المشهد السياسي التونسي، مع مساعي حركة النهضة تجاه الهيمنة على مفاعيل القرار، خلال الأشهر الماضية، حتى بدت كل الأزمات التي تحيط بتونس، تتقاطع مع خطوات "النهضة" وزعيمها راشد الغنوشي، سواء داخل البرلمان، أو عبر تأثيره على السيد هشام المشيشي، رئيس الحكومة، في إطار الصراع المحتدم فيما بين الحركة، والسيد قيس سعيّد رئيس الجمهورية.

زيادة الأسعار تضاعف معاناة الشعب التونسي

منذ أيام احتفلت حركة النهضة بالذكرى الأربعين  لتأسيسها، في الوقت الذي يعاني فيه المواطن التونسي من عثرات معيشية، واجتماعية، وصحية، واقتصادية عنيفة، لم يصادف مثلها، وفي عمق تلك اللحظة البائسة، خرج الغنوشي ليتحدث عن رفع أسعار بعض السلع الأساسية والخدمات، استجابة لخطط الإصلاح الاقتصادي، المستندة لاستشارات خبراء صندوق النقد الدولي، ما دفع الاتحاد العام التونسي للشغل، إلى أن يحذر مما وصفه بانفجارات اجتماعية كبرى، قد تحدث نتيجة قرار الحكومة بزيادة بعض الأسعار.

 وبحسب بيان الاتحاد نشره عبر موقعه الإلكتروني، وصف قرارات الحكومة بزيادة أسعار بعض المواد الأساسية بالمجحفة، وبأنّها قرارات أحادية لا شعبية.

وكان نور الدين الطبوبي، أمين عام اتحاد الشغل التونسي، قد أكّد في تصريحات صحفية، أنّ هناك اجتماعاً مرتقباً مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، وذلك لبحث مسألة زيادة الأجور، بعد عودة الأخير من زيارة إلى العاصمة السويسرية جنيف.

فاطمة المسدي: الحزب الدستوري الحر، عليه أن يدرك أن مصلحة تونس الحقيقية، وهي تواجه خطر الإخوان، تتطلب النزوح بعيداً عن العزلة السياسية؛ كونها لا تخدم التعبئة الشعبية؛ لتغيير المنظومة

بالتزامن مع ذلك، تجددت تظاهرات القوى السياسية، التي تواجه تحركات النهضة، سياسياً وبرلمانياً؛ إذ  أعلنت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى، الدخول في اعتصام مفتوح داخل البرلمان، إلى حين تحرير البرلمان من سيطرة جماعة الإخوان.

وخلال ذلك وقعت بعض المناوشات، بين الأمن التونسي ومتظاهرين، بعد انطلاق مسيرة مطالبة بتحرير البرلمان من الإخوان، حيث أطلق المتظاهرون شعار: "يسقط يسقط حكم المرشد".

اقرأ أيضاً: الباحث التونسي محمد ذويب لـ "حفريات": "النهضة" ما زالت ترعى الإرهاب

في سياق ذلك نشر السيد منير الشرفي، مؤسس ومدير المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة، بياناً ندد فيه بالاحتكاكات التي حدثت بين قوات الأمن والمتظاهرين، في اعتصام سلمي نظمه حزب سياسي، حيث قال في البيان:

"مرّة أخرى، يُرسل رئيس الحكومة قوات أمنية لفكّ اعتصام سلمي، نظّمه الحزب الدستوري الحر، من أجل التنديد بممارسات القيادة الإخوانية للبرلمان، وذلك باستعمال العنف المادّي ضد النساء من النواب المعتصمين، وإذ يُعبّر المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة، عن عميق استيائه من هذه الممارسات العنيفة المُتكرّرة". ووصف البيان ما حدث بالممارسات الدكتاتورية التعسفيّة، لافتاً إلى أنّ "الديمقراطية المزعومة، ليست سوى واجهة كاذبة، تُخفي نظاماً كليانيّاً لا يقبل بالمعارضة"، وأنّ حكومة هشام المشيشي "تتعامل مع نواب الشعب بمكيالين، فهي تغضّ الطرف عن مُسانديها من النواب، حتى في حال تلبّسهم باستعمال العنف اللفظي والمادّي، وتمنع النواب المعارضين من التعبير، حتى إن كانت تعبيراتهم سلميّة"، وأكّد البيان كذلك على استهداف المرأة التونسية، من قبل هذا النظام، الذي يحاول جعلها مواطنة من الدرجة الثانية، مضيفاً: "الحكومة أصبحت خاضعة كليّاً لقوى الرجعية والظلاميّة، بتعلّة الحاجة إلى الحزام البرلماني، غير عابئة بحاجيات الشعب وبطموحاته، وتقوم بالزج بالأمن، الذي يُفترض أن يكون جمهوريّاً مُحايداً، في اللعبة السياسية التي تسعى إلى أخونة الدولة".

ومن جانبه نشر حزب العمال التونسي بياناً، علق فيه على القرارات الأخيرة، وارتأى أنّه لا حلّ لإنقاذ الوطن "إلاّ بإسقاط كامل المنظومة الطبقية والسياسية الحاكمة"، لافتاً إلى أنّ "الزيادات المهولة الأخيرة في الأسعار، التي التزمت الحكومة بتنفيذها، في إطار سلسلة الإجراءات التقشفية، صاغرة أمام صندوق النقد الدولي، ليست إلاّ دليلاً على حقيقة هذه الحكومة، وعلى الائتلاف الذي يدعمها في البرلمان، وفي مقدمته حركة النهضة".

اقرأ أيضاً: استطلاع رأي جديد في تونس: حركة النهضة وحلفاؤها لا يحظون بثقة الشعب

واستنكر حزب العمال هذه الزيادات، داعياً الشعب التونسي للخروج إلى الشارع، من أجل فرض التراجع عنها، وعن بقية الإجراءات التقشفية الأخرى، التي تهدف إلى تعميق البطالة والفقر، والتفريط فيما تبقّى من مؤسسات عمومية، لصالح الرأسمال الأجنبي، في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية.

ضرورة توحيد صفوف المعارضة

في سياق متصل، ترى النائبة السابقة في مجلس النواب، فاطمة المسدي، أنّه تحت شعار "تحرير البرلمان من قبضة الإخوان"، خرج أنصار الحزب الدستوري الحر، يوم 5 حزيران (يونيو)  في مسيرة  تحولت الى اعتصام، دعت من خلاله رئيسة الحزب، الشعب التونسي للالتحاق به، بيد أنّ الشعب التونسي، الذي يئن تحت وطأة فيروس كورونا وتداعياته العنيفة، اقتصادياً وصحياً واجتماعياً، لم يستجب لذلك النداء كما كان متوقعاً، خاصّة في ظل الأزمة الخانقة التي يعيشها منذ مدة ليست بالقصيرة.

فتحي الورفلي: يجب الإبقاء على قيس سعيّد، كرئيس للجمهورية، باعتباره الضامن لوحدة ومدنية الدولة، والمسؤول الأول عن الفترة الانتقالية، مع وضع البنك المركزي تحت سلطة الجيش

وتلفت فاطمة المسدي، في تصريحاتها لـ"حفريات"، إلى أنّ المسيرة كانت ناجحة في اليوم الأول، غير أنّ الوحدات الأمنية منعت أنصار الحزب الدستوري الحر، من الوصول إلى مقر البرلمان، في إطار السياسة القمعية الأمنية، التي تتوخاها حكومة المشيشي، لصد كل المسيرات والمظاهرات المنظمة أمام البرلمان، والتي بدأت منذ السنة الماضية؛ لتقمع كل صوت يطالب بحل البرلمان، وتغيير النظام السياسي، الذي وصفته النائبة بــ"المتعفن"، ووصفت ممارسات المشيشي بـأنّهاـ "سياسة قمعية، في بلد يفتخر بثورة الحرية".

وذهبت المسدي في تصريحاتها، إلى القول بأنّ اعتصام الدستوري الحر، لم يحقق جملة أهدافه المنشودة، ولم ينجح بشكل كامل في تعبئة الرأي العام والمجتمع المدني، رغم أنّه رفع شعارات توحد العائلات الوطنية التقدمية، وذلك في تقديرها الخاص، يعود لطبيعة زعيمة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، وخلافها مع أغلب الشخصيات الوطنية والسياسية، رغم الالتقاء في المعركة ضد الإخوان، مؤكّدة أنّ الحزب الدستوري الحر، عليه أن يدرك أنّ مصلحة تونس الحقيقية، وهي تواجه خطر الإخوان، تتطلب النزوح بعيداً عن العزلة السياسية؛ كونها لا تخدم التعبئة الشعبية؛ لتغيير المنظومة، التي تقتضي توحيد كل الأطراف الداعية لذلك.

جبهة الإنقاذ وخارطة طريق

من جانبه، وضع فتحي الورفلي، الناطق باسم جبهة الإنقاذ الوطني، في تصريحاته التي خصّ بها "حفريات"، خريطة طريق لإنقاذ تونس من الهاوية، التي تحيط بها جراء تغول حركة النهضة وحزامها السياسي، وأنّ ذلك يكون عبر ثلاث خطوات أساسيّة:

1- تكليف الجيش الوطني بتسيير شؤون البلاد، لمدّة عامين على أقصى تقدير، إلى حين القيام بتعديل الدستور، والقوانين الانتخابية، والنظام السياسي للبلاد، إلى النظام الرئاسي؛ ليكون الرئيس هو المسؤول الأول والأخير أمام الشعب.

2- تعليق العمل بالدستور وكل القوانين، التي تم سنّها بعد العام 2014، وهو تاريخ بداية العمل بهذا الدستور.

3- حل البرلمان وكل الهيئات التي تتبعه، وفتح تحقيق مع جميع النواب الذين اشتغلوا في البرلمان، وجميع أعضاء الأحزاب منذ اعتماد الدستور سنة 2014 إلى اليوم، مع منعهم من السفر إلى حين انتهاء التحقيقات، ثم البدء في محاكمة من أجرموا في حق الشعب منهم، والتحقيق بشكل خاص فيما يتعلق بثروة راشد الغنوشي، وكل قيادات الصف الأول من حركة النهضة، والجمعيات المشبوهة.

اقرأ أيضاً: الإرهاب و"النهضة": طريق ترسمه الذئاب المنفردة

وأكّد الورفلي، على ضرورة الإبقاء على الرئيس قيس سعيّد، كرئيس للجمهورية، باعتباره الضامن لوحدة ومدنية الدولة، والمسؤول الأول عن الفترة الانتقالية، مع وضع البنك المركزي تحت سلطة الجيش، والتدقيق في كافة حسابات الأحزاب والجمعيات، وحلّ كل حزب أو جمعية تلقت تمويلات مشبوهة من الخارج، وفتح ملفات فساد رجال الأعمال، وإجبارهم على إعادة أموال الشعب التي نهبوها، تحت مسمى القروض، أو محاكمتهم ومصادرة أملاكهم.

وطالب الناطق باسم جبهة الإنقاذ، بالشروع في تنفيذ عدة مراجعات تشمل:

- مراجعة شاملة لقانون الأحزاب والجمعيات؛ لإعادة تنظيم الحياة السياسية في البلاد.

- مراجعة شاملة لقوانين الجماعات المحلية؛ لتنظيم عمل البلديات تحت سلطة الدولة.

- إعادة تأهيل شامل لوزارة الداخلية، وتكوين جهاز مخابرات موحّد، يضم جميع فروع المخابرات العسكرية والأمنية في جهاز واحد، يتبع رئاسة الجمهورية.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة استيلاء حركة النهضة الإخوانية على لقاح كورونا؟

وتضمنت خريطة الطريق، تكوين لجنة خبراء لا تتعدى 50 خبيراً، تتكون من قضاة وخبراء في القانون الدستوري ومحامين، تكون مهمتها تعديل الدستور، ومراجعة كافة القوانين المرتبطة به، وتحديد مدة زمنية لإنهاء أعمالهم لا تتعدى ستة أشهر.

بعد إتمام كل هذا، في ظرف عامين، يقع تمرير الدستور الجديد والقانون الانتخابي للاستفتاء، ثم تنظيم انتخابات رئاسية جديدة، ويختتم فتحي الورفلي، الناطق باسم جبهة الإنقاذ الوطني تصريحاته، مؤكّداً أنّ ذلك في تقديره، يمثل الحل الوحيد، لإنقاذ البلاد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية