
وثقت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في إيران نحو (38) ألف حالة، وأجرت (285) مقابلة، ووثقت "جرائم ضد الإنسانية" خلال حملة القمع على احتجاجات "المرأة والحياة والحرية" في العام 2022.
ومن المقرر أن تقدم اللجنة تقريرها النهائي إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اليوم الثلاثاء. وقبل (3) أيام من تقديم التقرير للأمم المتحدة زعمت "اللجنة الخاصة للتحقيق في اضطرابات 2022" في إيران أنّها حاكمت (244) من أفراد الأمن.
ومع ذلك، قال خبراء الأمم المتحدة لـ (إيران واير): إنّ هذه الادعاءات لا يمكن التحقق منها، لأنّ إيران لم تقدم أيّ أسماء أو ملفات قضايا أو أحكام قضائية، ممّا يجعلها بلا معنى، بموجب معايير المساءلة الدولية. ولا أحد من الخبراء في بعثة تقصي الحقائق ـ وجميعهم الثلاثة محامون متخصصون في حقوق الإنسان ـ يعتبر ردود لجنة الجمهورية الإسلامية متماشية مع آليات الأمم المتحدة للمساءلة.
تجاهل إيراني
قالت سارة حسين، رئيسة فريق التحقيق: إنّ الخبراء طلبوا مرارًا وتكرارًا زيارة إيران لإجراء تحقيقات ميدانية والتحدث مع الضحايا ومسؤولي الجمهورية الإسلامية، لكنّهم لم يتلقوا أيّ رد. وستكون المساءلة والتعويضات القسمين الرئيسيين في التقرير الثاني لبعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق.
في تقريرهم الأول، أظهر استعراض حالات الضحايا أنّ الجمهورية الإسلامية ارتكبت "جرائم ضد الإنسانية" من خلال "انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان" في قمع المتظاهرين.
وفي تقريرهم الثاني، قدّم خبراء تقصي الحقائق التابعون للأمم المتحدة خارطة طريق لمحاسبة الجمهورية الإسلامية وتعويض الضحايا، وحددوا الالتزام بالحقيقة كخطوة أولى نحو إقامة العدالة.
وقد أسفرت التحقيقات التي أجرتها بعثة تقصي الحقائق على مدى عامين عن جمع (38) ألف دليل، وإجراء أكثر من (285) مقابلة مع المتظاهرين والضحايا وأسر الضحايا. ويعتبر الخبراء الآن أنّ هذه الوثائق تشكل أدلة مهمة لبدء الإجراءات القانونية والتغييرات الهيكلية.
وقالت سارة حسين: "أعتقد أنّ لدينا أساسًا متينًا للغاية توصلنا من خلاله إلى نتائجنا، ونعتقد أنّ هذا في حدّ ذاته عملية نحو المساءلة".
وأضافت: "بالطبع، للمساءلة لا بدّ من إجراءات قانونية. لسنا جهة قضائية ولا جهة مختصة بإصدار أحكام نهائية، لكننا جمعنا أدلة ومعلومات كثيرة يمكن لمن يرفع دعاوى قضائية، سواءً على الصعيد الدولي أو في دول أخرى، استخدامها".
وعلى مدى عامين رفضت إيران الاعتراف بشكل كافٍ بمطالب المساواة والعدالة التي أججت الاحتجاجات في عام 2022. وقامت بتجريم المتظاهرين وأسر الضحايا والناجين، وخاصة النساء والفتيات، ومراقبتهم وقمعهم بشكل مستمر، وهو أمر مثير للقلق العميق، بحسب سارة حسين، رئيسة بعثة تقصي الحقائق. حيث وُجِّهت أعمال اضطهاد ضد ضحايا التعذيب واستخدام القوة وغيرها من الانتهاكات خلال الاحتجاجات وعائلاتهم الذين تعرضوا للترهيب الممنهج؛ لإسكاتهم عن الأذى الذي لحق بهم خلال الاحتجاجات، وضد المتضامنين معهم، مثل المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين. وقد أُجبر العديد من المضطهدين على مغادرة إيران منذ ذلك الحين.
وبالإضافة إلى تكثيف المراقبة، وسعت الدولة القيود المفروضة على الفضاء الرقمي، ووسعت نطاق قمعها إلى ما وراء حدود إيران لإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك الصحفيون الذين يتحدثون من الخارج، بحسب التقرير.
وتعتبر التقارير الجنائية والسجلات الطبية وأحكام المحاكم وتقارير منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، إلى جانب شهادات المتظاهرين والضحايا وعائلاتهم، وثائق تشكل، بحسب الخبراء، أساسًا متينًا لجزء من الطريق نحو المساءلة.
التقرير النهائي يدين إيران
بحسب شاهين سردار علي، فإنّ التقرير النهائي للجنة التحقيق حمّل الجمهورية الإسلامية مسؤولية قتل المتظاهرين والاعتقالات التعسفية، والتطبيق العنيف للحجاب الإلزامي.
وأضافت أستاذة القانون الباكستانية: "إننا نحمّل حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية المسؤولية عن مقتل المتظاهرين، وعن الطريقة التي يتم بها اعتقال الأشخاص بشكل تعسفي، وعن الطريقة التي يتم بها فرض الحجاب الإلزامي".
وتقول فيفيانا كريستسيفيتش، الخبيرة الأخرى في بعثة تقصي الحقائق: إنّ الملاحقة القانونية للجرائم المرتكبة ليست كافية، بل هناك حاجة إلى تغييرات أكبر، بما في ذلك الإصلاحات الهيكلية للقوانين والمؤسسات.
وقالت: "فيما يتعلق بالاستخدام المفرط للقوة، أو الاهتمام القانوني، أو التعذيب، أو الاغتصاب، أو إنكار العدالة، لم يقدموا لنا معلومات حول الحقائق الأساسية التي تدعم الادعاء أو التحقيقات التي أدت إلى تلك الأحكام، سواء كانت جنائية أو إدارية". وأضافت: "ولم يقدموا لنا أيّ دليل يدفعنا لإعادة النظر في استنتاجاتنا بشأن تفشي الإفلات من العقاب. لقد أثبتنا وجود حالة إفلات مزمنة من العقاب في البلاد".
وقامت إيران بإعدام (10) رجال في سياق الاحتجاجات، وما يزال ما لا يقلّ عن (11) رجلاً و(3) نساء معرضين لخطر الإعدام، وتمّ التأكد من استخدام التعذيب لانتزاع الاعترافات، وانتهاك الإجراءات القانونية الواجبة.
وراجعت بعثة تقصي الحقائق المعلومات التي قدمها الضحايا والشهود، وكذلك الحكومة، والتي جُمعت من خلال تحقيقات موسعة، بشأن جهود المساءلة على المستوى المحلي. ووجدت أنّه على الرغم من اتخاذ بعض التدابير، بما في ذلك بعض الملاحقات القضائية لمسؤولي إنفاذ القانون، بتهمة الاستخدام غير القانوني للقوة وحالات دفع تعويضات للضحايا، إلا أنّ هذه التدابير ما تزال متفرقة وغير كافية. والأهم من ذلك، أنّ الدولة أنكرت إلى حد كبير مسؤوليتها عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي وجدت البعثة أنّ بعضها يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية. ويفتقر نظام إيران القضائي إلى أدنى حدٍّ من الاستقلال، حيث لا يُحرم الضحايا وعائلاتهم الذين يسعون إلى المساءلة من العدالة فحسب، بل يتعرضون أيضًا للترهيب والتهديد والاعتقال والملاحقة الجنائية بشكل مستمر.
الفصل العنصري
في أعقاب حركة مهسا أميني، اقترح الناشطون مصطلح "الفصل العنصري بين الجنسين" فيما يتعلق بوضع المرأة في إيران.
ورغم أنّ هذا المصطلح لم يتقرر بعدُ في المصطلحات القانونية الدولية، إلّا أنّ العديد من الخبراء والقانونيين يحاولون إدخاله كمصطلح قانوني في الوثائق الدولية، استنادًا إلى وضع المرأة في أفغانستان.
وأوضحت شاهين سردار أنّ معنى "الفصل العنصري"، ينبع من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حيث كانت كل مجموعة واحدة منفصلة تماماً عن الأخرى من حيث العرق، وتعيشان في عالمين مختلفين. وقد أكد ذلك أيضًا الخبيران الآخران في بعثة تقصي الحقائق.
كما فكر المحامون في مصطلح آخر من منظور قانوني بدلًا من "الفصل العنصري بين الجنسين" لوصف الوضع في إيران.
قالت فيفيانا كريستيسفيتش: "أعتقد أنّ الفصل بين الجنسين هو بناء قانوني قوي للغاية ما يزال قيد التطوير بموجب القانون الدولي، وهو مفهوم مثير للاهتمام يمكن من خلاله النظر وفهم القمع المنهجي للمرأة في بعض السياقات".
أنواع أخرى من القمع
كما واجه خبراء بعثة تقصي الحقائق أيضًا جانبًا آخر من القمع في الجمهورية الإسلامية: استخدام التكنولوجيا للسيطرة على النساء. وأشاروا إلى تطبيق "مراقبة الحجاب" الذي تستخدمه الجمهورية الإسلامية لتتبع النساء اللاتي لا يلتزمن بمعايير الحجاب التي وضعتها الحكومة.
وتوصل خبراء بعثة تقصي الحقائق إلى أنّ الجمهورية الإسلامية استخدمت الأسلحة وأدوات القمع بلا رحمة ضدّ الأقليات العرقية. وأنّ نوعية الأسلحة ومدى القمع وأنواع التعذيب المستخدمة ضدّ الجماعات العرقية كانت أكثر وحشيةً وعنفًا.
وتشير سارة حسين إلى أنّهم قاموا بفحص الاستدعاءات والاستجوابات واستخدام أساليب القمع، وخاصة ضد الأكراد والبلوش.
وقالت شاهين سردار علي: "خلال تحقيقنا وجدنا أنّ الأقليات العرقية والدينية تأثرت بشكل غير متناسب خلال هذه الاحتجاجات، ووجدنا أنّ استخدام الأسلحة والقوة في مناطق الأقليات كان أكثر فتكًا. كان الجو أكثر عسكرةً، ووجدنا أيضاً، على سبيل المثال، أنّ النساء والأطفال من مناطق الأقليات كانوا أكثر تضررًا بشكل غير متناسب، ومن بين الأطفال الذين قُتلوا خلال الاحتجاجات، كان 63% منهم على الأقل ينتمون إلى أقليات عرقية.
وتحدث خبراء بعثة تقصي الحقائق عن الوثائق التي تم تحديدها كأسلحة قمع، مثل الرصاص، وصور الأسلحة المادية، وأمثلة ذكروها في تقاريرهم.
وهناك نقطتان أخريان أثارتا اهتمامهم بشكل خاص؛ إحداهما هي التركيز على "الأسلحة غير الفتاكة"، وهو مصطلح يُطلق على أمثلة مثل بنادق الصيد، والغاز المسيل للدموع، في حين أنّ استخدام هذه الأسلحة كان له آثار لا يمكن إصلاحها على حياة المتظاهرين.
وقالت شاهين سردار علي: إنّ أسلحة القمع ليست مجرد أسلحة مادية، بل تشمل أيضًا التعذيب والعنف الجنسي والاعتقالات التعسفية والمضايقات المنهجية والمحاكمات غير العادلة، والحكم الفوري، وعدم القدرة على الوصول إلى المحامين وحتى التكنولوجيا، وهي أسلحة تمتلكها الجمهورية الإسلامية.