"الأخوة الإسلامية"... ما دور أكاديميين مصريين في تأسيس فرع للجماعة ببغداد؟

"الأخوة الإسلامية"... ما دور أكاديميين مصريين في تأسيس فرع للجماعة ببغداد؟

"الأخوة الإسلامية"... ما دور أكاديميين مصريين في تأسيس فرع للجماعة ببغداد؟


16/08/2023

في العراق، لم تتشكل الأحزاب السياسية التي لعبت دوراً رئيساً في العقود التي تلت تأسيس الدولة العراقية عام 1921 من وحي أفكار شخصيات عراقية، فكّرت، ونظّرت، ونضجت رؤاها لتبلور جماعة سياسية ما. أغلب الأحزاب الفاعلة في القرن الـ (20) جاءت من وحي أفكار الخارج، سواء على الصعيد القومي العربي أو الصعيد الدولي. وفي مقدمة تلك الأحزاب، الحزب الإسلامي العراقي، واجهة الإخوان المسلمين في بلاد وادي الرافدين.

لا تذكر السرديات التاريخية القريبة أنّ شخصيات إيديولوجية عراقية أنتجت الحزب الإسلامي العراقي، بل يذكر المؤرخون والكتّاب، وحتى شخصيات الحزب ذاته، أنّ الجماعة الإخوانية في العراق تشكلت بإشراف إخواني دولي، ومباشر من مؤسس الجماعة الأم حسن البنا، لكن كيف تم ذلك؟ وماذا حصل؟

اضطرت الدولة العراقية الفتيّة حينذاك إلى استثمار كافة الطاقات العربية والأجنبية في تأسيس نظام سياسي عراقي، ودولة قادرة على مجاراة العالم الثالث، على أقلّ التقادير، لذا انفتح العراق على كل الطاقات في مجال التعليم، والطاقة، والاقتصاد، باستثناء السياسة التي قادها ضباط عراقيون عملوا في الجيش العثماني، لكنّهم موالون للملك فيصل الأول، الذي شكل معهم باكورة النظام السياسي الجديد وقتذاك.

كان المفكر القومي ساطع الحصري من أوائل الطاقات العربية العاملة في العراق، وقام بتأسيس نظام تعليمي محلي، فضلاً عن إدارته لوزارة المعارف مع شخصيات عراقية أخرى. وجود الحصري على إدارة ملف التعليم سمح بقدوم أساتذة مصريين إلى العراق، ساهموا في عملية التدريس والتثقيف العام، ومن بين هؤلاء الأساتذة شخصيات تنتمي لإيديولوجيا الإخوان المسلمين في مصر، وعلى صلة وطيدة بالشخص المؤسس للجماعة الأم.

الأخوة الإسلامية

في العام 1944 أنشئت أولى خلايا الإخوان المسلمين في حي الأعظمية في بغداد من قبل أولئك الأكاديميين المصريين العاملين في العراق. وقد استقطب هؤلاء شباناً عراقيين في عضوية التنظيم، من ذوي تعليم جيد قادرين على نشر فكر جماعة الإخوان المسلمين. وبحلول العام 1948 أصبح الأعضاء نشطين بشكل علني، وحشدوا المسلمين للقتال في فلسطين، داعين إلى وحدة المسلمين، وتعزيز القيم الإسلامية.

محمود الصواف، أول مرشد لجماعة الإخوان المسلمن في العراق

في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي سمح الحكم الملكي في العراق لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بالتسجيل الرسمي ككيان سياسي، ومع ذلك لم يسمح القانون العراقي في ذلك الوقت للجماعات السياسية بالتسجيل كفروع لكيانات تأسست أو تعمل في الخارج. وبدلاً من ذلك سجلت جماعة الإخوان المسلمين باسم (جمعية الأخوّة الإسلامية) بقيادة الشيخ محمد محمود الصواف، والشيخ أمجد الزهاوي.

الجمعية تمكنت من العمل بشكل رسمي وبحرّية في ظل النظام الملكي. وتمثل تلك الفترة حقبة ذهبية للحريات في تاريخ العراق الحديث بالنسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين في العراق.

محسن عبد الحميد: تم تأسيس الحزب الإسلامي كواجهة للإخوان المسلمين. وقد قامت اللجنة المركزية للإخوان المسلمين بتسجيل الحزب الإسلامي العراقي كحزب سياسي، في حين بقي أعضاء كبار آخرون في الخفاء خشية الملاحقة الأمنية

وأصدر الإخوان جريدتهم المسمّاة على اسم الجماعة في العراق (الأخوة الإسلامية)، وفيها دخلوا في مبارزات عقائدية مع التيارات العلمانية، وتحديداً الحزب الشيوعي العراقي، حيث أخذت مدينة الأعظمية ذات الغالبية السنّية المحافظة تضيق بالأفكار الشيوعية، لأنّ أهلها بطبيعتهم دينيون، فضلاً عن وجود ضريح الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان في تلك المنطقة المهمة في العاصمة بغداد.
ويقول الباحث في الدراسات الإسلامية مهند سلوم: إنه "لغاية الستينيات كان  الحزب الشيوعي العراقي وجماعة الإخوان المسلمين ينظرون إلى بعضهم بعضاً على أنّ كلّاً منهما يشكّل تهديداً وجوديّاً للآخر. كما أنّ شعبية الحزب الشيوعي العراقي لفتت انتباه جميع الجماعات الإسلامية، بما في ذلك (المرجعية)، وهي أعلى سلطة دينية للشيعة العراقيين. وبعد أن أطيح بالنظام الملكي في 14 تموز (يوليو) 1958، هاجمت الأحزاب اليسارية، بما في ذلك الحزب الشيوعي وبعض العناصر البعثية، مقر جماعة الإخوان المسلمين في بغداد، ودفعت مرشدها الروحي الشيخ محمد محمود الصواف إلى المنفى. ولتجنّب المزيد من الهجمات والاعتقالات، قررت جماعة الإخوان المسلمين أن تتحوّل إلى العمل السرّي".

أنشئت أولى خلايا الإخوان المسلمين في حي الأعظمية في بغداد من قبل أكاديميين مصريين عاملين في العراق. وقد استقطب هؤلاء شباناً عراقيين في عضوية التنظيم، من ذوي التعليم الجيد القادرين على نشر فكر الجماعة

ويضيف أنّه "في يوم 6 كانون الثاني (يناير) العام 1960 أصدر رئيس الوزراء آنذاك عبد الكريم قاسم قانوناً جديداً ينظم تأسيس الأحزاب السياسية. وبعد أكثر من شهر بقليل، في 12 شباط (فبراير) 1960 أصدر السيد محسن الحكيم، وهو رجل دين شيعي بارز، فتوى حرّم بموجبها الانتساب إلى الحزب الشيوعي العراقي. وفي في 26 نيسان (أبريل) 1960 قامت مجموعة من (12) عضواً في جماعة الإخوان المسلمين باغتنام الفرصة فأسست (الحزب الإسلامي العراقي)، مدركين أنّ القانون الجديد وفتوى الحكيم التي تستهدف منافساً كبيراً لهم تمثلان فرصة مهمة لعودة نشاط الجماعة سياسياً".
العلاقة بالجماعة الأم

إنّ علاقة الحزب الإسلامي العراقي بجماعة الإخوان المسلمين يكتنفها الغموض. فوفقاً لمحسن عبد الحميد، الرئيس السابق لمجلس شورى الحزب الإسلامي العراقي، تمّ تأسيس الحزب كواجهة للإخوان المسلمين، كما وصفها. وقد قامت اللجنة المركزية للإخوان المسلمين بتسجيل الحزب الإسلامي العراقي كحزب سياسي، في حين بقي أعضاء كبار آخرون في الخفاء تحسباً لقيام الحكومة العراقية باعتقال قادة الحزب بهدف حلّ جماعة الإخوان.

الأمين العام السابق للحزب الإسلامي العراقي محسن عبدالحميد

غير أنّ إياد السامرّائي، رئيس شورى الحزب الإسلامي، أنكر هذا السرد التاريخي. ووفقاً له، فإنّ سياسات الحزب لا ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين، وإنّ 90% من أعضاء الحزب الإسلامي العراقي ليسوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين. بغض النظر عن مدى ارتباطه مع جماعة الإخوان المسلمين، فإنّ الحزب الإسلامي العراقي قد خرج من جماعة الإخوان ويتبنّى الإيديولوجية نفسها، وينظر إليه معظم العراقيين على أنّه واجهة مغلفة للتنظيم، حتى لو فضل الحزب الإسلامي اليوم أن يصف نفسه بأنّه كيان منفصل ذو جذور فكرية وتاريخية تمتد إلى جماعة الإخوان المسلمين.

مواضيع ذات صلة:

البرلمان العراقي يعجز عن إقرار قانون لحماية الأسرة... ما دور الإسلاميين؟

العراق: سجال بشأن مفهوم "الجندر"... هل يحاول الإسلاميون إشغال الناس عن قضاياهم الرئيسة؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية