الديمقراطية والتمكين الإخواني: كيف يجتمع النقيضان؟

الديمقراطية والتمكين الإخواني: كيف يجتمع النقيضان؟

الديمقراطية والتمكين الإخواني: كيف يجتمع النقيضان؟


27/08/2023

إذا كانت الديمقراطية هي حكم الشعب نفسه بنفسه، سواء في شكلها المباشر كما كان في ديمقراطية المدن الإغريقية مثل أثينا، والنماذج الأبسط في العديد من القبائل في أوروبا وغيرها، أو في شكلها النيابي عن طريق انتخاب ممثلين الشعب في المجال النيابية، فإنّ جوهر الديمقراطية هو التداول السلمي للسلطة. ولتحقيق هذا التداول يجب النظر إلى السلطة السياسية كإدارة عليا لمؤسسات وسياسات البلاد، لتحقيق الأهداف التي انتخب الشعب لأجلها ممثليه، دون محاولة صبغ المؤسسات بطابع حزبي أو أيديولوجي، يجعلها في خدمة فصيل سياسي معين.

أما التمكين كمصطلح لدى جماعة الإخوان المسلمين، فيعود إلى عهد المؤسس حسن البنا، الذي جعله بمثابة حصد نتائج دعوة جماعته، التي تبدأ بإصلاح المجتمع ليتقبل الدعوة الإخوانية، ويطبقها في حياته، ثم تكون المحصلة في النهاية تشكيل حكومة الإخوان المسلمين، وبعدها هدف "أستاذية العالم"، بحسب أدبيات الإخوان المسلمين.

التمكين لدى الإخوان

في مقال منشور في موقع "إخوان أونلاين" كتب نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، المنحل في عام 2014، عن التمكين لدى الإخوان المسلمين، ما يلي: "عندما يؤمن الفرد برؤية الإخوان المسلمين، فسيقوم بتطبيق هذه الرؤية في حياته، وبالتالي إذا آمنت الأسرةُ بهذه الرؤية، فسوف يكون التأسيس على مبادئ تلك الرؤية، وفي النهاية إذا حدث انتشار للفكرة بين الناس، فأصبحت تمثل أساساً لحياة الأفراد والأسر والجماعات، يصبح من الممكن، بل من المتاح، أن تتحول الفكرة إلى التطبيق في المجالات العامة للحياة، وتصبح مؤسسة للنظام العام والنظام السياسي، وبهذا تصبح أساساً لتأسيس الحكومات".

أما مرحلة التمكين، فهي تلك المرحلة التي "تنتشر فيها دعوة الإخوان إلى حد يُمكّن الجماعة من تطبيق دعوتها في مختلف جوانب الحياة". وذلك بعد أنّ تتمكن الفكرة من عقول وقلوب الناس، بحيث "يصبح لها قواعد جماهيرية مؤثرة، تدعو إلى تطبيق هذه الأفكار في المجال السياسي والنظام العام والقانوني".

بخلاف ما يروج الإخوان فإن العنف متأصل في دعوتهم

ولكون دعوة الإخوان المسلمين قامت على رؤية تصف المجتمع بالضلال والبعد عن الدين الإسلامي، فهي تتطلب إعادة الناس إلى الدين أولاً، من خلال بوابة واحدة وهي جماعة الإخوان، ليعودوا تابعين للجماعة التي تحتكر الصلاح والهداية، ثم يقوموا بدورهم في تمكين الجماعة من السلطة السياسية في نهاية المطاف.

جماعة الإخوان تُفهم في سياق الحركات السرية التي ظهرت في الإسلام، والتي تعمل كجيتو منعزل عن المجتمع وتتخفى وراء نصوص الدين

ولهذا فإنّ من يحتكر الصلاح والهداية الإلهية لا يمكن له أن يسمح بتداول السلطة إذا ما وصل إليها، فكيف به أن ينقل السلطة إلى من يصفهم بالضلال، ولا يأتمنهم على الدين والمسلمين. تلك الرؤية عبّر عنها حسن البنا، حين وصف الحكومات المصرية المتعاقبة في العهد النيابي قبل ثورة 1952 بقوله: "الإخوان المسلمون لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها ـ  ولا الحكومة القائمة ولا الحكومة السابقة ولا غيرهما من الحكومات الحزبيةـ من ينهض بهذا العبء، أو من يبدي الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية، فلتعلم الأمة ذلك، ولتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية، وليعمل الإخوان المسلمون".

التمكين للإخوان المسلمين

ويُفهم من كلام مؤسس الإخوان، أنّ الجماعة تريد تطبيق فكرة "الدولة الإسلامية" وفق ما فهمه حسن البنا، ولا تريد الديمقراطية؛ فهي انتقدت الحكومات المصرية التي تشكلت في ظل حياة نيابية محدودة، وكانت على استعداد لدعم أي سلطة حتى لو مستبدة ما دامت تدغدغ المشاعر باسم الحكم الإسلامي.

تبعاً لذلك، من الوهم الظن بأنّ جماعة الإخوان المسلمين ترى في غيرهم من هم أقدر على أداء المهمة التي تشكلت جماعتهم لأجلها، وهي الوصول إلى السلطة، مستغلين في ذلك الدين الإسلامي.

في مقدمة كتاب "رسالة التعاليم" التي كتبها حسن البنا، جاء ما يلي: "هذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات، وهي ليست دروساً تحفظ، بل تعليمات تُنفذ، فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون".

وفي الرسائل يتحدث البنا عن العديد من القضايا التي تقوم عليها دعوة الإخوان، ومنها البيعة للمرشد والطاعة له، وذلك لتحقيق التمكين لدعوة الجماعة، والتي تزعم أنها الحياة وفق منهج الإسلام الشامل، وهي الجملة التي ظاهرها الحق وباطنها الباطل.

البيعة للمرشد والطاعة له لتحقيق التمكين لدعوة الجماعة

بتمعن جملة البنا وجميع كتاباته يتضح أنّ هدف الجماعة هو التمكن من فكر وقلوب المجتمع، كمقدمة نحو حصد الثمار بالوصول إلى سدة الحكم، ثم في مراحل لاحقة إحياء فكرة الخلافة الإسلامية، التي تقوم على تخيلات عن دولة فاضلة، وبعدها الوصول إلى "أستاذية العالم"، وهي السيادة في العالم أجمع.

ومثل هذه الأهداف تعني أنّ الجماعة لن تتنازل عن سلطة تمتلكها يوماً بشكل ديمقراطي، ولن تقبل بعمل سياسي حرّ تنافسي، بل ستستغل كل سلطة وقدرة لسحق الآخرين، وليست تجارب الإخوان في السودان ومصر وتونس ببعيدة، ولولا إطاحة المصريين بهم في ثورة 30 يونيو لكانوا تمكنوا من مؤسسات البلاد، وحولوها من مؤسسات دولة إلى مؤسسات الجماعة.

الدولة في مواجهة الأمة

ومن ضمن مقولات البنا التي تنضح بالشمولية والرغبة في قيادة العالم قوله إنّ "الزمان سيتمخض عن كثير من الحوادث الجسام، وإنّ الفرصَ ستسنح للأعمال العظيمة، وإنّ العالم ينظر دعوتكم دعوة الهداية والفوز والسلام لتخلصه مما هو فيه من آلام، وإنّ الدور عليكم في قيادة الأمم وسيادة الشعوب، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وأنتم ترجون من الله ما لا يرجون، فاستعدوا واعملوا اليوم، فقد تعجزون عن العمل غداً". فهل في ظل هذه التعاليم التي يُربى عليها الإخوان المسلمون مساحة لتقبل التعددية وتداول السلطة التي هي أساس الديمقراطية؟

الباحث سامح محجوب لـ"حفريات": لا يوجد في فكر الإخوان تداول السلطة بل التوريث، ولهذا لا يؤمن الإخوان بأقل مبادئ الخطاب السياسي الحديث

يعلق مدير بيت الشعر المصري، الشاعر والباحث سامح محجوب، بأنّ جماعة الإخوان المسلمين تُفهم في سياق الحركات السرية التي ظهرت في الإسلام، والتي تعمل كجيتو منعزل عن المجتمع، وتتخفى وراء نصوص الدين، بهدف السيطرة على المجتمعات. وأضاف لـ"حفريات" بأنّ الإخوان يرون الديمقراطية على أنّها "ليست من الإسلام بل من الكفر، ولهذا لا يقفون على أرضية الدولة الحديثة؛ فهم لا يؤمنون بفكرة الدولة بل بفكرة الأمة، وهو ما جعل مرشدهم محمد بديع يتحدث عن أحقية مواطن ماليزي في حكم مصر بينما المواطن المصري المسيحي ينظرون إليه كأهل ذمة ورعايا، لا حقوق لهم على قدم المساواة كالمواطن المصري المسلم".

وأوضح محجوب بأنّه من مبادئ الأحزاب السياسية في النظم الديمقراطية قبول الآخر والتعددية، بينما يؤمن الإخوان بفكرة الخلافة، التي تقوم على مبدأ الشورى المنحصر في عدد قليل يزكي رأس السلطة. وبحسبه فإنّ "تاريخ الدول الإسلامية الذي يؤمن به الإخوان كمقدس، والذي يأخذ مسمى الخلافة، لا توجد فيه فكرة تداول السلطة بل التوريث، ولهذا لا يؤمن الإخوان بتداول السلطة، ولا يؤمنون بأقل مبادئ الخطاب السياسي الحديث".

سامح محجوب: الإخوان يرون الديمقراطية كفراً

يؤكد الباحث المصري على أنّ التعامل السياسي مع الإخوان المسلمين بمثابة انتكاس ورجوع إلى الخلف. ويشدد على أنّه "من ضروريات مواجهة التدليس الإخواني حول التاريخ، ضرورة التفرقة بين الإسلام كدين وبين الأفكار التي ظهرت حوله؛ فالإسلام في جوهره دين يدعو إلى تداول السلطة والحرية والأخذ بقيم العلم والحضارة، أما التاريخ الموسوم بالإسلامي فهو ليس سوى تاريخ من الاستبداد والانتهازية والدم".

وشدد "على نفس هذا التاريخ يسير الإخوان المسلمون؛ من حيث ادعاء القداسة مع ممارسات براغماتية انتهازية وتبني قيم العنف ورفض الآخر، وكل ذلك ليس من الديمقراطية في شيء".

مواضيع ذات صلة:

كيف فشلت الإسلاموية التونسية في الانتقال نحو الديمقراطية؟

جماعة الإخوان.. وهم الديمقراطية والاعتدال

الصفحة الرئيسية