أهازيج رمضان بين صعود الإخوان ومقاومة الهوية المصرية

أهازيج رمضان بين صعود الإخوان ومقاومة الهوية المصرية

أهازيج رمضان بين صعود الإخوان ومقاومة الهوية المصرية


15/03/2025

لطالما كان شهر رمضان في مصر مناسبة دينية واجتماعية لها سمات فريدة، تجمع بين الطقوس الدينية والاحتفالات الشعبية. ومع ذلك تأثرت هذه الاحتفالات بظهور الإسلام السياسي في الساحة المصرية، حيث شهدت مظاهر رمضان تغيرات ملحوظة؛ تبعاً للفترات التي شهدت نفوذاً متزايداً للتيارات الإسلامية في المشهد السياسي. فكيف أثّر الإسلام السياسي على الاحتفالات الرمضانية في مصر؟

تغير طبيعة الاحتفالات الرمضانية

قبل تصاعد نفوذ حركات الإسلام السياسي كان شهر رمضان في مصر يتسم بأجواء احتفالية، تجمع بين المظاهر الدينية التقليدية والعادات الاجتماعية بأبعادها الثقافية، وفقاً لخصوصية التدين المصري، فحرص المصريون على أداء فريضة الصوم، وصلاة التراويح، كما حرصوا على العادات الاجتماعية المحببة، مثل: التزاور والسمر وموائد الرحمن، وتعليق الزينة والفوانيس، والاستمتاع بالمدائح النبوية، والعروض الفنية. كانت الأسواق تمتلئ بزينة رمضان، وكان الأطفال يحملون الفوانيس ويغنون الأغاني الشعبية. كما كانت السهرات الرمضانية عامرة بالمجالس الأدبية والفنية، التي تستضيف نخباً من المثقفين والمبدعين. لكن مع صعود تيارات الإسلام السياسي تغيرت طبيعة هذه الاحتفالات في بعض الفترات، وبرزت محاولات لجعل المظاهر الدينية أكثر حضوراً على حساب المظاهر الثقافية والترفيهية. واختفت مع الوقت بعض أشكال الاحتفال مثل بعض الفعاليات الفنية، وزاد التركيز على الدروس الدينية، وخطب المساجد التي تسلط الضوء على الجوانب العقائدية أكثر من الجوانب الاجتماعية. وانتشرت دعوات تحريم الترفيه، وبلغ الأمر حدّ تحريم المظاهر الاحتفالية، وتجريد الشهر من امتداداته الاجتماعية والثقافية التي توارثها المصريون منذ العصر الفاطمي.

لطالما كان شهر رمضان في مصر مناسبة دينية واجتماعية لها سمات فريدة، تجمع بين الطقوس الدينية والاحتفالات الشعبية

دور جماعة الإخوان المسلمين

مع توسع نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، في أعقاب الربيع العربي، ظهرت جهود متعددة لأسلمة مظاهر الاحتفال برمضان. وركزت الجماعة على تعزيز الطابع الديني؛ عبر المحاضرات والدروس الدينية المكثفة، وتشجيع الأنشطة الاجتماعية التي تخدم أجندتها الدعوية. كما زادت الجماعة من موائد الرحمن التي تحمل طابعاً سياسياً، حيث كانت تُستخدم لاستقطاب الدعم الشعبي والترويج للجماعة. وكثفت الجماعة من الأنشطة الخيرية التي تقدم المساعدات للفقراء، لكنّها كانت مرتبطة بالدعاية السياسية، واستخدمت في ترسيخ وجود الجماعة في الأحياء الشعبية والمناطق الريفية. وأثرت الجماعة أيضاً على بعض الأنشطة الثقافية من خلال فرض رقابة غير مباشرة على الفعاليات العامة، وكانت تحاول إضفاء الطابع المحافظ على أجواء شهر رمضان. على سبيل المثال نظمت الجماعة حفلات إفطار جماعية في عدة محافظات بحضور ممثلي القوى والتيارات السياسية، حيث تم الترويج لأفكارها وسياساتها، ومارس أنصارها ما يشبه الحسبة، عبر المرور على المقاهي الشعبية، وتحريم الجلوس عليها.

التأثير على الفنون والترفيه

لعب الإسلام السياسي دوراً في التأثير على الأنشطة الثقافية والفنية خلال شهر رمضان، وشهدت بعض الفترات دعوات لتقليل البث التلفزيوني للبرامج والمسلسلات الترفيهية، والتركيز على البرامج الدينية. وتأثرت حفلات الإنشاد والموسيقى الرمضانية، وتراجع ظهور الفرق الغنائية والاستعراضية في بعض الفترات لصالح العروض ذات الطابع الديني المحافظ. وظهرت دعوات لمنع بعض الفنون التي تعتبرها التيارات الإسلامية غير مناسبة لروح الشهر الكريم، ممّا أدى إلى اختفاء بعض الفعاليات الفنية التقليدية، مثل عروض السيرك والمسارح الشعبية التي كانت جزءاً من الاحتفالات الرمضانية في مصر. 

وفي العام 2013 شهدت وزارة الثقافة احتجاجات من الفنانين والمثقفين ضدّ محاولات "أخونة" الوزارة والتضييق على الفنون، ممّا أدى إلى اعتصام وزارة الثقافة الذي كان من بين الشرارات التي مهدت لانتهاء حكم الإخوان في مصر.

في العام 2013 شهدت وزارة الثقافة احتجاجات من الفنانين والمثقفين ضدّ محاولات "أخونة" الوزارة والتضييق على الفنون

التغيرات في الشوارع والموائد الرمضانية

ساهم الإسلام السياسي في تغيير بعض المظاهر الرمضانية في الشارع المصري؛ حيث زادت الفعاليات الدينية والموائد الخيرية المدعومة من الأحزاب الإسلامية، وشهدت بعض المناطق محاولات لمنع الاختلاط في الاحتفالات العامة، أو تقييد بعض العادات الشعبية التي كانت سائدة مثل: المسحراتي، والاحتفالات الشبابية الليلية. كما تمّ استبدال بعض الأنشطة التقليدية بأنشطة ذات طابع ديني أكثر تشدداً، مثل: المسابقات الدينية ومحاضرات العلماء المؤيدين للحركات الإسلاموية. وبرزت محاولات لتقييد بعض أشكال الاحتفال التي كانت تشمل الأناشيد والمهرجانات الشعبية، وتمّ فرض رؤية دينية محافظة ومؤدلجة على الأجواء العامة.

تراجع التأثير بعد 2013

بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في العام 2013 تراجعت محاولات أسلمة الاحتفالات الرمضانية، وعادت الفعاليات الثقافية والترفيهية بقوة إلى المشهد المصري، الذي استعاد القدرة على التنفس، وشهد الشارع المصري، بالتزامن مع الاحتفالات التقليدية، حالة من البهجة المفرطة مع قدوم شهر رمضان، وبرزت حملات رسمية لتأكيد الهوية الثقافية لشهر رمضان، بعيداً عن الطابع السياسي، وعادت الفوانيس التقليدية إلى الواجهة، كما استعادت المساجد دورها التقليدي، دون فرض خطاب ديني مسيّس، واستعادت الدراما الرمضانية مكانتها ورونقها في المجتمع، وأصبحت المسلسلات والبرامج الترفيهية من جديد جزءاً أساسياً من الثقافة الرمضانية المصرية.

ومن الواضح أنّ صعود الإسلام السياسي أثّر على الاحتفالات المصرية الراسخة في شهر رمضان، حيث شهدت بعض الأعوام تغيرات في الطابع الثقافي والديني خلال فترات صعود الإخوان والسلفيين. ومع تراجع نفوذ الإسلاموية استعادت الاحتفالات الرمضانية الكثير من تقاليدها المتوارثة، ممّا يعكس العلاقة المتغيرة بين الدين والسياسة في مصر. ويظل شهر رمضان في مصر مناسبة فريدة، تمزج بين العبادة والاحتفال، الأمر الذي يعكس هوية المجتمع المصري المتعدد الثقافات والاتجاهات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية