الحركات الجهادية في غرب الصحراء الكبرى: رمال العنف المتحركة

الحركات الجهادية في غرب الصحراء الكبرى: رمال العنف المتحركة

الحركات الجهادية في غرب الصحراء الكبرى: رمال العنف المتحركة


12/03/2024

يعزى تنامي المجموعات المسلحة والجهادية، المنتشرة في إفريقيا، إلى ميراثٍ تاريخيٍّ قديمٍ، يعود إلى الاستعمار بتنوع هوياته، منذ مطلع القرن الخامس عشر وحتى نهايات القرن التاسع عشر، وتوغّله في السواحل الإفريقية، وقد شكّلت ممارساته العدوانية بحقّ شعوب القارة، من الناحية السياسية والعسكرية، تراكماً ثقيلاً في الذاكرة الوجدانية لهم، فأصبحت تئنّ بمشاعر الظلم والاضطهاد، والشعور بتهديد وجودهم الاجتماعي، وخصوصياتهم الثقافية، المحلية والإنسانية، فتمثّلت أعماله العدوانية في المجازر، وأعمال السلب والنهب، والعبودية. كما ساهم في ترسيخ تلك الصورة استمرار استنزاف مواردهم، الذي لم تتوقف فصوله، حتى بعد حصول تلك الدول على استقلالها، بأنماط ثقافية واقتصادية غير تقليدية، وتهيئتها لتكون سوقاً مفتوحاً للغرب لتأميم مصالحه الاقتصادية، وتعزيز مناطق نفوذه، وسط قوى إقليمية ودولية تسعى إلى ذلك، وتهييج الصراعات الطائفية، والعرقية، والإثنية، والقومية.

الفساد والجريمة المنظمة

إذاً، ترك الاستعمار بيئةً تتّسم بعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتعاني من الفساد والجريمة المنظمة، فأضحت في حالة مخاضٍ، ينذر طوال الوقت بولادات مستمرّة لتنظيماتٍ مسلحةٍ جديدةٍ؛ تقوم على الولاءات، والارتباطات القبلية والعشائرية، والتحالفات البدوية؛ التي تعدّ العمود الفقري الذي تنتصب عليه أفكار التشدد القائم على العشيرة والعرق، ومرجعياته. ومن ثم، الدخول في صراعاتٍ وحروبٍ أهلية حول توزيع الملكية والحدود، سواء فيما بينهم، أو مع الجيش النظامي للدولة، ورفضهم تسليم السلاح لها.

 

 

وينتشر الطوارق على مساحةٍ واسعةٍ في تخوم الصحراء الإفريقية الكبرى، تضمّ دول المغرب العربي، وأربع دولٍ إفريقيةٍ أخرى، هي؛ مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وتشاد، إلّا أنّ الغالبية منهم تتمركز، أساساً، في جمهوريتي، مالي والنيجر، وفي الجزائر وليبيا.

وعبر تاريخهم، كانت البداوة، وحياة الرعي والترحال، السمة المميزة التي درج عليها مجتمع الطوارق، دون أن تحدّهم حدودٌ سياسيةٌ أو جغرافيةٌ، في هذا النطاق الجغرافي الممتد من أعماق الصحراء إلى حدود نهر النيجر وبحيرة تشاد.

تعدّ حركة "أنصار الدين" إحدى أكبر الحركات المهيمنة في إقليم أزواد، وتتبع السلفية الجهادية المسلحة

يتميّز الطوارق بمجموعة من العادات والخصوصية الثقافية، وحتى تعاطيهم مع الدين الإسلامي، الذي يختلف عن تجلياته الأصولية، وذلك منذ استوطنت قبائلهم الصحراء الإفريقية، ومن تلك العادات؛ وضع اللثام على وجه الرجل، لتغطيته، كي لا يظهر منه سوى العينين، رغم تحرّر نسائهم من تغطية الوجه.

تعدّد الزوجات ممنوعٌ لدى الطوارق

تحظى المرأة بمكانةٍ خاصةٍ داخل مجتمع الطوارق، ولها مركزية في القبيلة، تتمثّل في حرية اختيار شريك الحياة، ومسؤوليتها عن رعاية شؤون المنزل، وتعدّد الزوجات ممنوعٌ لديهم، فيما لا يعدّ الطلاق لدى المرأة هناك وصمةَ عارٍ، ولا يقلّل من شأنها، ويخفض شيئاً من إنسانيتها، وتسمّى بعده (أحسيس) أي الحرّة من أيّ التزام.

ويمكن القول إنّ الظاهرة الإرهابية توغلت في غرب إفريقيا؛ حيث انتشرت الحوادث الإرهابية العديدة، ضدّ القوات الدولية، وقوات الجيش المالي، مع مطلع الألفية الجديدة، في منطقة الساحل الإفريقي عامّة، ومنطقة أزواد خاصّة، التي تقطن فيها عدّة مكونات قبلية، واستفادت تلك التنظيمات من هذه التركيبة، المجتمعية والسكانية، لفرض سيطرتها، وللتمدّد عبر الحدود الجغرافية والعرقية المتاخمة لدول الجوار مع مالي.

وتعدّ حركة "التوحيد والجهاد" إحدى أبرز الحركات الإسلامية المسلحة، التي تنشط بالمناطق الشمالية، وتمثّل التيار السلفي الجهادي للمجموعات العربية بأزواد، وكان قد أُعلن عنها في أكتوبر 2011، وهي منبثقة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ويقودها سلطان ولد بادي؛ حيث انضمّ للحركة عشرات المقاتلين من أبناء القبائل العربية في شمال مالي.

تحظى المرأة بمكانةٍ خاصةٍ في مجتمع الطوارق، ولها مركزية في القبيلة، تتمثّل في حرية اختيار شريك الحياة

كما تعدّ حركة "أنصار الدين" إحدى أكبر الحركات المهيمنة في إقليم أزواد، وتتبع السلفية الجهادية المسلحة، تأسّست في ديسمبر 2011، في كيدال، بزعامة إياد آغا غالي، المنتمي إلى قبيلة إفوغاس الطارقية، التي خاض أفرادها القتال ضدّ حكومة مالي، في تسعينيات القرن الماضي، ضمن صفوف "الحركة الشعبية لتحرير أزواد".

تعود جذور تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية، التي أعلنت، في 24 كانون الثاني (يناير) عام 2007، تغيير اسمها، ليصبح "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ويقود التنظيم حالياً عبد المالك دروكدال، المكنَّى "أبو مصعب عبد الودود"، حيث انخرط في صفوف "الجماعة الإسلامية المسلحة" عام 1993، وتمتلك الجماعة مؤسّسة "الأندلس"؛ التي تنشر إصدارات التنظيم، وتعدّ الذراع الإعلامي والدعائي له.

 

حركة "التوحيد والجهاد"

برزت حركة "التوحيد والجهاد" في غرب إفريقيا، عبر تبنيها عملية اختطاف ثلاثة من عمال الإغاثة، من مخيمات اللاجئين الصحراويين، جنوب غرب الجزائر، ويتكوّن جناحها العسكري من أربع سرايا، هي: سرية عبد الله عزام، سرية أبو مصعب الزرقاوي، سرية أبو الليث الليبي، وسرية الاستشهاديين. فضلاً عن تشكيلٍ آخرَ يُعرف بـ "كتيبة أسامة بن لادن"، بقيادة عضو مجلس شورى الجماعة، أحمد ولد عامر المعروف بأحمد التلمسي.

ومن أبرز عمليات الجماعة؛ اختطاف سبعة دبلوماسيين جزائريين من قنصلية بلادهم بمدينة غاو، في الخامس من نيسان (أبريل) عام 2012، كما تبنّت الجماعة الهجوم الذي استهدف مقراً للدرك الوطني في مدينة ورقلة الجزائرية، في أواخر شهر حزيران (يونيو) عام 2012.

تمثّل كتيبة "الملثّمين" أحد الكتائب العسكرية التابعة لـ "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وتتبع إمارة الصحراء في البنية الهيكلية للتنظيم، بقيادة أمير منطقة الصحراء، يحيى أبو الهمام. وقد تولّى إمارة الكتيبة قبله، مختار بلمختار، لكن تصدّعت علاقته مع القاعدة، ما أدّى إلى عزله عام 2012، فقام بتأسيس كتيبة جديدة أطلق عليها اسم "الموقّعون بالدماء".

تأسّست جماعة "المرابطون"، في 22 آب (أغسطس) عام 2013، بعد التحاق كتيبة "الموقِّعون بالدماء"، و"حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا"؛ حيث صدر بيان عن "المرابطون" بتاريخ 17 تموز (يوليو)، نأت فيه هذه الجماعة بنفسها، من جديد، عن تنظيم "داعش"، وأعلنت ولاءها للقاعدة، ووقّعت بيانها باسم "المرابطون- قاعدة الجهاد في غرب إفريقيا".

أوّل بيعة لتنظيم "داعش"

برزت أوّل بيعة لتنظيم "داعش" من التنظيمات الجهادية الناشطة شمال مالي، من طرف جماعة "المرابطون"؛ حيث أعلنت الجماعة، في أيار (مايو) عام 2015، مبايعتها للبغدادي، وعُيِّن أميرٌ جديدٌ للتنظيم، هو عدنان أبو الوليد الصحراوي، فيما يعدّ أول وجودٍ فعليٍّ لتنظيم "داعش" في منطقة أزواد. لكن سرعان ما أخفقت؛ حيث اتّفق مجلس شورى الكتيبة على مبايعة مختار بلمختار، وتنظيم القاعدة، وعزل أبو الوليد، وإلغاء بيعته لتنظيم داعش.

ثمّة حالة من التوتر المستمرة تعيشها دول المغرب العربي، خاصة في مناطق ونقاط التّماس مع الدول الإفريقية، جنوب الصحراء، بسبب الصراعات المتكررة بين حركات التمرد، وثورات الطوارق ضدّ النظم الحكومية في مالي والنيجر، وهو الأمر الذي لم تستطع تجميده، لتهدئة أوضاع الاتفاقات المعنية بحلّ النزاع، في ظلّ عدم التزام كلّ الأطراف الموقِّعة ببنود السلام.

الصفحة الرئيسية