الاقتصاد العراقي ينتكس... تحذيرات للبنك المركزي من الزج بنفسه في الصراع الأمريكي الإيراني

الاقتصاد العراقي ينتكس... تحذيرات للبنك المركزي من الزج بنفسه في الصراع الأمريكي الإيراني

الاقتصاد العراقي ينتكس... تحذيرات للبنك المركزي من الزج بنفسه في الصراع الأمريكي الإيراني


30/07/2023

ينتكس الاستقرار الاقتصادي في العراق مجدداً، بُعيد العقوبات الأمريكية التي طالت (14) مصرفاً محلياً مؤخراً، لاتهامها بتهريب العملة الصعبة إلى إيران. وتشهد الأسواق العراقية اضطرابات في أسعار الصرف المحلي أمام الدولار الذي ما يزال آخذاً بالتصاعد، فضلاً عن تنامي الفجوة بين السعرين، الرسمي والموازي، في السوق السوداء.

وينتقد خبراء اقتصاديون محاولات البنك المركزي العراقي في إسناد المصارف العراقية المعاقبة، والإتاحة لها شراء الدولار مرة أخرى عبر تسهيلات "التفافية" على الإدارة الأمريكية، محذرين من مغبة الدخول في الصراع الأمريكي الإيراني الذي قد يعرّض البنك المركزي لعقوبات أمريكية مستقبلاً.

وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية الأربعاء عقوبات على (14) مصرفاً عراقياً في حملة على تعاملات إيران بالدولار. ونقلت صحيفة (وول ستريت جورنال) عن مسؤولين أمريكيين القول: إنّ "الخطوة جاءت بعد الكشف عن معلومات تفيد بأنّ البنوك المستهدفة متورطة في عمليات غسيل أموال ومعاملات احتيالية لصالح طهران".

وسبق أن منعت وزارة الخزانة الأمريكية، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، (4) بنوك عراقية أخرى من الوصول إلى الدولار، وكذلك فرضت بالتعاون مع البنك المركزي العراقي ضوابط أكثر صرامة على التحويلات المالية في البلاد بشكل عام.

وبدأت مراحل انهيار الدينار منذ عام 2018، مع تصاعد عمليات تهريب الدولار الأمريكي إلى سوريا وإيران، ثم تفاقمت هذه المعضلة تزامناً مع تطبيق البنك الفيدرالي الأمريكي لعملية ربط البنك المركزي العراقي بالمنصة الإلكترونية من خلال (نظام سويفت) Swift لتتبع الحوالات النقدية، فقد هدفت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تطبيق هذا النظام المصرفي لمراقبة حركة الدولار والتأكد من عدم تهريبه إلى الدول الإقليمية الخاضعة للعقوبات الأمريكية.

قرارات البنك المركزي

وما أن أعلنت وسائل الإعلام خبر معاقبة أمريكا للمصارف العراقية المقرّبة من إيران، حتى تصاعدت أسعار صرف الدولار مقابل الدينار العراقي الذي أخذ بالتراجع كثيراً، وهو ما دفع البنك المركزي إلى إصدار قرارات عدة، أبرزها: توسيع نوافذ بيع الدولار، ليشمل شركات الصيرفة التي هي دون المصارف المالية، من حيث الترتيب، وأتاحت الفرصة للمصارف المعاقبة للتعامل بالعملة الوطنية والعملات الأجنبية غير الدولار.

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية الأربعاء عقوبات على (14) مصرفاً عراقياً في حملة على تعاملات إيران بالدولار

وقال البنك المركزي في بيان له: إنّ "منع مصارف عراقية من التعامل بالدولار جاء على خلفية تدقيق حوالات المصارف للعام الماضي 2022، وقبل تطبيق المنصة الإلكترونية، وقبل تشكيل الحكومة الحالية"، مضيفاً أنّ هذه المصارف "تتمتّع بكامل الحرية للتعامل بالدينار العراقي بمختلف الخدمات، فضلاً عن حقها في التعامل الدولي بالعملات الأخرى غير الدولار الأمريكي".

بعد معاقبة (14) مصرفاً عراقياً...، مسؤولون أمريكيون: الخطوة جاءت بعد الكشف عن معلومات تفيد بأنّ البنوك المستهدفة متورطة في عمليات غسيل أموال ومعاملات احتيالية لصالح طهران 

وإزاء ارتفاع سعر الصرف الحالي بالأسواق الموازية، أوضح المركزي العراقي "أنّ ما يعلن من سعر صرف في السوق يرتكز على الدولار النقدي الذي يمنحه البنك المركزي العراقي لتغطية طلبات المواطنين للسفر وغيره، وبسبب حاجة المواطن للعملة الوطنية، يقوم بعض التجار وغيرهم بسحب الدولار لأغراض التجارة أو غيرها، بعيداً عن المنصة وعن سياقات التحويل الأصولية، ممّا يؤدي إلى رفع سعر الصرف في الأسواق".

خبراء يُحذّرون

بالمقابل، انتقد خبراء اقتصاديون معالجات البنك المركزي العراقي لأزمة تهريب الدولار من قبل المصارف المعاقبة، وإتاحة الفرصة لها للحصول على العملة الصعبة عن طريق عناوين ثانوية، وهو ما يعرّض البنك المركزي لعقوبات أمريكية في المستقبل.

ويقول الدكتور عبد الرحمن المشهداني: إنّ "قرار البنك المركزي الأخير، بالسماح لشركات الصيرفة المالية بأن تدخل بشكل مباشر للنافذة الوطنية لبيع الدولار، هو واحد من الأمور التي ستخفف من ضغط العقوبات الأمريكية على المصارف العراقية المعاقبة"، مبيناً أنّ "معظم هذه المصارف تمتلك شركات صرافة محلية، فضلاً عن أنّ إمكانية تغيير أسماء المصارف يتيح لها العودة إلى النافذة الوطنية واستلام الدولار بالسعر الرسمي، وبيعه بسعر أكبر، أو تهريبه إلى خارج العراق".

خبراء اقتصاد ينتقدون إجراءات البنك المركزي، ويؤكدون أنّ الأخير يُعرّض نفسه لعقوبات أمريكية في حال استخدام حيل جديدة لصالح المصارف المعاقبة

وأضاف أنّ "البنك المركزي العراقي يعلم جيداً أسماء الشركات المالية الصغيرة، ولديه قائمة بأعدادها، وهذا الأمر يعرّض البنك المركزي لعقوبات أمريكية في حال استخدام هذه الحيلة لصالح المصارف الأهلية المعاقبة"، مشدداً على البنك المركزي "بوجوب محاسبة من يهرّب العملة الأمريكية".

وتساءل أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية: "لماذا تقوم السلطات المالية الأمريكية بمعاقبة مصارف عراقية تهرب الدولار نيابة عن البنك المركزي العراقي؟ أين دور البنك العراقي في الحفاظ على العملة الصعبة داخل البلاد؟". 

واقع النظام المصرفي

ويتفق الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي مع ما ذهب إليه زميله المشهداني في تشخيص الأزمة، وانتقاد البنك المركزي العراقي، إلا أنّ الهاشمي لوّح إلى إمكانية انهيار الاقتصاد المحلي في حال استمرار الحكومة في النظام المصرفي المعمول به حالياً.

وقال: إنّ "هناك حالة هلع وقلق في السوق، والمواطن والتاجر يبحثان عن شراء الدولار خوفاً من المزيد من انهيارات سعر الدينار"، مشيراً إلى "استنزاف هائل لمليارات الدولارات العراقية، أحرقها البنك المركزي في مزاداته خلال الأشهر الماضية للمحافظة على سعر صرف وهمي، انتهى مفعوله بسبب نتائج احتيال المصارف التي يتعامل معها".

المضاربات في العملة داخل العراق تؤدي إلى ارتفاع الأسعار التي تضر المواطن البسيط

وأكد أنّ "الحكومة والبنك المركزي أمام خيار إصلاح النظام النقدي والمصرفي بشكل كامل، أو ترقب سقوط سقف الاقتصاد العراقي على رؤوس الجميع، وأولهم الحكومة وأحزابها السياسية"، مبيناً أنّ "المصارف التي تمّت معاقبتها قبل أيام كانت موجودة أساساً في قائمة العقوبات الأمريكية في بداية العام، لكن تم تأجيل معاقبتها بعد تعهدات من المركزي بضبط عملياتها ورفع درجة امتثالها، لكنّ هذا لم يحدث، واستمرت تلك المصارف بالاحتيال، ممّا أدى إلى معاقبتها دون سابق إنذار".

وأوضح أنّ "البنك الفيدرالي الأمريكي كان يعتمد على تبادل المعلومات بشكل واسع مع البنك المركزي العراقي لتقييم عمل المصارف وإرسال التحذيرات والمطالبات حسب القواعد المتفق عليها، لكن مع مرور الوقت  يبدو أنّ الثقة بالمركزي لم تعد كما كانت؛ بسبب ضعف أدائه الإصلاحي وبطء إجراءاته، وشبهات تخادمه مع مصارف يحوم حولها الكثير من الشكوك".

مواضيع ذات صلة:

ضم عناصر إخوانية... الإعلان عن تحالف سُنّي جديد في العراق

كيف نقرأ زيارة رئيس الحكومة العراقية إلى سوريا؟

الإطار التنسيقي يلاحق مكتسبات إيران في العراق... ويفاقم الأزمة الكهربائية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية