اعتقال الناشطة السودانية أميرة عثمان: أي دور سياسي لجهاز المخابرات؟

اعتقال الناشطة السودانية أميرة عثمان: أي دور سياسي لجهاز المخابرات؟


08/02/2022

أثار قرار رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، بمنح جهاز المخابرات العامة سلطات الاعتقال والتوقيف والتفتيش إلى جانب حصانة الأفراد من المساءلة عن أداء وظائفهم، القلق لدى قطاع غير قليلٍ من الشارع السوداني، خصوصاً المحسوبين على الثورة.

وجاءت قضية اعتقال الناشطة النسوية، أميرة عثمان، لتعيد فتح القضية من جديد؛ حيث اعتبر ناشطون جهاز المخابرات العامة مسؤولاً عن اختفائها، واتّهموا العسكريين باستخدامه في ترهيب وقمع المعارضة السياسية.

اختفاء أميرة عثمان

ليلة 22 من كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلنت أسرة الناشطة النسوية، ورئيسة مبادرة "لا لقهر النساء"، أميرة عثمان، إلقاء القبض عليها من منزلها، على يد قوة مسلحة ذكرت أنّها تتبع إدارة مكافحة المخدرات.

اقرأ أيضاً: ما هي حقيقة الوساطة الإسرائيلية في الأزمة السودانية؟

وشككت الأسرة في هوية القوة المسلحة، واتّهمت جهاز المخابرات العامة بالقبض على الناشطة أميرة، على خلفية نشاطها السياسي المعارض للإجراءات التصحيحية/ الانقلاب الذي قام به البرهان، في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

جاءت قضية اعتقال الناشطة النسوية، أميرة عثمان، لتعيد فتح القضية من جديد

وحول اعتقال أميرة، تقول عضو مبادرة "لا لقهر النساء"، الطبيبة الصيدلانية، نجلاء نورين جابر: "أساساً جهاز الأمن والمخابرات لم تُعَد له صلاحياته الكبيرة إلا لاستهداف المعارضة و تكميم أفواه المعارضين، وهذه هي طبيعة عمله ومهمته الأساسية".

اقرأ أيضاً: هل تنجح المبادرة الأممية في حل الأزمة السودانية؟

وأفادت لـ"حفريات" بأنّ "اعتقال أميرة عثمان هي محاوله لإسكات صوتها، وأصوات آخريات وآخرين عبر التخويف وتلفيق التهم لأعضاء المعارضة، ومحاولة لقتل الثورة، ولكن الثورة السودانية ثورة حقيقية وانتفاضة شعب كامل ملَّ حكم العسكر، ولن تثنيه الاعتقالات ولن يثنيه القتل".

وشددت على أنّ "اعتقالات جهاز الأمن لو كانت تجدي لنفعت البشير الذي ملأ السجون والمعتقلات بالمعارضات والمعارضين، ورغم ذلك ذهب بإصرار الشارع وعزيمة وإرادة الشعب".

يرى سودانيون أنّ أمن البلاد تضرر كثيراً بحلّ هيئة العمليات داخل الجهاز، ومحاولات إعادة هيكلته خلال الفترة التي كان فيها عبد الله حمدوك على رأس الحكومة

وذكرت مصادر حقوقية سودانية أنّ أميرة عثمان تمّ الإفراج عنها في ليلة السابع من الشهر الجاري، دون أنّ تؤكد أسرتها الخبر.

وكانت البعثة الأممية في السودان أدانت اعتقال الناشطة أميرة عثمان، وطالبت بالإفراج عنها، وحماية حرية التعبير.

وتنشط مبادرة "لا لقهر النساء" في العمل السياسي، وتدعو إلى المشاركة في الاحتجاجات ضدّ ما تصفه بالانقلاب العسكري، وتطالب بحكم مدني خالص، دون شراكة مع العسكريين، كما تدعم القيادات النسائية في لجان المقاومة، التي تقود العمل الاحتجاجي.

صلاحيات جهاز المخابرات

وبموجب قرار طوارئ رقم (3) لشهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تمّ "منح القوات النظامية ومن بينها جهاز المخابرات سلطات اعتقال الأشخاص، التفتيش، الرقابة على الممتلكات والمنشآت، الحجز على الأموال وغيره، حظر أو تنظيم حركة الأشخاص".

اقرأ أيضاً: كيف تنصّل مجلس السيادة السوداني من العنف ورسّخه في آن واحد... ما علاقة أمريكا؟

كما اشتمل الأمر على "عدم اتخاذ أي إجراءات في مواجهة أفراد القوات النظامية التي تتولى تنفيذ قانون الطوارئ وحماية السلامة العامة لسنة 1977 المعلن في أكتوبر 2021 وفق المرسوم الدستوري رقم (18)".

د. نجلاء: اعتقال أميرة عثمان محاوله لإسكات صوتها

وتنتهي مدة الأمر بانتهاء حالة الطوارئ المعلنة بالبلاد، وفق التعميم المنشور بصفحة المخابرات السودانية. وعلقت الصفحة على "تويتر" بقولها: "جاء أمر الطوارئ نتيجة لتقديرات قيادة الدولة لما تشهده البلاد من تدهور خطير في الأوضاع شمل جميع مناحي الحياة. ويعالج الخلل الذي أصاب تسلسل عمل الجهاز في ما يلي التصدي للمهددات الأمنية والخطوات التي تتم لضبطها، ومنها العمليات الأخيرة المرتبطة بالخلايا الإرهابية".

اقرأ أيضاً: ما أسباب تلويح رئيس الوزراء السوداني بالاستقالة؟

وأشار بيان الصفحة إلى أنّ "هذه العمليات مرت بعمل استخباري دقيق ومعقد، في ظل عدم وجود صلاحيات تمنح القوات المتخصصة سلطة التنفيذ، ما يفقد العملية أهم عوامل النجاح وهو التدخل في الوقت المناسب".

وشهدت الخرطوم اشتباكات دامية بين عناصر جهاز المخابرات العامة والقوات المساندة، ومجموعة إرهابية تابعة لتنظيم داعش، وذلك في حي الجبرة، في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، قبيل أيام قليلة من الإجراءات التي أعلن عنها البرهان، وأدخلت البلاد في الأزمة السياسية الراهنة.

اقرأ أيضاً: إثيوبيا والسودان يفران من تهديدات الداخل بالمواجهة عبر الحدود

ويقول الناشط السياسي، عضو حزب المؤتمر السوداني، محمد عبد السلام: "إعادة صلاحيات الاعتقال لجهاز المخابرات العامة هي ردة على أحد أهم مكتسبات الثورة، وعودة لعهود تكميم الأفواه؛ حيث يحتفظ الجهاز بسمعة سيئة خصوصاً وسط الناشطين السياسيين، فقد ظل الجهاز طوال عهد حكومة البشير أداة لإذلال المعارضين والتنكيل بهم".

وتابع لـ"حفريات": "كان من المفترض إعادة هيكلة الجهاز كجزء من استحقاقات الفترة الانتقالية، وإنشاء جهاز الأمن الداخلي، وهذا لم يحدث، وكل الذي حصل هو تغيير الاسم من جهاز الامن والمخابرات الوطني لجهاز المخابرات العامة، وحل هيئة العمليات بالجهاز".

اقرأ أيضاً: ناشطون سودانيون يشخّصون لـ "حفريات" أسباب استمرار الاحتجاجات الشعبية

ولفت إلى أنّ "الإشكال الكبير أنّ جهاز المخابرات هو مؤسسة أيديولوجية بامتياز؛ لأنّ أغلب ضباطه هم كوادر الحركة الاسلامية، وتنظيم المعزول البشير، ومن المتعصبين أيديولوجياً للإخوان، وهم بطبيعة الحال أكثر عداءً للثورة والثوار".

الأمن أم السياسة؟

ورغم تأكيد جهاز المخابرات على احترافيته، وأنّ التغيير لا يقتصر فقط على الاسم، إلا أنّ هناك تشكيكاً كبيراً من معسكر الثورة في طبيعة عمل الجهاز. وجاء في بيان الجهاز تعليقاً على أمر الطوارئ: "أكد المكتب الإعلامي على العمل لترسيخ مبدأ المهنية والاحترافية والقومية، والنأي عن المحاولات للزج بالأجهزة النظامية في أي صراعات جانبية، تشغلها عن أداء مهامها الوطنية للحفاظ على أمننا القومي" موضحاً ألا تهاون "في فرض هيبة الدولة وتطبيق القانون والنيل من مقدرات الوطن".

الناشط عبد السلام: إعادة صلاحيات الاعتقال لجهاز المخابرات العامة ردة على مكتسبات الثورة

وكان مجلس السيادة برئاسة البرهان أقال عدداً من قيادات الجهاز والضباط العاملين فيه، وتم تقديم عدد آخر للمحاكمة في عدّة قضايا، منها قضية مقتل المعلم أحمد أبو الخير في ولاية كسلا، إبان ثورة ديسمبر في العام 2019.

ومن جانب آخر يرى سودانيون أنّ أمن البلاد تضرر كثيراً بحلّ هيئة العمليات داخل الجهاز، ومحاولات إعادة هيكلته خلال الفترة التي كان فيها عبد الله حمدوك على رأس الحكومة.

الناشط السياسي محمد عبد السلام لـ"حفريات": الإشكال الكبير أنّ جهاز المخابرات السوداني مؤسسة أيدلوجية بامتياز؛ لأنّ أغلب ضباطه هم كوادر الحركة الاسلامية المؤيدة للإخوان

وينفي الفريق المتقاعد بالجيش السوداني، المعز العتباني الاتّهامات الموجهة للجهاز، ويقول: "ليست هناك اعتقالات عشوائية، بل بلاغات ترسل للجهاز من منطلقات أمنية مهددة للأمن القومي؛ بلاغات سياسية وإقتصادية وأمنية، وتحوّل كثير من الاعتقالات بعد التحقيق إلى الشرطة لوضع مواد الاتهام".

وشدد على أهمية إعادة صلاحيات الجهاز، وقال لـ"حفريات": "ليس هناك بلد في العالم ليس به جهاز أمن يعمل للوقاية من المهددات وحماية الأمن القومي من الداخل والخارج، ويكون منزوع الصلاحيات التي يكفلها القانون فى القبض والاعتقال والتحقيق، أما الممارسات غير القانونية من تعذيب أو قتل أو احتجاز تعسفي، فهي مرفوضة بالقطع في كل مكان".

اقرأ أيضاً: هل تدفع أجواء "عدم الثقة" الحل السياسي في السودان؟

وسجلت جمعيات حقوقية تزايد أعداد المعتقلين على يد جهاز المخابرات العامة منذ إعادة صلاحياته بنهاية العام الماضي. واتّهمت الجمعيات الجهاز بإخفاء المعتقلين، وعدم إبلاغ ذويهم ومحاميهم بمكان الاعتقال، وكذلك عدم اتباع الإجراءات القانونية في الضبط والعرض على النيابة العامة.

الفريق العتباني: ليست هناك اعتقالات عشوائية

وتعود شهرة أميرة عثمان في العمل النسوي إلى العام 2013، حين ألقت الشرطة القبض عليها بتهمة الإخلال بالأخلاق والآداب العامة، بسبب دخولها أحد المكاتب الحكومية دون ارتداء غطاء الرأس، وجرى عرضها على النيابة العامة، وأثارت قضيتها جدلاً كبيراً، وكانت أحد أبرز المحطات في العمل النسوي في السودان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية