جماعة الإخوان في إسبانيا: بؤرة لنشر التطرف داخل أوروبا

جماعة الإخوان في إسبانيا: بؤرة لنشر التطرف داخل أوروبا

جماعة الإخوان في إسبانيا: بؤرة لنشر التطرف داخل أوروبا


23/06/2024

تعبتر جماعة الإخوان أوروبا مركز الثقل المهم لأنشطتها، لا سيّما الدول التي يحظى فيها التنظيم بمساحات رحبة للتحرك تحت غطاء الحريات السياسية والدينية، في مقدمتها إسبانيا، وقد لعبت جماعة الإخوان المسلمين في إسبانيا دوراً مهماً في تأسيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وساهم مؤتمر مدريد عام 1984 في توحيد جهود الإخوان المسلمين في أوروبا وتحديد استراتيجيتهم للتوسع، بينما فقدت جماعة الإخوان المسلمين في إسبانيا أهميتها على المستوى الأوروبي مؤخراً، وما تزال الرابطة الإسلامية للحوار والتعايش في إسبانيا نشطة وتعمل على تعزيز نفوذها على المستوى المحلي.

في هذا السياق يستعرض الباحث الأسباني المتخصص في الحركات الإسلامية والدراسات الأمنية، سيرجيو التونا غالان، في دراسة نشرها حديثاً المركز العربي لدراسات التطرف، يستعرض خارطة وجذور التواجد الإخواني داخل إسبانيا، وأنشطة التنظيم، وأهدافه. 

التأسيس الأول للإخوان داخل إسبانيا

يُجمع الأكاديميون وممثلو الجالية الإسلامية على الإشارة إلى السوري نزار أحمد الصباغ كأول زعيم معروف لجماعة الإخوان المسلمين في إسبانيا، ومن بين العديد من المبادرات الأخرى، انتهى الصباغ بتأسيس الجمعية الإسلامية في إسبانيا، وهي حجر الزاوية الذي ظهرت منه الكيانات المختلفة المرتبطة بالإخوان لاحقاً، وقد اغتيل الصباغ في برشلونة عام 1981 في ظروف غريبة، وتولّى منصبه على رأس التنظيم الوليد بهيج ملا حويش، وهو طبيب من أصل سوري أيضاً، وفق الدراسة. 

 

يُجمع الأكاديميون وممثلو الجالية الإسلامية على الإشارة إلى السوري نزار أحمد الصباغ كأول زعيم معروف لجماعة الإخوان المسلمين في إسبانيا، وقد أسس الجمعية الإسلامية، وهي حجر الزاوية الذي ظهرت منه الكيانات المختلفة المرتبطة بالإخوان لاحقاً. 

 

وكان الدكتور ملا حويش جزءاً من النواة الأكثر انتقائية لجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا: أفراد مؤهلون تأهيلاً عالياً ملتزمون بالقضية، وغالباً ما ظلت انتماءاتهم سرّية. وكانت هذه المجموعة صغيرة، ولكنّها أساسية لتشغيل آلية أكبر وأكثر تعقيداً. 

وأسس حويش المركز الإسلامي في إسبانيا، وهو الكيان الذي ترأسه لعدة أعوام، وأحد المنظمات الرئيسة لجماعة الإخوان المسلمين في إسبانيا، كما ساهم بنشاط في إنشاء وتوسيع أول حركة جمعوية طلابية إسلامية على المستوى الوطني في إسبانيا، والمعروفة باسم اتحاد الطلاب المسلمين في إسبانيا، والتي عكست مبادرات مماثلة للطلاب المسلمين في دول أوروبية أخرى مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا التي كانت موجودة في ذلك الوقت. خلال هذه المرحلة الجنينية أعطت جمعيات الطلاب المسلمين في أوروبا ـ ولم تكن الجمعيات الإسبانية استثناءً ـ الأولوية للتعبير عن ممارساتهم الدينية بطريقة منظمة وجماعية أثناء محاولتهم حماية هويتهم.

مدريد بؤرة تمركز للإخوان 

تشير الدراسة إلى أنّه بحلول أواخر السبعينيات بدأت المجموعات المعزولة المختلفة من جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تعمل في جميع أنحاء القارة تتفاعل بشكل أكبر مع بعضها البعض، وأنشأت شبكات رسمية وغير رسمية امتدت عبر أوروبا، ولم تكن إسبانيا استثناءً، وتم بالفعل تحديد مدريد وغرناطة كمنطقتين مهمتين للإسلاميين في أوروبا، في تلك اللحظة بدأت تتشكل فكرة تأسيس حركة الإخوان المسلمين الأوسع في أوروبا.

يحدد أحمد الراوي، أحد أهم أعضاء جماعة الإخوان في أوروبا، بداية مأسسة نشاط الإخوان في القارة على النحو التالي: "انعقد مؤتمر لرؤساء وقادة المؤسسات الإسلامية في آب (أغسطس) 1984 في مدريد عاصمة إسبانيا، وشاركت في هذا الحدث جمعيات خيرية إسلامية من أكثر من (10) دول أوروبية، ليصبح الأساس الذي يقوم عليه العمل المؤسسي الأوروبي منذ ذلك الحين".

 

خلال الأعوام الأولى من الثمانينيات نجح أعضاء المركز الإسلامي في إسبانيا، ومعظمهم من المشرقيين، في فتح فروع في برشلونة وغرناطة وقرطبة وإشبيلية ومالقة وفالنسيا، لكنّ نفوذهم انخفض منذ بداية التسعينيات.

 

ويقول الأكاديمي ألكسندر كاييرو، نقلاً عن مقابلة مع الراوي نفسه، عن مؤتمر مدريد: "تأسست رابطة الطلاب المسلمين في أوروبا في مدريد عام 1984، ممّا مهد الطريق لتأسيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا بعد (5) أعوام، وهو كوكبة من الهيئات المحلية في أوروبا الغربية والشرقية مستوحاة من جماعة الإخوان المسلمين.

وقبل ذلك تم تنظيم العديد من الاجتماعات والمؤتمرات الصيفية في دول أوروبية مختلفة بين مختلف المنظمات والمبادرات والمراكز الإسلامية التي انتهت بالمشاركة في مؤتمر مدريد. وشارك العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في إسبانيا في المناقشات والاجتماعات التنسيقية التي انتهت إلى تبلورها في مؤتمر مدريد عام 1984، وما تلا ذلك من إنشاء رابطة الطلاب المسلمين في أوروبا. 

بالإضافة إلى تنظيم مؤتمر مدريد، فإنّ الأهمية المتزايدة لمدريد وغرناطة، باعتبارهما جيوباً رئيسة للإسلاميين في أوروبا خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، تم التأكيد عليها من قبل بعض الإسلاميين البارزين الذين زاروا المدينتين في ذلك الوقت؛ عبد الله عزام، المعروف باسم "إمام الجهاد"، أحد أبرز قادة التنظيم،  والجزائري عبد الله أنس الذي كان زميلاً له. 

خارطة الإخوان داخل إسبانيا

خلال الأعوام الأولى من الثمانينيات نجح أعضاء المركز الإسلامي في إسبانيا، ومعظمهم من المشرقيين، في فتح فروع في برشلونة وغرناطة وقرطبة وإشبيلية ومالقة وفالنسيا، وفق الدراسة.

ومع ذلك، انخفض نفوذهم في هذه المدن منذ التسعينيات فصاعداً، واقتصرت أنشطتهم في المقام الأول على مجتمع بلنسية، حيث تعاونوا لأعوام مع النواة الكبيرة للمتشددين الإسلاميين المغاربيين المنفيين الذين استقروا في المدينة. 

بالإضافة إلى ذلك، كانت ملامح المجموعتين مختلفة بوضوح منذ البداية: كان أعضاء المركز الإسلامي في إسبانيا يتمتعون بالاتصالات والبنية التحتية، في حين كان المقاتلون المغاربيون في الغالب أصغر سناً وأكثر ديناميكية، وكانوا منخرطين على نطاق واسع في الأنشطة المجتمعية الشعبية، وبعد معركة داخلية من أجل السيطرة الكاملة على المسجد الكبير في فالنسيا، انفصلت المجموعتان عام 2005 في خلاف مثير للجدل وثقته الصحافة على نطاق واسع.

ومنذ عام 2019 اتُهم الأعضاء الرئيسيون في اللجنة الإسلامية في إسبانيا، بما في ذلك رئيسها، بالانتماء إلى منظمة إجرامية، والتعاون مع منظمة إرهابية، وتمويل الإرهاب، وغسل الأموال، والاحتيال الضريبي، وتزوير الوثائق.

 

مؤتمر مدريد كان بمثابة ميلاد الوجود المنظم لجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا.

 

وقد أدت "عملية وامور" التي نفذتها الشرطة الوطنية في حزيران (يونيو) 2019 إلى تفكيك ما وُصف بأكبر هيكل تمويل للإرهاب الجهادي تم اكتشافه على الإطلاق في إسبانيا. ووفقاً للمعلومات التي تسربت من التحقيق إلى الصحافة، فإنّ شبكة من المواطنين الإسبان ـ معظمهم من أصل سوري ـ الذين لهم علاقات وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين، ولديهم مقر عمليات في مكاتب اللجنة الإسلامية في إسبانيا، يُزعم أنّهم أساؤوا استخدام نفوذهم في المؤسسات الرسمية لتطوير هياكل وقنوات لتمويل الإرهاب.

وختاماً يخلص الباحث إلى أنّ المؤسسة التي تجمع مختلف المنظمات الأوروبية التي لها، بطريقة أو بأخرى، علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، ولدت في مدريد. 

وفي منتصف الثمانينيات، سمح وضع جماعة الإخوان في إسبانيا والعلاقات رفيعة المستوى لبعض أبرز أعضائها باختيار مدريد لتكون المكان الذي يحتضن الحدث التأسيسي لأول منظمة إخوانية أوروبية. 

كذلك يشكل مؤتمر مدريد عام 1984 نقطة التحول التي قررت منها مجموعات الإخوان المسلمين المختلفة التي تأسست في أوروبا منذ الخمسينيات إعادة ضبط أولوياتها وأجنداتها لتصبح إخواناً أوروبيين، بدلاً من الإخوان العرب في أوروبا، والبدء في التصرف وفقاً لذلك، من هنا يمكن الجزم بأنّ مؤتمر مدريد كان بمثابة ميلاد الوجود المنظم لجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية