اختلافات الإسلاميين... الصراع من أجل الدين أم عليه؟

اختلافات الإسلاميين... الصراع من أجل الدين أم عليه؟

اختلافات الإسلاميين... الصراع من أجل الدين أم عليه؟


28/06/2025

تتعدد التيارات والتنظيمات والجماعات الإسلامية التي ظهرت منذ أوائل القرن العشرين وما بعده، وعلى الرغم من أنّ كل تلك التيارات والتنظيمات تنطلق من أرضية الشريعة، وتسعى لتحويل المجتمع إلى مجتمع مسلم وفق رؤيتها ومعاييرها، تحكمه حكومة مسلمة تطبق الشريعة، فرغم اتفاقهم على هذه الأسس والمنطلقات الرئيسية؛ إلا أنّه يوجد العديد من الاختلافات بين تلك التيارات والتنظيمات في العديد من الآراء والأفكار والتوجهات، بعضها بسيط والبعض الآخر عميق، لكن في كل الأحوال تؤدي تلك الاختلافات في أحيان كثيرة إلى خلافات كبيرة، وصراعات فيما بينها، واتهامات متبادلة تصل أحياناً إلى حدّ التكفير.

فلماذا يختلف الإسلاميون فيما بينهم، وما أوجه هذا الخلاف، وهل يعني ذلك أنّ الإسلام لا توجد له نسخة واحدة يمكن الاتفاق عليها؛ ومن ثم يحق لآخرين من خارج التيار الإسلامي نقد الفكر الديني الذي تقدمه تلك التنظيمات، دون أن يتم اتهام كل صاحب رأي بأنّه يخالف الإسلام ويحاربه، وهل هذا الخلاف بين الإسلاميين من أجل الدين أم بسبب الصراع على من يمثل الدين في المجتمع، وهل في ظل هذا الخلاف والصراع القائم يكون من الممكن تصور دولة إسلامية كما تريد تلك التيارات، أم أنّها ستصبح محل خلاف، ومن ثم الصراع، بسبب الاختلاف حول شكلها وطبيعتها ووظيفتها؟ 

الصراع على تمثيل الدين

الإسلاميون، أو التيار الإسلامي في مصر، ليسوا طيفاً واحداً، لكنّهم ينقسمون إلى تيارات وتنظيمات واتجاهات متعددة، تجمع بينهم منطلقات فكرية واحدة ربما لا يفطنون للعديد منها، كما يجمع بينهم الرؤية بضرورة أن تكون الشريعة هي المرجعية والإطار الحاكم للمجتمع، والسعي نحو تطبيقها انطلاقاً من فكرة شمولية الإسلام، والعمل على إقامة دولة إسلامية تكون السلطة فيها هي القائمة على تطبيق الشريعة.

لكن، على الرغم من ذلك، فإنّ الاختلاف حول فهم هذه الشريعة، وطبيعة وشكل هذه الدولة، وآليات الوصول إليها، يتسبب في انقسام التيار الإسلامي إلى عدد من التيارات والجماعات والتنظيمات، حيث كل منها يتخذ مساراً مختلفاً عن الآخر، وفي الوقت ذاته يدّعي كل تيار

الإسلاميون، أو التيار الإسلامي في مصر، ليسوا طيفاً واحداً، لكنّهم ينقسمون إلى تيارات وتنظيمات واتجاهات متعددة


أو جماعة أنّه هو الذي يمثل الفهم الصحيح للدين، وأنّ منهجه هو المنهج المنضبط الملتزم بالإسلام، ومن ثم يهاجم كل منهم الآخر ويكيل إليه الانتقادات ويوجه له الاتهامات التي تتعدد ما بين الابتداع والمخالفة للإسلام، والخروج على منهج السلف، والخيانة للدين، والكفر أحياناً.

في كتابه "اختلافات الإسلاميين" يتناول الباحث أحمد سالم حالة الاختلاف بين التيارات الإسلامية الموجودة في المجتمع المصري، ويقوم في البداية بتصنيف تلك التيارات إلى (6) أنواع: سلفية علمية، وسلفية حركية سياسية، وسلفية ثورية، وسلفية جهادية، وسلفية مدخلية، بجانب جماعة الإخوان المسلمين، وكل تيار من هذه التيارات يضم عدداً من الكيانات، ويقع بين كل تيار وآخر عدد من الاختلافات حول مسائل فقهية وعقائدية، وأخرى تتعلق بمنهج التغيير، وبشكل وطبيعة الدولة الإسلامية المنشودة، وغيرها من القضايا، وداخل كل تيار هناك العديد من الاختلافات كذلك تسببت في حدوث انشقاقات تزيد من تعدد الكيانات الممثلة للتيار، وتزيد كذلك من حجم الخلافات والصراعات فيما بينها.

ويتجلى هذا الاختلاف بين التيارات الإسلامية من خلال وجهين؛ الأول هو ادعاء كل منهم أنّه هو الذي يمثل الإسلام الصحيح، فعلى سبيل المثال يقول حسن البنا في إحدى رسائله: "نحن الإسلام أيّها الناس"، ويقول الشيخ أسامة القوصي ممثل السلفية المدخلية في مصر في السابق: "أنا الدفة السلفية، أنا الميزان، دعوتنا دعوة ضبط وربط، دعوة استبصار، فمن أراد أن يستبصر بدين الله والعقيدة الصحيحة، فإنّ عليه أن يأتي هنا"، كما يرى التيار الجهادي أنّه وحده الذي يعبر عن المنهج السلفي ويمثل الإسلام الصحيح، وأنّ منهجه الذي يعتمد على الجهاد هو المنهج الوحيد الذي يؤدي إلى إقامة الدولة الإسلامية، وأنّ كل التيارات الأخرى لا تتبنّى منهجاً سليماً، فيقول مثلاً أبو مصعب السوري، وهو من رموز ومنظّري التيار الجهادي في كتابه "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية" معبراً عن ذلك أنّ "الفارق مثلاً بيننا وبين الإسلاميين (البرلمانيين والديمقراطيين) هو مجال خلاف تضاد وليس اختلاف تنوع مقبول".

والوجه الآخر يتمثل في توجيه كل تيار سهام نقده إلى التيارات الأخرى واتهامه بالعديد من الاتهامات التي تفيد بابتعاده عن الفهم الصحيح للإسلام بل والخروج منه أحياناً، وكثيراً ما يقوم كل تيار بتحذير أتباعه من الاستماع للدعاة الذين يمثلون التيارات الأخرى، ويذكر أحمد سالم في كتابه نماذج من تلك الاتهامات المتبادلة بين التيارات السلفية، منها وصف هشام البيلي أحد رموز السلفية المدخلية لرموز السلفية العلمية بأنّهم مبتدعة وجهّال بمذهب السلف، كما أنّ بعض رموز السلفية الحركية يصفون المدخلية بأنّهم عبيد الطواغيت، وعلى جانب آخر يصف الجهاديون السلفيات الحركية والعلمية بأنّهم كالفراخ البيضاء، بسبب أنّهم لا يمارسون الجهاد ولا يستخدمون القوة كمنهج للتغيير على الرغم من حديثهم بشكل نظري في أدبياتهم عن الجهاد، كما أنّ التيار الجهادي يتهم كل التيارات الإسلامية الأخرى التي تشارك في العملية السياسية وتعترف بالدستور والقوانين بأنّها مخالفة للإسلام، ويرون أنّ المشاركة في الانتخابات والعمل في إطار القوانين الوضعية لا يتوافق مع الإسلام، وفي المقابل ترى الدعوة السلفية بالإسكندرية أنّ السلفية الجهادية منحرفة عن المنهج السلفي الصحيح، وعلى جانب آخر يصف الشيخ فوزي السعيد أحد رموز السلفية الحركية في خطبة له حزب النور والدعوة السلفية بالإسكندرية بـ "العهر" ويتهمها بالخيانة والنفاق، كما أنّ جماعة الإخوان تنال قسطاً كبيراً من النقد والاتهامات من جانب العديد من التيارات السلفية بأنواعها، فعلى سبيل المثال يصف أيمن الظواهري في كتابه "الحصاد المر" جماعة الإخوان بأنّ لديها خللاً عقائدياً ومنهجياً، والتيار الجهادي يرفض منهج الإخوان الذي يقبل المشاركة السياسية، لأنّه يرى أنّ الديمقراطية كفر وحكم بغير ما أنزل الله، وأنّ الجماعة لا تلتزم بمبدأ الولاء والبراء، في حين تنظر تيارات السلفية العلمية والحركية إلى جماعة الإخوان على أنّها جماعة بعيدة عن المنهج السلفي الأصيل، وأنّها تفتقد إلى الدراية بالعلم الشرعي، ولا تهتم بالعقيدة، وتقوم بتمييع الدين حتى تكون قادرة على حشد أكبر عدد من الأفراد ليكونوا من أتباعها، كما تتهمها بأنّها تهمل السنّة وما يُسمّى "الهدي الظاهر"، وخاصة إعفاء اللحية، وترى السلفية المدخلية جماعة الإخوان بأنّهم مبتدعة ويشبهونهم بالخوارج.

نتائج ودلالات

ما سبق، على إيجازه، يوضح حجم الاختلاف والخلاف الواقع بين التيارات الإسلامية بكل أشكالها، ولا عجب من الاختلاف في حد ذاته، إذ إنّه من طبيعة الحياة، لكنّ العجب في أنّ كل تيار يرى نفسه أنّه مالك الحقيقة المطلقة، وأنّه هو الذي يمثل الإسلام الصحيح، وأنّه الامتداد للمنهج السفلي، ممّا يجعلنا نتساءل: هل ثمّة نسخة واحدة للإسلام واضحة لا خلاف عليها، أم أنّ فهم الإسلام يختلف من وقت إلى آخر ومن عقل إلى آخر؟ ولماذا إذاً، والوضع هكذا، أنّ الإسلاميين أنفسهم لا يتفقون على رؤية واحدة ولا يجتمعون على نسخة واحدة للإسلام؛ لماذا يتم اتهام كل صاحب فكر مخالف للفكر الديني الخاص بتلك التيارات، أو ناقد له من خارج التيار الإسلامي بأنّه مخالف للإسلام ومحارب له؟

كل التيارات الإسلامية تسعى إلى إقامة دولة إسلامية تُطبق فيها الشريعة، على الرغم من عدم اتفاقهم حول مفهوم الشريعة، وعلى الرغم من اختلافهم في عدد من القضايا والآراء الفقهية والعقائدية، واختلافهم حول طبيعة تلك الدولة وسبل الوصول إليها

الأمر الآخر هو أنّ كل التيارات الإسلامية تسعى إلى إقامة دولة إسلامية تُطبق فيها الشريعة، على الرغم من عدم اتفاقهم حول مفهوم الشريعة، وعلى الرغم من اختلافهم في عدد من القضايا والآراء الفقهية والعقائدية، واختلافهم حول طبيعة تلك الدولة وسبل الوصول إليها هل بالتربية وتغيير المجتمع من أسفل، أم باستخدام القوة والتغيير من أعلى، أم بالمشاركة السياسية التي ترى بعض التيارات أنّها كفر لأنّها تتم تحت إطار المفاهيم والنظم الغربية والقوانين الوضعية، هل سيؤدي العمل لإقامة تلك الدولة إلى الدخول في حالة من الصراع بأشكاله المختلفة بين التيارات الإسلامية التي يرى كل منها أنّ منهجه هو المنهج السليم، وأنّ أفكاره هي التي تمثل الإسلام الصحيح؟ وهل ستكون تلك الدولة سبباً في توفير الحياة الكريمة والعيش المستقر للأفراد، أم أنّها ستكون سبباً في المزيد من الأزمات والصراعات والانقسامات؟ أم أنّه والوضع هكذا تصبح تلك الدولة مجرد يوتوبيا قائمة في خيال أصحابها فقط؟   

الأمر الأخير هو أنّ تلك الحالة من الخلاف والصراع بين التيارات الإسلامية على من يمثل الإسلام، والسعي من جانب كل منهم على جذب أكبر عدد من الأفراد إليه ليكون من أتباعه الذين يسمعونه ويطيعونه، ويأخذون الدين منه فقط باعتباره هو الذي يمتلك الحقيقة المطلقة؛ سوف تؤدي إلى نتيجتين؛ الأولى هي تعصب كل فرد للتيار أو التنظيم الذي ينتمي إليه، ممّا يؤدي إلى تفاقم الصراعات في المجتمع وتحويل الدين إلى سبب رئيسي للانقسامات، والنتيجة الثانية هي أنّ حالة الصراع هذه تصيب الكثير من أفراد المجتمع بالحيرة والارتباك، وعدم القدرة على تحديد أيّ نسخة صحيحة للإسلام، ممّا يؤدي بالكثيرين إلى الابتعاد عن دائرة التدين وجعل الدين أمراً هامشياً بالنسبة إليهم، أو الابتعاد عن دائرة الدين بالكليّة. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية