آمال قرامي لــ"حفريات": التنظيمات الإخوانية فرضت عبودية جديدة على الشعوب العربية

آمال قرامي لــ"حفريات": التنظيمات الإخوانية فرضت عبودية جديدة على الشعوب العربية

آمال قرامي لــ"حفريات": التنظيمات الإخوانية فرضت عبودية جديدة على الشعوب العربية


04/02/2024

أجرى الحوار: سامح إسماعيل

قالت الأكاديمية التونسية، الدكتورة آمال قرامي، إنّ تيارات الإسلام السياسي، أفادت من أزمة الوعي في العقل العربي والتخلف وغيرها من العوامل التي ميزت السياق الذي ظهرت فيه، وقد قدمت هذه التيارات نفسها في صورة المخلص، القادر على تغيير الواقع إلى الأفضل، لكنها سرعان ما انكشفت، وظهرت طبيعتها الانتهازية، ما دفع الشعوب التي أيدتها يوماً، إلى الثورة عليها.

قرامي: العاجز والفقير والمحبط، والراغب في تحقيق مصالحه بأسرع وقت، يتصوّر أنّ التيارات الإسلاميّة تمثّل المخلّص، ويرى أنّ الاصطفاف وراء من يَظهرون له في لباس التقوى والورع هو الخيار الأمثل

وأكّدت قرامي، في حوار مع "حفريات"، أنّ حركة النهضة، تمارس نوعاً من التعالي في مواجهة الخصوم، لكن ذلك يخفي ارتباكاً حقيقياً في صفوفها، الأمر الذي دفع زعيمها راشد الغنوشي إلى حشد أنصاره، والنزول إلى الشارع، في محاولة لاستعادة الثقة، ومواجهة خصومه داخل الحركة وخارجها.

وآمال قرامي هي أستاذة جامعية تونسية، بكلية الآداب والفنون والإنسانيات، بجامعة منوبة، لها عدة مؤلفات، أبرزها: حرية المعتقد في الإسلام، والاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية، والنساء والإرهاب، والإسلام الآسيوي وهي من أبرز الوجوه الأكاديمية، التي تنخرط ضمن التيار المدني، في مواجهة تيارات الإسلام السياسي في تونس.

هنا نص الحوار:

عوامل صعود الإسلام السياسي

أربك الصعود المباغت لتيارات الإسلام السياسي في العام 2011، المشهد الإقليمي، وخلط الأوراق السياسيّة بشكل حاد، ما يدفع إلى التساؤل حول الكيفية التي نجحت بها هذه التيارات، وتمكنت من اختراق البنى الاجتماعية في المنطقة العربية، إلى هذا الحد الذي ظهر في صناديق الاقتراع؟

يثبت التاريخ أنّه كلّما تنصّلت الدولة من مسؤولياتها، وعجزت عن توفير الخدمات الأساسية للناس، وتعدّدت الأزمات، وتمأسس الجهل، لجأ الناس إلى الجماعات التي تعدهم بالحماية والمساعدة، وتبشرّهم بمستقبل أفضل. ولذا فإنّ العاجز والفقير والمحبط، والراغب في تحقيق مصالحه بأسرع وقت، يتصوّر أنّ التيارات الإسلاميّة تمثّل المخلّص (الإسلام هو الحلّ)، ويرى أنّ الاصطفاف وراء من يَظهرون له في لباس التقوى والورع، هو الخيار الأمثل.

هل عكس ذلك وجود أزمة على صعيد الوعي الجمعي، لدى شعوب المنطقة؟

لاشكّ عندنا أنّ غياب ممارسة النقد الذاتي، وهيمنة النقل على العقل، وسيطرة الفكر الميثي (الخرافي)، والتعاضد بين الحركات الدينية في مصر والسودان والأردن والمغرب وتركيا،.. قد يسّر وضع خطط الأسلمة انطلاقاً من القاعدة والتي تهدف إلى تغيير البناء الاجتماعي، والتغلل في مختلف المؤسسات (الأسرة، التربية التعليم، الثقافة....) ولا يمكن أن نتجاهل، في هذا السياق، أثر العوامل السياسية والاقتصادية، ودورها في دفع الناس إلى التكيّف مع واقع تقاطعت فيه بنى الهيمنة: السياسية، والرأسمالية والذكورية والدينية؛ لتؤدي إلى استلاب الجموع. إنّها عبوديّة جديدة، يفضّل فيها الفرد التنصّل من المسؤولية، وما تفرضه من مقاومة، وتسليم ذاته إلى الآخر، ليتّخذ القرار نيابة عنه.

سقوط الأقنعة

ولكن سرعان ما سقط الغطاء الإيديولوجي عن هذه التيارات، وانكشف طابعها الانتهازي، بعد صعودها إبان "الربيع العربي"، فثارت ضدها الشعوب، وتوالى سقوط الإخوان هنا وهناك، فهل نحن بصدد "ربيع ما بعد إسلاموي"؟

ينبغي أن ننتبه إلى أنّ الغرب هو الذي أطلق هذه التسمية؛ لأهداف معلومة؛ فاعتبر ما حدث من تحوّلات "ربيعاً"، لما يحمله هذا الفصل من دلالات رمزية، ترتبط بالتجدّد والنماء والثراء والغبطة والبهجة والتغيير... وقد دأب الأكاديميون والإعلاميون، على ترسيخ هذه التسميات والاستعارات، فتحدّثوا عن ربيع الثورات العربية، وكتبوا عن ربيع الإسلاميين، وربيع الديمقراطية... وانطلاقاً من السنة الماضية، استبدل الربيع بالشتاء، وصار أكثر ارتباطاً بالإسلاميين، وأكثر تداولاً في الخطاب الغربي، المهتم بتحليل ما آل إليه أمر "الثورات/الانتفاضات/الحركات"، وأعتقد أنّه آن الأوان لفكّ الارتباط بهذه النعوت والأوصاف والتسميات والاستعارات، التي تشكّل المتخيّل والوعي (نحن عبيد الكلمات)، وترسّخ التبعية، وتجعل الباحثين والسياسيين والمثقفين، عوّالين على ما ينتجه الآخر، حول أحداث ووقائع تتصل بتاريخهم وذاكرتهم، وتمثّلهم للحركات الاجتماعية.

التجارب أثبتت أنّ حزب الائتلاف هجين، ولا يمتّ بصلة إلى بنية تشكل الأحزاب، وهو يوظّف الخطاب الديني التقليدي أو الرجعي، كتكتيك سياسي ليساعد حزب النهضة على تحقيق مشروع احتكار السلطة

إنّنا إزاء محطّة تاريخية مغايرة، أو لنقل هي لحظات مفصلية في تاريخ الحركات الإسلاموية، التي وصل عدد منها إلى سدّة الحكم، فحكموا مباشرة أو من وراء الستارة، امتحنتهم الشعوب واختبرت أداءهم، ومدى التزامهم بالطروحات التي قدّموها، ومنظومة القيم التي زعموا التمسّك بها، والسلوك الذي ادّعى أغلبهم أنّه (إسلاميّ صرف)، وها نحن نعاين وجود الإسلاميّ الملتزم التقليدي، والإسلاميّ النيولبرالي، والإسلاميّ الانتهازي، والإسلاميّ المهيمن على الآخرين المستمتع بقهرهم، والإسلاميّ المتلذذ بأبهة الملك، والإسلاميّ المهتم بإعادة إنتاج ما رسّخته الأنظمة القهرية من استراتيجيات، والإسلامي الفاسد.. إنّه تاريخ وضع أغلب الإسلاميين وغيرهم، على محكّ التجربة والاختبار، وفضح عوراتهم، ومحدودية الخطاب السياسي الذي صاغوه.

حركة النهضة ومناوراتها السياسية

في تونس، تلوح حركة النهضة دائماً بتفوقها الانتخابي، وتهدد في كل مرة بالعودة إلى الصناديق، وإجراء انتخابات مبكرة، لفض الاشتباك مع الخصوم، وأخيراً وجدنا الحركة تنزل بأنصارها إلى الشارع، في مواجهة الرئيس والتيارات المعارضة لها، فهل يؤشر حشدها الأخير في الشارع إلى وجود ارتباك سياسي لديها؟

تتمثّل أبرز قيادات النهضة الحزب/الحركة، على أنّها في الصدارة، وفي أعلى السلم الهرمي، وفي المركز، وهو شكل من أشكال تصوّر العلاقة التي تجمعها ببقية الأحزاب، والذي ينمّ عن شعور بالاستعلاء. وما أكثر التصريحات التي عبّر فيها القياديون عن تميّزهم، حتى صاروا يتحدّثون عن شعب النهضة و"أكبر حزب في البلاد"... ولا يخفى أنّ مهندسي هذه العلاقة غير النديّة، لا يعتبرون الخصم السياسي شريكاً في السلطة وفي البناء، بل يرونه غير مؤهّل لمنافسة، أكبر حزب في البلاد، فهو الجديد الوافد في عالم السياسة (نداء تونس، تحيا تونس، قلب تونس...) والضعيف على مستوى التمويلات والتكتيك، والأقلّ قيمة في موازين القوى السياسية، وهذه النظرة تعبّر في ذات الوقت،عن تفخيم للذات التي لم تستطع أن تندمج في المجتمع، وتحظى بالقبول التامّ، وعن رغبة في تطويع الآخر، وإخضاعه لخدمة حزب النهضة، الذي يرى نفسه حزباً عريقاً، مرّ باختبارات عديدة، ونجح في التموقع عالمياً.

وما هي مآلات هذه الــ "أنا" المتضخمة؟

دوام الحال من المحال، فهذه الأنا التي تتموقع، باعتبارها الأفضل والأحسن، والأكثر فهماً، في مقابل الآخر الضعيف من حيث الإمكانيات/ الفاقد للشرعية (صفر فاصل)، سرعان ما أُربكت بعد ظهور الحزب الدستوري الحر، الذي لا يفتقر للاستراتيجيات، ولا يعوزه الدهاء والمال، فكلّما تقدّم هذا الحزب، وتمكّنت زعيمته من كسب الأنصار، في نوايا التصويت، اتّسعت دوائر الخوف، ولذا فإنّ المشهدية التي رأيناها في مسيرة دعم الحكومة، والدفاع "عن الثورة"، تعبّر، في تقديري، عن هذه المخاوف، وهذا القلق الذي يسيطر على القيادات، وكأنّها بالتعبئة تردّد: "فليطمئن قلبي"، ها هي الجموع تلبّي النداء، وها أنّ علاقات الولاء والطاعة راسخة، وها أنّ الخطاب ناجع ومؤثر. ولا معنى لنزول الغنوشي، خطيباً في شارع الحبيب بورقيبة في نظرنا، إلاّ للتأكّد من شعبيته التي بدأت تفتر، وتوجيه رسالة إلى القيادات النهضاوية، التي طالبته بالتنحّي، فإذا به يريد أن يثبت لهم، من خلال الاستعراض الخطابي، أنّه مازال قادراً على حشد الجموع، التي أتت زرافات ووحداناً، لتقبّل الأيادي.

وهل يأتي تحالف حركة النهضة، مع ائتلاف الكرامة الراديكالي، نزوعاً تجاه الضغط على المعارضة، ونوعاً من التلويح بالقوة في مواجهة التيار المدني، المتوجس من خطاب الائتلاف، المغرق في الأصولية؟

تثبت البنية القبلية العشائرية، أنّ القبيلة المستضعفة تحتمي بالقبيلة القوية، حتى تضمن البقاء، وتحقّق الأهداف، وتكسب نصيباً من الغنائم، وفي المقابل تكلّف هذه القبيلة الصغيرة، بإسداء نوع من الخدمات، التي لا يمكن للأسياد أن ينهضوا بها، تعفّفاً واحتراماً لموقعهم، أو لأنّهم تحت المجهر.

آمال قرامي لــ"حفريات": التنظيمات الإخوانية فرضت عبودية جديدة على الشعوب العربية

وفق هذا الطرح، تعكس التحالفات الجديدة هذه البنية الذهنية، وهذا التمثل للعمل في المجال السياسي المعبّر عن "البلطجة"، فهو شكل لا علاقة له بمفاهيم العصر، وطرق التعامل وآداب الفعل السياسيّ، ولا نميل إلى توصيف علاقة النهضة بائتلاف الكرامة على أنّها علاقة تحالف الإسلاميين، فالتجارب أثبتت أنّ حزب الائتلاف هجين، ولا يمتّ بصلة إلى بنية تشكل الأحزاب، وهو يوظّف الخطاب الديني التقليدي أو الرجعي، لا للتعبير عن تيار يطرح أفكاراً تنتمي إلى المرجعية الإسلامية، بل كتكتيك سياسي في المناورات السياسية، حتى يساعد حزب النهضة على تحقيق مشروع احتكار السلطة.

هل يعكس هذا الدور الوظيفي، وجهاً آخر لحركة النهضة؟

حين ندرك أنّ النهضة أُجبرت على التموقع؛ باعتبارها تمثل الإسلام الديمقراطي، حتى أنّ راشد الغنوشي ذهب إلى حدّ القبول بالمثلية، واستقطاب الفنانات "الكاسيات العاريات"، وتمكّنت الحركة من تغيير "جلدتها"، فما عاد بإمكانها أن ترهب الأعداء، وتهدّدهم بالمرجعية الإسلامية والأسلمة التامة، لاسيما بعد التطورات الإقليمية، نفهم لمَ لجأت إلى بناء ائتلاف الكرامة، والقيام بتوظيفه، ونقدّر أنّ تأسيس حزب الائتلاف، جاء للتلويح بالوجه الآخر للإسلاميين، فهو ورقة ضغط، واليد التي تبطش عند اللزوم، ومن هنا نفهم لماذا وجد رئيس البرلمان صعوبة في إدانة العنف، الذي يمارسه أصحاب حزب الائتلاف على الآخرين، نساء ورجالاً، إذ كيف يتنكّر الخلّ لخلّه؟ 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية