ترجمة: علي نوار
ما تزال منطقة المغرب العربي (الجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا وتونس) تشهد، حتى اليوم، وجود موطئ قدم للجهاديين؛ حيث تنشط جماعات وخلايا جهادية تمثل تهديداً كبيراً أو محدوداً للدول، لكنّها في جميع الحالات تجتذب اهتمام السلطات؛ ففي ساحة تعاني غياب الاستقرار إلى حدّ بعيد، مثل؛ ليبيا، تتمتع الجماعات الجهادية بوجود قويّ، ويتنامى نفوذها، بينما في دول أخرى، مثل؛ المغرب والجزائر وتونس، تواجه السلطات كافة صور هذا التهديد منذ أمد بعيد، أما في موريتانيا؛ فقد ظهرت الجماعات الجهادية إلى النور قبل أعوام معدودة، رغم أنّ التهديد الذي تمثّله وتغلغلها الحثيث في دول الجوار بمنطقة الساحل الغربي تدفع لا محالة للتفكير بصوة جدّية في هذا التحدّي.
الجزائر
دقّ مصرع سبعة عسكريين على يد جماعة جهادية في منطقة بيسي بدائرة عزابة، الواقعة بولاية سكيكدة الجزائرية، حيث تقود جميع المؤشرات إلى أنّ تنظيم القاعدة في المغرب أعاد تنظيم صفوفه، ناقوس الخطر، في 30 تموز (يوليو)، الصيف الماضي، بالنسبة إلى السكان والسلطات، مذكّراً إياهم بأنّ "بقايا" التهديد، أو هكذا كان يوصف منذ أعوام طوال، ما يزال قائماً.
تعتقد بعض المصادر بأن أمير تنظيم القاعدة في المغرب "أبو مصعب عبد الودود" متواجد داخل الأراضي التونسية
تقع سكيكدة في قلب منطقة عسكرية مركزها هو مدينة قسنطينة، ولقي هؤلاء العسكريون مصرعهم أثناء مواجهة راح ضحيتها أيضاً أمير مجموعة "كتيبة الغرباء"، حمودي عمار، الملّقب بـ "محمد أبو ضرار"، وثلاثة من رجاله.
ويذكّر هذا الهجوم الدموي بأنّ الجماعات المتطرفة لا توجد فقط في أقصى الجنوب، على الحدود مع دول منطقة الساحل؛ بل تشن أحياناً الضربات في الشمال مستغلّة حالة الفوضى التي تعاني منها كل من تونس وليبيا. وتعد الحدود الجزائرية-التونسية همزة الوصل بين الجماعات والخلايا الجهادية، وتعتقد بعض المصادر بأن أمير تنظيم القاعدة في المغرب، عبد المالك دروكدال، المُكنّى "أبو مصعب عبد الودود"، متواجد داخل الأراضي التونسية؛ حيث ربما يكون قد أصدر منها تعليماته التي نفذّها حمودي عمار ومجموعته بالهجوم على الجيش خلال الصيف الماضي.
اقرأ أيضاً: مشهد الجهادية الصومالية.. قراءة في الأيديولوجيا والأنماط الفاعلة الرئيسة
في سياق آخر؛ لقي طفل مصرعه، وتعرض خمسة أشخاص آخرين لإصابات خطيرة، في 20 آب (أغسطس) الماضي، نتيجة انفجار مقذوف مخفي قرب معسكر للجيش بمنطقة تامزيابت في مدينة البويرة، بعد استحضار هذه الوقائع المفجعة؛ من الضروري أيضاً إبراز أنّ الجهادية تنعكس اليوم في الجزائر في صورة تدفق لا يتوقّف من المتطرفين الذين يجري القبض عليهم أو تسليمهم، وترسانات الأسلحة التي يكتشف أمرها عناصر الجيش أو الشرطة، بشكل عام، في أقصى جنوب البلاد، رغم رصد بعضها في مناطق أخرى بالداخل الجزائري، وكل ذلك بينما يتعين على الدولة بذل مجهود هائل ومستدام، في الوقت ذاته، لتأمين الحدود الملتهبة الفاصلة عن مناطق غارقة في حالة من انعدام الاستقرار، سيما جنوباً (الساحل)، وشرقاً (ليبيا)، وقد يكون صحيحاً أنّ عدد العمليات التي تسفر عن القضاء على إرهابيين شهد تراجعاً، مقابل ارتفاع عدد العمليات التي تنتهي باستسلامهم وأسرهم، وهو الاتجاه الذي يمكن ملاحظته بمقارنة حصيلة عامين 2017 و2018.
اقرأ أيضاً: الحركات الجهادية في إفريقيا... تحالف وتقاتل وعنف
ولتوضيح هذا التحوّل تجدر بنا الإشارة إلى أنّه، في شهر واحد فحسب، أيلول (سبتمبر) 2017، ألقي القبض على 19 شخصاً لانخراطهم في صفوف جماعات متطرفة، وستة آخرين لضلوعهم في الهجوم الذي استهدف مقرّ دائرة الأمن في منطقة تيارت، ومصادرة عدد كبير من الأسلحة بحوزتهم، أما في أيار (مايو) 2018؛ فقد سلّم خمسة إرهابيين أنفسهم وأسلحتهم للسلطات، منهم ثلاثة في مدينة تامنرست، واثنين آخرين في سكيكدة بالشمال، فيما تمّ تفكيك تسع قنابل منزلية الصنع بمدينة تيزي وزو عاصمة منطقة القبائل، وفي الثاني من كانون الأول (ديسمبر) 2018، سلّم إرهابي نفسه في تامنرست ثم سلّم آخر نفسه، في 10 شباط (فبراير) 2019، بعين أميناس، التي شهدت، في كانون الثاني (يناير) 2013، هجوماً مؤلماً من قبل الجهاديين بالسيطرة على حقل غاز في تيقنتورين، بالمثل، في شباط (فبراير) 2019، وفي مدينة أدرار الجنوبية على الحدود مع مالي، اكتشفت وحدات عسكرية مخزناً ضخماً للأسلحة الخفيفة وكميات هائلة من الذخائر (13 قذيفة هاون عيار 82 ملم، وخمسة صواريخ طراز "بي إم-21" عيار 122 ملم وأنواع أخرى)، كما تسنّى تفكيك مخزناً آخر، في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بمنطقة برج باجي مختار الحدودية، جنوب الجزائر أيضاً.
اقرأ أيضاً: النسائية الجهادية.. هل هي حقاً ظاهرة عابرة؟
ورغم العمليات الإرهابية وضغط الجماعات المسلحة الجهادية السلفية، إلا أنّه لا يجب التغافل سواء في الجزائر، أو باقي دول منطقة المغرب العربي، عن دراسة وتحليل صور العنف المتطرف، ونشير بذلك إلى الترويج لهذه الأيدولوجية عن طريق أشخاص وجماعات وأحياناً عبر قنوات تلفزيونية، مثل شبكة "النهار تي في" بالجزائر، بهدف إحداث عملية إعادة أسلمة للمجتمع ما يؤدّي لتوفير الظروف المواتية لنشر الفكر الإسلاموي الأصولي، لكنّ الخلفية تتضمن كذلك عاملاً مثل موقف جهات من بينها مجلس أئمة الجزائر ووزارة التعليم، التي تقودها الوزيرة نورية بن غبريط، الرافض لتنفيذ الحدّ الأدنى المطلوب من إصلاح التعليم، الذي تسعى هذه التيارات للإبقاء عليه كما هو، وإضفاء نزعة رجعية عليه؛ حيث تظل الأولوية لتدريس اللغة العربية، وإهمال دراسة مواد مثل العلوم الطبيعية أو الفيزياء.
اقرأ أيضاً: كيف وظفت السلفية الجهادية مفهوم الطاغوت في القرآن الكريم؟
ويحدث الأمر نفسه، مع كثرة ظهور رجال دين ذي خلفية سلفية على وسائل الإعلام، وأبرزهم ربيع المدخلي، وكذلك في عدد من المساجد بمختلف أنحاء البلاد، على الجانب الآخر؛ ظهر الحضور والضغط الاجتماعي لجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، ممثلة في حركة (مجتمع السلم) ذات الخبرة، حركة (النهضة) سابقاً، بوضوح في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، في صورة التصريحات التي أدلى بها زعيم الحركة عبد الرزاق مقري، وأبدى خلالها رفضه لزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للبلاد.
ليبيا
رغم سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، في الفترة بين حزيران (يونيو) 2015 وكانون الأول (ديسمبر) 2016، على مدينة سرت الساحلية وطرده منها لاحقاً بعد هزيمته، إلّا أنّ براعم التنظيم ما تزال تنمو في البلاد، سيما في الجنوب، لكنّه ما يزال يوجّه ضرباته بشكل دوري في أجزاء أخرى، ويبدو أنّ هدف التنظيم يتمحور حول الاستمرار في البقاء وفتح مزيد من الجبهات، وفي الوقت ذاته؛ استقطاب مقاتلين جدد، وقد شنت قوات المشير خليفة حفتر، منتصف كانون الثاني (يناير) 2019، حملة موسّعة بهدف تطهير الشطر الجنوبي من البلاد من الوجود الإرهابي.
ليبيا تعدّ تربة خصبة للجهاديين منذ وقت بعيد، ووصل الأمر إلى إعلان داعش قيام ثلاث ولايات على الأراضي الليبية
وكان داعش قد أعلن، في 23 شباط (فبراير) 2018، عبر وكالته "أعماق" مسؤوليته عن هجوم استهدف عناصر من قوات حفتر في اليوم السابق بشرق البلاد، لكنّه لم يفصح عن عدد الضحايا، وتعد هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن اعتداء، منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2017، لكن في الربيع التالي؛ أعلنت حكومة الوفاق الوطني عن عملية كبرى لمكافحة الإرهاب أطلق عليها اسم (عاصفة الوطن)، بيد أنّ أكثر اعتداء مؤثر على مدار 2018 كان ذلك الذي نفّذه انتحاريان في الثاني من أيار (مايو) حين أطلقا النار قبل أن يفجّرا نفسيهما داخل مقر اللجنة الوطنية العليا للانتخابات في طرابلس، قتل داعش في هذا الهجوم 16 شخصاً، وأصاب 19 آخرين، وكان هذا هو أسوأ هجوم تتعرض له العاصمة منذ ذلك الذي استهدف فندق كورنثيا، في كانون الثاني (يناير) 2015، وراح ضحيته 10 قتلى، وذلك الذي أودى بحياة ستة عسكريين وإرهابي، في 23 آب (أغسطس) 2018، أثناء هجوم على نقطة أمنية في وادي كعام، على بعد 65 كلم شرق طرابلس، على الطريق الواصل بين الخمس وعاصمة البلاد؛ فقد هاجم ثلاثة أشخاص ذكرت السلطات أنّهم أفراد تنظيم داعش العسكريين بأسلحة آلية من سيارة، وقُتل أحدهم بينما تمكّن الاثنان الآخران من الفرار، ثم -وفي 21 تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه؛ شنّ تنظيم داعش هجوماً على منطقة الفقهاء، الواقعة في إحدى واحات جنوبي الجفرة ليسيطر عليها طيلة عدة ساعات وقتل في بداية عمليته أربعة أشخاص وأصاب سبعة آخرين، بعدها بشهر تقريباً، وتحديداً في 23 تشرين الثاني (نوفمبر)، لقي تسعة شرطيين مصرعهم واختطف 11 آخرين، في منطقة تازربو، الواقعة على مبعدة ألف و500 كلم جنوب طرابلس، و800 كلم جنوب بنغازي، وأعلن داعش مسؤوليته عن الحادث، عبر وكالته "أعماق". وفي العام الجاري، في السادس من شباط (فبراير)، في منطقة أم الأرانب جنوب ليبيا، قتل التنظيم أحد عناصر الشرطة المدنية، وأثناء عملية ملاحقة أفراد الخلية الإرهابية لقي أربعة جنود مصرعهم قبل تحييد أفراد هذه الخلية.
اقرأ أيضاً: بهذه الكلمات وصف منظّر السلفية الجهادية أردوغان
لكن علاوة على إرهاب داعش وجماعات وشبكات أخرى، يبرز تحدّ آخر بالنسبة إلى أمن هذه البلاد، يتمثّل في العنف الذي انتشر بصورة وبائية منذ سقوط نظام العقيد الراحل، معمر القذافي، عام 2011، وظهر ذلك في صورة المعارك الدامية بين عدد من الفصائل الليبية بالأسلحة النارية جنوب طرابلس، بداية من 28 آب (أغسطس)، ما أسفر عن حصيلة مبدئية أربعة قتلى على الأقل وعشرات المصابين، وهي الأرقام التي لم تتوقف عن الارتفاع على مدار الأسابيع التالية، وخلال تلك الفترة؛ دعت مهمة الأمم المتحدة لدعم ليبيا (أونسميل) مراراً وتكراراً إلى وقف الاشتباكات، وهو ما تحقق بشكل ما عن طريق (اتفاق الزاوية لوقف إطلاق النار) في الرابع والتاسع من أيلول (سبتمبر).
اقرأ أيضاً: الجماعات الجهادية...هل هي شكل جديد للاستعمار؟
لكنّ هذا الاتفاق تعرض للخرق سريعاً، ليسقط عدد كبير من الضحايا بين قتيل ومصاب في الأيام اللاحقة، وعادت المشكلة لتطفو على السطح من جديد، بعدها بأشهر، في كانون الثاني (يناير) 2019، مع تكرار التحذيرات من إمكانية تجدّد المواجهات بين الفصائل المسلحة في طرابلس، وهو السيناريو المواتي دائماً لاستمرار وجود الخطر الإرهابي، وتأكّدت المخاوف بالفعل سريعاً مع نشوب المعارك من جديد بين الفصائل المسلحة، في 17 كانون الثاني (يناير)، ومصرع ستة أشخاص، وإصابة 30 آخرين، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ رئيس بعثة (أونسميل) اللبناني، غسان سلامة، كان قد أكّد، في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي؛ أنّ العنف المستشري في ليبيا جراء المعارك المستمرة بين الفصائل المتناحرة أسوأ حتى من ذلك الذي عايشه في بلاده لبنان، في العاصمة بيروت ومناطق أخرى أثناء الحرب الأهلية.
اقرأ أيضاً: في ذكرى رحيله..سيد قطب مُلهم الإخوان ومرجع الحركات الجهادية
إلًا أنّ الجزئية الأهم من منظور هذا التحليل؛ تتمثّل في خلفية مظاهر العنف التي لا تتوقف، أو العمليات المستمرة للقضاء على الكوادر أو إضعاف خلايا داعش على الأراضي الليبية، العمليات التي تشنّها بشكل عام السلطات الليبية رغم أنّ قوات أمريكية تشارك فيها أيضاً. ومن أبرز العمليات التي نفّذتها القوات الليبية؛ تأتي تلك التي أسفرت عن القضاء على إرهابيين اثنين، في مدينة درنة، التي كانت في قبضة التنظيم لفترة غير قصيرة، في 29 كانون الثاني (يناير) 2019، والتي تلت القبض على هشام العشماوي، المصري والضابط السابق في القوات الخاصة المصرية وأحد أكثر المطلوبين بسبب تولّيه أدواراً قيادية في جماعات إرهابية، في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
اقرأ أيضاً: الصراع على الإسلام.. من الاستشراق إلى الجهادية الإسلامية
فمن جانبها، أعلنت قوات الجيش الليبي، في الثاني من كانون الثاني (يناير) الماضي؛ أنّها أسقطت عبد المنعم الحسناوي، المُلقّب بـ (أبو طلحة الليبي)، أحد أهم قيادات تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في إطار عملية شاملة لتطهير الشطر الجنوبي من البلاد، كما كان الجيش الليبي قد سبق وأكّد في 19 كانون الثاني (يناير) الماضي، القضاء على ثلاثة من قيادات التنظيم جنوب مدينة سبها، عاصمة منطقة فزان الجنوبية، وهم: أبو طلحة، والمهدي دنقو، والمصري عبد الله الدسوقي.
اقرأ أيضاً: تفاصيل محاكمة عائلة جهادية قتلت 370 شخصاً في العراق
أمّا العمليات الأمريكية؛ فنذكر منها تلك التي أسهمت، في 13 شباط (فبراير) الماضي، في القضاء على عدد من قياديي تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، بالقرب من مدينة أوباري، الواقعة على بعد 900 كلم جنوب طرابلس، حسبما أعلن المتحدث باسم رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، الذي قدّم تلك العملية كنموذج للتعاون بين السلطات الليبية والأمريكية، والذي يسمح بالحفاظ على السيادة الليبية.
اقرأ أيضاً: مأزق المؤسسات الدينية في مواجهة الظاهرة الجهادية
بيد أنّ ليبيا تعدّ تربة خصبة للجهاديين منذ وقت بعيد، ووصل الأمر إلى إعلان داعش قيام ثلاث ولايات على الأراضي الليبية؛ هي طرابلس وفزان وبرقة، بعد أن وجد ظروفاً مناسبة لنمو نفوذه، سيما مع الحراك ضدّ معمر القذافي، وحمل ما يصل إلى 300 ألف ليبي للسلاح وارتفاع أعداد الفصائل المسلحة التي تشكّلت في خضم الثورة والحرب الأهلية التي أعقبتها، والحقيقة أنّ ظاهرة الجهادية في ليبيا هي داخلية بامتياز؛ حيث إنّ أغلب الأفراد الذين انخرطوا في صفوف تنظيم داعش بالبلاد كانوا ليبيين التحقوا بجماعات جهادية نشأت، أو وجدت مساحة لها في البلاد، ضمن إطار الثورة.
اقرأ أيضاً: الجهادية.. حين يلتقي الدين بالسياسة
جدير بالذكر كذلك؛ أنّ المعارضة التقليدية لنظام القذافي بليبيا كانت تنتمي للتيار الإسلامي الأصولي، وعلى رأسها "الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا"؛ التي عانت قمعاً شديداً خلال عقد التسعينيات، وكان لها وجود كبير وملحوظ في جميع أرجاء البلاد، لكن علاوة على ذلك فلا يمكن إغفال حقيقة وصول عدد من المقاتلين من تونس للانضمام لـداعش في ليبيا، سواء هؤلاء الذين توافدوا لتلقّي تدريب عسكري أو لخوض المعارك، سواء على الأراضي الليبية أو السورية، وقد ساعد على ذلك القرب الجغرافي بين ليبيا وتونس، وكذا وجود منظمات متشابهة، مثل: "أنصار الشريعة" في تونس، وما يقابلها في ليبيا (وبعدد من مدنها).
تونس
وصل التهديد الإرهابي على الأراضي التونسية ذروته عام 2015 باعتداءين ضخمين ضربا أهدافاً سياحية في العاصمة تونس ومدينة سوسة، راح ضحيتهما 60 ضحية، و21 سائحاً، وشرطي في الباردو، و38 سائحاً على شواطئ سوسة، منهم 30 بريطانياً، في شهري آذار (مارس)، وحزيران (يونيو)، على الترتيب.
اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن السلفية الجهادية في الأردن؟
أُدين 15 شخصاً مقبوض عليهم بتهمة الضلوع في هذين الهجومين، في التاسع من شباط (فبراير) الماضي، بتهم تتراوح بين الحكم المؤبد وستة أشهر، بينما أطلق سراح 27 متهماً في قضية استغرقت عاماً كاملاً، ما يدل على شدة تعقيدها، وكانت البلاد قد شهدت في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، اعتداء آخر جهادياً نفّذه انتحاري، وأودى بحياة 12 من أفراد الحرس الجمهوري في قلب العاصمة، وكذلك كان الجهاديون قد سيطروا، في آذار (مارس) 2016، ولعدة أيام على مدينة بن فردان القريبة من الحدود الليبية، في عملية راح ضحيتها 50 شخصاً، على الأقل.
ورغم أنّ العنف الجهادي في هذه البلاد، التي ما تزال رهن حالة الطوارئ التي تجدّد بشكل دوري، لم يصل إلى معدّلاته التي كان قد وصل إليها في 2015، وهو العام الذي وصل فيه العنف لذروته، إلا أنّ هناك مؤشرات تدل على استمرار الخطر.
ففي أول تشرين الثاني (نوفمبر) 2017؛ تعرّض شرطيان مكلّفان بتأمين مدخل البرلمان في تونس العاصمة لهجوم من قبل جهادي مسلّح بسكّين وعانى أحدهما إصابات خطيرة في العنق، وذلك في اليوم التالي لظهور المتحدّث باسم قوات الحرس الوطني، خليفة الشيباني على قناة "نسمة تي في" التلفزيونية، ليقدم تقريراً حول الحرب ضد الإرهاب عن الفترة بين أول كانون الثاني (يناير)، ونهاية أيلول (سبتمبر) من ذلك العام، وهو التقرير الذي تكرر فيه، وفي أكثر من موضع، اسم مجموعة "عقبة بن نافع"، الموالية لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية، وورد فيه نجاح أجهزة الأمن في إحباط 522 عملية إرهابية، والقبض على 694 إرهابياً (من بينهم جزائريون)، ومصادرة أسلحة آلية وقنابل ومنزلية الصنع، والأهم من ذلك تركيز جهود مكافحة الإرهاب على المناطق الحدودية الواقعة على الحدود مع الجزائر، مثل جبل الشعانبي، والكاف، وجندوبة، والقصرين.
اقرأ أيضاً: "دماء على رمال سيناء": كيف ظهرت كل هذه التنظيمات الجهادية؟
وإضافة إلى الاعتداء بسلاح أبيض قبالة البرلمان، فجّرت امرأة نفسها أمام المسرح البلدي، في قلب العاصمة، يوم 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، بجوار مجموعة من الشرطيين؛ لتتسبّب في إصابة 10 جرحى، علاوة على هجوم آخر وقع في الثامن من تموز (يوليو) الماضي، قرب الحدود الجزائرية، بمنطقة عين سلطان، وأودى بحياة ستة من عناصر قوات الحرس الوطني، وإصابة ثلاثة آخرين، وبنفس أسلوب الهجوم الذي راح ضحيته جنود جزائريين في سكيكدة، يوم 30 تموز (يوليو) الماضي.
وتتضمّن جهود الدولة التونسية لمكافحة الإرهاب إجراءات للوقاية والتعامل تحظى بدعم دولي من فاعلين، مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وإسبانيا، ومن أبرز صوره؛ التدريب في مجال العمليات الخاصة، وتفكيك العبوات المتفجرة والأمان الرقمي، وإدارة الموارد الاقتصادية.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأفريقي قلق من تدفّق الجماعات الجهادية نحو القارة السوداء
كما نتج عن الحاجة إلى تأمين الحدود التونسية مع ليبيا، وبصورة أعمّ، تعزيز الأمن في تونس، في الآونة الأخيرة مظاهر أخرى من التعاون الثنائي بين تونس ودول أخرى، على رأسها ألمانيا والولايات المتحدة، والأخيرة أنشأت صندوقاً بـ 20 مليون دولار، لتزويد تلك الحدود بمعدات تقنية للتأمين، مثل: مستشعرات وكاميرات لتعزيز السياج الذي بدأت الحكومة التونسية بنائه في 2015، ويتضمن عدة وسائل دفاعية لتأمين الحدود مع الجارة ليبيا، التي تشهد أجواءً من الاضطراب والفوضى نتيجة وجود ميليشيات متناحرة علاوة على عناصر جهادية.
بيد أنّه لا يمكن إسقاط حقيقة وجود عدد كبير من المقاتلين التونسيين الذين انخرطوا في جبهات القتال، في كلّ من ليبيا وسوريا والعراق (خمسة آلاف مقاتل وفق مجموعة العمل بمجلس الأمن الدولي بينما تؤكّد الحكومة التونسية أنّها منعت سفر 18 ألف شاب تقل أعمارهم عن 30 عاماً)، الذين بدأت أسرهم في العودة إلى البلاد، وتقدّر أعدادهم بـ 100 امرأة، و200 طفل، على الأقل، وهو الواقع الذي يقلق السلطات والشعب التونسي بشدة.
اقرأ أيضاً: كيف تجنّد الجماعات الجهادية الإرهابية الشباب؟
جدير بالذكر؛ أن منفّذ الهجوم على سوق عيد الميلاد في برلين، يوم 19 كانون الأول (ديسمبر) عام 2016 كان تونسياً قتل 12 شخصاً، وفي العام نفسه؛ أكّد وزير الداخلية التونسي الهادي المجدوب؛ أنّ 800 مقاتل تونسي عادوا إلى البلاد.
لكن من الضروري أن نبرز في تونس، مثلما هو الحال في الجزائر، ليس فقط الحراك الجهادي بل أيضاً تطوّر القوى والأوساط الإسلامية، مثل: حركة (النهضة) التي تنخرط في السياسة، ويصل الأمر بها للمشاركة في الحكومة، ومن حيث مستجدات الأوضاع في البلد المغاربي؛ فإنّ إعلان الخلاف بين حزب "نداء تونس" الحاكم، والحزب الإسلامي، بداية الخريف الماضي، كان إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي المتوقّع، وذكر هذه النقطة أمر مهم؛ سيما أنّ "النهضة" تحظى بشعبية كبيرة خاصة على مستوى البلديات، وهو نفس الحال في المغرب، وهو ما كشفت عنه الانتخابات البلدية، التي أجريت في السادس من أيار (مايو) 2018؛ حين سيطرت "النهضة" على 155 من إجمالي 350 بلدية على مستوى البلاد، في مؤشر قد يعني إمكانية فوز الحركة الإسلامية بالانتخابات العامة المقبلة.
المغرب
بينما تبدو السلطات ماضية قدماً في التضييق على إسلاميي جماعة "العدل والإحسان"؛ التي أنشأها عام 1981 الشيخ عبد السلام ياسين، الذي توفي عام 2012، والتي تعدّ جهة غير قانونية لكنها تحظى بشعبية كبيرة، لكنّ الحركة ما تزال تتخذ مسلك مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية، وتقوم بالدعوة داخل المجتمع، كذلك من الواضح أن أولوية السلطات المغربية هي تحييد الجهاديين سواء المتواجدين على أراضيها أو هؤلاء الذين قد يعودون إليها أو العائدين، جهاديون مثل الأربعة الذين قتلوا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وبطريقة وحشية سائحتين اسكندنافيتين؛ الدنماركية لويزا فيستراجر، والنرويجية مارين ويلاند، اللتين لقيتا مصرعهما في مرتفعات أطلس، وذلك بعد أن أقسموا الولاء داعش، وقد ألقي القبض على المتورطين الأربعة بشكل مباشر في الحادث، خلال الأيام التالية له، في مراكش، ومنذ قتل خلية إرهابية، في 2011، 17 شخصاً في هجوم نفذه انتحاري بساحة جامع الفنا، واستهدف مقهى، لم يشهد المغرب أيّة حوادث كبيرة أو مميتة كهذا.
في صيف 2017؛ ألقي القبض على 17 مغربياً عائداً في البلاد، رغم أنّ التقديرات تشير إلى عودة 200 شخص
لكن منذ ذلك الحين، نعم وقت هجمات بأسلحة بيضاء ضد سائحين في بعض المناطق، وكانت تنسب دائماً المسؤولية عنها لأشخاص غير متزنين عقلياً، فيما يطلق عليه "اللاعتداءات".
أما من حيث النتائج؛ فقد تمكنت السلطات من تفكيك ما يقرب من 60 خلية جهادية، بين 2015، حين انطلقت (عملية حذر)، وتشكّل (المكتب المركزي للأبحاث القضائية)، في مدينة سلا، برئاسة عبد الحق الخيام، لمواجهة هذا التهديد، ونهاية 2018، أغلبها على صلة بتنظيم داعش، ويتركز عمل المكتب على ما بين ألف و500 وألفين مغربي، يعتقد أنهم سافروا إلى مناطق خاضعة لسيطرة الجهاديين، سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا، خلال الأعوام القليلة الماضية، لكن بعيداً عن الخطر الداخلي، الذي يظهر بصورة متقطّعة مثلما حدث في نهاية العام المنصرم، من المهم إبراز ما يمكن أن نصفه بـ "الشتات" المغربي، سيما المهاجرين إلى أوروبا، وكذلك في بعض الدول العربية والإسلامية؛ فالمهاجرون المغاربة في أوروبا يتركّزون بشكل رئيس في محور إسبانيا-فرنسا-بلجيكا، وقد أظهر بعض هؤلاء الأفراد مؤشرات تطرف مثل المتورّطين في الهجوم الذي وقع في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، بالعاصمة الفرنسية باريس، وكذلك اعتداء بروكسل، في آذار (مارس) 2015، وأيضاً هجمات 17 آب (أغسطس) 2017 ببرشلونة.
اقرأ أيضاً: السلفية الجهادية في الأردن.. منظّرون وتنظيمات
وفي صيف 2017؛ ألقي القبض على 17 مغربياً عائداً في البلاد، رغم أنّ التقديرات تشير إلى عودة 200 شخص، دون التعرف إليهم أو القبض عليهم، ما يعزز الشعور بالخطر، سواء في البلد المغاربي أو إسبانيا، التي توجد بها جالية مغربية كبيرة العدد.
موريتانيا
تسبّب البيان الصادر عن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، يوم الثامن من أيار (مايو) الماضي، والذي حوى تهديداً مباشراً لموريتانيا، دعا إلى شنّ هجمات في البلد المغاربي الواقع بمنطقة الساحل الإفريقي، في حلول أسوأ أعوام التهديد الجهادي ومعدلات الضحايا خلال الفترة بين عامي 2005 و2011 التي شهدتها البلاد، وتعرّضت موريتانيا لاعتداءات دموية راح ضحيتها 16 جندياً في منطقة لمغيطي، بشهر حزيران (يونيو) 2005، فضلًا عن وقائع اختطاف مواطنين أجانب؛ بل وحاول عناصر تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، ثم لاحقاً تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي؛ اغتيال رئيس البلاد، محمد ولد عبد العزيز، في ضواحي العاصمة نواكشوط في شباط (فبراير) 2011، إلًا أنّ هذه العملية باءت بالفشل، ورغم عدم وقوع أيّ حادث كبير منذ محاولة الاغتيال هذه، إلا أنّ التهديد المعلن، في الثامن من أيار (مايو)، يدعو للقلق داخل وخارج موريتانيا، سواء بسبب وجود الخطر داخل الأراضي الموريتانية، أو لأنّه يمثل تهديداً أمنياً على النطاق الأوسع؛ وهو إقليم الساحل الغربي.
اقرأ أيضاً: الحركات الجهادية في غرب الصحراء الكبرى: رمال العنف المتحركة
لكن حالة موريتانيا، التي استضافت عام 2013 مناورات (فلينتلوك) السنوية، بقيادة الولايات المتحدة، جديرة أيضاً بالاهتمام، على خلفية وجود رجال دين ومدارس دينية ذات حظوة بالنسبة إلى الجهاديين، أو وجود وكالات أنباء تستخدمها هذه الجماعات كي تبعث برسائلها. ومن بين هذه الوسائل الإعلامية؛ تبرز وكالة "نواكشوط" للأنباء، التي نشرت مقابلات مع قيادات جهادية مخضرمة، مثل مختار بلمختار، كما كانت أول مصدر يؤكّد مصرع أربعة جنود أمريكيين، في الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2017، على يد تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، بمنطقة تونجو تونجو النيجيرية.
المصدر: تحليل عن مدى انتشار الجماعات الجهادية في المغرب العربي وجهود مكافحتها، إعداد كارلوس إتشبريا خيسوس، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الوطنية للتعليم عن بعد في إسبانيا، ونشره المعهد الإسباني للدراسات الإستراتيجية.