كيف أسّست حركة النهضة الإخوانية "الشعبوية" في تونس؟

كيف أسست حركة النهضة الإخوانية الشعبوية في تونس؟

كيف أسّست حركة النهضة الإخوانية "الشعبوية" في تونس؟


31/08/2023

تُذكر "الشعبوية"في السياق التداولي في تونس عامة لتدلّ على ما لا يمكن تحقيقه من وعود سياسية زائفة يستحيل تحقيقها، وهو تصوّر يخفي تبسيطاً للأشياء وتتفيهاً لما يمكن أن تحتاجه من جهد لتحقيقها، كما تذكر الشعبوية في كثير من الأحيان نقيضاً للواقعية والعقلانية؛ أي بوصفها ضرباً من الطوباوية الحالمة. وإذا كان هذا المفهوم بهذا المعنى هو الأكثر تداولاً، ويذكر عادة بوصفه نقيصة أو تهمة سلبية، فإنّ مفاهيم الشعبوية عديدة، فقد تعني "كراهية الأجانب" أو "القومية" أو "الشوفينية" أو "تبسيط الأمور"، وهو المعنى الغالب في الاستعمال اليومي، وقد تعاظم ذكر الشعبوية في سياق الإدانة، خصوصاً في العام 2019 زمن الحملات الانتخابية في سياق التراشق بين المرشحين للرئاسة.

غير أنّ التأسيس الفعلي للمصطلح بمعنى التبسيط والطوباوية ومناقضة العقل والممكن كانت قد أسست له حركة النهضة الإخوانية منذ العام 2011 خلال حملتها الانتخابية لانتخابات المجلس التأسيسي. فقدمت حينها برنامجاً انتخابياً قال حمادي الجبالي يوم تقديمه بحضور شخصيات وطنية وسفراء دول أجانب: إنّ أكثر من (180) خبيراً من اختصاصات مختلفة قد أشرفوا على إعداده.

وتضمن البرنامج الانتخابي (365) نقطة تمثل في الغالب وعوداً انتخابية لمجلس نواب لا لمجلس تأسيسي سيتم انتخابه حينها لكتابة دستور جديد للبلاد في فترة وجيزة، بعد أن ألغي العمل بدستور 1959 الذي خضع لتنقيحات عديدة في عهدي الزعيم بورقيبة وزين العابدين بن علي.

كان من أبرز ما وعدت به حركة النهضة حينها تشغيل (590) ألف عاطل عن العمل في ظرف (5) أعوام، وهو ما لم يتحقق إلى حدّ الآن

وكان من أبرز ما وعدت به حركة النهضة حينها تشغيل (590) ألف عاطل عن العمل في ظرف (5) أعوام، وهو ما لم يتحقق إلى حدّ الآن، وقد اكتفت حركة النهضة بتشغيل أتباعها وأنصارها، وأعادت كل المعزولين في عهد زين العابدين بن علي إلى عملهم، بعد أن حصلوا على عفو تشريعي عام حرصت حركة النهضة على أن يشمل حتى الإرهابيين الذين رفعوا السلاح ضد الدولة التونسية وقتلوا جنوداً ورجال شرطة، وقدّمت لهم التعويضات عن أعوام العزل، وأغرقت البلاد في المديونية أكثر، في حين ضاق خناق البطالة على بقية التونسيين.

وقد قلّدت الوزارات والوظائف العليا في الدولة إلى منتسبيها الذين لم يجربوا القيادة لحظة، وكثير منهم انتقلوا من السجون مباشرة إلى كراسي الوزارة في رغبة جامحة منذ البداية في الاستيلاء على الدولة، وتمكين أتباعها من العمل والمنح والتعويضات على حساب كفاءات البلاد الحقيقية، وظل مهمشو زمن زين العابدين بن علي مهمشين إلى يومنا.

ومن طرائف الوعود الانتخابية الشعبوية التي يتندر بها التونسيون، الوعد الذي قدّمه زعيم الحركة المسجون حالياً، والملاحق في حوالي (19) قضية منها قضايا إرهابية، وعد فيه بتوفير شبكة إنترنت عامة مجانية لكل المواطنين في حال فوز حركة النهضة بالانتخابات حينها.

ولم تكتفِ حركة النهضة فقط بالطوباوية والوعود الكاذبة، بل إنّها أوهمت الشعب التونسي بإمضاء اتفاقيات عديدة وهمية لم يتم تفعيلها على أرض الواقع، إذ نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة على (فيسبوك) صوراً لإمضاء اتفاقية بين تونس وتركيا بتاريخ 25 كانون الأول (ديسمبر) 2012 على هامش زيارة رئيس الحكومة حمادي الجبالي إلى تركيا.

وقالت رئاسة الحكومة في بلاغها حينها: "تونس وتركيا توقعان على اتفاقية أوّلية لبناء منطقة صناعية مندمجة في منطقة النحل؛ هي مدينة صناعية مندمجة في منطقة النّحلي تمسح حوالي (100) هكتار، وتهدف إلى بعث (1000) شركة مندمجة ذات الحجم الصغير والمتوسط. الاتفاقية الأوّلية تم توقيعها بمناسبة زيارة العمل التي قام بها رئيس الحكومة حمادي الجبالي إلى تركيا صحبة (5) وزراء".

أوهمت حركة النهضة الشعب التونسي بإمضاء اتفاقيات عديدة وهمية لم يتم تفعيلها على أرض الواقع

وهذا المشروع هو واحد من أكبر الأوهام التي روّجت لها حركة النهضة على صفحاتها الرسمية وحسابات أنصارها، قبل أن يكتشف التونسيون أنّه مجرد حبر على ورق وتسويق سياسي لا أكثر، إذ تبين أنّ فكرة المشروع تعود إلى زمن زين العابدين بن علي، في العام 2010 تحديداً، لمّا أمضت تونس والولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية لإنجاز منطقة صناعية مندمجة بمنطقة النحلي قبل أن يتراجع عنها الطرف الأمريكي في آذار (مارس) 2012، وفق ما أفاد به مدير بالوكالة العقارية الصناعية، المكلف بالإشراف على الكتابة القارة لمراقبة الصفقات، عاطف التليلي في تصريح لإذاعة (شمس إف إم) في 8 شباط (فبراير) 2021.

وتابع التليلي أنّ الاتفاقية التي نشرت رئاسة الحكومة صورها حينها تنص على قيام الطرف التركي بإعداد دراسة للمشروع وتقديم تصور للدولة التونسية، غير أنّ "الجانب التركي لم يعبّر عن إرادته باستكمال المشروع، والدولة التونسية لم تتصل بالمجموعة التركية بخصوص هذا المشروع".

وهو ما يؤكّد أنّ الأمر لم يكن سوى مشروع وهمي من جملة مشاريع أخرى وهمية تم تداولها فقط للتسويق السياسي، ولم تكن هناك نية حقيقية في إنجاز تلك المشاريع.

إنّ انخراط حركة النهضة الإخوانية في الشعبوية واعتمادها منهجاً في السياسة والحكم قد بينه الواقع؛ إذ إنّها لم تفِ بشيء من وعودها خلال فترة توليها الحكم لمدة أكثر من (10) أعوام، وكلما سئلت عن إنجازاتها، ادعت أنّها لم تحكم، أو أنّها "لم تحكم وحدها"، ويمضي كثير من أعضائها في الوقت نفسه في تعديد إنجازاتها، في تناقض مع ادعائها الأول. والحال أنّها في الواقع قد سيطرت على كل مفاصل الدولة من إدارات ووزارات وقضاء ومنظمات، واخترقت أجهزة الدولة، ومكّنت الإرهابيين من النشاط "السياسي" وسمحت لهم بعقد مؤتمراتهم في مدينة القيروان، وحثتهم على تكوين الجمعيات واحتلال المساجد على لسان رئيس الحركة في تسجيل تم تسريبه مع مجموعة من "السلفيين" في مقر حركته.

واعتماد حركة النهضة الشعبوية شوّه وجه الحياة السياسية، ورذّل العمل السياسي، وشوّه مفهوم النضال، ونفّر قطاعاً واسعاً من التونسيين والتونسيات من السياسة والأحزاب، ولم تعد حركة النهضة الإخوانية تشتكي من الشعبوية إلّا عندما فقدت السلطة، فصارت ترمي بها خصمها الأبرز حالياً الرئيس الحالي قيس سعيّد، الذي تصمه بأنّه شعبوي، متباكية على الشعبوية التي دمّرت البلاد حسب ادعاءاتها.

مواضيع ذات صلة:

جدل العلاقة بين حركة النهضة الإخوانية وجبهة الخلاص في تونس

هل تكون جبهة الخلاص بوابة تنازلات النهضة لاسترضاء قيس سعيد؟

تونس... هل ينجح البرلمان الجديد في ما فشل فيه برلمان الإخوان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية