الحركات السلفية في نيجيريا.. هل تختلف عن بوكو حرام؟

الحركات السلفية في نيجيريا.. هل تختلف عن بوكو حرام؟

الحركات السلفية في نيجيريا.. هل تختلف عن بوكو حرام؟


05/09/2023

مثلها مثل دول غرب إفريقيا؛ شهدت نيجيريا صعوداً ملحوظاً للحركات السلفية، والتي سرعان ما استقطبت شريحة عمرية صغيرة نسبيّاً، في بلد يملك تركيبة دينية معقدة، وتاريخاً أصوليّاً بملامح جهادية يعود منشؤها إلى أواخر القرن الثامن عشر.

عام 1804 تأَسسّت في شمال نيجيريا خلافة إسلامية، على المذهب المالكي، هي خلافة (سوكوتو)، والتي سرعان ما توسعت على حساب القبائل والممالك المجاورة، حتى ضمت ثلاثين إمارة، نجحت في السيطرة عليها، حتى عام 1903، إلى أن سقطت تحت الاحتلال البريطاني، والذي استمر حتى عام 1960.

ومع الاستقلال، وضمن حدود الدولة الوطنية الجديدة، كان الانقسام بين أتباع الديانات: الإسلامية والمسيحية والمحلية شديداً، في ظلّ عدم قدرة أصحاب أيّ منها على تحقيق أغلبية كاسحة؛ حيث أظهر أول تعداد بعد الاستقلال، عام 1963، أنّ نسبة المسلمين بلغت نحو47%، في حين قُدرت نسبة المسيحييّن بنحو 35.5%، أما أتباع الديانات المحلية فتجاوزت نسبتهم الـ 18.3%، موزعين على نحو 250 جماعة إثنية.

ولا يعبّر المجتمع المسلم في نيجيريا عن كتلة سكانية ذات وحدة عضوية متسقة، فهناك حالة من الانقسام المذهبي بين السنّة والشيعة والصوفية، إضافة إلى وجود أنماط من التدين الشعبي، التي تختلط فيها الطقوس الوثنية بالإسلامية، وفي ظلّ هذه الحالة الدينية المركبة، بدأ التيار السلفي في الظهور والتمدد، بدعوى محاربة البدع، ونشر الإسلام الصحيح.

هناك حالة من الانقسام المذهبي بين السنّة والشيعة والصوفية

خريطة الحركات السلفية في نيجيريا

وفق ورقة بحثية مهمّة، قدمها الباحث هارونا حسن (Haruna Hassan)، بعنوان: An" Introduction to Islamic Movements and Modes of Thought in Nigeria"، نشرت ضمن برنامج الدراسات الإفريقية بجامعة (نورث ويسترن) الأمريكية؛ تُعد حركة (يان مدينة) واحدة من أبرز التيارات السلفية، التي باتت تمثل رافداً جديداً للتيار الإسلامي بشكل عام، وهي حركة يشكل الطلاب الذين درسوا الشريعة في الجامعات الدينية، في مكة والمدينة المنورة، قوامها الرئيس، إضافة إلى أولئك الذين تلقوا تعليماً دينيّاً في دول الجوار الإفريقي؛ النيجر وتشاد، ويتميز هؤلاء بإتقان العربية، بشكل متوسط، مع تحصيلهم قدراً من التعليم الديني، لم يكن ممكناً لهم أن يتحصلوا عليه لو ظلوا في بلادهم.

إضافة إلى وجود أنماط من التدين الشعبي، التي تختلط فيها الطقوس الوثنية بالإسلامية، بدأ التيار السلفي بالظهور والتمدد

ينشط أعضاء الحركة بصورة كبيرة في الأوساط الإسلامية، بما يحملونه من أفكار سلفية، وتتعدد أنشطتهم، الدينية والاجتماعيّة والسياسيّة، ويعمل معظمهم كأئمة في المساجد النخبوية، ومدرسين بالمدارس الإسلامية الحديثة، كما ينشط آخرون في العمل كمستشارين دينيين لكثير من رجال الأعمال المنتمين للطبقتين المتوسطة والعليا، كما يتبع الحركة عدد من الجمعيات الأهلية.
تمكّنت الحركة من لفت الانتباه إليها، من خلال نجاحها في استقطاب مجموعة كبيرة من الشباب، وربما يعود ذلك إلى طبيعتها؛ حيث إنّ المكون الرئيس للحركة ينتمي إلى جيل الشباب، ومع الوقت أصبحت هذه المجموعة تُمارس نفوذاً كبيراً، أكثر بكثير مما قد يوحي به عدد أفرادها، أو حداثة أعمارهم.
تشكل هذه المجموعة نخبة سلفية، تختلف عن تلك التي ظهرت مع الحركة التي ظهرت على يد الشيخ إسماعيل إدريس، لـ "إزالة البدع ودعم التقاليد النبوية"، والتي يُشار إليها باسم "إزالة"، رغم أنّ كوادرها تدربوا في البداية في مدارس "إزالة"، واستلهموا تعاليمها، وتُمارس الحركة نشاطها بشكل فعال في مدن: كانو، كادونا، بوتشي، غومبي، كاتسينا، زاريا، وجوس؛ موطن ومقر "إزالة"؛ حيث يبرز تأثيرها بشكل خاص.
إلى جانب حركتي "يان مدينة"، و"إزالة"؛ توجد مجموعة دعوة إلى الإسلام "دعاة"، التي يُديرها الدكتور أمين الدين أبو بكر، والذي يمتلك شبكة علاقات أكاديميّة قوية، وتتمتع المجموعة إلى حدّ ما بتمويل جيد، رغم أنّه؛ أي أمين الدين، يمثل صوتاً معارضاً للتيار السلفي التقليدي.

لا يعبّر المجتمع المسلم بنيجيريا عن كتلة سكانية ذات وحدة عضوية متسقة، فهناك انقسام مذهبي بين السنة والشيعة والصوفية

وفي بوتشي؛ كوَّن الشيخ فانتامي، مجموعة صغيرة، لها نفس التقاليد والخصائص الأيديولوجيّة التي تنتمي إليها حركة "يان المدينة"، هذه المجموعة المحدودة ينتظم فيها أشخاص حاصلون على مختلف الدرجات التعليمية والمهنية، وهم ذوو قناعات متنوعة. على سبيل المثال؛ (فانتامي) حاصل على درجة الدكتوراه في علوم الحاسب الآلي، وهو أستاذ جامعي مساعد، ولديه أسس معرفية جيدة في العلوم الإسلامية، وهو ما جذب متابعين كُثراً إلى حلقات "الدعوة" التي ينظمها.

بشكل عام؛ إنّ علماء "يان المدينة" محافظون جداً في خطابهم، ويسعون إلى التغيير من خلال الوسائل السلمية، وهو ما أدى إلى خلافهم العنيف مع حركة "بوكو حرام"، التي انتهجت العنف كوسيلة للتغيير، ومن السمات المهمة للحركة، تركيزها على التعليم من خلال المدارس الإسلامية الرسمية، التي تقدم مواضيع مدنية، مع التركيز على محاضرات الدراسات الإسلامية، بالإضافة إلى دراسة اللغة العربية.

"طالبان النيجيرية"

بوكو حرام من الاعتزال إلى التطرف

عام 2002؛ أطلقت مجموعة من الشباب السلفي، تجمعت في مسجد في "ميدوجوري"، بياناً جاء فيه، بحسب كتاب "جذور العنف في الغرب الإفريقي: حالتا مالي ونيجيريا": "إنّ الإدارة المدنية والمؤسسة الاسلامية صارتا غير محتملتين، وغير قابلتين للإصلاح، بسبب الفساد"، وأعلنت المجموعة أنّها ستقوم بالهجرة، تأسيّاً بالنبي، عليه السلام، وبالفعل خرجت المجموعة إلى عزلتها بقرية (كاناما)، قرب الحدود مع النيجر، لتؤسس تنظيماً هو الأكثر تشدداً، حاول مع الوقت خلق دولة داخل الدولة، وسرعان ما دخل في مواجهة مع القوات الأمنية؛ بسبب نزاع حول حقوق الصيد، وترتبت على ذلك محاصرة الجيش لهم، وسقوط نحو 70 عضواً من الجماعة قتلى بالرصاص، وهو ما جعل المجموعة تبتعد عن التورط في أيّة مواجهات أخرى مع الدولة، وكان اللافت؛ أنّ الجماعة التي أُطلق عليها محليّاً "طالبان النيجيرية"، ضمت عدداً من أبناء أشخاص من ذوي النفوذ والنخب، حتى أنّ أحدهم كان ابن حاكم ولاية يوبي.

إلى جانب حركتي "يان مدينة" و"إزالة"، توجد مجموعة "دعاة"، التي يُديرها الدكتور أمين الدين أبو بكر

لم تلفت الجماعة ببنيتها المتشددة أنظار القوى الدولية، حتى أنّ تسريبات (ويكيلكس) نشرت وثيقة للسفارة الأمريكيّة في (أبوجا)، انتهت إلى أنّ المجموعة لا تمثل تهديداً دولياً، ولا ترتبط بالتنظيمات الجهادية في أفغانستان.
بعد فترة؛ أنشأ زعيم المجموعة، محمد يوسف، مسجداً خاصاً، وأخذت الحركة في التوسع، بعد أن غضت الحكومة النيجيرية الطرف عن أنشطتها، لتصبح هذه المجموعة نواة التنظيم الأكثر عنفاً في غرب إفريقيا (بوكو حرام).
مع صعود بوكو حرام؛ شنّ الشيخ جعفر محمود آدم، زعيم جماعة "يان المدينة"، في مدينة كانو، هجوماً على الشيخ محمد يوسف، ودارت رحى سجالات فقهية بين الطرفين، انتهت بأن أصدر يوسف أمراً بتصفية الشيخ جعفر جسديّاً، وفي 13 نيسان (أبريل) من العام 2007، وعشية الانتخابات الرئاسية؛ اغتيل جعفر وهو يؤم المصلين في صلاة الفجر، وفي البداية؛ اتهم أنصارُه التيارَ الشيعي بتنفيذ الجريمة، قبل أن يتبن أنّها كانت باكورة أعمال بوكو حرام المتطرفة.
يطرح السؤال نفسه: هل نجح التيار السلفية السلمي في احتواء العنف الأصولي في نيجيريا؟

بحسب هارونا حسن؛ رغم اغتيال الشيخ محمد يوسف، زعيم بوكو حرام، عام 2009، إلا أنّ الأشرطة والأقراص المدمجة التي تحمل تعاليمه وشروحه الدينية ما تزال رائجة، خاصة بين المسلمين المنتمين إلى الهوسا، كما أنّ حالة التقديس للشيخ الشهيد آخذة في التصاعد بين أوساط الشباب، في ظل حالة المعاناة الاجتماعية، والفقر الاقتصادي، الذي صنع رمزاً وهمياً في محاولة للتغلب على الواقع المأزوم.

محمد يوسف؛ مؤسس بوكو حرام

في الوقت نفسه، ورغم أنّ نطاقاً واسعاً من مسلمي اليوروبا في جنوب غرب نيجيريا، يميلون إلى العلمانية أكثر من المسلمين في الشمال، إلا أنّ الدعوات إلى تطبيق الشريعة وجدت طريقها بينهم، ودشنت فروع المجلس الوطني لمنظمات الشباب المسلم في جنوب غرب اليوروبا، سلسلة من الاجتماعات مع مجموعات أخرى، منذ أوائل عام 2000، لوضع إستراتيجية شاملة حول كيفية تطبيق الشريعة، ضمن السياق الديمقراطي الجديد، وعلى سبيل المثال؛ التقى فصيل لاجوس بشكل دوري ممثلي تيارات: أنصار الدين، نور الدين، أنوار الإسلام، المؤتمر الإسلامي، ورابطة المحامين المسلمين في نيجيريا لأكثر من عام، للضغط على المحافظ، أحمد تينوبو، ومجلس الولاية في (لاجوس)، لسنّ قانون المحاكم الشرعية الذي أعدوه، وإدخال الشريعة في قوانين الولاية، كما أقامت ولايتا، أويو وأوسون، محاكم خاصة، وهيئات قضائية مماثلة، وهو ما ساعد على حدوث مشاحنات مع مؤسسات الدولة الرافضة، ونشوب مواجهات حادة، تسلل من خلالها الفكر الجهادي وعبَّر عن نفسه بوضوح، وبشكل يمكن القول معه إنّ التيارات السلفية تختلف مع بوكو حرام، فقط في الجانب الداعي إلى استخدام العنف، وترى أن التمكين يأتي من خلال الدعوة، ونشر الفكر الأصولي على نطاق واسع، قبل أن يتم التهام الدولة لصالح المشروع الأصولي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية