
في الوقت الذي أعلن فيه الجيش الإسرائيلي عن قرب انتهاء العملية العسكرية البرية في مدينة رفح خلال أسابيع قليلة، بعد ادعاء الجيش بالقضاء على كتائب حماس وتحقيق إنجازات كبيرة، يستعد الجيش للانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب لكن ليس بسبب انتهاء الحرب، حيث ستحتاج المرحلة إلى أعداد جنود وآليات عسكرية بحجم أقل من المرحلة الثانية، خاصة أنّ الجيش يلمح إلى تصاعد الأعمال العسكرية شمال فلسطين مع حزب الله، الذي يوسع من هجماته ضد المواقع العسكرية والمدن الإسرائيلية خلال الآونة الأخيرة.
وتأتي المرحلة الثالثة بعد تنفيذ الاحتلال الإسرائيلي المرحلة الأولى من العملية البرية التي استمرت قرابة (3) أسابيع، واقتصرت تلك المرحلة على القصف الجوي والبري والبحري، والذي طال منازل مدنية ومقرات حكومية بالإضافة إلى تنفيذ عمليات نسف لمربعات سكنية وإيقاع العديد من المجازر المروعة، في المقابل جاءت المرحلة الثانية التي ركزت على التوغلات البرية لكافة مدن ومخيمات قطاع غزة، والتي وصلت إلى اجتياح مدينة رفح قبل أسابيع قليلة وتشارف على الانتهاء.
سيطرة أمنية
وتتمثل المرحلة الثالثة، وفق محللين، بإبقاء الجيش الإسرائيلي سيطرته الأمنية على محور نتساريم الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، بالإضافة إلى إبقاء السيطرة على معبر رفح، حيث سيستفيد من محور نتساريم في منع عودة سكان الشمال إلى منازلهم وتنفيذ عمليات اقتحام محدودة للمناطق القريبة من المحور، بالإضافة إلى استخدام المحور إلى جانب معبر رفح ورقة للتفاوض والضغط على حماس وكسب المزيد من التنازلات حول صفقة تبادل الأسرى.
تتمسك حماس بضرورة التزام الاحتلال الإسرائيلي بوقف إطلاق النار والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وهذا ما ترفضه إسرائيل ويعيق إنجاز صفقة التبادل
وخلال جولات المفاوضات العديدة التي يرعاها الوسطاء مصر وقطر، تتمسك حماس بضرورة التزام الاحتلال الإسرائيلي بوقف إطلاق النار والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وهذا ما ترفضه إسرائيل ويعيق إنجاز صفقة التبادل، في المقابل تصر حماس على المطلبين كمدخل للوصول إلى هدنة، لكن وفق المحللين، فإنّ المرحلة المقبلة الثالثة ستكون صعبة، خاصة أنّ الاحتلال سيواصل منع سكان الشمال من العودة إلى منازلهم، وسيحرم السكان من السفر إلى خارج القطاع بفعل السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح البري.
خسائر الجيش كبيرة
في إطار الحديث عن شكل تلك المرحلة وما هي التداعيات المترتبة عليها، يقول الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي شريف السيد: إنّ "الاحتلال قد فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أيّ من أهداف الحرب المستمرة للشهر التاسع على التوالي، مع التوجه للانتقال إلى المرحلة الثالثة والتي سيزيد فيها الاحتلال من التضييق على السكان، في ظل عجزه في القضاء على فصائل المقاومة التي تواصل تكبيده خسائر بشرية ومادية خاصة في مدينة رفح، التي تعرض فيها العديد من عناصر الجيش والآليات لكمائن موقعة خسائر فادحة".
ولفت في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "انتقال الجيش للمرحلة الثالثة يأتي في ظل الخسائر الكبيرة، وعدم استطاعة الجيش المجازفة بالفرق والكتائب المنتشرة في ظل حرب الاستنزاف، ومحاولة حشد القوات على الحدود الشمالية المشتعلة، في ظل تصاعد تهديدات حزب الله ووجود عجز في أعداد الجنود الإسرائيليين، تزامناً مع الدعوات المتصاعدة لتجنيد المتدينين لسد الفجوة في النقص".
وبين أنّ "خطورة المرحلة الثالثة تكمن في جعل قطاع غزة أشبه بالضفة الغربية، في ظل السيطرة الأمنية المستمرة من قبل الجيش على محاور عدة في قطاع غزة، منها محور نتساريم والمنطقة العازلة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، حيث سيسمح هذا التواجد بزعزعة الأمن من خلال قيام الجيش بتنفيذ عمليات توغل واقتحامات بناءً على معلومات استخبارية يعمل عليها".
احتمالية الاتفاق
من جهته يؤكد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي عليان الهندي أنّ "المرحلة الثالثة ستكون أقرب للتوصل إلى أيّ اتفاق ينهي الحرب ويحقق صفقة تبادل، بعد أن أنهى الجيش المرحلة الثانية والتي كان يصر خلالها على تنفيذ عمليات برية لكافة مناطق قطاع غزة بهدف القضاء على عناصر حماس وتدمير البني التحتية والعسكرية".
ويتفق الكاتب الهندي مع سابقه في نوايا الاحتلال الإسرائيلي من تحويل المرحلة الثالثة إلى أشبه ما يحصل في الضفة الغربية، من سيطرة أمنية والعمل على تقييد نشاط حماس، وملاحقة العناصر من خلال عمليات الاقتحام والتوغل المحدودة للمدن، لكن برأيه لن ينجح الاحتلال في تحقيق ذلك، لأنّ المقاومة وبالتحديد القسام لديها أنفاق أرضية كبيرة تعمل من خلالها في مواجهة الجيش، وهناك صعوبة في تدمير الأنفاق التي تعتبر السلاح الاستراتيجي لفصائل المقاومة بشكل عام.
ويوضح في حديثه لـ (حفريات) أنّ "المجتمع الإسرائيلي بات يعاني من حالة تفكك صعبة، والمخاوف تزداد من نشوب حرب أهلية ، كما أنّ المظاهرات الشعبية باتت تتصاعد في ظل تصاعد النداءات بإسقاط الحكومة وعقد صفقة تبادل للأسرى، في ظل القناعة الراسخة بأن الحكومة تعمل لمصالحها الخاصة وليس لمصلحة الشعب والدولة، وهذا ما يهدد بتوجه الدولة إلى انتخابات مبكرة وخسارة إسرائيل في الوقت الحالي الحرب، لعدم وجود أهداف حقيقية لها".
ومنذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي يواصل الجيش الإسرائيلي شن حرب هستيرية على قطاع غزة، موقعاً آلاف الضحايا وعشرات الآلاف من الإصابات، عدا عن تدمير كامل للبنى التحتية والأحياء السكنية في مختلف مناطق قطاع غزة، وتصر إسرائيل على استمرار الحرب بالرغم من جهود التفاوض المستمرة للتوصل إلى حل، وقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن خطة من (3) مراحل للتوصل إلى هدنة ووقف الحرب على قطاع غزة، وأصدر مجلس الأمن بعد ذلك قراراً يقضى بوقف الحرب على قطاع غزة، واعتماد ورقة بايدن التي ردت عليها حركة حماس منتصف حزيران (يونيو) الجاري، وأعلنت موافقتها على المقترح بعد وضع ملاحظات طفيفة، تضمنت ضمانات أمريكية مكتوبة بضرورة وقف إطلاق النار التام والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، وهذا ما ترفضه إسرائيل، وزاد من تعقيد إمكانية التوصل إلى هدنة.