الإخوان المسلمون بعد 10 سنوات من السقوط ومحاكمة القيادات

الإخوان المسلمون بعد 10 سنوات من السقوط ومحاكمة القيادات

الإخوان المسلمون بعد 10 سنوات من السقوط ومحاكمة القيادات


02/06/2024

منير أديب

مرّت أكثر من 10 سنوات على سقوط تنظيم الإخوان المسلمين ومحاكمة قياداته في مصر منذ قيام ثورة 30 يونيو 2013؛ عقدٌ بأكمله من المواجهة وقيادات الجماعة منقسمون ما بين المحاكمات في الداخل والشتات في الخارج، وتسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن تساؤل مهم يتعلق بوضعية التنظيم الحالية بعد هذه السنوات، وماذا بقيَ منه بعد عقد كامل من المواجهة؟ خصوصًا أن حالة التصدع داخل تنظيم “الإخوان” بدأت تظهر إلى العلن بعد وفاة “إبراهيم منير” (القائم السابق بأعمال المرشد العام) في 4 نوفمبر 2022، لتضيف فصلًا جديدًا إلى الأزمات المركبة التي يشهدها، وتزيد من حالة التأزم والتشظي التي تعصف بمكوناته الهيكلية والتنظيمية[1].

وربّما التحول الأهم والأبرز يبدو في التقارب المصري-التركي، الذي مرّ بمراحل عدة حتى انتهى بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة، وتحولات ما بعد الزيارة، والتي تجلّت في سحب الجنسية التركية من القائم بعمل مرشد الإخوان محمود حسين، وعدد من الإخوان.

أولًا: الإخوان بعد 10 سنوات من المواجهة:

دخلت جماعة الإخوان في مواجهات عدة مع الدولة المصرية، منذ أن تم حل التنظيم عقِب ثورة 30 يونيو، التي مثلت نقطة فارقة، ليس للتنظيم في مصر فحسب، بل في المنطقة العربية، نظرًا لأنها كانت بمنزلة ثورة شعبية انتصرت للدولة ومؤسساتها التي تمسّك بها الشعب المصري أمام حكم الميليشيات الذي سعت جماعة الإخوان لترسيخه في الدول العربية انطلاقًا من مصر، إلا أن هذه الخطة فشلت فشلًا ذريعًا بسبب نجاح الثورة الشعبية المصرية التي كانت سببًا في انتفاض عدد من الشعوب العربية على حكم الميليشيات والجماعات المتشددة، والمطالبة بدولة المؤسسات الوطنية لحماية مقدرات البلاد وثرواتها بعيدًا عن حكم أي جماعات مؤدلجة[2].

وأدّت تلك الثورة بجماعة الإخوان الى حافة الهاوية، نظرًا لأنها دفعتها الى الانقسامات الفكرية والتنظيمية العميقة، التي ربما تكون أوجدت تنظيمًا جديدًا مختلفًا في السمات عن الشكل التقليدي للجماعة، والذي عرفناه طيلة عقود طويلة؛ نظرًا لأن التنظيم مرّ بتحولات دراماتيكية تركت بصماتها على التنظيم الذي قارب عمره المئة عام. هذه التحولات قد ترسم مستقبل التنظيم، خاصة أن ثمة مؤشرات تدل على حالة التفكك التي يعيشها على الأقل منذ أن تم إلقاء القبض على محمود عزت، الذي كان يتولى منصب المرشد العام بالإنابة في 20 أغسطس 2013، عقِب القبض على المرشد محمد بديع، بعد أيام من فضّ اعتصامَي رابعة العدوية والنهضة، بالقاهرة الكبرى، بعد أن كان نائبًا للمرشد آنذاك[3].

ومرّت الجماعة بأزمات عدة، بعد دخولها في مواجهات مسلحة مع الدولة المصرية ومؤسساتها الأمنية والسياسية، بعد أن أسست الجماعة معسكرات تدريبية في مصر، بهدف تكوين ميليشيات مسلحة تابعة لها على غرار الحرس الثوري الإيراني، لمواجهة محتملة مع الجيش والشرطة[4]، حيث أدت الضربات الأمنية التي تعرّضت لها الجماعة على يد الدولة المصرية إلى انقسامها إلى جبهتين رئيسيتين في إطار الصراع بين قيادات الجماعة للسيطرة عليها تنظيميًّا وماليًّا وإداريًّا، إحداهما تقيم في لندن قبل أن يستبدل زعيمها الحالي، صلاح عبدالحق، والأخرى تُقيم في إسطنبول، منذ أن وقَع الخلاف بينهما، يتولى زعامتها محمود حسين، عضو مكتب الإرشاد والأمين السابق لجماعة الإخوان المسلمين، هذا إضافةً إلى بروز تيار جديد داخل الجماعة أُطلق عليه التيار الثالث تحت اسم “تيار التغيير” لينفِّذ فيها، وفق تعبيره، تعاليم حسن البنا وسيد قطب، ويهدف هذا التيار إلى السيطرة على الجبهتين المتصارعتين، وإحياء فكر سيد قطب ومحمد قطب ومحمد كمال، وتنفيذ وصايا الأب الروحي للمجموعة النوعية محمود عزت[5].

وجدير بالذكر، في هذا الاطار، أن القبض على محمود عزت هو ما فجّر الخلافات داخل الجماعة وأدى إلى هذه الحالة من الانقسامات العميقة، فبينما كان محمود حسين، عضو مكتب الإرشاد، أمين عام التنظيم، يرى أحقيته في أن يحل محل عزت في منصب القائم بأعمال المرشد، كان إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولي، يعتقد بأنه الأولى بتولي المنصب ذاته، وقد اشتد الصراع بقوة عقِب اجتماع مكتب الإرشاد العالمي في يونيو 2022، وإقراره بأحقية إبراهيم منير المتزعم في إدارة الجماعة، وإلزام القيادات كافة في جميع الأقطار تقديم البيعة له نائبًا للمرشد العام وقائمًا بأعماله، وهو قرار من شأنه عدم الاعتراف بالإجراءات كافة التي أقدمت عليها جبهة إسطنبول بزعامة محمود حسين؛ الأمر الذي دفع جبهة إسطنبول الى شنّ هجوم واسع على مكتب الإرشاد العالمي، مشكِّكين في القرار، ومؤكِّدين عدم صحته من الناحية اللائحية[6].

ربما تكون مواجهة الإخوان، خلال العقد الأخير، ضربت بُنى التنظيم الهيكلية، فباتت الجماعة ما بين أعضاء وقيادات يُحاكَمون في القاهرة على خلفية جرائم عنف ارتكبوها، أو على الأقل متهمون على خلفيّتها، وما بين أعضاء وقيادات فرّوا إلى الخارج بهدف الهروب من المواجهة أو الاستعداد لمواجهة النظام السياسي الذي قام على خلفية ثورة 30 يونيو 2013؛ نظرًا لأنه بعد فضّ اعتصام رابعة العدوية، الذي كان في 14 أغسطس 2013، لم تجد قيادات الإخوان سوى الهروب خارج مصر بعد أن ضاقت عليهم أرض مصر بسبب الجرائم التي ارتكبوها، ولم يكن أمامهم سوى الهروب وتجربة محاولات فاشلة بدعم وتمويل من الخارج، لكن محاولاتهم لم تستطع النَّيل من الدولة المصرية التي واصلت التقدم ومحاربة الإخوان[7].

وهنا، انقسم التنظيم ما بين أعضاء الداخل الذين باتوا بلا حراك بسبب المحاكمات التي تعرضوا لها، وبين قيادات الخارج الذين يستعدون لمعركة المواجهة والذين انشقوا على أنفسهم؛ ويبدو أن المواجهة صنعت تنظيمًا منقسمًا على نفسه؛ فعندما كان التنظيم قويًّا نوعًا ما في القاهرة ويقوم بمظاهرات احتجاجية عدة، بعضها كان منحازًا للعنف، كان إخوان الخارج يُريدون السيطرة عليه، حيث ظهرت في هذه الآونة ما سُمّي اللجنة الإدارية العليا التي تم حلّها أكثر من مرة بسبب الصراع بين إخوان الداخل وإخوان الخارج[8].

وهنا، يمكن القول إن خلاف الإخوان ظهر على السطح بشكل علني مع بدايات المواجهة مع الدولة المصرية، خصوصًا أن هذه المواجهة ضربت عمق التنظيم وتماسكه، وربما كشفت هذه المواجهة قدرته على الصمود وقوته أيضًا؛ ولعل المواجهة الأمنية والعسكرية نجحت في تفكيك بُنى التنظيم الهيكلية، وهذه دلالة على تفكك الفكرة المؤسِّسة للإخوان، لو أن هذه المواجهة تم استثمارها في مواجهة أمنية تقضي على هذه الفكرة أو تُفكِّكها. فتنظيم الإخوان المسلمين بات له أكثر من رأس وباتت هياكله التنظيمية مكررة؛ فكل جبهة من جبهات الإخوان تتحدث باسم تنظيم الإخوان، ومرشدها الذي يقبع في السجون؛ وهذا دليل على تفكك الجماعة من الناحية التنظيمية بشكل كبير.

التقارب المصري-التركي من أهم التحولات التي مرّت بها حركة الإخوان المسلمين في تركيا؛ فزيارة الرئيس التركي الأخيرة خلّفت وراءها قرارًا تركيًّا بسحب الجنسية من محمود حسين، القائم بعمل المرشد لجماعة الإخوان، والمقيم في إسطنبول، وعليها قامت السلطات التركية بسحب جنسيته وإبطال جواز سفره الشخصي، خلال الأيام الماضية[9].

وهنا، تحولت تركيا من ملاذ آمن لقيادات الإخوان إلى محطة جديدة ينتقل منها الإخوان إلى وجهة أخرى قد تكون في إحدى الدول الآسيوية أو الإفريقية، أو يوزع الوجود بين عدد من البلدان، منها أوروبا التي يتوادّ فيها الإخوان منذ فترة ليست بالقصيرة، وسوف يكون الانتقال في هذه الحالة للأشخاص، وللاستثمارات أيضًا.

ثانيًا: الإخوان المسلمون بعد سنوات من غياب القيادة التاريخية

ما يحدث داخل التنظيم هو انعكاس لحالة الانهيار التي يمرّ بها وليس دليلًا على سقوطه، خاصة وأنه مرّ بسنوات الضعف والتحلّل هذه في سنوات سابقة. فهناك من يتوقع عودة التنظيم من جديد، ويستندون في ذلك إلى الظروف السياسية ذاتها التي مرّ بها التنظيم عام 1954، وهناك من يرى أنّ ما حدث للتنظيم هو دليل على انهياره وليس دلالة على سقوطه فقط، فما يمرّ به التنظيم مجرد عرض لمرض أكبر يتعلق بتفكك أفكاره بعد أن شاخ ووصل لمرحلة العجز بعد عمره الطويل.

وإذا كان من إجابة عن السؤال المطروح: ماذا بقيَ من التنظيم؟ فربما الإجابة الدقيقة أنه لم يبقَ من التنظيم سوى اسمِه فقط، الذي يُعبِّر عنه وتستخدمه مجموعات مفكَّكة ومشتَّتة ومختلفة، ومنشقّة عن التنظيم الأم.

فكل جبهة تتخيل أن الإخوان كتنظيم وفكرة لم ولن تمُت، وأنّ الخلافات القائمة مجردُ اختلاف سوف ينتهي بخروج مرشد التنظيم محمد بديع من السجن، وربما قبل أن يخرج، برغم أن مجمل الأحكام التي صدرت بحقّه تصل إلى 125 سنة[10]؛ ولذلك كل جبهة تدّعي أنها على الحق، خاصة أنها ترسم صورة للتنظيم تُقارِن من خلالها سلوكها؛ وبالتالي تنزع عن خصومها أي صفة، وربما تصفهم بالخارجين عن التنظيم.

للخلاف الذي يمرّ به التنظيم حاليًّا سمتان: الأولى، أنه ليس خلافًا عرضيًّا، وما يحدث داخل الجماعة على مدار السنوات الـ10 الأخيرة لم يمرّ به التنظيم من قبل؛ والأخرى، أن انشقاقات التنظيم الحالية دليل على مَواطن ضعف في الفكرة الجامعة للإخوان، ودليل أيضًا على الضعف ذاته في اللوائح المنظمة للإخوان، والتي كانت ترفض الجماعة تغييرها، وعندما كانت تشرَع في ذلك كانت تُحافظ على قوامها الأساسي، حتى لو كان عموم التنظيم مُجمِعًا على تغييرها.

الجماعة، بحسب ما تعتقد، تُحوّل خسائرها تلك إلى مكاسب بتكرار قولها إنها “بقيت برغم كل ما عانته من قمع طيلة حِقَب عديدة سابقة، وستبقى برغم ما تواجهه حاليًّا”، وفق نائب مرشد الجماعة السابق، إبراهيم منير، الذي ذهب إلى أبعد من ذلك، قبل عام، بقوله: “بفضل الله بقيت الجماعة متماسكة، والآن اقترب القرن الأول من عمرها أن ينقضي ولم تَضيع أو تبدل”[11]. وليس غريبًا أن يصف القائم بعمل مرشد الإخوان السابق، إبراهيم منير، جماعته بالمتماسكة، برغم ما تعرضت ومازالت تتعرض له؛ فالجماعة تعمل وفق أدبيات المحنة والمنحة؛ حيث ترى أن أي محنة تتعرّض لها إنما هي منحة ربانية، لأجل أن تضفي صفة الربانية على التنظيم، ولكي تخفّف من وقْع هذه المحنة عليها، وعلى أفرادها.

وهذا ما جعل قيادات التنظيم لا يعترفون بما تمرّ به الجماعة في الوقت الحالي؛ خاصة أن نظرتهم للتنظيم لم تتعدَّ التنظيم، وأنها متأثرة بفكرة التمكين التي يؤمن بها كل أفراد الإخوان، حيث يُدركون أن التنظيم سوف ينتصر يومًا ما، ليس هذا فحسب، ولكن سوف يُمكَّن له أيضًا، وبالتالي بطريقة واعية وغير واعية يهربون من فكرة الانهزام أو الانكسار.

 وربما عدم إيمان التنظيم بحالته الطارئة يُساعد كثيرًا في انهياره، حيث لا يوجد تعديل للوائح الإخوان التنظيمية، كما لا يوجد ترميم لأفكارهم المتكلّسة، وهو ما قد يُعجّل بانهيار الجماعة التي قارب عمرها المئة عام دون أي تعديل أو تغيير.

ثالثًا: “الإخوان” بين سيناريوهات التحلّل والعودة:

 دفعت التطورات التي مرّت بها جماعة الإخوان منذ 2013، إلى انزلاقها في أزمة تنظيمية نتيجة إطاحتها من السلطة، وهو ما ترتب عليه حدوث انقسامات داخلية بلغت ذروتها في عام 2021، حيث انقسمت الجماعة إلى تيارين أساسيين ومجموعات صغيرة أخرى. ومع انتقال قيادة الجماعة للخارج، انكشف عدم لياقة نظامها الداخلي للوضع الجديد، وبدأت تعاني مأزقين، يتمثل الأول في ارتباط النزاع بين الفِرق المختلفة بالخلاف حول صلاحيات المجلسَين (الشورى المصري أو الشورى العام) في إسناد القيادة، أما الآخر، فهو أن الجماعة تواجه تنسيقًا أمنيًّا إقليميًّا يَحول دون تكاملها التنظيمي. وفي ظل هذه الأوضاع، استمر الخلاف حول ملء الفراغ التمثيلي للجماعة مشكلةً دائمة[12].

 وبرغم هذا، لا يمكن وصف التنظيم بأنه وصل إلى مرحلة التحلّل التي تنتهي معه كل المظاهر التنظيمية. فالاعتقاد بزوال التنظيم اعتقاد في غير محلّه؛ صحيح أن التنظيم ليس في أحسن حالاته ولا يمكن التقليل من حجم التحلّل التنظيمي في الوقت نفسه، ولكن هذا لا يَعني تحلّل الفكرة المؤسسة للإخوان، فتحلّل التنظيم شيء وتحلّل الفكرة شيء آخر، ولا يَعني تحلّل التنظيم تحلّل الفكرة، فلا أهمية لتحلّل التنظيم من دون تحلّل الفكرة المؤسسة.

 صحيح مازال التنظيم على مستوى قيادته يمرّ بتحولات عدة، قد يكون أهمها استمرار الخلاف بين قياداته، ويأتي في المقدمة الثانية رفع تركيا الغطاء عن دعم التنظيم، وعدد من البلدان الأخرى في وقت سابق، ولعل هذا يُؤثر على قوة التنظيم وبقائه، فقيادات التنظيم تتحرك بصورة دائمة، وهو ما أثر في فكرة مقرّ القيادة في إسطنبول، وصور الدعم التي كان يتلقّاها، وهنا تُرك التنظيم لمصيرة في سياق ما أشرنا إليه من التحلّل.

 فقد تعرّض تنظيم الإخوان لمواجهات مختلفة ومتنوعة على مدار سنوات النشأة الممتدة، ولكنه عاد للظهور من جديد، وربما بصورة تبدو أكثر قوة وقدرة على اختراق المجتمع، خاصة أن هذه المواجهات انصبّت على الإطار التنظيمي دون الاقتراب أو المساس بالفكرة المؤسسة. وهنا، يمكن القول إن الإخوان مازالوا قادرين على العودة إلى المشهد السياسي من جديد طالما كانت كل جهود المواجهة منصبّة على المواجهة الأمنية والعسكرية من دون مواجهة الفكرة المؤسسة للتنظيم، والتي مازال يجتمع عليها الكثير من الناس، فسيناريو التحلّل الوحيد مرتبط بالمواجهة الفكرية، وما تم تحقيقه في هذا السياق دون غيره.

 كل صور المواجهة السابقة التي تعرّض لها التنظيم في مصر، على مدار سنوات النشأة، مسّت التنظيم وبناءه الهيكلي فقط دون أي مواجهة تتعلق بتفكيك الأفكار المؤسسة، ولذلك ظل هذا النوع من المواجهة بلا أي تأثير، وهو ما سمح لنجاح التنظيم في العودة إلى صدارة المشهد السياسي، وبات تأثيره أقوى بكثير من السابق.

الخاتمة:

مرّ تنظيم الإخوان المسلمين بتحولات سياسية عدة، خاصة على صعيد البناء الهيكلي التنظيمي الذي أدى إلى انقسامه إلى جبهات عدة؛ وهو ما أضعفه وأثر على تماسكه، وبالتالي انعكس ذلك على دور هذا التنظيم وفاعليته أيضًا، هذه التحولات على مستوى البناء التنظيمي وليس على مستوى الأفكار المؤسسة.

وبالتالي، يمكن وصف التنظيم بأنه يعيش مرحلة الضعف، ولكنه قد يكون قادرًا على تجاوزها لأنها تمسّ بناءه التنظيمي فقط؛ فمعظم التنظيمات الأيديولوجية لديها توجهات أدبية داخل المنظومة القيمية ربّما تساعدها في تجاوز أي ضعف تنظيمي أو فوضى تُصاحب تماسك التنظيم؛ وبالتالي لا قيمة حقيقية لضعف هياكل التنظيم طالما لم تتعرّض الأفكار المؤسسة لصور المواجهة نفسها. وهذه إشارة مهمة لكل المهتمّين والمراقبين والباحثين الذين يضعون على كاهلهم فكرة مواجهة التنظيمات المتطرفة، خصوصًا الإخوان، التي تمثل عصب هذه التنظيمات، ضرورة الانتباه إلى حجم المواجهة التي شملت التنظيم وجدواها، وما ينبغي أن تكون عليه.

فمهما تعرّض البناء الهيكلي للتنظيم لضربات، بصرف النظر عن قوتها، فإنها بلا تأثير حقيقي على انهيار التنظيم أو انهيار الفكرة، لأنّ التنظيمات تعتمد بصورة أكبر على الأفكار؛ بقاؤها يكون مرتبط بالأفكار. وهياكل التنظيمات ما هي إلا غلاف قد يتأثر وقد لا يتأثر، وهو ليس دليلًا على انهيار الفكرة، وقد يتم استبدالها ببناء هيكلي أقوى وأكثر صلابة طالما الفكرة مازالت تدبّ فيها الحياة.

عن "مركز تريندز للبحوث والاستشارات"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية