مثل اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في العاصمة الموريتانية، نواكشوط، مع عدد من رؤساء دول الاتحاد الأفريقي، خلال حضور جلسات القمة الأفريقية السادسة لدول الساحل، والذي انضم لها رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، جولة جديدة لبحث تحديات خطر الإرهاب في تلك المنطقة التي تشهد انفلاتاً أمنياً وتعقيدات سياسية، محلية وإقليمية، خاصة، في ظل تعثر اتفاقيات السلام في مالي بين التنظيمات المسلحة والدولة.
الباحث صلاح خليل لـ"حفريات": أضحت مناطق الزنتان وسرت والجفرة والجنوب الليبي، وكراً للجماعات الإسلامية المتشددة؛ حيث وجدت فيها ملاذاً يمكنها من التواصل مع تنظيمات أخرى
ويضاف إلى السيولة الأمنية بمنطقة الساحل الأفريقي، وانتشار الجماعات المصنفة ضمن التنظيمات الإرهابية، مثل بوكو حرام، والقاعدة، وأنصار الإسلام، التعقيدات السياسية والميدانية للملف الليبي الذي هيمن على مجمل النقاشات بالقمة الأفريقية، لما يعكسه من تأثيرات جمة ومتباينة على حالة تلك التنظيمات ونشاطها في دول الساحل، فضلاً عن استقرار تلك الدول وأمنها الداخلي.
روابط الدم في غرب الصحراء
تجمع روابط وصلات عديدة بين ليبيا ووضع الاستقرار الأمني في دول الساحل، الممتدة عبر الصحراء الكبرى، كمالي والجزائر وتشاد وليبيا والنيجر؛ إذ تربطهم حدود جنوبية مشتركة. وفي هذه الجغرافيا والمساحة الشاسعة التي تجمعهم، تتحول إلى منصة تتهيأ عليها أنشطة عدد من التنظيمات الإرهابية، لا سيما، جماعة التوحيد والجهاد، وتنظيمي القاعدة وداعش، وهو ما ظهر، بصورة واضحة، في العام 2013، إبان تنفيذ الهجوم الإرهابي بالجزائر، في منطقة عين أميناس، ضد أحد خطوط إنتاج الغاز، بعدما تمكن منفذو العملية، المنتمون إلى تنظيم "الموقعون بالدم"، التابع لتنظيم القاعدة من دخول الجزائر عبر ليبيا.
اقرأ أيضاً: التحرك التركي في ليبيا: هل اقتربت معركة سرت؟
كما أنّ تقرير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، الصادر في العام 2018، قد حذر بعد تحرير مدينة بنغازي، شرق ليبيا، من قيام عناصر تنظيم داعش، وأنصار الشريعة، والقاعدة، بتشكيل خلايا جديدة بمناطق أخرى في ليبيا، وبخاصة، الجنوب الغربي الذي يعتبر أحد الممرات والمنافذ الحدودية الواصلة إلى دول الساحل.
اقرأ أيضاً: حكومة الوفاق تدمج الميليشيات الإجرامية في ليبيا بوزارة الداخلية
لذا، تعد خطوة الرئيس الفرنسي المشارك في القمة الأفريقية، والذي يقف على النقيض من مواقف الدول الداعمة للحل العسكري في ليبيا، ومن بينها، تركيا، جزءاً من مواجهته للخطر المتنامي للتنظيمات والميلشيات المسلحة في دول الساحل، وذلك منذ حدوث أول توتر في شمال مالي، مطلع العام 2013، حين حاول تنظيم القاعدة السيطرة على المنطقة، فأطلقت فرنسا عملية "سيرفال" العسكرية لمنع وقوعها، ووقف الهجوم المسلح، حيث يبلغ قوام القوات الفرنسية بالمنطقة نحو 5200، مخصصة لمكافحة المتطرفين، في غرب أفريقيا، وقد تمكنت من تشتيت العديد من العناصر الإرهابية.
قمة نواكشوط تتصدى للإرهاب
كما أن وزارة الدفاع الفرنسية، أعلنت في حزيران (يونيو) الماضي، مقتل زعيم تنظيم القاعدة في المغرب العربي، عبد المالك دوركدال، والذي كان على رأس المشاركين في محاولة السيطرة على شمال مالي.
اقرأ أيضاً: لماذا طار ماكرون إلى موريتانيا في ظل كورونا؟.. وما علاقة ليبيا؟
وفي كلمته، خلال قمة نواكشوط، قال الرئيس الفرنسي إن قوات دول الساحل، والقوات الفرنسية التي تساندها في محاربة الإرهابيين بالمنطقة، نجحت في أن تعكس توازن القوة في منطقة الحدود الثلاثية "مالي وبوركينا فاسو والنيجر"، حيث ركزت خلال الأشهر الأخيرة عملياتها العسكرية ضد الجماعات المسلحة، الموالية لتنظيم داعش الإرهابي، كما أكد في الوقت عينه أنّ "النصر ممكن" في منطقة الساحل، بيد أنّ "الأمر يتطلب تأمين عودة المحافظين والقضاة وأجهزة الشرطة إلى مناطق لا تزال خارج السيطرة".
اقرأ أيضاً: برعاية بريطانية: القصة المثيرة لصعود إخوان ليبيا إلى الحكم
ومن جانبه، أوضح الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، أنّ "التقدم الحاصل وعلى الرغم من رمزيته وكونه يحمل آمالاً جسيمة، لكنه يبقى ناقصاً في وجه حجم التحديات التي يجب رفعها؛ فالتطرف العنيف بمختلف أشكاله ما زال يستوطن العديد من مناطق دول الساحل الخمس، ويتوسع بشكل مقلق نحو مناطق جديدة"، موضحاً أنّ "تطور الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا، منذ العام 2011، يستدعي ولأكثر من مبرر مزيد من اليقظة".
اقرأ أيضاً: أردوغان على خطى الحرس الثوري الإيراني في تجنيد الأطفال في ليبيا
وتابع: "الأزمة الليبية التي تشكل اليوم أحد المسببات الأساسية لتدهور الوضعية الأمنية في فضاء مجموعة الخمس بالساحل تواصل اليوم تغذية مجموعات الإرهاب المسلحة النشطة في الساحل من خلال تهريب الذخيرة والمخدرات والاتجار بالبشر، مما يستدعي منا جعلها اليوم ضمن أولويات عملنا المشترك".
الإرهاب في أفريقيا بعد ليبيا
أوضاع الصراع المسلح في ليبيا ستزيد من انتشار وقوة الجماعات الارهابية المسلحة، في منطقة الساحل الأفريقي، حسبما يرى الصحافي التونسي، المتخصص في قضايا التطرف والإرهاب، هادي يحمد، الذي أكد لـ"حفريات" بأنّ "حكومة الوفاق التي تضم العديد من الجماعات الإسلامية المسلحة، فضلاً عن جذبها للمئات من المقاتلين السوريين بالتعاون مع الجانب التركي، تسهم في خلق مناخ مناسب وبيئة مواتية لتقوية ودعم الجماعات الارهابية، ليس في ليبيا وحسب بل في منطقة الساحل".
اقرأ أيضاً: كيف حوّل العثمانيون ليبيا إلى مستودع اتجار بالبشر؟
ويضيف: "من الواضح أنه كانت هناك إرادة لتصدير مشكلة الاٍرهاب في سوريا إلى ليبيا، ومن ثم، نقلها بصدد أفريقيا، بشكل عام، وهو العمل الذي يجري منذ حوالي خمسة أشهر، بوتيرة متسارعة، والأمر الأكيد أنّ مرحلة ما بعد الصراع المسلح في ليبيا ستكشف عن تغول بؤرة جديدة للإرهاب العالمي، ممثلة أساساً في الجماعات الاسلامية المسلحة بمنطقة الساحل".
القبائل والتنظيمات.. المصالح والأدوار
يعد زعيم تنظيم أنصار الدين، إياد أغ غالي، في غرب أفريقيا، والمصنف، منذ شباط (فبراير) العام 2013، على قائمة الإرهاب لدى وزارة الخارجية الأمريكية، أحد الانعكاسات المهمة واللافتة فيما يتصل بتأثيرات الأزمة الليبية على دول الساحل، وكذا، النشاط الحيوي المتبادل بينهما في ظل عدم الاستقرار الأمني الموجود؛ إذ التحق أغ غالي، بتنظيم أنصار الشريعة، المصنف ضمن التنظيمات الإرهابية، وأحد التنظيمات الموالية لتنظيم القاعدة، حيث قاد المواجهات بين التنظيم الإرهابي والجيش الليبي، في مدينة بنغازي، شرق ليبيا، في عملية الكرامة، العام 2013.
أوضاع الصراع المسلح في ليبيا ستزيد من انتشار وقوة الجماعات الارهابية المسلحة، في منطقة الساحل الأفريقي، حسبما يرى الصحافي التونسي، المتخصص في قضايا التطرف والإرهاب، هادي يحمد
وإلى ذلك، يؤكد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، صلاح خليل، المتخصص في الشأن الأفريقي، بأنّ الجماعات الإرهابية تستغل الأزمة الليبية، وحالة الانفلات الأمني، لتتعاون مع عصابات الإتجار بالمخدرات والبشر، خاصة، بين المهاجرين، كما تقوم بالتنسيق مع التنظيمات المسلحة الموجودة في نطاق الساحل ومنطقة الصحراء، وكذا، داخل الحدود المتاخمة لليبيا، لجهة تنفيذ هجمات إرهابية، وقد باتت تلك النقاط الجغرافية، بمثابة بؤر حيوية للإرهابيين، وتؤرق دول مثل تشاد والنيحر ومالي.
ويضيف لـ"حفريات": "أضحت مناطق الزنتان وسرت والجفرة والجنوب الليبي، وكراً للجماعات الإسلامية المتشددة؛ حيث وجدت فيها ملاذاً يمكنها من التواصل مع تنظيمات أخرى، مثل تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية "داعش"، فى منطقة المغرب الأفريقي، واللافت أنّ التحول السريع لجماعة الطوارق في ليبيا، وتأييدهم لحكومة الوفاق للسيطرة على المنطقة الجنوبية، يعد ضمن التكتيكات التي تستخدمها القاعدة وداعش، للانتشار والتمدد مع الجماعات فى غرب أفريقيا ومنطقة بحيرة تشاد".
اقرأ أيضاً: هل حسمت تركيا موقفها في ليبيا نحو التصعيد؟.. مؤشرات جديدة
وليس خافياً أنّ الأحداث الجارية في ليبيا، منذ شباط (فبراير) العام 2011، جعلت دول الساحل تعيش تحت وطأة تنامي نشاط التنظيمات الإرهابية المسلحة، كما يشير الباحث بمركز الأهرام؛ إذ إنّ بيئة الفوضى التى تعيشها ليبيا، والحدود المفتوحة مع كل من تشاد والنيجر، جعلت الحركات المسلحة تنتشر وتجد دعماً قوياً، بفضل سهولة الحصول على الموارد والسلاح والمال، خاصة، في ظل سيطرة حكومة الوفاق، المدعومة من تركيا، على العاصمة الليبية طرابلس، الأمر الذي تسبب في زيادة قدرة التنظيمات المسلحة على تنفيذ العديد من العمليات المسلحة فى الدول المجاورة، والدخول فى صراعات محلية في بلدان الساحل الأفريقي، بغرض زيادة رقعة التحالفات مع نظيراتها فى هذه الدول.