العراق: سجال بشأن مفهوم "الجندر"... هل يحاول الإسلاميون إشغال الناس عن قضاياهم الرئيسة؟

 العراق: سجال بشأن مفهوم "الجندر"... هل يحاول الإسلاميون إشغال الناس عن قضاياهم الرئيسة؟

العراق: سجال بشأن مفهوم "الجندر"... هل يحاول الإسلاميون إشغال الناس عن قضاياهم الرئيسة؟


02/08/2023

يخوض العلمانيون والإسلاميون سجالاً إعلامياً شرساً هذه الأيام، بعد أن هاجم الإعلام الإسلامي مفاهيم (الجندر) التي أخذت مسارها الثقافي إلى كافة مرافق الدولة، وعمل أكثر من ندوة تثقيفية بهذا الاتجاه. ويرى الإسلاميون أنّ تلك المفاهيم "المغربنة" هدفها التمهيد لإشاعة المثلية الجنسية في المجتمع العراقي المحافظ، بينما يعتقد العلمانيون أنّ مهاجمة الإسلاميين لمفهوم "النوع الاجتماعي" في هذا التوقيت، غايته إشغال الناس بمعارك عقائدية، تلهيهم عن مطالبة الحكومة بالخدمات الضرورية.  

وانشطرت دوائر الدولة العراقية ما بين مؤيد لإشاعة مفهوم (الجندر)، وما بين مناهض لها، وقام مسؤولون تابعون لتكتل (الإطار التنسيقي) الشيعي بإصدار منع تداول المصطلح في الدوائر الخاضعة لإدارتهم، أبرزهم وزير التعليم العالي نعيم العبودي (ينتمي لعصائب أهل الحق)، فيما سمحت الوزارات التابعة للمكوّن الكردي والسنّي بإقامة دورات تثقيفية بشأن مفهوم "النوع الاجتماعي".

ووجهت ناشطات نسويات انتقادات لمن يحاول تسويق (الجندرة) على أنّها خارج نطاق الأخلاق، واتهام من يقوم بذلك بأنّه داعم للنوع الاجتماعي الثالث، وأكدن أنّ هذا التسويق هدفه سياسي بامتياز، ولم يفهم المناهضون لـ (الجندرة) ماذا يعني ذلك المصطلح. 

وتعرّضت زعامات سياسية، سبق أن أعلنت دعمها لمبدأ التنوع الاجتماعي في العراق، لاتهامات الإعلام الموالي لـ (الإطار التنسيقي) بأنّ تلك الزعامات تحاول التمهيد للشذوذ الجنسي، وأنّهم متعاونون مع المنظمات الدولية التي تقف خلف إشاعة مثل هذه المصطلحات.

وزير التعليم العالي نعيم العبودي أول مسؤول عراقي حظر استخدام مصطلح الجندر في وزارته

وكان العراق من الدول التي وقعت على اتفاقية (سيداو) المعتمدة لدى الأمم المتحدة عام 1979، وهي اتفاقية تهدف إلى القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وتمكينها من أخذ حقوقها قياساً بالرجل، ولم يتخلف عن توقيع تلك الاتفاقية سوى (5) دول، تتقدمها إيران.

يعتقد النواب الإسلاميون أنّ الجندرية مفاهيم تبيح الشذوذ الجنسي والمثلية في المجتمع العراقي، وأنّ المنظمات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، هي التي تقف وراء تسويق تلك المفاهيم في المجتمع

ويُعدّ مصطلح (الجندر) من المفاهيم الحديثة نسبياً، فقد استعمل من قبل الكاتبة الإنجليزية (آن أوكلي) في بداية السبعينات من القرن الماضي بكتابها الموسوم (الجنس والجندر والمجتمع) الصادر عام 1972، فضلاً عن كُتّاب آخرين كتبوا عن الموضوع نفسه، ظهر للمرة الأولى في المواثيق الدولية، وذلك في مؤتمر القاهرة للسكان المنعقد في العام 1994.

ولهذا المفهوم، مفهوم مرادف يُسمّى "النوع الاجتماعي"، وهو الطريقة التي ينظر بها الرجال والنساء إلى أنفسهم، وإلى بعضهم بعضاً، حيث يمكن تحديد الأدوار والأنشطة والمسؤوليات المرتبطة بالرجل والمرأة ضمن مجتمع معين، وفي زمن معين.

مطالبات بوقفة جادة

وفي اعتقاد النواب الإسلاميين المنضوين في التكتل المقرب من إيران (الإطار التنسيقي) أنّ الجندرية مفاهيم تبيح الشذوذ الجنسي والمثلية في المجتمع العراقي، وأنّ المنظمات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، هي من تقف وراء تسويق تلك المفاهيم في المجتمع.

وعدّ النائب عن الإطار محمد كريم البلداوي الجامعة الأمريكية العاملة في العراق، بأنّها تقوم بـ "حرب شعواء" على الأوساط المجتمعية المحلية، عبر إشاعتها لمصطلحي الجندر والنوع الاجتماعي، وأكد وجود أجندات خارجية تؤثر على العراق في هذا المجال.

الباحث حارث حسن: ما تقوم به القوى الإسلامية في العراق اليوم من محاولة توجيه النقاش العام نحو قضايا الجندر، والمثليين، هي خدعة سياسية مكشوفة

ويقول البلداوي: إنّ "هذا الأمر أصبح واضحاً، لا سيّما بعد القرارات التي صدرت من الوزارات العراقية لتبيان هذا الموضوع"، مطالباً "أعضاء مجلس النواب بوقفة جادة للتصدي لهذه المصطلحات المنافية للتقاليد العراقية".

ويضيف: "نحن نتصدى لهذه القضايا المنافية للعادات الأخلاقية والاجتماعية، والتي تروج للإباحية والمثلية، وفيما يتعلق بكل ما يسيء للمجتمع العراقي ويفكك تركيبته الاجتماعية".

ويبيّن البلداوي أنّ "توجيهات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في هذا الاتجاه واضحة ورصينة، وتحتاج الى دعم، وسندعم هذه التوجهات التي وضعت النقاط على الحروف، وبينت بشكل واضح هذه المفردات والمصطلحات وضرورة عدم تداولها في الجامعات".

وكان وزير التعليم العالي نعيم العبودي قد وجّه نهاية تموز (يوليو) الماضي بحظر استخدام مصطلح "النوع الاجتماعي" في جميع مؤسسات الوزارة، وحماية المجتمع من دعوات ومظاهر الانحلال والشذوذ (المثلية).

خدعة سياسية مكشوفة

بالمقابل، يطالب كتّاب وناشطون مدنيون مواجهة القوى الإسلامية الحاكمة بملفات سياسية وأمنية وخدمية، فشلت في إدارتها الحكومات المحسوبة عليها، مؤكدين أنّ الإسلاميين يمارسون "خدعة سياسية مكشوفة" عبر إشغال الناس عن قضاياهم الحقيقية، والأكثر إلحاحاً.

النساء في العراق يعشن تحت ضغط العادات والتقاليد الاجتماعية والقوانين الذكورية

حارث حسن، باحث سياسي ليبرالي، قال: إنّ "ما تقوم به القوى الإسلامية في العراق اليوم من محاولة توجيه النقاش العام نحو قضايا الجندر، والمثليين، هي خدعة سياسية مكشوفة"، مبيناً أنّهم "يريدون جرّ الجميع إلى نقاش يعتقدون أنّهم سينتصرون فيه، وحساباتهم قد تكون صحيحة إذا ما أخذنا بالاعتبار أنّ المجتمع العراقي في حالته اليوم هو مجتمع يميل إلى الذكورية والمحافظة".

ويعتقد حسن أنّ "مواجهة الإسلاميين هنا لا تكون بالوقوع في الشرك الذي نصبوه، بل بتوجيه النقاش العام نحو القضايا الحقيقية والأكثر الحاحاً: الفساد الهائل في البلد، والفشل السياسي والاقتصادي، وإهدار الموارد لتمويل الدكاكين السياسية والاقتصادية للأحزاب، فضلاً عن الفشل الحكومي في مواجهة شحّ المياه، والجريمة المنظمة وعمليات الاغتيال التي ترعاها الميليشيات، والتضخم السكاني غير المنضبط ، والبطالة العالية... إلخ".

ويؤكد أنّ "إبراز هذه القضايا هو الاستراتيجية الأنسب لمواجهة محاولات القوى الإسلامية الحاكمة في العراق افتعال قضايا جانبية وتوجيه النقاش العام إليها".

ناشطات نسويات يطالبن بتمكين المرأة والوصول بها إلى مصافّ الحقوق مع الرجل، ويؤكدن أنّ المزايدة على القيم الاجتماعية مزايدة فاشلة من قبل الآخرين

وتتفق شروق العبايجي، ناشطة نسوية، مع ما ذهب إليه الباحث حارث حسن، وتؤكد أنّ العمل المدني النسوي في العراق يهدف إلى تمكين المرأة في مختلف الأطر، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتمكينها من إدارة مفاصل الدولة.

وتقول النائبة السابقة عن التيار المدني: إنّ "الانشغال بهكذا أمور هدفه التعمية عن الإخفاقات، والفشل الواضح في إدارة الحكومة للقضايا التي تمس مصالح الناس، وخدمتهم"، مشيرةً إلى أنّ "النضال متواصل من أجل إعلاء كرامة المرأة العراقية، والضغط على تشريع قوانين تحفظ كيان المرأة من العنف، والزواج المبكر، والامتهان".

وبشأن تسويق مفهوم الجندر، أوضحت أنّ "هذا المفهوم غير واضح لدى الكثير ممّن يناهضونه، بل لا يعرفون عنه شيئاً"، مؤكدةً أنّ "تمكين المرأة والوصول بها إلى مصافّ الحقوق مع الرجل، هو ما نعتقد به، وأنّ المزايدة على القيم الاجتماعية مزايدة فاشلة من قبل الآخرين، لأنّنا المدافعون الحقيقيون عن تلك القيم".

مواضيع ذات صلة:

الاقتصاد العراقي ينتكس... تحذيرات للبنك المركزي من الزج بنفسه في الصراع الأمريكي الإيراني

ضم عناصر إخوانية... الإعلان عن تحالف سُنّي جديد في العراق

كيف نقرأ زيارة رئيس الحكومة العراقية إلى سوريا؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية