تحول سياسي أم انتهازية... ماذا وراء مشاركة إخوان الجزائر في الانتخابات الرئاسية؟

تحول سياسي أم انتهازية... ماذا وراء مشاركة إخوان الجزائر في الانتخابات الرئاسية؟

تحول سياسي أم انتهازية... ماذا وراء مشاركة إخوان الجزائر في الانتخابات الرئاسية؟


23/06/2024

مع الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في الجزائر، المزمع إجراؤه في السابع من أيلول  (سبتمبر) المقبل، كان لافتاً إعلان أحزاب المعارضة المشاركة، ولا سيّما حركة مجتمع السلم (حمس)، التي تنضوي في إطار تنظيم الإخوان المصنف على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان العربية، وبالتالي، يبدو ملحاً السؤال حول طبيعة التحول في المواقف من المقاطعة إلى قبول المشاركة والانخراط بالسباق الرئاسي.

مجلس شورى الإخوان وسلطة القرار

أعلن مجلس الشورى لإخوان الجزائر الممثلة في حركة مجتمع السلم، بشكل رسمي، ترشيح رئيسها عبد العالي حساني شريف للانتخابات الرئاسية. وقال حساني شريف: "لقد حملتموني مهمة ومسؤولية بترشيحكم لي في الرئاسيات"، لافتاً إلى أنّ مسار اتخاذ القرار هو مسار مؤسسي تشاوري ديمقراطي، وكل أبناء الحركة عبّروا عن رأيهم ومقترحاتهم في أجواء اكتنفتها الديمقراطية والتعددية. وتابع: "تحملنا جميعاً هذه المسؤولية، وهذا الترشح هو ترشح للحركة والوطن والأمّة، نحن في حركة مجتمع السلم لا نفكر بمنطق المصالح ومنطق الأشخاص بل بضمير الأمّة والوطن". وأكد أنّ "الشعب الجزائري اقتنع بأنّ المنهج الذي يحفظ ويصون الوطن هو منهج الوسطية والاعتدال"، لافتاً إلى أنّ "ترشحنا ينطلق من هويتنا، ونحن حركة وطنية وسطية نسعى لنحافظ على التعددية والوسطية".

ولفت رئيس (حمس) في ندوة بمقر صحيفة (المجاهد) الحكومية، إلى أنّ "الكلمة الأخيرة بخصوص أشكال مشاركتنا في الانتخابات تعود إلى مجلس الشورى"، الذي يتشكل من (250) عضواً قيادياً، لهم هامش حرية واسع في فرض الخيارات الخاصة بالحزب. وتقول صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية: إنّه قبل 2012 كانت الحركة مؤيدة لسياسات السلطة، وكان لها وزراء في الحكومة، لكنّ مجلس الشورى قرر في غمرة ثورات الربيع العربي الانتقال إلى المعارضة لاعتقاد ساد يومها بأنّ "النظام في الجزائر سيسقط"، في سياق غضب الشارع في الجارة تونس، الذي أفضى إلى إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي. وشدد على أنّ الانخراط في السباق الانتخابي الرئاسي إنّما هو "مبدأ مكرس في نصوص الحزب. إذ لم يسبق أن أدرنا ظهرنا لأيّ انتخاب، ونحن مشاركون بطريقة أو بأخرى في الانتخابات الرئاسية المقبلة".

الانتخابات المبكرة في الجزائر، على ما يبدو، تظهر كمحاولة لتوطيد السلطة وليس لتعزيز النمو الديمقراطي، وفق معهد واشنطن، حيث ينطوي أحد الاحتمالات على الأمل الذي ينتظره تبون في منع ترشح المنافسين المحتملين من خلال تسريع الجدول الزمني. ولعله يسعى أيضاً إلى الحد من خطر تنظيم احتجاجات وسط استياء سياسي واقتصادي واسع النطاق. 

القمع وإضعاف المعارضة... ما القصة؟

ولكنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أنّه يرد على النزاع الداخلي العشائري الذي يشارك فيه الجيش (القوة السياسية الأقوى تقليدياً في البلاد) ويحاول إضعاف مراكز السلطة الأخرى. وتبدو النتيجة محددة سلفاً في هذه المرحلة. فمن ناحية، حقق تاريخياً الرؤساء المنتهية ولايتهم انتصارات ساحقة في الجزائر. فضلاً عن ذلك أدت أعوام من القمع الهادف والاستقطاب الاستراتيجي إلى إضعاف المعارضة، ممّا قوض إمكانية تنظيم عملية ديمقراطية قوية. كما أنّ سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام والساحة السياسية، إلى جانب الأسئلة العالقة حول نفوذ الجيش في السياسة، تلقي بظلال الشك على نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها. وبينما أشار تبون إلى مستوى معين من الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي، إلا أنّ سياساته لا تساهم في معالجة المظالم التي أشعلت شرارة الحركة الاحتجاجية عام 2019، والتي دعت إلى المزيد من الحريات السياسية، وإجراءات مكافحة الفساد، والانتقال نحو دولة مدنية لا يقودها الجيش. ولتأمين دعم أكبر لأجندته، لجأت السلطات إلى تكتيكات قومية مثل استحضار شبح العدوان من جانب المغرب المجاور.

وبالعودة إلى رئيس حركة (حمس)، فإنّ مجلس الشورى هو الذي بمقدوره "حسم الأمر، إمّا بتقديم مرشحنا، وإمّا بدعم مرشح محل إجماع". لكن بسؤاله حساني عن رغبة القيادي السابق بالحزب عبد الرزاق مقري، في الترشح للانتخابات باسم الحركة الإسلاموية، أجاب: "لا يمكن لأحد أن يقرر مكان مجلس الشورى، وحتى أنا لا يمكنني أن أزعم أنني مرشح". وأوضح أنّ الانتخابات المقبلة في أيلول (سبتمبر) المقبل  ستفتح الطريق لإنعاش الساحة السياسية، وسوف يُسمح للأحزاب بالانطلاق في السباق وفق برامج انتخابية". وتشير الصحيفة السعودية إلى أنّ القيادي السابق لـ (حمس) مقيد بإجراءات منع السفر التي اتخذت بحقه، لأسباب قال إنّه هو نفسه لا يعلمها.

مقاصد الإخوان المعلنة والمستترة

طالب حساني بضرورة عمل "شراكة سياسية تقوم على برنامج شامل، يتضمن خطة لبعث الاقتصاد. والمبادرة مفتوحة للأحزاب الجادة وفواعل المجتمع المدني والتنظيمات"، وقال إنّ لقاءه بتبون داخل مقر الرئاسة الأسبوع الماضي "كان فرصة سمحت بالتعبير عن انشغالاتنا وتقديرنا للوضع السياسي والاقتصادي في البلاد...، وهدفنا من ذلك ليس تسويد صورة الجزائر، وإنّما طرح كل المشاكل بغرض حلها".

طالب حساني بضرورة عمل "شراكة سياسية تقوم على برنامج شامل، يتضمن خطة لبعث الاقتصاد. والمبادرة مفتوحة للأحزاب الجادة وفواعل المجتمع المدني والتنظيمات"

وبحسب مركز (تريندز)، فإنّ هناك مقاصد معلنة من الإخوان، وهناك أخرى مستترة، ذات صلة بالخارج، وتحديداً بالتنظيم العالمي للإخوان، منها: مواصلة عملية الاختراق لنظام الحكم، حتى لا يتم تكرار التجربة المصرية، حين وجد الإخوان أنفسهم في السلطة دون تحضير مسبق، انتهى بهم إلى الإبعاد عن الحكم. وإحياء فكرة التنظيم (الإخوان) في ظل رفض عربي وتوصيفهم بالإرهاب، من خلال تقديم تجربة الإخوان في الجزائر. والتأثير في القرار السياسي الجزائري تجاه الدول العربية الأخرى المعادية للإخوان. والتمدد الأفقي في المجتمع الجزائري، وربطه عمودياً بصناعة القرار، بحيث يُعاد إحياء فكرة التنظيم العالمي ومشروعاته.

ويردف الباحث الجزائري خالد عمر بن ققه في دراسته المعنونة بـ "الإخوان المسلمون في الجزائر... تناسل الأحزاب ووحدة المقاصد": "تملك السلطة الجزائرية معلومات كثيرة أو قليلة عن مقاصد وأهداف الإخوان، ولكنّها لا تتوجّس من وجودهم خيفة، وترى فيهم حلاً بديلاً من التنظيمات الإسلامية الأخرى، وخصوصاً التي تتبنّى العنف والإرهاب، لكنّها تعاملهم بحذر، وخاصة المؤسستين الأمنية والعسكرية، لذا فإنّ هناك (3) سناريوهات محتملة لعلاقتهم بالسلطة الحاكمة؛ هي: أوّلاً: أن تستمر مشاركتهم في الحكم، أو كما يسمونه هم "السلطة"، في حدودها الدنيا، كما هي الآن، مهما كانت النتائج التي يحققونها في الانتخابات. ثانياً: أن يتم إبعاد ممثليهم من الترشح للرئاسيات، كما حدث في مرات سابقة، حين كانوا تحت قيادة محفوظ نحناح، وإن كان هذا أمراً غير وارد في الوقت الراهن، إذ من المتوقع ترشُّح أحدهم لإحداث توازن في الانتخابات المقبلة، خصوصاً بعد أن أعلنت لويزة حنون، رئيسة حزب العمال، عن ترشحها. ثالثاً: أن تتسع مساحة مشاركتهم، بحيث تشمل حقائب سيادية، وقد يصلون إلى رئاسة الحكومة، وهذا رهين بمدى تقبُّل الجيش لدورهم ووجودهم وعلاقتهم بالخارج".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية