الجماعات الجهادية...هل هي شكل جديد للاستعمار؟

الجماعات الجهادية...هل هي شكل جديد للاستعمار؟


كاتب ومترجم جزائري
04/09/2018

ترجمة: مدني قصري


لا شكّ في أنّ ما لم يجرؤ المستعمرون في القرن التاسع عشر على تخيله، فعله وحقّقه الجهاديون؛ تفكيك الدول القومية، ونهب ثرواتها، وتدمير ثقافتها وهويتها، وتحويل الشعوب إلى التخلّف.

في الشرق الأوسط وجزء من إفريقيا، يتمّ ذبح الناس وتهجيرهم بسبب انتماءاتهم الدينية أو العرقية، يجب التنديد بهذا الانحدار الفريد في تاريخ الإنسانية، وتوضيح آلياته المدمّرة للرأي العام، كما يعتقد فرانسوا أديبي، رئيس (d'Altaïr think tank culture médias).

تثبت الجهادية وهي المتمرّد الكاذب من خلال تصرفاتها أنها ليس سوى أداة للنظام الرجعي الذي وضعه الأشخاص ذاتهم الذين يدّعون إدانته

في أعمالها، تفي الجهادية بالمعايير الدقيقة لممارسة الاستعمار: "الهيمنة السياسية والاستغلال الاقتصادي للأراضي المرفقة"، هكذا في سوريا، كما في ليبيا، أدّى تدمير الدول القومية؛ حيث الإسلام المعتدل، إلى غزو من قبل مقاتلين هم في كثير من الأحيان أجانب وغرباء عن هذه الأراضي، لقد استولوا على ثروات ومواد أولية، وفكوا الهياكل القائمة من أجل نشر الفوضى، والانقسام الذي يفضي إلى هيمنة الشعوب المستعمَرة.

وعندما لا يحقق الجهاديون هذه النتائج، فإنهم يهاجمون نقاط القوة في البلدان، كما يفعلون في تونس أو مصر: فهم يهاجمون صناعة السياحة، ويُضعفون اقتصادها العالمي، وهي أضمن طريقة لتعريض استقلالها وسيادتها للخطر.

اقرأ أيضاً: الفكر الجهادي في مواجهة الديمقراطية

على غرار سلفهم الاستعماريين الغربيين، في القرنين التاسع عشر والعشرين، كانت دوافعهم تتمثل أساساً في الحصول على مواقف إستراتيجية، ومنع التوسّع الخيالي للقوى المنافسة، من خلال تجاوزهم للمستعمرين من حيث الهمجية، إضافة إلى الرغبة في فرض عقيدتهم على الجميع، فإنهم يُرفقون استعمارهم بأعمال العنف والمجازر النظامية.

يتمّ ذبح الناس وتهجيرهم بسبب انتماءاتهم الدينية أو العرقية

الفيلسوف فرانتس فانون (1925-1961)؛ الذي رأى في العنف عنصراً مركزياً في إنشاء وصيانة الغربيين للاستعمار، في كلٍّ من إفريقيا وآسيا، يمكن أن يقول بالمثل تماماً عن الجهاديين الذين، من جميع النواحي، ومن خلال ما يفعلونه، هم في الحقيقة، جنود الاستعمار الجديد. رغم أنّ هذه الظاهرة المعقدة لا يمكن اختزالها إلى عامل واحد أو اثنين، فإنّه يمكن القول: إنّ الميكانيكا الاستعمارية تشكّل العمود الفقري لهؤلاء الجهاديين.

فهم الدين

على مدى أربعة عشر قرناً، لم يشهد الإسلام، الذي كان يحمل حضارة رائعة، أيّ حلقة استبدادية، كالتي نعرفها اليوم. في مقاله حول التاريخ المقارن "في ظلّ الهلال وظلّ الصليب" (Seuil, 2008)، يناقش مارك ر. كوهين (Mark R. Cohen)، الأستاذ في قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون (الولايات المتحدة الأمريكية)، الأسباب التي جعلت العلاقات بين اليهود والمسلمين أكثر تسامحاً، وأقلّ عنفاً مما كانت عليه العلاقات اليهودية المسيحية؛ حيث كان اليهود يتمتعون بقدر أكبر من الأمن في العالم العربي والإسلامي، مقارنة بالعالم المسيحي في القرون الوسطى. خلافاً للاعتقاد الشائع، لم تكن هناك معاداة للسامية في أرض الإسلام حتى نهاية القرن التاسع عشر، ومنذ أن نالت الدول الإسلامية استقرارها، وهي تحمي الأقليات الدينية.

الإسلام على مدى أربعة عشر قرناً، خلق وبنى حضارة لكنّ الإسلاموية لم تقدّم شيئاً سوى تدمير المسلمين والإساءة إليهم وتقسيمهم

هكذا يطرح السؤال المركزي حول أسباب ظهور الجهاد في أرض الإسلام، جميع الجماعات الإسلامية العنيفة تدّعي الأيديولوجية نفسها، رحم كلّ الأيديولوجيات الأخرى: الوهابية، التي تمثل 1٪ من المسلمين في العالم. هذه العقيدة، التي ولدت في منتصف القرن الثامن عشر، تحت زخم ابن عبد الوهاب، لا تخترع شيئاً، لكنّها تكرّس الكراهية لجميع فروع الإسلام الكلاسيكي، بما في ذلك السنّة، وهذه الأيديولوجيا يحاربها جميع علماء الإسلام؛ فهي على غرار جميع الطوائف، تستخدم الدين لفرض السلطة، وهي ليست سوى طائفة صغيرة بين عشرات الطوائف الأخرى، لكنها تلتقي مع قبيلة، تجد في هذه الأيديولوجيا الطريقة المثلى للاستيلاء على السلطة، حاول تحالفُ السيف والمرشة (الماء المقدس) هذا، ثلاث مرات، الاستيلاء على السلطة، وفي كلّ مرة كانت الهزيمة مصيره.

طوال القرن العشرين، أصبحت الإسلاموية أداة تعمل على خنق محاولات إضفاء الديمقراطية على الدول الإسلامية وتطويرها؛ فمنذ أن ظهرت القومية العلمانية، وحركات الاستقلال، صارت في الحال تصطدم بمعارضة الإخوان المسلمين أو السلفيين.

اقرأ أيضاً: الجهاد العالمي.. هل يتحالف تنظيما داعش والقاعدة؟

إنّ الغرب، الذي ظلّ يدعم تاريخياً هذه الحركات، يتحمّل في هذا الاتجاه مسؤولية مشتركة في الجغرافيا السياسية للفوضى التي نشهدها في الشرق؛ التاريخ الحديث يبيّن كيف استخدِم الإسلاميون ضدّ السوفييت في أفغانستان، كما بدأ الصحفيون الاستقصائيون في إظهار كيف ساهم الإسلاميون في جلب الفوضى والانقسام إلى دول ذات سيادة، رداً على جيو إستراتيجيات قصيرة النظر.

أصبحت الإسلاموية أداة تعمل على خنق محاولات إضفاء الديمقراطية

لا فرق بين الأصوليين والمستعمرين

الأصوليون، مثل المستعمرين، يستخدمون إستراتيجية قديمة قدم العالم: تحريض الجماعات العرقية ضدّ بعضها، واستغلال الدين بإفراغه من بكل معانيه، وتنظيم حرب الجميع ضدّ الجميع، ولتحقيق غاياتهم، قاموا بتغذية الجهل كوسيلة للهيمنة على الجماهير، والحفاظ على الشعوب في هذه الحالة، وتصدير العقائد، التي ليس لها أيّ أساس لاهوتي، ببلايين الدولارات، والتي يتمثل خيطها الأحمر أساساً في عدم التراجع أو التشكيك في أيّ أمر أبداً، واستخدام كلّ طرق التجنيد والتلاعب بالطوائف. وأخيرًا، فهم يسعون إلى تدمير كلّ آثار الثقافة والتاريخ، من أجل محو الهوية والذاكرة الجماعية، وتراث هذه البلدان؛ لأنّهم يعرفون أنّ هذا التراث، من خلال ثرائه وتنوعه، هو الكاشف الصارخ لفقر القاعدة الأيديولوجية التي ترتكز عليها الأصولية.

تلاعب غير مخلص لروح الإسلام

لا تستند المذاهب المرتبطة بالإسلاموية على أيّ شيء؛ بل هي مجرّد تلاعب بالنصوص، ويمكن دحضها من كلّ الأوجه.

في الحقيقة كانت عظمة الإسلام هي نتاج تهجين شامل عبر الثقافات فمن هذا التزاوج بين الثقافات والمعرفة ولدت حضارة عظيمة

على سبيل المثال؛ الشريعة، باعتبارها قانون إسلامي، هي اجتهاد بشري من القرن التاسع، كما أنّ مفهوم الردّة غير وارد في إسلام الفترة الأولى، ولم يسمح القرآن لمفهوم الردّة، في أيّ وقت، بالعقاب البشري، أمّا القراءة الحرفية، فهي في حدّ ذاتها تفسير من بين تفسيرات كثيرة، أفقر فكرياً.

في الحقيقة؛ كانت عظمة الإسلام هي نتاج تهجين شامل عبر الثقافات، فمن هذا التزاوج بين الثقافات والمعرفة ولدت حضارة عظيمة، لكن من خلال أفعالهم وأيديولوجيتهم، أثبت الأصوليون أنهم غير مخلصين لروح الإسلام بشكل عام، وللفترة الأولى منه على وجه الخصوص؛ فهم ليسوا، لا في شكل، ولا في خلفية، أحفاد محمّد، صلّى الله عليه وسلّم.

الجهادية ليست الإسلام أيضاً، مثلما ليست طائفة القمر (Moon) هي المسيحية، لكن لديهما طريقة العمل نفسها، فهما يستخدمان الدين لخدمة مصالح أسيادهما بأفضل شكل ممكن.

الإسلام بنى حضارة عبر 14 قرناً

الإسلام، على مدى أربعة عشر قرناً، خَلق وبنَى حضارة، لكنّ الإسلاموية لم تقدّم شيئاً سوى تدمير المسلمين، والإساءة إليهم وتقسيمهم، علينا ألّا نخلط بين الدين واستخدام الدين لأغراض سياسية، الأصولية نزعة طائفية هدفها الرئيس الاستيلاء على السلطة، وهي أيديولوجية شمولية وعنيفة وعنصرية، يرفض منطق الإقصاء الذي تتبناه كلّ ما لا يشبهها، وهدفها الوحيد هو خدمة مصالح الطبقات الحاكمة الأقلية، من خلال إبقاء شعوبها في الجهل، وهذا الجهل هو الذي يسلّح  الأصولية، ويعيقنا أيضاً في البحث عن الأسباب، وبالتالي إيجاد الحلول لهذه الآفة.

الحلول موجودة

بادئ ذي بدء؛ من الضروري الخروج من هذه الفكرة الساذجة، القائلة: إنّ الجهادية هي جيل عفوي. من الذي يسعه أن يعتقد بشكل معقول، أنّ 30000 من الجهاديين يستطيعون الوقوف في وجه الكوكب بأسره؟ وأنهم هم أنفسهم من صنعوا نظامهم؟ الأمر عكس ذلك تماماً، ولا بدّ من أن يكون المرء أعمى حتى لا يرى أنّ هذه الحركة الـأيديولوجية منظمة ومموّلة، ومسلّحة، ومدعومة من كيانات معروفة لجميع الجيوإستراستيجيين.

اقرأ أيضاً: الشيشان.. منجم الجهاديين الذي يعجز بوتين عن إغلاقه

الحلّ الأوّل: هو قطع جميع مصادر التمويل والدعم؛ فالمجتمع الدولي يمتلك الوسائل للتحقيق في هذا الشأن، ومعاقبة كلّ من يرعى هذه الحركات، وللرأي العام الغربي دور حاسم يلعبه مع قادته في هذا الإجراء الأول. الإجراء الثاني: علينا أن نفكّك، نقطة نقطة، مجموع الخطاب الزائف الذي انتشر لاحتضان وتعبئة الشباب والتلاعب بهم، يجب أن يصبح هذا الخطاب المناهض شائعاً في كلّ طبقات مجتمعاتنا.

ما يحدث في الشرق الأوسط وإفريقيا علامة على انهيار خطير للحضارة

الجهادية متمرد كاذب

تثبت الجهادية من خلال تصرفاتها، أنّها ليست سوى أداة للنظام الرجعي الذي وضعه الأشخاص ذاتهم الذين يدّعون إدانته. وفي الوقت نفسه؛ من الملحّ إلغاء الأنسجة والشبكات التي تسمح، في العديد من البلدان، بزراعة أرض خصبة لنشوء الجهادية، وأياً كانت الأسماء: الجهادية، أو السلفية، أو الإسلاموية، أو الوهابية، أو الأصولية؛ فهي ليست سوى أوجه مختلفة للواقع نفسه، وهو تطرّف يتعارض مع قيم الإسلام والإنسانية.

وغداً؟

علينا ألّا ننخدع؛ إنّ ما يحدث في الشرق الأوسط وإفريقيا ليس خطراً على التاريخ، بل هو علامة على انهيار خطير لحضارتنا المشتركة بين الشرق والغرب.

اقرأ أيضاً: 7 أعوام على الربيع العربي..الكابوس

واليوم؛ البلدان المتضررة هي التي لم تنجح في إدارة تحوّلها الديمقراطي، وهي عرضة لظواهر العولمة السلبية، لكن غداً، ماذا سيكون؟ يجب علينا البدء في معركة المعرفة والتعليم، وهي الطريقة الوحيدة لتعبئة الرأي العام؛ فالجهادية، مثل كلّ الديكتاتوريات التي شهدها القرن العشرون، محكوم عليها بالاختفاء أمام صحوة وتحالف مسلمي العالم والرأي العام العالمي، وكلّما كان ذلك مبكراً كان أفضل؛ لأنّه من غير مصلحة أيّة أمّة أن ترى فوضى تواصلية تستقر بصورة دائمة.


المصدر: lemondedesreligions


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية