
برزت قضية بيع المساعدات الغذائية التي وصلت إلى السودان خلال الفترة التي أعقبت الحرب، لتكشف وجهاً من الفساد في الحكومة التي يقودها الجيش من مدينة بورتسودان، وبعض ميليشيات الحركة الإسلامية، بعدما رصدت جهات معنية عدم وصولها إلى مستحقيها.
بحسب تحقيق نشرته (سي إن إن)، فإنّ المواد الإغاثية التي تبرعت بها دول في العالم والإقليم للسودانيين، وتسلمتها حكومة بورتسودان، لا تصل إلى مستحقيها، ويتم تسريبها وبيعها في الأسواق.
وتعمل الحكومة التي يقودها الجيش منذ انقلاب عبد الفتاح البرهان على القوى المدنية في 25 تشرين أول (أكتوبر) 2021 بلا رقابة مالية، بعدما تم تجميد عمل المراجع العام في السودان الذي كان معنيًا بمراجعة حسابات مؤسسات الدولة وكشف الفساد وتقديم المسؤولين المتورطين في مثل هذه الجرائم إلى المحاكمة.
وأثبت تحقيق أجراه المركز السوداني للإعلام الديمقراطي نشره في مطلع كانون الثاني (يناير) 2025 بيع الإغاثة التي تسلمتها حكومة بورتسودان من الخارج في الأسواق، ولم توزع على مستحقيها.
وبحسب تقرير لمنظمة الشفافية الدولية صدر في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فإنّه وفق مؤشر مدركات الفساد (CPI) لعام 2024، تجاوز فساد حكومة بورتسودان مستوى الإغاثات العينية والمالية الذي فاق (4) مليارات و(600) مليون دولار.
وبحسب التقرير نفسه، فإنّ الهبات المالية قد تجاوزت 80% من ميزانية الدولة، فضلًا عن إنتاج الذهب الذي وصل حد الاستهتار بموارد السودان، على أيادي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ووزير المالية جبريل إبراهيم، ومحمد بشير أبو نمو وزير المعادن، فقد وصل إنتاج الذهب المتوسط إلى حوالي (20) طنًا شهريًا، لكنّها لا تذهب إلى المصلحة العامة.
وتكشف منظمة الشفافية الدولية في تقرير صدر في تشرين الأول (أكتوبر) 2024 عن أنّ حكومة بورتسودان شهدت على مدى عام ونصف عام من الحرب، فسادًا قد يكون الأكبر على مستوى العالم، ممّا أعاق حصول المواطنين على الخدمات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء والصحة والتعليم، بل يهدد في كثير من الحالات حقهم في الحياة.
وليست الإغاثة وحدها، لكنّ فساد حكومة الجيش السوداني التي ظلت بلا رقيب لأعوام، طال الذهب والنحاس وجوانب أخرى تحدث عنها فاعلون في المشهد السوداني.
وفق مؤشر مدركات الفساد (CPI) لعام 2024، تجاوز فساد حكومة بورتسودان بالتعاون مع الإخوان مستوى الإغاثات العينية والمالية الذي فاق (4) مليارات و(600) مليون دولار.
في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي انتقد القيادي في حزب الأمة القومي السوداني، الدكتور صلاح مناع، حكومة بورتسودان، مشيرًا إلى أنّ الفساد الذي شهدته خلال عام ونصف عام تجاوز بكثير الفساد الذي شهدته حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير والحركة الإسلامية على مدار (30) عامًا.
وكتب مناع، وهو أحد مسؤولي لجنة تفكيك نظام الحركة الإسلامية السابق في السودان، على صفحته في منصة (إكس) متسائلاً عن مصير مليار ونصف المليار من صادرات الذهب، مشيرًا إلى تبعية البنك المركزي لعبد الفتاح البرهان وعمليات طباعة العملة التي تتم عبر وسيط من دولة مجاورة على حدّ تعبيره.
وأضاف أنّ وضع العملة في مقر قائد الجيش يثير العديد من التساؤلات، حيث لا يتم صرف أيّ دولار إلا بعد الحصول على إذن منه. هذه التصريحات تعكس قلقًا متزايدًا حول الشفافية المالية والإدارة الاقتصادية في البلاد، ممّا يثير المخاوف من تفشي الفساد في المؤسسات الحكومية، وفق تعبيره.
والأسبوع الماضي توعد السياسي السوداني مبارك الفاضل المهدي بكشف ما سمّاه فساد حكومة بورتسودان التي يقودها الجيش والحركة الإسلامية، وقال في تغريدة على حسابه الرسمي في منصة (إكس): "يتداول عدد من المراقبين ورجال الأعمال معلومات عن تفشي الفساد في سلطة (بورتسودان) بصورة غير مسبوقة".
وأضاف: "أبلغ دليل على هذا الفساد هو السماح بتصدير كميات كبيرة من النحاس المسروق من كوابل الكهرباء في الخرطوم، وعدد من المدن"، لافتاً إلى أنّ مجلس الوزراء المكلف أوقف تصدير النحاس بعد تدخل الأمن الاقتصادي في السودان، لكن رغم ذلك استمرّ تصدير النحاس بكميات كبيرة بعد حصول المصدرين على استثناءات من جهات عليا.
وطبقًا للأمم المتحدة، يواجه نحو (25) مليون شخص "أكثر من نصف السكان"، مستويات عالية لانعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم ما يربو على (11) مليوناً أجبرتهم الحرب على النزوح داخل السودان خلال عامين من الصراع المحتدم دون التوصل إلى اتفاق يوقف إطلاق النار بين طرفي الحرب، ويبقى الحُلم بعيد المنال، حتى الآن على الأقل، خصوصًا مع رفض قيادة الجيش السوداني كل مبادرات السلام المحلية والدولية.