صالح أبو خليل.. "سلطان" الصوفية ومعشوق الفنانين

مصر والصوفية

صالح أبو خليل.. "سلطان" الصوفية ومعشوق الفنانين


19/12/2017

رجال دين ورجال دولة، وزراء ومحافظون، أساتذة جامعات وشخصيات عامة، موظفون صغار وكبار، فلاحون وعمال وشيوخ وشباب. كل هؤلاء، تراهم في دار الشيخ صالح أبو خليل الواقعة بمنطقة النحال بالزقازيق، سيدهشك الزحام الرهيب حول مقره. الكتل البشرية من كافة الأعمار والمستويات والطبقات، من شباب وفتيات وأطفال وشيوخ؛ من يرتدي البدلة والربطة، ومن يلبس السديري والجلباب، ومن ترتدي الجينز والنظارة السوداء، ومن تستتر بالخمار والعباءة. خليط يكثر بينهم فئة الشباب بمظاهرهم العصرية، وقليل منهم من ذوي اللحية والجلباب وكثيرات منهن متبرجات.

رجال دين ودولة وأساتذة جامعات وفنانون وشخصيات عامة وفلاحون وعمال وشيوخ وشباب يؤمون دار الشيخ صالح أبو خليل

فنانون مصريون كثر، يزورون أبو خليل، لكنّ أكثر المرتبطين به منهم، وفق مقربين منه، هم الفنانون محمود قابيل وحنان شوقي وأميرة العايدي، ووكيل معهد الموسيقى العربية د.رضا رجب، والموسيقار سامي الحفناوي، والممثل إيهاب فهمي، بينما يتردد على المكان أيضاً شعراء غنائيون مثل وائل هلال، ومجدي النجار، والسيناريست محسن الجلاد، وخالد علي، الذي تخلى عن عمله السابق كمطرب وأصبح يعمل منشداً دينياً.
الجميع في ساحة الشيخ "أبو خليل" ينتظرون كل يوم اثنين وخميس بعد العصر "إشراقة" صالح أحمد الشافعي، الذي يترك فيلته الفاخرة في أحد أحياء الزقازيق الراقية "القومية"، ليأتي إلى منزل أجداده القديم في حي "النحال"، ليمنح أحبّاءه فيضاً من النفحات.
تضجّ الساحة، بالتكبير والتهليل والزغاريد، وتتدافع الجموع نحو مدخل الساحة، يهرولون نحو أبواب منزل الشيخ، ليحجزوا مكاناً يعطيهم أسبقية الدخول أولاً، ويكاد البعض أنْ يتعثر في خضمّ التدافع الشديد الذي يقابله دفعٌ بعنف من جانب حرّاسه، الذين يحاولون شق طريق وسط الحشد، وإخلاء محيط سيارة أبي خليل، وبسرعة خاطفة تندفع سيارة سوداء فاخرة، ويلوح من أحد أبواب منزل الشيخ بجوار الساحة رجال يرتدون ثياباً بيضاء، وقبعات ذات خيوط متشابكة، حيث يبدأون في الإنشاد.

لا يخرج من بيته إلى المسجد المجاور له ويقول أتباعه إنه يسري يومياً من الزقازيق ليصلي في مكة والمدينة

يظل صالح أبو خليل في هذه اللحظات جالساً داخل سيارته، بينما يحفّه، بجانب الأناشيد والتكبير والصلاة على النبي، مجموعة من السكارى في حبّه، يتمايلون مع وقع دفوف المنشدين، التي تصدح في أرجاء الساحة، ملامسة أجسامهم سيارة الشيخ في خشوع وبكاء وهيام وجملة واحدة لا تفارق لسانهم: "بحبك يا عم".
بعد عدة دقائق، يُفتح باب السيارة، لينزل منها الشيخ في سرعة خاطفة، ويدخل من أحد الأبواب الثلاثة لمنزله، وتتعالى التكبيرات، وتلوح الأيادي في الهواء بلا هدف، وتهتز الرؤوس بالنشوة، ويخرج البعض عن شعوره فيندفع باتجاه الشيخ بعشوائية، لكن معشوق الفنانين في هذه اللحظة يكون قد دخل إلى حجرته.

على عرش الصوفية المصرية
مكان ذو أضواء خفيضة، يسقط فيه ضوء خافت على وجه الرجل الذي يجلس في زاوية يقال عنها إنّ من دخلها لا بد أنه مهتدٍ، تحوطها ستارة تفتح في مواجهة القادم، وتحدها أعتاب خشبية تشبه الأعتاب التي توضع في مداخل المساجد والزوايا ولا يدخلها إلا الشيخ.
يخرج الشيخ صالح بعد "جلسة التسليم" إلى ساحة "جلسة الإلهام" في البيت ذاته؛ حيث يجلس كملك على كرسي العرش، وأمامه مريدوه يفترشون الأرض، ويقفون في الخارج من كثرة الزحام. عندها يبدأ القارئ في تلاوة سورة الفتح، وبعدها تصبح جلسة الإلهام في ذروتها، والمنشدون الملهمون يشتعلون بالحماسة، وعند فقرات معينة تسمع من بعض أتباعه بعض الجمل مثل "غوث الوجود من احتمى بجانبه، لا يعتريه الضيم أو يتقوقع".

يحمل المئات من مريديه صورته التي تباع بسعر يبدأ من عشرين جنيهاً وبعض الأغنياء يدفعون خمسين جنيهاً

أحد أتباعه قال: إنّ الشيخ تربية النبي، وإنه هو الذي سمّاه، وهو الذي ابتعثه ليضيء للبشر طريقهم، وليجدد لهم دينهم، وهو من سيوصلنا للجنة!
بعض الرجال في صعيد مصر، يقولون: إننا لا بدّ أن نطلب النظرة والمدد منه. ويعلقون صوره في كل مكان، وينصحون أنْ نطلب مدد الشيخ في كل عقبة تعترض طريقنا، وسيزيحها الله بشرط أن "نستشعر معنى المدد ونحن نطلبه".
بعض ما سمعناه عن الرجل، يصعب التأكد منه، فمنهم من يقولون عنه إنه ساحر، وإنه عمل خلوة في المقابر لمدة ستة أشهر للاستعانة بالجن وطلب العون منهم، وإنه قتل واحداً من أكبر أتباعه بتسليط الجن عليه!
مريدو الشيخ صالح أبو خليل يتوافدون إلى مقرّه

من هو الشيخ الخليلي؟
بادعاء الكرامة والولاية والانتساب لنسل النبي قصده الآلاف، انهالت عليه التبرعات والهبات؛ فاستخدم هذه الأموال في توسيع نشاطه والترويج لنفسه، فذاع صيته، حتى أنّ بعض المسؤولين يسعون إليه لنيل بركاته. أبو خليل، المولود في عام 1958 غدا سلطاناً على عرش الصوفية، ومعشوقا للفنانين والفنانات ونجوم الكرة وحتى السياسيين الذين يطلبون بركته، وطريقته أصبحت مركز قوة ودولة داخل الدولة المصرية بأتباع في كل مكان، حتى وصل صيته خارج مصر.
يتحدث صالح أبو خليل –رغم ما يُقال عن أُمّيته- في التوحيد، ويفسر القرآن تفسيراً خاصاً، ويشرح السنة النبوية والسيرة المحمدية منتحلاً صفة حفيد النبي محمد، بل إنّ للرجل عدة كتب منها "إشراقات في طريق الله" و"الصدق مع الله"، وأشهرها "كشف الغطاء عن أهل البلاء" ويعني بهم من يحاربون التوسل والاستغاثة والتمسح بالقبور، ويزعم أنه قطب صوفي، وخليفة للشيخ محمد أبو خليل في قيادة الطريقة الخليلية الصوفية.

حنان شوقي .. محمود قابيل .. الشيخ أبو خليل
أبناء وخلفاء الشيخ محمد أبو خليل المتوفى العام 1920 تضمهم الطريقة الخليلية المؤسسة بقرار المجلس الأعلى للطرق الصوفية رقم 88 / 5 لسنة 1988، ويرأسها حالياً الشيخ محمد محمود إبراهيم محمد أبو خليل، وهم ينكرون على صالح أبو خليل "افتراءاته وادعاءاته"، ومقرّهم بمنطقة النحال بالزقازيق على بعد خطوات من مقر سلطان الصوفية في مصر صالح أبو خليل.
يزعم أبو خليل نسب النبي، وصفة الشيخ الولي، ورغم ذلك فهو لا يخرج من بيته للصلاة في المسجد المجاور له، ويقول أتباعه: إنه لا يهبط من مسكنه لكنه –حسب زعمهم- يطير في إسراء يومي من الزقازيق إلى مكة والمدينة، حيث يصلي هناك، ويعود لشقته التي لا يفارقها إلا للظهور في الليالي والاحتفالات، ومقابلة المريدين، الذين ينتظمون في صفوف انتظاراً لنزوله من مسكنه إلى مجلسه في الدور الأول.

فنانون مصريون كثر يزورون أبو خليل لكن أكثر المرتبطين به وفق مقربين منه الفنانان محمود قابيل وحنان شوقي

يصاحب نزوله عصر الاثنين والخميس من كل أسبوع زغاريد النساء، وتكبيرات الرجال، وأناشيد يتغنى بها المئات من مريديه، وهم يحملون صورته التي يتم بيعها حول المسجد بسعر يبدأ من عشرين جنيهاً مصرياً، وبعض الأغنياء يدفعون خمسين جنيهاً.
لا يجد صالح أبو خليل غضاضة في مقابلة ومصافحة الممثلات والمطربات والفتيات والسيدات اللاتي يحلمن بحياة زوجية سعيدة، تبدأ بترشيح صاحب الكرامات لزوج المستقبل، ومن حلم بالزواج إلى أمل في الإنجاب وشوق إلى استقرار عائلي. مئات السيدات ينتظمن في انتظار صاحب البركات والكرامات.
أما الشباب فطموحاتهم وآمالهم متنوعة، منهم من يطمح في عقد تعيين في شركة من شركات البترول، أو مؤسسة من المؤسسات الكبرى، ومن يسعى للرزق والبركة وتأمين المستقبل، قاطعين الأميال سفراً ليحصلوا على بركات الشيخ التي تبدأ بمصافحة، تليها أيدي أتباعه تتلقف الشاب لتبشره بتحقيق أمله، بعد أن يتبرع بما تملكه يداه من الجنيهات.
الشيخ صالح أبو خليل في جلسة مع الشيخ الشعراوي

الشيخ الشعراوي يطلب "مدده"!
أما الشيخ الفعلي للطريقة الخليلية فهو الشيخ محمد محمود إبراهيم محمد أبو خليل، لكن الشيخ صالح ادّعى أنه هو قطب الأقطاب وخليفة للشيخ محمد أبو خليل في قيادة الطريقة الخليلية، قائلاً إن هذه إرادة إلهية، ونجح أن يزيح أبناء عمومته من واجهة المشهد، وفي سنوات قليلة هبطت عليه الأموال من كل حدب وصوب؛ فتوسع نشاطه ومجال تجارته، مما أتاح له أن ينفق على مريديه ويصنع لهم الولائم، وبدأ في الإعلان عن نفسه على صفحات الصحف حتى أن إحداها عرّفته أنه حفيد النبي.

نجح أبو خليل بعلاقاته المتعددة وحملاته الصحفية في نشر صورته مع الشيخ الشعراوي مدعياً أنه كان من أتباعه

نجح أبو خليل في علاقاته المتعددة وحملاته الصحفية التي دشنها في نشر صورته مع الشيخ الراحل الشعراوي، مدعياً أن الأخير كان من أتباعه، وكان يطلب منه المدد.
نظّم أبو خليل قبل سنوات، بالاتفاق مع إحدى القنوات الفضائية المصرية، احتفالية استقدم لها عدداً كبيراً من أهل الطرب، وكانت حديث الكبير والصغير في محافظة الشرقية بعد أن شاهدوا كبار النجوم يتغنون بصاحب الكرامات الذي أتى في مجال التصوف بما لم يأت به سابقوه، فأقام حلقة ذكر على أنغام الموسيقى الشرقية والغربية، بأصوات إيهاب توفيق، وخالد علي، ومحمد ثروت، وبأداء تمثيلي للفنان رشوان توفيق، وأشرف عبد الغفور، وغيرهم، وساعتها غنى له أحد المطربين أغنية بعنوان "عمي الشيخ صالح".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية