اشتباكات السودان تُنذر بكارثة إنسانية.. ما الجديد؟

اشتباكات السودان تُنذر بكارثة إنسانية.. ما الجديد؟

اشتباكات السودان تُنذر بكارثة إنسانية.. ما الجديد؟


24/04/2023

"فإنّ النار بالعيدان تُذكى * وإنّ الحربَ أولها  كلام"، قالها شاعر عربي قديم، وها هي تمثُلاتها تُرى بوضوح في الحرب الدائرة في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، حيث بدأت المعارك الضارية بحرب كلامية بين قائدي القوتين قبل أسابيع من خروج أول طلقة من فوهة بندقية ما، أحالت الخلاف البسيط بين عبد الفتّاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) حول آلية ومواقيت دمج قوات الدعم السريع في المؤسسة العسكرية (الجيش) إلى جحيم لا يُطاق ولا قبل لسكان العاصمة السودانية به؛ مُنذ أن أسسها  "عثمان جركس باشا البرنجي" حكمدار السودان في عهد الخديوي محمد علي باشا، عام 1824.

الآن، ما يزال نحو 10 ملايين نسمة محاصرون تحت زخات الرصاص ودويّ المدافع وأزيز الطائرات في مدن العاصمة السودانية الثلاث (الخرطوم، بحري، وأم درمان)، لليوم العاشر على التوالي، بدون ملاجئ مهيأة ولا مخزون غذائي كافٍ ولا ماء ولا وقود، فيما يعانون في الحصول على الإمدادات اليومية من المتاجر ويعرّضون أنفسهم للموت حين يضطرون إلى الخروج للحصول على احتياجاتهم الأساسية منها.  

جوع قديم مُتجدّد 

كان ثلث سكان السودان يعانون من انعدام الأمن الغذائي قبل وقوع النزاع، ويتوقع أن يزداد الوضع سوءاً في كل أنحاء البلاد، حيث من المحتمل بحسب برنامج الأغذية العالمي الذي أُضطر إلى وقف مؤقت لعمليات توزيع المساعدات الغذائية والمساعدات النقدية؛ أن يؤدي انفجار العنف في السودان إلى إغراق ملايين آخرين في الجوع. 

الصحة السودانية: 32 مستشفى تعادل ثلثي مستشفيات الخرطوم أصبحت خارج الخدمة، نتيجة للقصف العشوائي أو الإخلاء القسري، وأنّ المستشفيات التي ما زالت قيد الخدمة، ربما  ستكون مهددة بالإغلاق هي الأخرى

وما يزال القتال مُستمراً بضراوة في العاصمة الخرطوم ومُدن سودانية أُخرى، حيث فشلت جميع مساعي التهدئة وخرقت الهدنة الإنسانية التي وافق عليها الطرفان عدة مرات، ولا توجد مؤشرات حتى الآن على أنّ أياً من الطرفين المتحاربين يستطيع تحقيق نصر سريع أو أنه مستعد للتراجع والقبول بمفاوضات تُنهي الأزمة وتُعيد الأوضاع إلى طبيعتها.

ما يزال القتال مُستمراً بضراوة في العاصمة الخرطوم ومُدن سودانية أُخرى، حيث فشلت جميع مساعي التهدئة وخرقت الهدنة الإنسانية التي وافق عليها الطرفان عدة مرات

عواقب وخيمة 

ومنذ 15 نيسان (إبريل) الجاري؛ تاريخ بدء الحرب، وحتى دخولها اليوم العاشر بحلول اليوم الإثنين 24 نيسان (إبريل)، تفاقمت معاناة المدنيين وتدهور الأوضاع الإنسانية الهشة أساساً إلى الحضيض بسرعة كبيرة؛ حيث حوصر السُكان في منازلهم تحت وابل القذائف والرصاص وأصبحوا ينتظرون التوصل لحل النزاع بسرعة، فيما عجز موظفو الرعاية الصحية والإغاثة والعمل الإنساني من الاستمرار في أداء مهامهم وخرجت العديد من المستشفيات ومحلات البقالة والصيدليات ومراكز الرعاية الصحية ونقاط التموين عن الخدمة، ما ينذر بعواقب وخيمة في القريب العاجل. 

وفي السياق، قالت وزارة الصحة السودانية في بيان إنّ النظام الصّحي في العاصمة الخرطوم؛ مهدد بالانهيار التام، فيما أكدت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، السبت، أنّ 32 مستشفى تعادل ثلثي مستشفيات الخرطوم أصبحت خارج الخدمة، نتيجة للقصف العشوائي أو الإخلاء القسري، وأنّ المستشفيات التي ما زالت قيد الخدمة، ربما  ستكون مهددة بالإغلاق هي الأخرى؛ بسبب نقص الكوادر والإمدادات، وأنّ عملها أصبح مُقتصراً على تقديم الإسعافات الأولية.

سيارات إسعاف تابعة للهلال الأحمر السوداني تعرضت للاعتداء، ومعظم المنظمات الإنسانية اُضطرّت إلى تعليق أعمالها بسبب الاشتباكات

وقال أحمد عباس، منسق نقابة الأطباء السودانية، في تصريحات صحفية، الأربعاء، إنّ 5 فقط من أصل 59 مستشفى في الخرطوم ما تزال مع احتدام القتال في العاصمة، بينما أكّدت نقابة أطباء السودان، أمس، في تغريدة على تويتر مقتل 264 مدني وإصابة 1543 منذ بدء المعارك، وأضافت  ضمن تقرير لها نشرته على صفحتها الرسمية بفيسبوك أنّ 72% من أصل 79 مستشفى متاخماً لمناطق الاشتباك في الخرطوم متوقفة عن الخدمة، فيما توقف 57 مستشفى عن الخدمة في المدن الأخرى خارج العاصمة.

أدت الاشتباكات الأخيرة إلى تفاقم معاناة المدنيين وتدهور الأوضاع الإنسانية الهشة أساساً إلى الحضيض بسرعة كبيرة

وأضافت النقابة أنّ سيارات إسعاف تابعة للهلال الأحمر السوداني تعرضت للاعتداء وأن معظم المنظمات الإنسانية اُضطرّت إلى تعليق أعمالها بسبب الاشتباكات. 

عرقلة وصول المساعدات 

وفي سياق ذي صلة، حذّر  كيرت تيوسيم، نائب الرئيس الإقليمي لمنطقة شرق أفريقيا في "لجنة الإنقاذ الدولية"، خلال تصريحات صحفية من أنّ النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يعرقلان عمليات إيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، فيما دعت ودعت منظمة أطباء بلا حدود إلى فتح ممرات آمنة لتمكين إيصال المستلزمات الطبية والدواء، قالت منظمة "أنقذوا الأطفال"، إنّ سيارات ومُبردات وإمدادات طبية تابعة لها سُرِقَت أو نُهِبَت مع احتدام القتال، وأن أكثر من ثلث السكان، بمن فيهم اللاجئون من دول مجاورة، يعانون من الانعدام الحاد للأمن الغذائي، خصوصاً بعد فشل الطرفين المتنازعين في الالتزام بالهدنة التي وافقا عليها ولكن سرعان ما تراجعا عنها، ما دفع جزء من سكان العاصمة الذين تيسرت لهم السُبل من الهروب عنها إلى مدن أخرى أكثر أمناً.

أشخاص في السودان يفرون من القتال

وفي هذا الصدد، أعلنت العديد من السفارات الأجنبية إلى الخرطوم نيّتها إجلاء مواطنيها بأسرع ما يُمكن، حيث أعلنت وزارة الخارجية السعودية، الجمعة، بدء وصول رعاياها ورعايا دول أخرى صديقة؛ بحراً إلى ميناء مدينة جدة بعد أن تم إجلاؤهم عن الخرطوم براً إلى مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، ويتوقع أن ترسل دول غربية وشرقية طائرات خاصة لإجلاء مواطنيها من قواعدها العسكرية في دولة جيبوتي في القرن الأفريقي، الأمر الذي اعتبره مراقبون مؤشراً خطيراً ونذيراً بعدم توقع انتهاء الحرب في المدى المنظور واستعصاء إقناع الطرفين بالجلوس إلى طاولة حوار والتوصل إلى حل سلمي للأزمة المتفاقمة بينهما.

مواضيع ذات صلة:

"الفاغنر".. هل تشعل موسكو جحيماً في السودان؟

كيف يحاول إخوان السودان توظيف الصراع الراهن لتحقيق مكتسبات سياسية؟

مراقبون سودانيون يتحدثون لـ"حفريات": رفاق الأمس صاروا أعداء اليوم

الصفحة الرئيسية