بماذا تخبرنا سيرة العنف والقتل المقدس لدى إخوان حسن البنا؟

بماذا تخبرنا سيرة العنف والقتل المقدس لدى إخوان حسن البنا؟

بماذا تخبرنا سيرة العنف والقتل المقدس لدى إخوان حسن البنا؟


29/07/2023

"العنصر الإرهابي في هذه الجماعة (أي الإخوان المسلمين) كان يرمي من غير شك إلى أن يؤول إليها الحكم، ولعلهم استبطأوا طريقة إعداد الرأي العام لتحقيق هذه الغاية عن طريق الانتخاب فرأوا أنّ القوة هي السبيل إلى إدراك غايتهم". هذا التوصيف، الذي ذكره المؤرخ المصري، عبد الرحمن الرافعي، عن جماعة الإخوان المسلمين، بينما أشار إلى طبيعة العنف المتجذرة بالتنظيم، يؤشر إلى غلبة مبدأ "القوة" و"الإرهاب" لتحقيق الأهداف، السياسية والبراغماتية، لدى التنظيم الإسلاموي.

تاريخ من العدوان

العنف لم يكن حدثاً عرضياً لدى جماعة الإخوان، إنّما كان يلازمها منذ التأسيس عام 1928، سواء على المستوى النظري أو الحركي. فيما تورطت الجماعة وجناحها السري المسلح في حوادث ووقائع عنف عديدة، منها اغتيال رئيس وزراء مصر في أربعينات القرن الماضي، محمود فهمي النقراشي، ثم المستشار الخازندار، واللواء سليم زكي في الفترة ذاتها تقريباً، فضلاً عن محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954 إثر صدامهم مع دولة يوليو (تموز) 1952. وسيرة العنف في تاريخ الجماعة لم تتوقف حتى بعد وصولهم للحكم في مصر، وإخفاقهم في مشروع "التمكين" الذي اصطدم برفض هائل للقوى المجتمعية والمدنية التي اصطفت ضدهم، عام 2013، فامتلأت الميادين في مدن ومحافظات مصر بهتافات: "لا للحكم المرشد".

يمكن القول إنّ جماعة الإخوان قفزت على كل خطاباتها السياسية البراغماتية، ونجحت في عقد تحالفات مشبوهة، محلية وإقليمية ودولية، لتحقيق طموحاتها في السياسة والحكم، الأمر الذي رافق تاريخها الممتد لنحو تسعة عقود. واللافت أنّ الإخوان مع تحالفهم المؤقت، المتكرر والتقليدي، مع الأنظمة، يضحى بعد فترة وجيزة عداء وخصومة مريرة، ثم تتحول إلى مواجهة عنيفة ومحتدمة بل ودموية، تصل إلى حد استخدام القوة المسلحة. هذا ما حدث في فترة الحكم الملكي بمصر قبل عام 1952، ثم مع صعود عبد الناصر وانتهاء الملكية وتكرر في حقب أخرى مختلفة.

عقيل حبيب: الإخوان طوروا تقنيات الحرب الإعلامية

فالمؤتمر الرابع لجماعة الإخوان المسلمين كان مخصصاً للاحتفال باعتلاء الملك العرش، وتجمع "الإخوان" عند بوابات قصر عابدين وهتفوا: "نهبك بيعتنا.. وولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله". ظل الإخوان، كما في كل تاريخهم، في حيز الدور الوظيفي لجهة قمع المعارضين والتشنيع ضدهم، مثلما حدث في صدام الملك وحزب الوفد الذي كان يمثل الأغلبية الشعبية، وقد نظمت الجماعات مظاهرات داعمة للملك تهتف: الله مع الملك" في مقابل احتجاجات وتظاهرات الشعب التي تردد: "الشعب مع النحاس" في مفارقة تفضح النفاق الديني.

كما بلغت الأمور ذروتها بعد الخلاف الذي نشب، في نهاية ثلاثينات القرن الماضي، بين الوفد والإخوان؛ حيث إنّه، في عام 1946، تم تعيين إسماعيل صدقي باشا رئيساً للحكومة والمعروف عنه بأنّه "جلاد الشعب"، وعندما زار الأخير مقر الجماعة في منطقة الحلمية الجديدة، وقتذاك، وقف قيادي بالجماعة مهنئاً إياه قائلاً: "واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد". ولم تكن هذه الاستعارة القرآنية، التي لا تحتاج ثمّة تأويل، سوى لحظة قصوى من استدعاء الدين الذي يتحول لدى الجماعة إلى مجرد أداة للدعاية السياسية.

خطاب الكراهية والتمييز الديني

والشقاق، لاحقاً، بين الإخوان والملك ليس حدثاً استثنائياً، والصدام العنيف والدموي له محطات عديدة ورئيسية. بيد أنّه قبل أن نستأنف سيرة العنف وفضح النفاق والمزايدات الدينية التي يتم توظيفها لحسابات سياسية، يبدو أنّ سخرية الرئيس جمال عبد الناصر من الإخوان أو بالأحرى المرشد حسن الهضيبي عندما طالبه بفرض الحجاب الإلزامي على نساء مصر بعد نجاح الثورة في 1952، كانت تتجاوز موقفه المنفتح من الدين ورفض الإكراهات الدينية إلى فهمه حقائق الجماعة، وأغراضها المباشرة والانتهازية، التي تسعى لنشر التمييز وخطابات العنف والكراهية، وأن يكون الزي ضمن أمور أخرى لتحقيق الانتماء على أساس الدين وليس الوطن، وفرض هوية قسرية تمزق الوحدة المدنية والمواطنية.

العنف لم يكن حدثاً عرضياً لدى جماعة الإخوان، إنّما كان يلازمها منذ التأسيس عام 1928، سواء على المستوى النظري أو الحركي

المفكر والباحث في التاريخ والوثائق، عماد أبو غازي، يقول: "مرت العلاقة بين الإخوان المسلمين والضباط الأحرار بعدة مرحل منذ ليلة 23 يوليو 1952 حتى حادث المنشية فى 26 أكتوبر 1954، بل ربما نستطيع أن نقول إن العلاقة كانت سابقة على ليلة 23 يوليو 1952، فقد سعى عبدالناصر للاتصال بالجماعة فى مرحلة تكوين تنظيم الضباط الأحرار مثلما اتصل بغيرها من التنظيمات والجماعات السياسية، كما أن عدداً من قيادات تنظيم الضباط الأحرار كانوا على صلات متفاوتة بالجماعة فى مراحل مختلفة قبل نجاح حركتهم".

وفي مقال بعنوان: " حكاية الإخوان وعسكر يوليو من التحالف إلى الصدام الدموى"، يوضح أبو غازي: "استمرت العلاقة الودية بين الجماعة والضباط الأحرار ظاهرياً على الأقل فى الشهور الأولى التالية لنجاح الحركة، وإن كانت البيانات التى صدرت بعد ذلك تشير إلى محاولات الإخوان فرض وصايتهم على ضباط يوليو، حيث طالبوا بضرورة عرض القرارات الكبرى عليهم قبل إعلانها! ورفض مجلس قيادة الثورة هذه المحاولات دون أن تنقطع حبال الود بين الطرفين، فعندما شكل محمد نجيب وزارته الأولى فى 7 سبتمبر 1952 خلفاً لوزارة على ماهر، ضمت الوزارة الشيخ الباقورى وزيراً للأوقاف، وكان مجلس قيادة الثورة على استعداد لأن يمنح الإخوان ثلاث حقائب وزارية إلا أنّ الخلاف حول الأسماء أدى إلى الاكتفاء بالشيخ الباقورى فقط، الذى سارعت الجماعة بفصله بعد دخوله الوزارة!".

الصدام الأول

وجاء الصدام الأول المكشوف بين الإخوان المسلمين ومجلس قيادة الثورة فى يناير 54، وعلى وجه التحديد فى يوم 12 يناير، حسبما يذكر أبو غازي، وهو يوم الاحتفال بالشهداء فى الجامعة، فقد أعدّ طلاب الإخوان للاحتفال بهذا اليوم وقرروا أن يفرضوا سيطرتهم على الاحتفال، وقاموا بالدخول للجامعة ومعهم نواب صفوى الثائر الإيرانى وأحد قادة تنظيم فدائى إسلام، ووقعت اشتباكات بين الطلاب من الإخوان وطلاب منظمة الشباب الموالين لمجلس الثورة، واتهم الإخوان يومها بالتآمر لزعزعة استقرار البلاد، ويبدو أنّ هذا اليوم كان ينتهى فى كل عام بتوجيه الاتهام لمجموعة بالعمل ضد الثورة! ففى عام 1953 تم توجيه الاتهام للقائم مقام رشاد مهنا ومجموعة من الضباط والمدنيين باستغلال احتفال الجامعة بشهدائها لإحداث فتنة واضطراب.

يشير تقرير للاستخبارات البريطانية، بحسب وثائق كشفت عنها "بي بي سي"، إلى أنّه بعد وصول الضباط الأحرار إلى مواقع السلطة والسيطرة والنفوذ، كانت هناك تحذيرات جمّة ومخاوف من وصول جماعة الإخوان للحكم. ووفق الوثائق المنشورة فإنّه "لو وضع الجيش الإخوان في السلطة، فإنّهم يملكون سلاحاً نفيساً لا يقدر بثمن يتمثل في كتائبهم التي لم يتم، كما هو معروف، حلها أبداً، ولا تزال تملك كميات كبيرة من الأسلحة، لم تستخدم بشكل كامل في منطقة القناة". فيما عدّ التقرير هذه الكتائب "عنصر يمكنه بسهولة قلب الموازين في أيّ صراع على السلطة لمصلحة الإخوان المسلمين".

الباحث العراقي عقيل حبيب، لـ"حفريات" جماعة الإخوان دائماً ما تلجأ إلى سلاح الدين نظرياً وعملياً والذي يتحول إلى خطاب تحريضي على القتل المقدس

إذاً، تتبع مسارات العنف لدى جماعة الإخوان يبدو أمراً "سهلاً" و"موثقاً"، سواء في تاريخها السياسي والتنظيمي، أو حتى في أدبياتها، حسبما يوضح الباحث العراقي المتخصص في قضايا الإسلام السياسي، عقيل حبيب، موضحاً لـ"حفريات" أنّ جماعة الإخوان دائماً ما تلجأ إلى "سلاح الدين نظرياً وعملياً والذي يتحول إلى خطاب تعبوي تحريضي على العنف والقتل. فالإخوان، وعلى مدار تسعين سنة، تقريباً، لم تتوقف عن الانخراط في هذه الدائرة المتشنجة؛ فقد اعتبروا جمال عبد الناصر ينتمي إلى الـ"جاهلية" أو "بربرية ما قبل الإسلام" لمجرد أنّه لا يتماهى مع نطاق رؤيتهم، السياسية والأيدولوجية، بل حاولوا اغتياله".

ووفق عقيل، فإنّ الإخوان بعد ما عرف بـ"الربيع العربي" طوروا تقنيات الحرب الإعلامية ضد خصومهم السياسيين من خلال الاستعانة بحلفاء إسلاميين آخرين، كما صنعوا في مصر من خلال قوى سلفية، وأعضاء وقيادات سابقين في الجماعة الإسلامية، بحيث تكون وسيلة منهم لنفي أو بالأحرى التملص من خطاب العنف. لكن مع "وجود وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي الحديثة التي يحفل أرشيفها بالعديد من الفيديوهات التي توثق مواقف الإخوان، كما غيرهم، التي حرضت ضد مواطنين عاديين، فضلاً عن مؤسسات الدولة وأجهزة الشرطة والجيش، فإنّ الحيل القديمة للدفاع عن أنفسهم باعتبارهم أبرياء تخفق في تحقيق نتائجها المرجوة".

مواضيع ذات صلة:

المظلومية التاريخية لدى الإخوان.. معضلة التأسيس للإيديولوجيا والتنظيم بعد حسن البنا

التجسس عند حسن البنا: خطيئة الآخرين فقط!




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية