
يتصاعد النبذ الشعبي لحركة النهضة الإخوانية، التي كانت محصلة حكمها للبلاد 10 سنوات قضايا فساد وإرهاب، وقد أثبتت التحقيقات القضائية ارتكاب قيادات إخوانية لها، بخلاف أنها لم تكن تملك أي مهارات لإدارة شؤون البلاد، ووضعت أجندة التنظيم فوق المصلحة الوطنية، فضلا عن حالة التشتت والخلاف الحاد الذي تعيشه، والتي أفقدت الحركة جزء مهما من قادتها.
ويتوقع خبراء أن حل حركة "النهضة" يعتبر السيناريو الأقرب في ظل فقدانها لأغلب قياداتها التاريخية والرفض الشعبي إلى جانب الاتهامات التي تواجهها، وفي مقدمتها ملف "التسفير" وخروقات الانتخابات، مؤكدين أنها أصبحت "ورقة محروقة" بالنسبة للشارع التونسي.
مساعٍ فاشلة من أجل للعودة
لم تفقد حركة النهضة التونسية الأمل في العودة إلى المشهد السياسي في تونس بعد، إذ تراهن على جملة من العوامل التي قد تعيدها مرة أخرى للانخراط المجتمعي والسياسي، للحفاظ على الوجود مستقبلا في المشهد.
وتسعى الحركة لتغيير اسمها خلال الفترة المستقبلية، والدخول إلى المشهد السياسي مرة أخرى، وفق الخبراء، فيما يربط الخبراء بين تحركات النهضة في الوقت الراهن، وموعد الانتخابات الرئاسية في خريف 2024، إذ تسعى الحركة لدعم أحد المرشحين للرئاسة، رغم عدم اتضاح الرؤية بشأن المشهد حتى الآن.
وأرجأ المكتب التنفيذي و”مجلس الشورى” لحركة النهضة عقد المؤتمر الـ11 للحركة الذي كان مبرمجا نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، دون تحديد الموعد الجديد.
ويرى أن محاولات النهضة للعودة مستقبلا للمشهد السياسي تبدو صعبة، بعد أن عجزت عن عقد مؤتمرها منذ فترة، حتى قبل خروجها من السلطة، مشيرا إلى أن قدرة الدولة التونسية على تسديد ديونها الخارجية والداخلية رغم الأزمة الاقتصادية، أضعفت فرص النهضة التي راهنت على انهيار المالية العمومية.
من ناحيته، قال عبد القادر ساكري، المحلل السياسي التونسي والخبير الاستراتيجي، إن جميع محاولات حركة النهضة للعودة إلى المشهد السياسي أو إلى السلطة باءت بالفشل.
وأضاف في حديثه مع “سبوتنيك”، أنه رغم استغلال بعض قيادات حركة النهضة لتأزيم الأوضاع الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة، لفرض نفسها كلاعب سياسي داخل المعارضة التونسية، لم تنجح بعد.
ولفت إلى أن موقف النهضة ومن يناصرها من الحلفاء السابقين والحاليين داخل “جبهة الإنقاذ” أصبح ضعيفا، لكون أغلب قياداتها تعاني من الملاحقة القضائية، نتيجة ممارستها أيام الحكم طيلة “العشرية السوداء” في تهم فساد مالي وشبهات جنائية ارتبطت بقضايا خطيرة تمس الأمن القومي.
فقدت قياداتها التاريخية
ولطالما كانت حركة "النهضة" ذات المرجعية الإسلامية في تونس تفاخر بكونها الحزب الأكثر تماسكاً والأوسع قاعدة شعبية في المشهد السياسي في البلاد، ولئِن ارتبط اسم الحزب بمنظومة الحكم طيلة عقد من الزمن السياسي في البلاد بين 2011 و2021، فإن إجراءات 25 يوليو (تموز) 2021 التي بدأها رئيس التونسي قيس سعيد شكلت منعرجاً في الحياة السياسية للحركة التي تمكنت من مفاصل الحكم والدولة.
وباتت قيادات الحركة تواجه صراع أجنحة بداخلها بين من يرى ضرورة فتح قنوات الحوار مع السلطة الراهنة وعدم مقاطعتها، وبين من يرفض ذلك رفضاً قطعياً.
يتوقع خبراء أن حل حركة "النهضة" يعتبر السيناريو الأقرب في ظل فقدانها لأغلب قياداتها التاريخية والرفض الشعبي إلى جانب الاتهامات التي تواجهها
هذا الصراع خرج للعلن قبل أن تهز عاصفة استقالات الحركة النهضة، وأعلن 113 من قياديي ونواب وأعضاء الحركة استقالتهم الجماعية، بسبب ما اعتبروه خيارات سياسية "خاطئة" للحركة ورئيسها الغنوشي، وذلك بعد شهرين من تعليق الرئيس قيس سعيد أعمال البرلمان وتعزيز صلاحياته.
ولاحقا، ارتفع إجمالي عدد الذين تقدموا باستقالاتهم من الحزب إلى 131 عضوا، بينهم قياديون، وذلك بعد أن تقدم 18 عضوا آخر باستقالاتهم.
وكان من بين موقعي بيان الاستقالة، قيادات من الصف الأول، على غرار عبد اللطيف المكي وسمير ديلو ومحمد بن سالم، وعدد من أعضاء مجلس النواب السابق مثل جميلة الكسيكسي والتومي الحمروني ورباب اللطيف ونسيبة بن علي.
أما الأسباب التي دفعت هؤلاء الأعضاء للاستقالة، وفق المصادر، فهي "الاعتراف بالفشل في إصلاح الحزب من الداخل، والإقرار بتحمل القيادة الحالية المسؤولية عما وصلت إليه الحركة من عزلة"، ومن الأسباب الأخرى لاستقالة الأعضاء الـ131، تحمل النهضة "قدرا مهما من المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في تونس من ترد بشكل عام".
ويحمل قطاع كبير من قيادات النهضة، الغنوشي المسؤولية كاملة عن الفشل السياسي الذي لحق بالحركة على مدار السنوات الماضية.
وكانت قيادات حركة النهضة قد أكدت مرارا أن سياسة الغنوشي، التي اتسمت بقدر كبير من الدكتاتورية والتفرد باتخاذ القرار، تسببت في تصعيد حالة الاستقطاب السياسي إلى حد غير مسبوق في البلاد، مطالبين إياه بالاستقالة للحفاظ على ما تبقى من هيكل الحركة.
فقدت الحاضنة الشعبية
ويفسر المراقبون الصراعات بين الحركة بأنها "جبلية"، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن الأزمة الكبرى التي تواجهها النهضة الرفض الشعبي الذي تجلى في رفض دعوة الغنوشي للتظاهر يوم 26 يوليو/ تموز على إثر قرارات الرئيس سعيد، عندما ظل لساعات واقفا أمام البرلمان المغلق في وجهه مع عشرات فقط من أنصاره.
كما أن حل وحظر حركة النهضة أصبح مطلباً شعبياً بعد ثبوت تلقيها تمويلات أجنبية من الخارج خلال الانتخابات، وارتباطها بالإرهاب، والاغتيالات السياسية، وتبييض الأموال، وتورط أغلب قياداتها في جرائم ضدّ الدولة التونسية.
وبحسب قانون مكافحة الإرهاب في تونس، ينص الفصل السابع على تتبع الذات المعنوية "حزب أو جمعية أو منظمة"، إذا تبين أنها توفر الدعم لأنشطة لها علاقة بالجرائم الإرهابية، وفي حال ثبوت ضلوع الحزب أو الجمعية في نشاطات داعمة للإرهاب؛ يتم حرمانه من مباشرة النشاط السياسي لمدة أقصاها خمسة أعوام أو حلّه.
يذكر أن القضاء التونسي أصدر حكماً بسجن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وصهره رفيق عبد السلام، 3 سنوات، بتهمة تلقي حزبهما تمويلاً أجنبياً خلال انتخابات 2019.
فقدت خزانها الانتخابي
والثابت أن تونس أصبحت زمن حكم الإسلاميين، منطقة تسفير لآلاف التونسيين للقتال في سوريا، في صفوف القاعدة وداعش، حيث بلغت العمليات الإرهابية أكثر من 70 عملية بين 2011- 2021. ما دفع الناخبين إلى معاقبة النهضة، بالصندوق في الانتخابات التالية.
حل وحظر حركة النهضة أصبح مطلباً شعبياً بعد ثبوت تلقيها تمويلات أجنبية من الخارج خلال الانتخابات وارتباطها بالإرهاب والاغتيالات السياسية
فقد حصلت الحركة في انتخابات 2014 على 960 ألف صوت، حيث خسرت ثلث خزانها الانتخابي، ثم ارتفعت هذه الخسارة إلى ثلثي خزانها الانتخابي في انتخابات 2019 الأخيرة، فحصلت على أكثر من 500 ألف صوت بقليل، اتضح بعد ذلك أن هذه الأصوات الأخيرة، لم تأت ضمن انتخابات شفافة، حيث قررت محكمة المحاسبات في تونس، أن بعض الأحزاب ومنها حركة النهضة، استعملت التمويل الأجنبي في حملتها الانتخابية، ما استوجب إسقاط قائمتها حسب القانون الانتخابي، بموجب حكم قضائي باتّ.
كما أن أداء حركة النهضة في البرلمان، المنبثق عن انتخابات 2019 كان مثيرا للجدل. واعْتُبر الأداء السيء لزعيم الحركة راشد الغنوشي بالمؤسسة التشريعية، أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع حراك 25 تموز/ يوليو 2021.