إيران ما بعد مهسا أميني: 5 حقائق تنهي أبدية نظام العمائم

إيران ما بعد مهسا أميني: 5 حقائق تنهي أبدية نظام العمائم

إيران ما بعد مهسا أميني: 5 حقائق تنهي أبدية نظام العمائم


27/12/2022

"لن تموتي يا مهسا، سيظل اسمك حياً". هذه العبارة التي كتبت على شاهد قبر الفتاة الكردية الإيرانية بعدما قتلت على يد أفراد دورية شرطة الأخلاق بسبب ما اعتبره "حجاباً سيئاً"، تبدو نبوءة بينما تكشف عن لحظة قصوى من التغيير السياسي في إيران، الأمر الذي وضع حداً فاصلاً في علاقة السلطة بالمجتمع.

وفي حين شهدت إيران، على مدار العام كما في أعوام سابقة، موجات احتجاج عنيفة، منها التظاهرات بعد رفع أسعار الوقود (نهاية عام 2019)، وكذا الانتفاضة التي جرت على خلفية استهداف الحرس الثوري للطائرة الأوكرانية (عام 2020) وإسقاطها ما تسبب في مقتل جميع الركاب المدنيين (176 راكباً)، فإنّ التظاهرات المندلعة، منذ منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، تكاد تختلف تماماً عن سوابقها بما يؤشر إلى وجود متغيرات جمّة، مع الأخذ في الاعتبار أنّ الفواصل الزمنية بين التظاهرات الأخيرة وما قبلها غير موجودة.

احتدمت المواجهات مباشرة بين فئات مختلفة بالمجتمع الإيراني وأفراد الشرطة بينما كانت الفتاة العشرينية ما تزال ترقد في المستشفى بطهران، والتي نقلت إليها إثر نزيف بالمخ نتيجة ما تعرضت له من تعذيب. ثم جاء إعلان وفاتها وتسريب صور لها يؤكد ما تعرضت له من انتهاكات بالغة ويفاقم من طبيعة الأحداث؛ فانتقلت عدوى الاحتجاجات لغالبية مدن وأقاليم إيران، ومنها مسقط رأس أميني في سنندج، شمال غرب البلاد.

نزع العمامات

من بين المتغيرات التي شهدتها الاحتجاجات الإيرانية بعد مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، ظهور تكتيكات جديدة لمواجهة ملالي طهران، والتي تبدو غير عنيفة أو خشنة. ورغم أنّه في احتجاجات سابقة قام متظاهرن بحرق بعض المراكز الدينية والحوزات، كما حدث في تركستان عام 2018، إلا أنّ حملة نزع العمامات عن رؤوس رجال الدين في الشوارع كانت مؤثرة ولافتة لدرجة كبيرة. هذا التكتيك الجديد والمباغت قد ترافق مع حملات أخرى لحرق الحجاب من قبل ناشطات إيرانيات، الأمر الذي أعطى انطباعاً مباشراً برفض قطاعات واسعة للحكم الديني والتخلص من رموزه الأيديولوجية المفروضة قسراً على المجتمع.

 شيراز: مظاهر الحب في صفوف الشباب الإيرانيين جزء من الاحتجاجات

وشددت وكالة أنباء "فارس" التابعة للحرس الثوري، على ضرورة "مواجهة حازمة ضد كل من يهين ملابس رجال الدين". وقال رجل الدين محمد تقي نقدعلي، عضو مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني، إنّ ظاهرة نزع العمامة من رأس رجال الدين "مؤامرة شيطانية"، وهدّد بأنّ من يفعلون ذلك "يلعبون بذيل الأسد".

إلغاء "شرطة الأخلاق".. مناورة النظام الفاشلة

في ظل سياق عام غلب عليه القمع الدموي، وإحكام القبضة الأمنية في إدارة الأحداث بإيران، ومنها حملات الاعتقال العشوائية والخطف القسري (تحديداً ما جرى بحق الطلبة من داخل السكن الجامعي)، فضلاً عن الإعدامات، فإنّ قرار المدعي العام بإيران، محمد جعفر منتظري، الغامض بإلغاء دورية شرطة الأخلاق، المتسببة في تصاعد موجة التمرد غير المسبوقة، لم ينجح في إنهاء أو حتى تخفيض سقف الاحتجاجات التي اتجهت إلى إضراب شامل.

تلقفت الصحف والمنصات الإعلامية في إيران، سواء الإصلاحية أو المتشددة والأصولية، تصريحات المدعي العام بحرص وتردد شديد؛ حيث إنّ القوى الراديكالية في الجمهورية الإسلامية التي تقف على النقيض من محاولات التهدئة أو انتهاج سلوك غير أمني وإصلاحي، رضخت، مؤقتاً، لهذا الاختبار من دون تأكيد تام أو نفي خالص.

"منظمة العفو الدولية": نشعر بالذعر حيال قيام السلطات الإيرانية بإعدام محسن شيكاري، بعد أقل من 3 أسابيع من إدانته في محاكمة صورية بالغة الجور

وعلقت قناة "العالم" الإيرانية على تصريحات منتظري بأنّ "وسائل إعلام أجنبية حاولت تفسير كلام النائب (المدعي العام) على أنّه انسحاب للجمهورية الإسلامية حول موضوع الحجاب والعفة وتأثرت بأحداث الشغب الأخيرة".

واللافت أنّ الصحف المحافظة، في إيران، عمدت إلى تجاهل تصريحات منتظري، بدون استثناء، بينما ناقشت الصحف الإصلاحية ما ورد على لسان المسؤول الإيراني، وقالت صحيفة "شرق" الإصلاحية: "بينما أعلن المدعي العام أنّه جرى إلغاء شرطة الأخلاق، إلّا أنّ إدارة العلاقات العامة التابعة للشرطة رفضت تأكيد هذا الإلغاء".

الفتيات يقدن الحركة الطلابية

احتجاج الفتيات، في المدارس كما في الجامعات، تخطى مسألة رفض الحجاب القسري عليهن، إلى نبذ النظام السياسي، برمته، وقد وثقت صور عديدة ومقاطع فيديو اضطرار رجال دين متابعة الدراسة أمام الطلبة وهنّ بدون حجاب. هذا الإذعان يكشف عن المكتسبات الحقوقية التي انتزعتها المرأة الإيرانية، مؤخراً. كما أنّ الحركة الطلابية في إيران وسعت أنشطتها الاحتجاجية؛ فقامت بحرق صور المرشد الإيراني علي خامنئي وزعيم الثورة الإسلامية الإمام الخميني، بل وإزالة لافتات تحمل أسماءهم من مؤسسات حكومية ورسمية.

 رجل دين أمام طلبة إحدى المدارس وهنّ بغير حجاب

صمود الحركة الطلابية رغم وحشية القبضة الأمنية الإيرانية بدا لافتاً، حتى إنّ هناك 600 أستاذ جامعي في إيران، أصدروا منتصف الشهر الماضي، بياناً بغية إنهاء "جميع الأوامر التي صدرت ضد الحقوق المدنية للطلاب من دون قيد أو شرط".

المونديال.. أهداف بالجملة في مرمى النظام

كشفت مباريات الجولة الثانية من منافسات المجموعة الثانية لمونديال قطر 2022، الشهر الحالي كانون الأول (ديسمبر)، فجوة هائلة بين النخب الإيرانية والسلطة. ومع رفض المنتخب الإيراني ترديد النشيد الوطني في المباراة التي جمعته بفريق انكلترا (هزم الأول بسداسية نظيفة مقابل هدفين)، ظهرت الضغوطات المتراكمة على المنتخب الذي ظهر في صورة قبل سفره للدوحة مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. لم يصمد الفريق طويلاً أمام قراره الصعب وردد النشيد في المباريات اللاحقة. لكن اللافت أنّ حالة التصدع تتجاوز نتائجها الفريق الإيراني إلى الجمهور الذي خرج واحتفل بخساره المنتخب الوطني، بل هتف ضده. وهو أمر غير مسبوق.

احتجاج الفتيات تخطى مسألة رفض الحجاب القسري عليهن، إلى نبذ النظام السياسي، وقد وثقت صور عديدة ومقاطع فيديو اضطرار رجال دين متابعة الدراسة أمامهن بدون حجاب

وكان المدرب البرتغالي للمنتخب الإيراني، كارلوس كيروش، قد هاجم بشدة المشجعين، وطالبهم بعدم "الخلط" بين الرياضة والسياسة.

 وذكرت صحيفة "كيهان" المقربة من المرشد الإيراني، بأنّ اللاعبين الذين امتنعوا عن ترديد النشيد الوطني "غير وطنيين"، ووصفتهم بـ"عديمي الشرف".

الإعدام وخيار القمع الإستراتيجي لدى "آيات الله"

رغم الأعباء الأمنية المتفاقمة على "آيات الله" في إيران، إلا أنّ القمع الذي تتزايد وتيرته يظل الخيار الإستراتيجي والنهائي؛ إذ إنّ فرص الإصلاح تبدو ضائعة وغير مجدية. ولذلك، اصطفت الكتل الصلبة داخل النظام على ضرورة تطويق الاحتجاجات من خلال تنفيذ الإعدامات بحق عدد من النشطاء من خلال أحكام قضائية مسيسة.

وتشير منظمة العفو الدولية إلى أنّ من بين من تم اعتقالهم خلال الانتفاضة الشعبية 28 إيرانياً على الأقل، منهم 3 أطفال، يتعرضون لخطر الإعدام باتهامات منها "الإفساد في الأرض"، و"الحرابة".

وقد حكم على ستة أشخاص على الأقل ممن قُبض عليهم خلال احتجاجات إيران بالإعدام في محاكمات صورية، بحسب المنظمة المعنية بحقوق الإنسان، لافتة إلى أنّ "سلطات النظام الإيراني تستخدم عقوبة الإعدام أداة للقمع السياسي من أجل خلق الرعب بين المواطنين. وإنهاء الانتفاضة الشعبية".

مطلع الشهر الحالي، تم تنفيذ حكم الإعدام بحق الشاب الإيراني، محسن شكاري. وقال موقع "ميزان أونلاين" التابع للسلطة القضائية الإيرانية، إنّ "محسن شكاري، مثير الشغب الذي قطع شارع ستار خان في طهران يوم 25 أيلول (سبتمبر)، وجرح أحد عناصر الأمن بساطور، أعدم هذا الصباح".

وذكرت السلطات القضائية أن شكاري "مذنب بالعراك وإشهار سلاح بغرض القتل والتسبب بالخوف والإخلال بالنظام وبأمن المجتمع".

غير أنّ ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "منظمة العفو الدولية" دانت الحكم، وقالت: "نشعر بالذعر حيال قيام السلطات الإيرانية بإعدام محسن شيكاري، بعد أقل من ثلاثة أسابيع من إدانته والحكم عليه بالإعدام في محاكمة صورية بالغة الجور. ومع تصرف السلطات الإيرانية بوحشية تتطابق مع تهديداتها العلنية بالتعجيل بإجراءات الإعدام وتنفيذ عمليات الإعدام بسرعة، نخشى أن يكون المحتجون الآخرون الذين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام أو المتهمين بارتكاب جرائم يعاقب عليها بالإعدام معرضين لخطر الإرسال الوشيك إلى حتفهم".

وبعد شكاري نفذت إيران، منتصف الشهر الحالي، حكم الإعدام علانية بحق مجيد رضا رهنورد الذي لم يتخط عمره 23 عاماً بتهمة "محاربة الله" وكذا قتل أفراد من عناصر الأمن، خلال مشاركته في الاحتجاجات الحالية. وهناك ما لا يقل عن 21 شخصاً يواجه عقوبة الإعدام بتهم "محاربة الله" و"الفساد في الأرض".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية