كيف أعاد سيد قطب النظام الخاص لجماعة الإخوان؟

كيف أعاد سيد قطب النظام الخاص للجماعة؟ (الحلقة الأولى)

كيف أعاد سيد قطب النظام الخاص لجماعة الإخوان؟


15/01/2024

عقب الحكم على الإخوان في عدد من القضايا، وهي قضية تشرين الأول (أكتوبر) 54، وكانون الثاني (يناير) 55، وقضية آذار (مارس) 55، وقضية حزيران (يونيو) 55، بدأت تجري المناقشات داخل السجون حول البرنامج العملي لكيفية الوصول إلى السلطة من جديد، وهل صعود نجم جمال عبد الناصر المستمر يدل على أنّه على حق؟ ماذا يمكن أن تفعل الجماعة معه؟ هل فكرة التنظيم الخاص خطأ من أساسها؟ وهل يمكن أن تعيش الجماعة من غيره؟ هل يمكن أن يكون هناك تنظيم خاص بلا سلاح؟ وفي ركن من أركان السجن الحربي كان هناك (3) ينصتون طويلاً لهذه الحوارات، ويرون أنّه من الممكن عودة التنظيم من جديد، وهم محمد عبد الفتاح رزق شريف، والشيخ عبد الفتاح إسماعيل، وعوض عبد المتعال عوض، وبالفعل عاد التنظيم، لكن بعد خروج سيد قطب الذي ساهم في تكوين تنظيم 1965.

التفكير في إعادة بناء الجماعة

يقول الأستاذ عوض عبد المتعال في مذكراته: "قدر الله ساقني إلى الأستاذ محمد عبد الفتاح، والشيخ عبد الفتاح إسماعيل، وجمعنا بداخل المعتقل في السجن الحربي عام 1955، وقلنا أوّلاً لا بدّ أن نضع هدفاً قريباً وهدفاً بعيداً؛ الهدف القريب أن نوقظ الإخوان بعيداً عن الإخوان المسؤولين، والهدف البعيد أن نتخلص من عبد الناصر، وفكرنا في تكوين مجموعة فدائية حوالي (50) فرداً، وهؤلاء يدرّبون تدريباً معيناً وبشكل معين ليقتلوه".

وتحت فصل بعنوان "وكانت بيعة"، تروي زينب الغزالي، في كتابها (أيام من حياتي) قصة إعادة بعث تنظيم الإخوان المسلمين من جديد، بعد قرار حله إثر أحداث المنشية الشهيرة عام 1954 التي تعرض فيها جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال على يد أعضاء من الجماعة، وتقول: "لما كانت جماعة الإخوان المسلمين معطلاً نشاطها بسبب قرار الحل الجاهلي لعام 1954، كان ضرورياً أن يعود إحياء هذا النشاط، لكنّه بالطبع سيكون سرّياً"، وتروي كيف كان لقاؤها بعبد الفتاح إسماعيل، قائلة: "بعد ركعتي الطواف، جلسنا خلف بئر زمزم بالقرب من مقام إبراهيم، وأخذنا نتحدث عن بطلان قرار حل جماعة الإخوان المسلمين ووجوب تنظيم صفوف الجماعة وإعادة نشاطها. واتفقنا على أن نتصل، بعد العودة من الأرض المقدسة، بالإمام حسن الهضيبي، المرشد العام لنستأذنه في العمل. فلما هممنا بالانصراف، التفت علي عبد الفتاح، وقال: (يجب أن نرتبط هنا ببيعة مع الله على أن نجاهد في سبيله، ولا نتقاعس حتى نجمع صفوف الإخوان، ونفاصل بيننا وبين الذين لا يرغبون في العمل أيّاً كان وضعهم ومقامهم)، وبايعنا الله على الجهاد والموت في سبيل دعوته".

كتاب (أيام من حياتي) لزينب الغزالي

وكان الاتصال بالسجن، بوساطة عبد الفتاح إسماعيل وزينب الغزالي وحميدة قطب شقيقة سيد قطب، ويقول أحمد رائف صاحب كتاب (البوابة السوداء): "كان الشيخ عبد الفتاح إسماعيل يرتب لقاءً مع المرشد العام عبر الحاجة زينب الغزالي، وبدأت التحركات للمّ شتات الإخوان من جديد، على مستوى محافظات مصر كلها، بتوجيهات وتعليمات تصل من داخل السجن.

خرج سيد (قطب) من السجن، واتصلوا به، وطلبوا منه أن يتولى رعاية التنظيم الوليد والإشراف على تنظيمهم وعلى تربية أفرادهم، وأعطوه فكرة عن أنّهم منتشرون وأنّ عددهم حوالي (300) فرد

ويعترف محمد بديع، الذي سيصبح مرشداً للجماعة فيما بعد، في التحقيقات معه قائلاً: في عام 1962 كان عبدالفتاح إسماعيل يحضر أحياناً الاجتماعات، وكان بيتكلم عن الفساد في البلد، مثل المسارح والسينمات وعرضها للأفلام الخليعة وبرامج التلفزيون، وما يحدث من اختلاط فى المصايف والاختلاط في الجامعة، وتوظيف البنات والسيدات وخروج النساء عرايا في الشارع، وأنّ الحكومة  كافرة لا تطبق الإسلام، لأنّها لا تحكم  بالكتاب والسنّة، وتعتنق مبادئ الاشتراكية، وتأكدت في هذا اليوم أنّ سيد قطب يعلم جيداً أعضاء التنظيم وعلى تواصل معهم.

تكوين القيادة وبدء التدريب

يقول علي عشماوي في مذكراته: إنّ الأستاذ سيد قطب أخبره أنّ الأستاذ منير دلة أخبره بأنّه متخوف من تحرك بعض الشباب، ويخشى أن يكونوا مندسين على الإخوان، كذلك علم أنّ المهندس مراد الزيات صهر الأستاذ صلاح شادي عنده هذا الخوف أيضاً، وقد وصله هذا الخوف وتلك المعلومات من الأستاذ صلاح شادي، لكنّ الأستاذ سيد قطب طمأن علي عشماوي، وقال له إنّه سيعالج هذا الموضوع مع كل من الأستاذ منير دلة والمهندس مراد الزيات، وطلب الأستاذ سيد من علي عشماوي أن يترك هذا الأمر له تماماً، وسوف يعالجه .

وأشار سيد قطب في كتابه (لماذا أعدموني) إشارة عابرة إلى هذا الموضوع، تفيد أنّ كلّاً من الأستاذ منير دلة، والأستاذ محمد فريد عبد الخالق، والأستاذ صلاح شادي، وصهره المهندس مراد الزيات، والأستاذ عبد الرازق هويدي، كانوا يعرفون وجود تنظيم، ولكنّهم لا يوافقون عليه إطلاقاً، بل يتخوفون منه كثيراً.

في هذه الأثناء كلف المرشد الهضيبي الأستاذ عبد العزيز علي أحمد بتولي القيادة، يقول أحمد عبد المجيد: كان يريد عبد العزيز توسيع دائرة هذا العمل وتعميقه، وكان يحاول أن يجعلنا نتعامل جميعاً في جمع المعلومات كعمل أساسي للتنظيم، وقد أعطاه الأهمية الأولى، ثم تحدث عن لقاءاتنا بإخواننا وأنّها لا ينبغي أن تكون طويلة، لكن اجتماعات خاطفة مثل التي يديرها معنا، وأنّ هذا في رأيه أكثر أمناً للتنظيم، لكنّي قلت له إنّ هذا الأسلوب لا يصح، خاصة مع تنظيم المفروض فيه أنّه عقائدي، وفي أحد الاجتماعات أخبرنا أنّه لكي يأخذ التنظيم شكله الصحيح فإنّه مطلوب أن نسلمه كشفاً بأسماء جميع الإخوة الموجودين في التنظيم وعناوينهم على مستوى الجمهورية، لكنّ ذلك أصابنا بالذهول.

بدأ قطب في مهمته التربوية مرة كل أسبوع على الأقل، واستطاع أن ينشئ تصوراً اعتقادياً جديداً، واستمر على هذه الحال حتى اعتقل في 9 آب 1965

وبدأت الاتصالات الأولى بسيد قطب من داخل السجن، عن طريق أخته حميدة قطب، التي تنقل توجيهاته إلى زينب الغزالي. واقترح عبد الفتاح إسماعيل اسم سيد قطب، وزاره في سجنه في مستشفى (ليمان طره)، وكانت هناك عروض جدية من بعض المقيمين في السعودية في توريد السلاح عن طريق بلدة (دراو) في الصعيد، لكنّ قطب طلب تأجيل هذا، ويشير علي عشماوي إلى ذلك، وأنّهم وصلتهم رسالة من سيد قطب عن طريق أخته ومنها إلى الحاجة زينب الغزالي، وهي رسالة مطولة من (12) صفحة عن وجوب تصحيح العقيدة والمفاهيم في الإيمان والعمل والحركة بهذا الدين.

وبعد خروج سيد (قطب) من السجن، اتصلوا به، وطلبوا منه أن يتولى رعاية التنظيم الوليد والإشراف على تنظيمهم وعلى تربية أفرادهم، وأعطوه فكرة عن أنّهم منتشرون بين الإخوان على مستوى القطر، وأنّ عددهم حوالي (300) فرد، وأنّ عندهم أسلحة، وبعض المتفجرات، وأنّهم في سبيلهم للحصول على كميات أخرى من السلاح، وذلك للقيام بعمل عنيف لتغيير الحكم، وكان ذلك في آذار (مارس) 65.

ذهب قطب إلى المرشد حسن الهضيبي وأخبره، وانتهيا إلى أن يتم وضع برنامج تربوي لهم. وتروي زينب الغزالي حين كانت تصلهم التوجيهات مباشرة، وتقول: "رأينا خلال فترة الإعداد التربوي أن يكون هناك مستشار يشرح ويوضح لنا توجيهات سيد قطب وتعليماته"... و"لذلك قررنا، ورأينا أن يكون الأستاذ محمد قطب هو مرجعنا، وبإذن من المرشد الهضيبي كان الأستاذ محمد يأتي بشكل دوري إلى بيتي في مصر الجديدة، ليوضح للشباب ما غمض عليهم فهمه. وكان الشباب يستوضحونه ويسألونه أسئلة كثيرة يجيب عنها".

أمّا أحمد عبد المجيد، فلا يذكر شيئاً عن الاتصالات الأولى مع سيد قطب داخل السجن، ويقفز على الأحداث ويتكلم مباشرة عن فترة ما بعد خروج سيد قطب في عام 1964 من السجن، قائلاً: سأل الأستاذ المرشد عن العدد فأجيب بأنّهم ما بين (300 إلى 350) شخصاً، فقال : أنا لا أتصور أنّه في مصر (300) رجل، فما بالك بـ (300) رجل مسلم.

ولمّا أثار سيد قطب موضوع الإخوان المخالفين لنا في (الرأي) والسابق ذكرهم قال: إنّ فلاناً حضر إليّ عدة مرات يشكو من ذلك، وقال: إنّ هؤلاء هيودوا الجماعة في داهية، ويشكون من خطورة كتاب المعالم فاجأب المرشد: "أنتم خايفين من إيه، وجماعة إيه اللي أنتم خايفين عليها، ما أنتم موتوها طول الـ (10) أعوام، هو أنتم فاكرين اللي قدمتوه هو ده كل شيء، دا المسيحيين على خلاف بينهم مات منهم ييجي (60) ألف... دا الفلاحين بيموت منهم (20) أو (30) في أكلة... إذا كنتم خايفين على أنفسكم، ما تسيبوا الشباب اللي عايز يعمل ويستشهد في سبيل الله، ناس عايزين يستشهدوا، ماتسيبوهم يستشهدوا، وأنا قرأت المعالم، وأنتم خايفين من إيه، هو مكتوب عليه اسم المؤلف وألا منشورات الإخوان؟"، وأخيراً طلب سيد قطب من المرشد أن يكفوا من الكلام عن الإخوان (يقصد التنظيم)، فقال: سأفعل إن شاء الله. والتقى الرجلان (المرشد وسيد قطب) للتفاهم والتشاور في بعض الأمور، وخرج من عنده في المرة الثانية، وبدأ يمارس عمله الجديد في قيادة هذا التنظيم الوليد.

مواضيع ذات صلة:

كيف تأثر خامنئي بأفكار سيد قطب؟

مؤتمر المكتب العام للإخوان: ترسيخ النظام الخاص القطبي

نظرات في حقيقة الاستعلاء الإيماني عند سيد قطب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية